ويمكن أن يمر أي أحد تعرفه بهذه الحالة؛ إذ يمكن أن يكون ابننا أو صديقنا أو تلميذاً في أحد صفوفك. وفي هذا المقال، سنحاول مساعدتك على فهم أسباب إيذاء النفس، بالإضافة إلى تزويدك ببعض الإرشادات عن إمكانية مساعدة شخص يريد أن يؤذي نفسه؛ فلقد كُتِب هذا المقال مع وضع الآباء والأشقاء والأقارب والأصدقاء والمعلمين في الحسبان.
تعريف سلوك إيذاء النفس:
يمكن أن يعني إيذاء النفس أشياء مختلفة لكل شخص، ويمكن أن يتخذ أشكالاً عدة؛ ولكنَّ الشائع جداً هو تناول جرعات زائدة من الأدوية وإيذاء النفس من خلال الأذى الجسدي. ولا تشمل الاستهلاك المفرط للكحول أو العقاقير أو طَعن الجسم أو اضطرابات الأكل.
يجد بعض الباحثون والأطباء أنَّه من المفيد فصل إيذاء النفس إلى: محاولات الانتحار؛ إذ ينوي الشخص إنهاء حياته، و"إيذاء النفس غير الانتحاري" (NSSI)؛ وذلك لأنَّ هناك دليلاً على أنَّ الدوافع المتناقضة وراء الاثنين تؤدي إلى اختلافات في الخطورة والتكرار والطريقة.
ومع ذلك، يسلط آخرون الضوء على أنَّ الدوافع المسببة لأي من السلوكين معقدة، وغالباً ما تكون متداخلة، ويمكن أن يكون من الصعب فصلها. وفي هذا المقال، عندما نتحدث عن إيذاء النفس، فإنَّنا نشير إلى أي فعل يضر بالنفس، بصرف النظر عن دافع أو نية الشخص. بالإضافة إلى التعريف المستعمل من قبل "المعهد الوطني للصحة وجودة الرعاية" (National Institute for Health and Care Excellence) في "المملكة المتحدة" (United Kingdom).
وعندما نشير على وجه التحديد إلى السلوك الانتحاري، فإنَّنا نكون أكثر وضوحاً أنَّ القصد من فعل إيذاء النفس كان انتحارياً. عموماً، مع أنَّه من الصعب تقدير عدد الأشخاص الذين يؤذون أنفسهم بغرض الانتحار بدقة، إلا أنَّه يمكن أن ينطبق هذا على ما يصل إلى 40% من الشباب الذين يؤذون أنفسهم.
يُخفي العديد كمية الأذى الذي ألحقوه بأنفسهم؛ ذلك لأنَّ معظمهم لا يطلبون المساعدة، وفي "المملكة المتحدة" (United Kingdom) وحدها، يُعتقد أنَّ عشرات الآلاف من حالات إيذاء النفس تحدث في المجتمع دون طلب المساعدة من الخدمات الصحية.
ووجد مقال نُشِرَ في عام 2012، أنَّ ما يقرب من 10% من المراهقين يبلغون عن إيذاء أنفسهم بعمر 16 عاماً. ومع ذلك، على عكس الطريقة التي تُصوَّر غالباً في وسائل الإعلام الشعبية، لا يقتصر إيذاء النفس على الشباب؛ إذ تُظهر البيانات الواردة من "إنجلترا"، أنَّ ثمَّة ما لا يقل عن 200 ألف حالة إيذاء نفس من جميع الأعمار تَرِد إلى أقسام الإسعاف كل عام.
في "الولايات المتحدة الأمريكية" (United States of America)، يُعَدُّ التفكير في الانتحار وإيذاء النفس من أهم 10 أسباب للذهاب إلى أقسام الإسعاف. وللأسف، هناك دليل على أنَّ إيذاء النفس آخذ بالازدياد، خاصة بين الشباب، مع بعض التقديرات المستندة إلى بيانات "المملكة المتحدة" التي تشير إلى أنَّه ارتفع بنسبة تصل إلى 70% لدى الأطفال والمراهقين بين عامي 2001 و2014.
لحسن الحظ، نادراً ما يحدث الأذى قبل سن البلوغ، ومن المطمئن أنَّ الأغلبية العظمى من الشباب سيتوقفون عن إيذاء أنفسهم بحلول منتصف العشرينيات من عمرهم.
أسباب سلوك إيذاء النفس:
في العقدين الماضيين، طوَّر خبراء الصحة العقلية طرائق جديدة لفهم إيذاء النفس والسلوك الانتحاري. يركز بعضهم على ما يسمى "التفسيرات الوظيفية" لإيذاء الذات، وحاول بعضهم الآخر اكتشاف فوائد إيذاء النفس والعقبات التي تَحول دونه، وخاصة في حالة إيذاء النفس دون وجود لأي نية انتحارية.
على سبيل المثال: بالنسبة إلى بعض الناس، يُعَدُّ إيذاء النفس وسيلة للتغلب على الألم الذي لا يطاق؛ إذ يبررون الألم الجسدي الذاتي على أنَّه وسيلة لتنظيم آلامهم العاطفية. ويمكن أن يحدث هذا التنظيم من خلال أحد أنظمة تخفيف الألم في الجسم، التي تسمى نظام المواد الأفيونية الذاتية.
في الواقع، يقول بعض الشباب إنَّهم يكافحون من أجل التوقف عن إيذاء أنفسهم؛ ذلك لأنَّه يبدو كأنَّه طريقة فعالة للسيطرة على المشاعر الصعبة. وهناك أيضاً دليل على أنَّ بعض الأشخاص يستعملون إيذاء النفس بوصفها وسيلة لمعاقبة أنفسهم على أفكارهم أو أفعالهم أو لعدم الارتقاء إلى مستوى يظنون أنَّ الآخرين يتوقعون منهم الارتقاء إليه.
وفي الآونة الأخيرة، تحوَّل الاهتمام إلى تحديد العوامل المرتبطة بظهور أفكار إيذاء النفس أو الانتحار، التي تختلف عن تلك المرتبطة بتنفيذ فعل إيذاء النفس أو السلوك الانتحاري. أظهر هذا البحث أنَّه إذا كان شخص ما يشعر بالضيق أو لديه أفكار لإيذاء نفسه، فمن المرجح أن يؤذي نفسه إذا كان بطبيعته مندفعاً، أو يعرف شخصاً آخر أذى نفسه، أو لديه إمكانية الوصول إلى بعض وسائل إيذاء النفس ويحدد خطة لتنفيذها.
الخرافات الشائعة عن سلوك إيذاء النفس:
هناك العديد من الخرافات الشائعة وغير المفيدة عن إيذاء النفس، التي يمكن أن تؤدي إلى الشعور بالعار، وتساهم في عدم رغبة الناس في طلب المساعدة في محنتهم:
- لا ينبغي عدم الاعتراف بإيذاء النفس لأنَّه سعي وراء الاهتمام؛ بل إنَّه من الأدق بكثير التفكير فيه على أنَّه يحتاج إلى الاهتمام. وأيضاً، في الحالات جميعها تقريباً، يكون إيذاء الذات مدفوعاً بالرغبة في السيطرة على الألم العقلي القوي، بصرف النظر عما إذا كان الشخص انتحارياً أم لا. فإذا سمعت شخصاً ما يقول إنَّ إيذاء النفس هو بهدف السعي وراء الاهتمام، فاطلب منه تخيُّل مقدار الضيق الذي يعاني منه الشخص لإلحاق الأذى بنفسه كطريقة للتعامل مع هذا الضيق.
- سؤال شخص ما عن إيذاء نفسه أو الانتحار لا يغرس الفكرة في رأسه؛ بل قد يكون بداية محادثة هامة للحصول على المساعدة والدعم الذي يحتاج إليه. وبعض الأشخاص الذين يؤذون أنفسهم هم في محنة، ويشعرون بتدنِّي قيمة الذات، ويعتقدون أنَّ الآخرين لن يهتموا بما إذا كانوا قد عاشوا أو ماتوا. وقد يشعرون أيضاً بالخجل من أفكارهم أو أفعال إيذاء النفس؛ ولذلك يمكن أن يكون رائعاً جداً إذا قضيت أنت أو أي شخص آخر الوقت الكافي لملاحظة أنَّه قد يكون يعاني. كما أنَّه ينقل إحساساً بالتواصل البشري، هذا قد يساعده على اجتياز فترة صعبة.
- مع أنَّ إيذاء النفس والسلوك الانتحاري - بصرف النظر عن الدوافع - أكثر شيوعاً بين النساء والفتيات، فإنَّ العديد من الفتيان والرجال يؤذون أنفسهم أيضاً. ويموت الرجال أكثر من النساء بسبب الانتحار. وفي الواقع، في "المملكة المتحدة"، ثلاثة أرباع الوفيات الناجمة عن الانتحار هي من الرجال، وفي كل بلد ومنطقة في العالم تقريباً، يفوق عدد حالات انتحار الذكور، عدد الإناث.
- آخر خرافة تقول إنَّ شدة إيذاء النفس مرتبطة بمقدار الضيق أو درجة النية الانتحارية، إذا كانت هذه النية موجودة أصلاً. فلا ينبغي أبداً أن يكون مستوى الأذى الحاصل للفرد معياراً لاتخاذ قرار بشأن العلاج أو الدعم، ولا ينبغي استعماله كعلامة على خطر الانتحار.
فعندما تواجه إيذاء النفس لأول مرة، قد يكون الأمر محيراً ويصعب فهمه. وبالمثل، إذا كنت في خضم أزمة، فقد تواجه صعوبة في فهم مشاعرك وأفكارك المشوشة والمتناقضة. ومع ذلك، من الهام إدراك أنَّ إيذاء النفس نادراً ما يكون مدفوعاً بعامل واحد.
إنَّه دائماً مؤشر على الضيق الحاصل بسبب العديد من الدوافع المحتملة المختلفة؛ فبالنسبة إلى بعض الأشخاص هو وسيلة للتأقلم، بينما بالنسبة إلى الآخرين قد يكون مدفوعاً بالسعي إلى إنهاء آلامهم عن طريق الانتحار. وحقيقة أنَّك تقرأ هذا المقال هي خطوة إيجابية؛ فالدعم من الأصدقاء والعائلة يمكن أن يكون وقائياً ومفيداً في منع إيذاء النفس.
وتذكَّر: إذا كنت قلقاً من عدم قدرتك على الحفاظ على سلامتك، أو أنَّ شخصاً ما تعرفه قد لا يكون آمناً، فلا تتردد في الاتصال باختصاصي صحي مثل طبيب عام أو خدمات الطوارئ.
ما الذي يجب القيام به؟
قالت "إيما" (Emma)، البالغة من العمر 17 عاماً: "لقد شعرت بالغباء حقاً، كنت أفكر، لماذا فعلت ذلك؟ لقد شعرت بالسخافة حقاً، وقلت لنفسي: لقد فعلتِ شيئاً تعرفين أنَّه سيترك أثراً لفترة طويلة، ولم يجعلني أشعر بتحسن تجاه نفسي على الإطلاق، ولكن بعد ذلك واصلت القيام بذلك".
تعرَّف عوامل الخطر:
إذا كنت معلماً أو والداً أو صديقاً أو قريباً مهتماً، فإنَّ نقطة البداية المفيدة هي أن تكون على دراية بالعوامل التي يمكن أن تزيد من احتمالية إيذاء شخص ما نفسه حتى يكون لديك إحساس بمَن قد يكون عرضة للخطر. وفيما يأتي نظرة عامة على عوامل الخطر الرئيسة:
- الشعور بالهزيمة واليأس والرفض والعار والخسارة.
- الشعور بالثقل على الآخرين، والحاجة إلى معاقبة الذات أو الرغبة في الهروب من المشاعر غير السارة.
- الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية أو الانفصال الاجتماعي.
- المرض العقلي، بما في ذلك الاكتئاب والقلق واضطراب الشخصيّة الحدّي واضطرابات الأكل.
- ضغوطات الحياة، بما في ذلك المشكلات في العلاقات، والمعاناة سابقاً من الصدمة والتنمر.
- مشكلات المخدرات أو الكحول.
- وجود تاريخ عائلي من مشكلات الصحة العقلية.
- استعمال وسائل التواصل الاجتماعي المثير للمشكلات، وخاصة التنمر عبر الإنترنت.
- الكمال غير الصحي الذي يعتمد على الرغبة في تلبية توقعات الآخرين.
- الطبيعة المتهورة.
- المرور بتجربة إيذاء النفس أو انتحار أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء.
يؤكِّد العديد من الأشخاص الذين يؤذون أنفسهم أنَّهم شعروا بالإرهاق والضيق والهزيمة واليأس والرفض. وقد تكون هذه المشاعر ناتجة عن الشعور بالانفصال الاجتماعي أو بسبب مشكلات الصحة العقلية، مثل الاكتئاب أو القلق.
غالباً ما يحدث إيذاء النفس بسبب ضغوطات الحياة، وهو أكثر شيوعاً بين الأشخاص الذين عانوا من الصدمة في وقت مبكر من الحياة. فبالنسبة إلى الشباب، فإنَّ تجربة التعرض للتنمر، بما في ذلك التنمر عبر الإنترنت، هي عامل خطر هام آخر يجب أن تكون على دراية به.
وكثير من الأشخاص الذين يؤذون أنفسهم يتصارعون أيضاً مع السعي إلى الكمال غير الصحي؛ فهم يميلون إلى الانشغال بنظرة الآخرين عنهم، ويقضون حياتهم وهم يشعرون بأنَّهم خذلوا الآخرين؛ لذا إذا كان شخص ما يتحدث عن الكفاح من أجل تلبية توقعات الآخرين أو التحدث عن كونه عبئاً، فيجب السؤال عن حاله والاهتمام به.
البحث عن العلامات والتغيرات السلوكية:
نظراً لتعقيد عوامل خطر إيذاء النفس وكيف يمكن أن تتغير مع مرور الوقت، من المفيد أيضاً معرفة العلامات السلوكية الملموسة التي يجب عليك البحث عنها إذا كنت قلقاً بشأن شخص ما تعرفه. وأفضل مكان للبدء هو الانتباه جيداً للتغيرات، خاصة في الحالة المزاجية. وخاصة إذا كان الشخص يبدو حزيناً ومكتئباً أكثر من المعتاد أو يتصرف بتهور واندفاع أكثر من المعتاد، فقد تكون هذه كلها علامات إنذار مبكر.
وقد تكون هذه التغيرات مصحوبة بالانسحاب من النشاطات المعتادة والعزلة الاجتماعية، وهذا يسلط الضوء على أهمية دعم شخص ما بدلاً من انتظاره ليطلب الدعم. فقد يشير الشخص الذي يرتدي أكماماً طويلة في الطقس الدافئ أو الذي يشعر بالقلق من إظهار ذراعيه في الأماكن العامة، مثل عدم الرغبة في الذهاب للسباحة، إلى أنَّه منخرط في إيذاء النفس.
وقد يزيد الشخص الذي يعاني من ضائقة عاطفية شديدة زيادة ملحوظة من استعمال المهدئات. وعلى العكس من ذلك، إذا كان هنالك شخص ما تعرفه يشعر بالإحباط في الفترة الأخيرة وتعافى بشكل غير مفهوم، فمن المفيد أيضاً التحقق منه. والقلق هنا لأنَّه قرر الانتحار كحلٍّ لألمه العقلي؛ ونتيجة لذلك، تحسن مزاجه مؤقتاً.
وبالطبع، من الممكن أيضاً أن يكون كل شيء على ما يرام: ربما تراجعت أزمته أو تلقى المساعدة أو الدعم الذي يحتاج إليه. ومع ذلك، فإنَّ رسالتنا الرئيسة هي أنَّه من المفيد دائماً التحقق من شخص ما وسؤاله عما إذا كان على ما يرام.
ومن الهام أن ندرك أنَّ المخاطر التي ينطوي عليها إيذاء النفس يمكن أن تتغير مع مرور الوقت. فبالنسبة إلى بعض الأشخاص، قد يساعد إيذاء النفس على الشعور بالتحسن، على الأقل في البداية، ولكن مع مرور الوقت يمكن أن يختفي هذا التأثير ويُستبدَل بمشاعر اليأس والأعباء والأفكار الانتحارية.
الشيء الأكثر أماناً هو عدم وضع افتراضات عما يحدث لشخص يؤذي نفسه؛ فالاستماع بعناية وعدم إصدار الأحكام أمر هام جداً. ومن الأفضل دائماً السؤال بدلاً من الافتراض. ومن الهام أيضاً أن تأخذ حديث الناس على محمل الجد.
وبالنظر إلى القلق بشأن الشعور بالعبء على الآخرين، فإنَّ عدم الانتماء أو الشعور بالضيق والهزيمة واليأس يمكن أن يكون نذيراً لأفكار انتحارية، فاحرص على سماع أي كلام من هذا القبيل، وكن مستعداً للسؤال عما يشعر به شخص ما.
على سبيل المثال: يمكن أن تكون مشكلات العلاقات نقطة تحوُّل هامة في إيذاء النفس؛ لذلك من الهام أيضاً أن تستمع للحديث عن الضغوطات والتوترات في العلاقات، خاصةً إذا استمرت مع مرور الوقت.
وإذا تحدَّث إليك شخص تعرفه عن وجود أفكار عن إيذاء النفس أو الانتحار، فمن الهام أن تأخذها على محمل الجد. والخرافة الشائعة هي أنَّ الأشخاص الذين يتحدثون عن إيذاء أنفسهم لا يستمرون في إيذاء أنفسهم، وهذا بسهولة، ليس صحيحاً؛ فالحديث عن مثل هذه الأفكار بأمان يمكن أن ينقذ الأرواح ويوفر فرصة ثمينة للتدخل وإنقاذهم.
شاهد بالفيديو: 10 نصائح مهمة لتعيش بإيجابيّة في جميع الأوقات
التواصل معهم والسؤال عما إذا كانوا بخير:
من الهام الاهتمام بأي شخص يثير القلق. فدعنا نوضح قليلاً كيفية القيام بذلك:
- "لا يبدو أنَّك على طبيعتك، هل أنت بخير؟".
- "نعم، أنا بخير".
- "هل أنت بخير حقاً؟ لقد لاحظت أنَّك كنت محبطاً في الفترة الأخيرة".
- "لقد سئمت من كل شيء، وما زلت أحبط الجميع".
هذه بداية محادثة حقيقية أجراها شخص مع صديق كان يعاني من بعض الضغوطات. وفي النهاية، أدت هذه المحادثة إلى مناقشة طويلة عن الصحة العقلية والأفكار الانتحارية لهذا الشخص.
فإذا كنت قلقاً بشأن قيام صديق أو أحد أفراد الأسرة بإيذاء نفسه أو التفكير في الانتحار، فنحن نشجعك على فعل ما فعلناه وسؤاله سؤالاً مباشراً ما إذا كان على ما يرام. وبالطبع، قد يكون من الصعب القيام بذلك، ولكن إذا فعلت ذلك بتعاطف ودون إصدار حكم، فمن غير المرجح أن تتسبب في أي ضرر.
في الواقع، قد يشعر الشخص بالارتياح لأنَّ شخصاً ما لاحظ أنَّه يعاني. فلا تقلل من شأن قوة الإنصات، تذكَّر أنَّه ليس عليك حل مشكلاتهم. ولنفترض أنَّك تسأل سؤالاً محدداً عن إيذاء النفس وكان الجواب "نعم"، حاول ألا ترد بصدمة أو عدم تصديق. وحاول ألا تقلل من معاناة الشخص الآخر، وبدلاً من ذلك، تأكَّد من شعوره واعترف بصعوبة وضعه؛ فبالنسبة إلى العديد من الأشخاص الذين يؤذون أنفسهم، فقد عانوا من الصدمة في وقت مبكر من حياتهم، وهذا قد يعني أنَّهم يجدون صعوبة في الوثوق بالآخرين.
ونتيجة لذلك، قد يكون طلب المساعدة أمراً غريباً بالنسبة إليهم، وقد يمتنعون عن مشاركة ما يمرون به لأنَّ مشاعرهم وعواطفهم ربما لم يُعترَف بها في الماضي. فأي محادثة عطوفة تُجريها مع شخص ضعيف لها القدرة على تمكينه وجعله يشعر بالأمان.
استمع بعطف ودون إصدار أحكام:
قد يبدو الأمر سهلاً للغاية؛ ولكنَّ الاستماع للناس بعطف ودون إصدار أحكام هو السر لدعم شخص قد يؤذي نفسه. كثيراً ما نسمع الأشخاص الذين يؤذون أنفسهم يقولون إنَّ لا أحد كان يستمع لهم؛ لذا انتبه جيداً، وكن متيقظاً إذا كانوا يذكرون الشعور بالضيق أو اليأس أو عدم القدرة على التعامل مع المشاعر أو عدم القدرة على التكيف العام.
ومن أهم النصائح أيضاً هي أن تكون فضولياً وأن تطرح أسئلة مثل "لقد لاحظت أنَّك تبدو محبطاً حقاً، هل كل شيء على ما يرام؟"؛ فطرح أسئلة مفتوحة بهذه الطريقة يمكن أن يشجع على بدء المحادثة، أو جرِّب قول: "منذ متى وأنت تشعر بهذه الطريقة؟"، و"ما هو مقدار سوء الأمور؟".
تجنَّب توجيه الإنذارات النهائية مثل: "إذا كنت تؤذي نفسك، فسأتوقف عن التحدث إليك"، وانتبه إلى مشاعر وأقوال الشخص الآخر، وتذكَّر أنَّه حتى لو لم يكن الشخص الذي تتحدث معه مستعداً للتحدث، فإنَّ معرفة أنَّك على استعداد للاستماع قد يمنحه الأمل الذي يحتاج إلى التمسك به.
تشجيع المساعدة طويلة الأمد:
إنَّه قرار شخصي عن الوقت المناسب لطلب المساعدة الاحترافية، ولكن قد يقول المحترفون إنَّهم كلما حصلوا على المساعدة في وقت مبكر، كانت النتيجة أفضل. فإذا كان هناك شخص أنت قلق بشأنه يتحدث عن الانتحار، فمن الهام أن تسأله عما إذا كان يشعر بالقدرة على الحفاظ على سلامته، واسأل عما إذا كان هناك أي شيء يمكنك القيام به للمساعدة، مثل التواصل مع طبيب متخصص.
وإذا أذوا أنفسهم، فقد ترغب أيضاً في استكشاف ما إذا كان هناك أي إصابات تتطلب عناية طبية. وأيضاً، إذا تناول شخص ما جرعة زائدة، فتذكر أنَّه لا يوجد حد آمن، ويجب طلب العناية الطبية للجرعات الزائدة كحالة طارئة في جميع الحالات.
ومن خلال منظور طويل الأمد، فقد ثبت أنَّ مجموعة من العلاجات من خلال التحدث، مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، و العلاج السلوكي الجدلي (DBT) والعلاج القائم على الذهن، فعالة في الحد من تكرار حالات إيذاء النفس؛ إذ إنَّ كلاً من هذه العلاجات لها تركيز مختلف.
على سبيل المثال: يهدف العلاج السلوكي الجدلي إلى مساعدة الأشخاص على إيجاد التوازن بين تحقيق قبول الصعوبات أو التحديات والحاجة إلى التغيير، بينما يركز العلاج السلوكي المعرفي على معالجة الأفكار والآراء غير المفيدة التي لدى الناس عن أنفسهم والعالم والمستقبل.
ومع ذلك، فإنَّ هذه العلاجات المختلفة كلها لها نقطة النهاية نفسها وهي: مساعدة الناس على التوقف عن إيذاء أنفسهم في المستقبل. وهناك أيضاً دليل على أنَّ التدخلات الأكثر إيجازاً، مثل تخطيط السلامة أو ما نسميه "ورقة المساعدة الإرادية"، يمكن أن تكون فعالة أيضاً لبعض الأشخاص الذين يؤذون أنفسهم.
تدعم هذه التدخلات السهلة الأشخاص للنظر إلى مسببات إيذاء أنفسهم، والتفكير في الاستراتيجيات التي يمكنهم استعمالها للحفاظ على سلامتهم عندما يشعرون بتفاقم الأزمة لديهم.
النقاط الأساسية: كيفية دعم شخص يريد أذية نفسه
1. فهم ما هو إيذاء النفس:
يمكن أن يتخذ أشكالاً مختلفة، ويمكن أن يؤثر في أي شخص، بصرف النظر عن خلفيته.
2. تعرُّف خرافات إيذاء النفس:
إنَّ سؤال شخص ما عما إذا كان يؤذي نفسه لن يغرس الفكرة في ذهنه.
3. التعامل مع إيذاء النفس على محمل الجد:
يؤذي الناس أنفسهم لأسباب ودوافع مختلفة؛ إذ إنَّها دائماً علامة على الضيق ولا ينبغي تجاهلها، والتعامل معها على أساس أنَّها سعي إلى الاهتمام.
4. تعرُّف عوامل الخطر:
وتشمل هذه الشعور بالعجز والصدمة.
5. البحث عن التغيرات السلوكية:
يُعَدُّ التغير المفاجئ في المزاج أو الحديث عن الشعور بالضيق أمثلة عن علامات التحذير المحتملة.
6. التواصل والسؤال عما إذا كانوا بخير:
إذا كنت قلقاً من أنَّ شخصاً ما قد يؤذي نفسه، فلا تخف من التحدث إليه أو سؤاله مباشرة؛ إذ يمكن للمحادثات أن توفر لهم المساعدة التي يحتاجون إليها، ويمكن أن تنقذ الأرواح.
7. الاستماع:
إذا كشف لك شخص ما أنَّه يريد أن يؤذي نفسه، فحاول أن تكون متعاطفاً ولا تحكم على كلامه.
8. تشجيع المساعدة طويلة الأمد:
إذا كنت قلقاً من عدم قدرتك على الحفاظ على سلامتك أو سلامة أي شخص آخر، ففكر في الاتصال باختصاصي رعاية صحية. وإذا كان هنالك مخاطر مباشرة، فلا تخف من الاتصال بخدمات الطوارئ.
المصدر: 1
أضف تعليقاً