مشكلة القادة غير الأكفاء: ماذا علينا أن نفعل حيال ذلك؟

إن أردنا تحسين مستوى كفاءة مَن هم في موقع القيادة، فعلينا في البداية أن نحسِّن من كفاءتنا في تقديرهم واختيارهم، خاصةً إن كان أولئك القادة رجالاً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "توماس كامورو-بريموزيك" (Tomas Chamorro-Premuzic)، والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته في الكفاءة في القيادة.

هل سبق وعملتَ تحت إمرة شخص ليس بالكفاءة التي يظنها؟ لن تفاجئ الإجابة معظمنا، ولكنَّ الإحصاءات تقول إنَّ هؤلاء من المرجح أن يكونوا ذكوراً أكثر من كونهم إناثاً؛ حيث يكون الرجال عادةً أكثر غروراً بمواهبهم من النساء، وهم أكثر عرضةً للنجاح في حياتهم المهنية؛ نظراً لأنَّ أفضل طريقة لخداع الآخرين بأنَّك أفضل هي أن تخدع نفسك أولاً.

أنا عالم نفس مؤسساتي، وأسخِّر العلم والتكنولوجيا لأتوقع وأفهم السلوك البشري في ميدان العمل، وإحدى المجلات التي تثير اهتمامي هي العلاقة بين الجنس والشخصية والقيادة، وبالأخص كيف أنَّ الجنس والشخصية يساهمان في اختيارنا للقادة، وكيف يؤثر أولئك القادة فيما بعد في المؤسسات؛ حيث تركز المناقشات حول الجنس على نقص تمثيل المرأة في القيادة، وهذه المشكلة للأسف عالمية إلى حد كبير.

لكنَّ المشكلة الأكبر هي حقيقة أنَّ معظم القادة غير أكفاء، وفي الواقع، يؤثر القادة سلباً في مرؤوسيهم، سواء في الأعمال أم في السياسة؛ مما يسبب انخفاض مستوى المشاركة، والثقة، والإنتاجية، وارتفاع مستوى التوتر والإرهاق.

ابحث في "غوغل" عن "مديري في العمل" لترى ما يظن معظم الناس بقادتهم - وربما ستحمد الله على أخلاق مديرك في العمل - لأنَّك سترى كلمات مثل: "مجنون"، أو "سيئ المعاملة"، أو "لا يطاق"، أو "مؤذٍ"، وغيرها من كلمات نابية لا مجال لذكرها هنا.

لذا، فالسؤال الرئيس الذي يجب أن يُطرَح هنا هو:

لماذا لم يعد هناك قادة من النساء، ولماذا يصبح العديد من غير الأكفاء قادة؟

يشير بحثي إلى وجود ثلاثة أسباب لذلك:

1. عدم قدرتنا على التمييز بين الثقة والكفاءة:

يميل الناس في مختلف الثقافات والبلدان للافتراض أنَّ الذي يتمتع بالثقة لديه قابلية للقيادة، وفي أي مجال من مجالات المواهب، هناك تداخل ضئيل للغاية بين الثقة؛ أي مقدار ظن الناس بأنَّهم أكفاء في شيء ما، والكفاءة؛ أي مقدار كفاءتهم في شيء ما بالفعل.

شاهد بالفديو: 8 دروس من شأنها أن تجعلك قائداً أفضل

2. انجذابنا للشخصية الكاريزماتية:

وازداد هذا الانجذاب منذ الانتشار الهائل لوسائل الإعلام في الستينيات، كما أنَّ العصر الرقمي الحديث عزَّز منه، ويبدو أنَّنا نريد قادة ذوي شخصيات ساحرة ومرحة، ولكن كما يعلم معظمنا، هناك فرقٌ كبيرٌ بين القائد المحنَّك والممثل الكوميدي، وأفضل القادة متواضعون أكثر من كونهم يتمتعون بالكاريزما، لدرجة تجعلهم مملين.

لهذا السبب نادراً ما يُعرَضون في الأفلام الرائجة، على سبيل المثال: لن تستمتع بفيلمٍ عن سيرة حياة المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" (Angela Merkel)؛ حيث تستيقظ، وتتناول الإفطار مع زوجها، وتذهب إلى الاجتماعات باستعداد، وتسمح للآخرين بالتحدث دون مقاطعتهم، وتتخذ قرارات عقلانية، ولا تتسبب في فضائح، وفي المقابل، هناك فائض من السير الشخصية الآسرة للقادة الكاريزماتيين الجاذبين للجمهور، الذين ينتهي بهم الأمر بجلب بلدانهم ومنظماتهم إلى الخراب.

إقرأ أيضاً: 6 صفات تميز القائد الذي يمتلك الكاريزما

3. عدم قدرتنا على مقاومة سحر الأشخاص النرجسيين:

الذين يكونون ذوي رؤى خيالية غير واقعية تؤثر فينا، ولطالما أُعجِبنا بالمشاهير، ولكنَّ إعجابنا بمَن هم معجبون بأنفسهم لمجرد كونهم من المشاهير ما يزال في ازدياد منذ عقود.

ومعظم النصائح التي تُقدَّم لمساعدة الناس كي يصبحوا قادة تشجع الجانب النرجسي منهم: "أحبَّ نفسك، مهما كان" و"لا تُلقِ بالاً لرأي الآخرين" و"إن كانت فكرتك عن نفسك إيجابية فأنت كذلك"، لكن للأسف، سيخلق هذا فائضاً من القادة غير المدركين لحدودهم والراضين بأنفسهم دون مبرر، فهم يرون القيادة على أنَّها استحقاق ويفتقرون إلى التعاطف وضبط النفس؛ لذلك ينتهي بهم الأمر بالتصرف دون نزاهة والانغماس في مخاطر طائشة.

وفي المقابل يحافظ أفضل القادة على نرجسيتهم تحت السيطرة، فهم يهتمون كثيراً بغيرهم، ويقلقون بشأن سمعتهم، وهذا هو سبب وجود عدد قليل جداً من الفضائح في حياتهم.

إذاً، كيف نمنع وصول أشخاص غير أكفاء إلى مناصب قيادية؟

1. الانتباه للصفات والنظر في الخصال التي تجعل من الناس قادة عظماء:

يوجد تناقض بين الصفات التي تغرينا في القادة وتلك التي يتطلبها القائد الناجح، وإن أردنا تحسين أداء قادتنا، فيجب أن نركز على الخصال المناسبة والصحيحة، بدلاً من الانخداع بالأشخاص الواثقين، والنرجسيين، والكريزماتيين؛ لذا يجب أن ندعم الفرد لكفاءته وتواضعه ونزاهته.

ومن ثمَّ، فإنَّ هذا سيؤدي أيضاً إلى رفع نسبة الإناث في مناصب القيادة؛ حيث تُظهر دراسات علمية واسعة النطاق أنَّ النساء سجَّلن مقياساً أعلى من الرجال في الكفاءة والتواضع والنزاهة، لكنَّ الهام أنَّنا سنساهم في تحسين نوعية قادتنا مساهمة كبيرة.

إقرأ أيضاً: 15 صفة من صفات القادة المتميزين

2. عدم الثقة بحدسنا:

يثق معظمنا بحدسه، إلا أنَّ معظم الناس لا يتمتعون بهذه الهِبة كما يظنون، وفي هذا السياق، فإنَّ الحدس يشبه حس الدعابة؛ حيث يظن الناس معظمهم أنَّهم يمتلكون حسَّ الدعابة، ولكن في الواقع، كم نسبة الذين يستطيعون إضحاكنا منهم؟ لا بد أنَّها نسبة أقل بكثير؛ والمقصد هنا هو التركيز الأقل على الانطباع الذي يخلفه الناس في العمل أو في المقابلات الإعلامية، وهذه دعوة للتخلي عن انحيازاتنا وكبريائنا.

إن كنا نريد تحسين جودة قادتنا ومساعدة المزيد من النساء على الوصول إلى مناصب قيادية، فإنَّ آخر شيء يجب علينا فعله هو خفض معاييرنا عندما نختار النساء؛ ويعني هذا أنَّه لا ينبغي لنا أن نطلب من النساء أن يتصرفن مثل الرجال غير الأكفاء، على سبيل المثال؛ بل نطالبهم بتطوير أنفسهن عندما لا تكون لديهن الموهبة لدعم ذلك أو قضاء المزيد من الوقت في التطوير الذاتي أو تعزيز مصالحهن الشخصية، كما يعني ذلك عدم استبعاد الرجال لأنَّهم يفتقرون إلى السمات الذكورية التقليدية التي تتناسب مع معايير القيادة التي عفا عليها الزمن لدينا.

في الختام:

عندما نتمكَّن من القيام بهذه الأشياء، سيأتي إلينا قادة أفضل، ومع ذلك، فإنَّ التقدُّم يبدأ بكل واحد فينا، فإن أردنا أن يكون لدينا قادة أكثر كفاءة، فعلينا أولاً تحسين كفاءتنا الخاصة في تقدير الأمور واختيار القادة، وبالأخص عندما يكونون ذكوراً.

المصدر




مقالات مرتبطة