فقبل أيامٍ قليلة قام بأمرٍ سيءٍ تماماً، حيث اضطررت إلى الذهاب إليه لأنَّني كنت في حاجةٍ إلى المساعدة في أمرٍ يتعلق بمورِّد كان يتأخر دوماً في تزويدنا بما نحتاج إليه، وقد وصل الموقف أساساً إلى مرحلة حرجة، فذهبت إلى مديري للحصول على بعض المساعدة. وعوضاً عن المساعدة في إعداد خطة للتعامل مع الموقف بشكل أفضل بدء فوراً يصيح مرةً أخرى في وجهي قائلاً أنَّنا نحتاج الآن إلى هذه البضائع التي تُورَّد إلينا أكثر من أي شيءٍ آخر من أجل تحقيق أهدافنا وأنَّني في حاجةٍ إلى "القيام بأي شيء لتحقيق الهدف". ولكنَّ المشكلة كانت هنا – لم يكن لدي أدنى فكرة عن كيفية "القيام بأي شيء لتحقيق الأهداف" وكنت أريد على الأقل أن يساعدني في التوصّل إلى بعض الحلول المُمكنة.
وفي يومٍ آخر حصل موقفٌ جديد، حيث أجبرني المدير على مراسلة مورِّدٍ آخر وأصر على أن أرسل أنا الرسالة الإلكترونية وأملى عليَّ ما سأكتب. لا أستطيع أن أعيد هنا كتابة ما أملاه عليَّ لأنَّ اللغة كانت فظيعةً تماماً، وقد شعرت بالاشمئزاز حينما ضغطت على زر الإرسال، لكنَّ مديري أصرَّ على أن أفعل ذلك. وقد ألحق هذا الضرر بعلاقاتي التي بنيتها ضمن مجال العمل.
لا أدري ما أفعل مع مديري، أنا أكرهه، ولكنَّني أفضِّل التعالي عن مشاعر الكره هذه والقيام بأمرٍ بنَّاء، انصحني ماذا أفعل رجاءً.
تحياتي
موظف مجهول الاسم
من المؤسف جداً أن توضع في موقفٍ تكره فيه مديرك ويمكنني شخصياً تفهُّم الأمر في بعض الأحيان. سلوك مديرك في هذه الحالة ليس مقبولاً، فالصراخ يُعَدُّ إهانةً، والتمتع الشخص بالقوة يجعل المسؤولية ملقاةً على عاتقه.
إنَّ المدير يُسيء استغلال القوّة الممنوحة له وهذا ليس تصرفاً سليماً. وأنت الآن مضطرٌّ إلى اختيار طريقة الرد على هذا الموقف، حيث تستطيع إمَّا أن تكون الضحية وتلقي اللوم على العوامل الخارجية فيما حصل وإمَّا أن تتحمّل مسؤولية التصرفات التي قمت بها وأدت إلى جعلك تكره المدير.
فيمايلي 7 خطواتٍ تساعدك في التعامل مع الحالة بشكلٍ أفضل، وتمكِّنك من أخذ زمام المبادرة، وتجعلك تتغيّر من الداخل.
سأبدأ بالخطوات التي ستساعدك في التعامل مع الحالة بشكلٍ أفضل أثناء العمل أمّا الخطوات الأخيرة ستكون خطواتٍ قاسيةً قليلة ويجب ألَّا تُتَّبع إلَّا إذا أخفقت الخطوات السابقة. فلنبدأ:
1- العثور على الفرصة في هذا الموقف العصيب:
بدايةً أريد أن أعبِّر لك عن تعاطفي الكبير معك، إذ يبدو أنَّك تحب عملك والأشخاص الذين تعمل معهم حقَّاً.
من أسوأ تجارب الحياة أن يكون لدى الشخص مديرٌ يكرهه، فنحن نقضي ثلث حياتنا في العمل ومديرونا يتحكمون بهذا الجزء الكبير من حياتنا.
الفكرة الأولى التي يجب عليك فهمها هي أنَّ وجود مديرٍ تكرهه يُعَدُّ فرصةً كبيرةً لك في الحقيقة. فقد فُرِضَ عليك موقفٌ تحتاج فيه إلى الوقوف والدفاع عن نفسك، وأمامك الآن فرصة التحكم بما يحدث.
ستؤثر طريقة تعاملك مع الموقف تأثيراً كبيراً في رسم معالم شخصيتك وستغرس بذور التغيير فيك لتتصدّى للسلوكات المشينة التي يرتكبها الأشخاص المحيطون بك.
دعنا الآن ننتقل إلى الخطوات الآتية التي سنساعدك من خلالها في الاستعداد للتصرف بشكل مختلف في هذا الموقف.
2- إظهار بعض التعاطف:
تبدو هذه الخطوة بسيطة، ولكنَّ الناس يواجهون غالباً صعوبةً في تنفيذها، إذ إنَّك في حاجةٍ إلى تركيز الاهتمام على إبداء بعض التعاطف مع الوضع الذي يعيشه المدير.
تذكَّر أنَّ معظم المديرين ليسوا أصلاً أشخاصاً سيئين ولديهم غالباً نوايا نبيلة، لكنَّهم يوجهون عبء العمل بطريقةٍ تؤثر تأثيراً سلبياً في الأشخاص المحيطين بهم دون أن يعلموا ذلك.
اطرح على نفسك هذين السؤالين: ما الضغوطات الخارجية التي يتعرض لها المدير؟ وهل يحاول تحقيق أهدافٍ استراتيجية تدفعه إلى التصرف بطريقةٍ عدوانية معك ومع زملائك؟
حينما تتعمق في فهم الحالة قد تجد أنَّ المدير لا يستهدفك بشكلٍ شخصي وقد تكون طريقة تعامله معك من الوظائف المطلوبة منه في سياق عمله. أمَّا إذا كان يستهدفك شخصياً فقد تبدأ بربط طريقة تعامل المدير معك مع ما يحاول تحقيقه على المدى البعيد.
وقد أظهر بحثٌ أجراه مركز (Menninger Clinic) أنَّ إبداء التعاطف يُعَدُّ مهارةً يستطيع أي أحدٍ تعلمها وأنَّ ممارسة التعاطف بشكلٍ مقصود تؤدي إلى جعل التصورات التي نبنيها حول مشاعر الآخرين أكثر دقة.
فكيف تبدأ بممارسة التعاطف؟
الأمر الأهم هو أنَّك لا تحتاج إلى التخطيط مسبقاً لذلك أو إلى تغيير سلوكك تغييراً جذرياً، فالتعاطف ينبع من داخل المرء ويعتمد على فهم سبب تصرف المدير بالطريقة التي يتصرف بها.
اقرأ أيضاً: تعرّف على الأنماط الشخصية لمدراء العمل
3- طلب دعم الزملاء:
الآن وقد بدأت تُظهِر شيئاً من التعاطف هل تغيرت نظرتك إلى ما يحصل في العمل؟
لا على الأرجح.
الخطوة الآتية إذاً هي بدء الحديث مع الآخرين حول تصرّفات المدير حيث ثمَّة غرضان من ذلك:
الغرض الأول أن ترى إذا ما كان الزملاء يعيشون التجربة نفسها التي تعيشها مع المدير، قد يخشى الناس غالباً التعبير عن إحباطهم، ولكن من خلال الاقتراب من الآخرين واطلاعهم على مشاعر الإحباط التي تنتابك ستتيح لهم فرصة الحديث معك بشكلٍ صريح.
الغرض الثاني من الحديث مع الآخرين هو أنَّ ذلك سيمنحك حلفاء أقوياء وهذا سيساعدك في تنفيذ الخطوات التي سنتحدث عنها لاحقاً في هذا المقال.
وأخيراً ثمَّة ملاحظة سريعة وهي أنَّه من المهم أن تبدأ الحديث مع الزملاء بأسلوبٍ رقيق، والسبب في ذلك أنَّه ليس من مصلحتك أن تبدو عدوانياً جداً وبذلك يُبْقي تركيز الاهتمام على سلوك المدير عوضاً عن سلوكك.
فإذا تعاملت مع الزملاء بغضبٍ أو بعدوانية ربما تجعلهم العواقب غير المحسوبة يقفون ضدك، وأنت قطعاً لا تريد ذلك.
أمَّا من خلال طرح أسئلة تسلط الضوء مباشرةً على المدير فستعرف بما يفكر الزملاء حقاً، فاذكر أمثلة دقيقة تتحدّث عن طريقة تصرف المدير، واطرح على الزملاء أسئلة مفتوحة بحيث تكون لديهم فرصة تقديم إجابات غير متوقعة ربما.
4- التعامل بدبلوماسيةٍ مع المدير:
إذا كنت محظوظاً ستكون الخطوات الثلاث الأولى كافيةً لجعل وضع العمل أفضل، فقد تغيّر سلوكك فعلاً وأصبحت ترى فرصةً في تعامل المدير السيء معك، ومارست التعاطف، وتعلمت مهارات ثمينةً يمكن تسخيرها في أكثر من موقف في العمل والحياة، وبنيت علاقاتٍ أفضل مع زملاء العمل، وربما تحسن الوضع تماماً في العمل.
إذا لم يكن الحال كذلك فقد حان الآن وقت مواجهة المدير بتصرفاته. حيث حصل ذلك معي في العمل في كثيرٍ من الأحيان ولكنَّني تعاملت مع الوضع بطريقةٍ لا أنصحك باتباعها. فقد كنت مستشاراً إدارياً في أعمل في مواقع التنقيب عن المعادن حول العالم، وكان لدي في أحد المشاريع التي كنت أعمل فيها في مدينة "فوركوتا" في روسيا مديرٌ فظيع كان يقلل دوماً من شأني.
لقد واجهته أمام الجميع فقد كان لدي وجهة نظر يجب عليَّ أن أؤكد صحتها وأردت أن أريه أنَّني لست شخصاً يمكن إخضاعه للتنمُّر.
لم تسر الأمور بشكلٍ جيد، فقد تصرف المدير بشكلٍ سلبي وأراد أن يُظهر قوَّته أمام أعضاء الفريق الآخرين.
أتمنى لو أنَّني واجهت مديري بطريقةٍ دبلوماسية عوضاً عن ذلك: أتمنى لو أنَّني رتَّبت اجتماعاً مع المدير لمناقشة بعض المشاكل التي كنت أواجها، حيث كنت سأبدأ الاجتماع باستعراض أجزاء العمل التي تسير بشكلٍ جيد، ومن ثمَّ سأبيِّن له بوضوحٍ الأمور التي تثير إحباطي.
وعوضاً عن الهجوم بشكلٍ شخصيٍّ على المدير أوَّد لو أنَّني تحدثت معه عن الأهداف الاستراتيجية التي يخطط لتحقيقها، إذ كنت أستطيع في موقع التنقيب عن المعادن على سبيل المثال أن أبدأ بالإشارة إلى أنَّني أعلم أنَّنا نحاول إعداد بنية تنظيمية جديدة لزيادة الإنتاج ثم أوضِّح له كيف أنَّني سأكون عضو فريقٍ أكثر فعاليةً بكثيرٍ إذا توقف المدير عن التقليل من شأني باستمرار، ومن ثمَّ سأركز الاهتمام على أوجه الظلم التي أشعر بها.
من خلال ربط المشاكل التي أعانيها مع المدير بالأهداف الاستراتيجية العامة التي نحاول تحقيقها أنا أتحدث بلغةٍ يفهمها المدير الذي سيكون أكثر تفهُّماً للتحديات التي أواجها ولن يَعُدَّ ذلك إهانةً شخصية. سيمنحني هذا على الأرجح مكان عملٍ وعلاقةً أفضل مع المدير، لذلك أنا أنصحك أن تواجه مديرك ولكن أن تفعل ذلك بأسلوبٍ دبلوماسي.
اقرأ أيضاً: التعامل مع صعوبات بيئة العمل وأشهر أنواع مدراء العمل
5- تقليل التواصل مع المدير إلى الحد الأدنى وترتيب خطة لترك العمل:
لقد واجهْت مديرك ومنحته فرصةً لتغيير سلوكه، وقد فعلت ذلك بطريقة مدروسة أبديت من خلالها تفهمك للأهداف التي يحاول المدير تحقيقها، فماذا كانت النتيجة؟ ربما بدأ المدير يغير سلوكه، إذا كان الحال كذلك يجب عليك أن تهنئ نفسك فقد تحملت مسؤولية جانب أساسي من جوانب حياتك وأثَّرت في الأشخاص المحيطين بك بطريقةٍ إيجابية.
ولكن ماذا لو لم تؤدي الخطوة السابقة إلى تغير سلوك المدير؟
تحتاج الآن إلى تقليل التواصل مع المدير إلى أدنى حد ممكن وإعداد خطة للخروج من الشركة. حيث يُعَدُّ القيام بهذه الخطوة أمراً أساسياً قبل الانتقال إلى الخطوتين 6 و7 اللتين تُعَدَّان عمليتين أكثر.
لقد حان الآن الوقت لإعداد خطة بديلة للخروج من الموقف السيء، إذ يقول الواقع أنَّك لا تستطيع السيطرة على سلوكات الأشخاص المحيطين بك فثمَّة حولنا مديرون سيئون، وأنَّه لا يمكنك أيضاً أن تتحمل البقاء في وضعٍ تعيس فعملك ينعكس على الإبداع الموجود داخلك.
إنَّ وجود مديرٍ سيء ليس ذنبك ولكنَّ البقاء مع المدير السيء هو ذنبك.
يجب عليك الآن البدء بإعداد سيرتك الذاتية، والتواصل مع الجهات التي تطلب موظفين في مجال عملك، وإخبار الآخرين أنَّك تبحث عن فرصة عملٍ في مكانٍ آخر.
استمتع بما تفعل فمصيرك الآن في يدك.
بالنسبة لي بدأت التقدُّم لبرامج الدكتوراه بينما كنت أعمل في موقع التنقيب عن المعادن، وأتذكر بوضوحٍ الطلب الذي أرسلته إلى جامعة "إراسموس موندوس" للحصول على منحة في مجال الاقتصاد السياسي العالمي حينما كنت في روسيا وكيف قُبلت في البرنامج في نهاية المطاف.
كان لا زال يجب عليَّ أن أحتمل مديري شهراً واحداً إضافياً فتواريت عن الأنظار وبذلت أقصى ما في وسعي لأساعد الفريق في تحقيق أهدافه. وبعد شهرٍ غادرت الموقع.
يجب عليك أن تفعل الشيء نفسه وتبحث عن فرصٍ خارج المنظمة التي تعمل فيها حالياً، إذ سيمنحك هذا شعوراً بالأمان ستحتاج إليه لتنفيذ الخطوة الآتية.
6- التخطيط للتمرد:
هنا تبدأ التسلية، فأنت الآن مختلفٌ فعلاً عمَّا كنت حينما بدأت الخطوة الأولى. أنت الآن قادرٌ على إظهار التعاطف، وقد حاولت مساعدة المدير في تصحيح سلوكه، وجعلت أعضاء الفريق يقفون إلى جانبك، وبنيت علاقاتٍ أفضل معهم، وأعددت خطةً بديلة تتضمَّن فرصاً خارج المكان الذي تعمل فيه حالياً.
ولكنَّك ذكرت في الأعلى أنَّك تحب عملك وتنظر بعين التقدير إلى المنتجات التي يقدمها، لذلك سيكون عاراً على هذا المدير السيء أن يستمر في إثارة الخلافات في الشركة، وأنت الآن في حاجةٍ إلى التخطيط للتمرد عليه والقيام بثورةٍ ضده.
تأكَّد من أنَّك وثَّقت أمثلةً متنوعة وأنواعاً مختلفة من السلوكات المتنمرة التي يمارسها مديرك، وابحث عن موظفين آخرين رأوا ما حصل لك ويستطيعون التأكيد على أنَّ ذلك حصل معهم أيضاً. وكلما زاد عدد الأشخاص الذين يدعمون شكاويك كان ذلك أفضل.
وأخيراً فكر في تأثير المدير السيء في أرباح المنظمة واجمع بعض الملاحظات السريعة حول ما سيحدث إذا غادرت أنت والآخرون المنظمة.
لديك الآن خياران فيما يتعلق بالجهة التي ستعرض عليها المشكلات التي تواجها مع مديرك: تستطيع إمَّا التواصل مع قسم الموارد البشرية وتوضيح الطرائق التي ينتهك المدير من خلالها القوانين والتشريعات المُتَّبعة حالياً في الشركة وإمَّا عرض شكاويك على مدير مديرك.
أنا أنصح غالباً بالتواصل مع مدير المدير إذ إنَّني وجدت من تجربتي أنَّ قسم الموارد البشرية لا يمتلك من النفوذ ما يكفي للتأثير في سلوك مسؤولي الإدارة العليا في المنظمة. ولكنَّ وضعك قد يكون مختلفاً فأنت تعرف ما هو الأفضل بالنسبة إليك. قد يكون التواصل مع مدير المدير مخيفاً قليلاً ولكن ستكون فرصة إحداث تغيير داخل المنظمة أكبر معه.
7- المغادرة:
لقد خُضْتَ رحلةً طويلة مع هذه الخطوات التي كانت بالنسبة لي فرصةً لإعادة بث الحياة في خبرتي المهنية.
أنا أحييك إذا كنت قد نفذت الخطوات الست المذكورة في الأعلى لأنَّك تتحلى بكثيرٍ من الشجاعة وتتصدى لحالات التنمر التي تتعرض لها في حياتك.
ما الذي يحصل إذا لم ينجح التمرد؟
النصيحة في هذه الحالة هي نفسها التي تُقدَّم في حال نجح التمرد، فقد حان على الأرجح وقت مغادرة المنظمة. وأنت الآن تمتلك خبرةً كبيرة في التعامل مع النزاعات التي تنشب في مكان العمل فقد تعاملت مع هذا النزاع بشكلٍ بنَّاء وتعلمت العديد من المهارات خلال ذلك. أنت الآن شخصٌ أقوى بكثير.
اقرأ أيضاً: 7 علامات تدل على ضرورة ترك عملك والبحث عن عمل جديد
لكنَّ الواقع يقول أنَّه يجب عليك ألَّا تتعامل مع هذا الكثير من النزاعات في مكان العمل إذ ثمَّة العديد من المديرين الرائعين الذين من الممتع العمل معهم، فاخرج وابحث عن هؤلاء المديرين واجنِ ثمار العمل الذي قمت به في الخطوة الخامسة في الأعلى فأنت تستحق العمل في مكانٍ تستطيع فيه التعبير عن نفسك بإبداع والتطور كإنسان.
أضف تعليقاً