مسامحة النفس: الطريق لشفاء القلب

"يبدأ الشفاء على اختلاف أنواعه بالغفران؛ فعندما نغفر لأنفسنا، فإنَّنا نعالج أيَّ اختلالٍ موجود في أجسادنا، وعندما تُشفى أجسادنا، تبدأ حياتنا بالتعافي أيضاً" - الكاتبة "لومينيتا د. سافيك" (Luminita D. Saviuc).



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "ليزا نيكولز" (Lisa Nichols)، تُحدِّثنا من خلاله عن مسامحة النفس ورحلة الشفاء.

لقد اختبرت في السنوات الماضية جميع الأمور تقريباً؛ من انكسار القلب، إلى تكوين نفسي من جديد، إلى الثقة بالحياة والناس مرةً أخرى، ومن الانتقال إلى بلد آخر، والبدء من جديد، إلى التعرف إلى أشخاصٍ جدد وتكوين صداقات جديدة، ومن محاولة الدخول في علاقة، واتخاذ قرارات خاطئة، وترك وظيفتي بدوام كامل، إلى أخذ استراحة من كل شيء.

شفاء قلبك:

كنت أظن أنَّه إذا توقف شخص ما عن حبه لي، فهذا خطئي لأنَّني لم أكن أستحق الحب، ونتيجة لكوني شخصاً لطالما آمن أنَّ الحب شعورٌ لا ينبع من داخلنا؛ بل يمنحه الآخرون لنا، فقد كنت محطمَّةً كلياً عندما اضطررت إلى إنهاء أطول علاقة دامت في حياتي، وبعد كل الذي حدث، قررت الانتقال إلى بلد آخر، ومع أنَّ الأمر لم يكن سهلاً في البداية، فقد وجدت أنَّ ذلك كان أحد أفضل الأشياء التي فعلتها في تلك المرحلة.

"الألم جزء غير مُحبَّب من كونك إنساناً، وقد اكتشفت أنَّه يشبه طعنةً في القلب، وهو أمرٌ أتمنى لو كان باستطاعتنا جميعاً الاستغناء عنه في هذه الحياة؛ فالألم جرحٌ مباغت لا يمكن الهروب منه.

لكنَّني تعلَّمت لاحقاً أنَّه بسبب الألم أيضاً، يمكنني تحسُّس الجمال والحنان والانعتاق النابع عن الشفاء؛ إذ تحس بالألم كأنَّه طعنة سريعة في القلب، لكن يأتي شعور الشفاء كملمس الريح على وجهك عندما تبسط جناحيك وتحلق في الهواء، فقد لا نمتلك أجنحةً على ظهرنا لنختبر ملمسها وهي تداعب وجهنا، لكنَّ الشفاء أكثر ما قد يساعدنا على اختبار ذلك الشعور" - الكاتبة "سي جويبل سي" (C. JoyBell C.).

كنت وحدي لأول مرة، بعيدةً عن أصدقائي في الوطن وعن عائلتي، فلم تكن تجربة سهلة لكنَّها غيَّرتني؛ إذ كنت بعيدةً عن الأماكن التي ألفتها، وعن كل شيء قد يعيد ذكريات الماضي الذي لم أشعر أنَّه يخصُّني بعد الآن.

أحدث وجودي في بيئة مختلفة فرقاً كبيراً في حياتي؛ إذ اكتشفت نفسي من جديد من خلال قضاء مزيد من الوقت وحدي، واكتسبت ثقةً لم أكن أظن أنَّني امتلكتها مطلقاً، كما التقيت أناساً جدداً مثيرين للاهتمام، وكوَّنت صداقات جديدة، لقد أحببت ذلك في الحقيقة!

جرَّبت الدخول في علاقة لاحقاً، وقمت ببعض الأمور الصحيحة والخاطئة في نفس الوقت هذه المرة، لكن بقدر ما حاولت، لم تكن تلك العلاقة المنشودة، أظن أنَّ جزءاً منِّي أراد منح الحب لشخص ما، وأن يهتم به أحد ويقدِّم له نفس الاهتمام والرعاية بالمقابل، غير أنَّه فشل فشلاً ذريعاً.

بعد كثير من المحاولات، أظن أنَّني خسرت نفسي ومبادئي والأشياء التي لطالما آمنت بها؛ وذلك لأنَّني أردت وحسب أن أمنح الحب وأتلقاه بالطريقة التي اعتقدت أنَّها صحيحة، لكن خلال تلك العملية، كنت أتجاهل عديداً من الإشارات التحذيرية لإنهاء هذه العلاقة بأسرع وقت ممكن، فحاولت كثيراً حتى فقدت القدرة على تحمُّل المزيد، ووضعت حداً للأمور كلها؛ فكان من المستحيل تحمُّل ذلك القدر من الألم والتوتر مقابل لحظاتٍ قليلة من السعادة المزعومة.

فكما نعلم جميعاً، عندما يتعين على المرء "محاولة" القيام بشيء ما وجعله حقيقة، يصبح تحقيق ما يريده أكثر صعوبةً بكثير، وسواء صدَّقت ذلك أم لا، فالأمر لا يستحق كل هذا العناء على الإطلاق.

إقرأ أيضاً: كيف تسامح الآخرين؟

الطريق إلى شفاء قلبك:

كنت أنظر إلى الحالة التي وصلت إليها، وأدركت أنَّني تحوَّلت إلى شخصٍ لا أريد أن أكونه؛ شخص لا أحبه؛ إذ صرت امرأةً ضلت طريقها، وخسرت نفسها وسط كل هذه المآسي؛ امرأة تبحث عن الحب في الأماكن الخاطئة، ففشلت في فهم أنَّها أرادت الأشياء الخاطئة من الأشخاص الخطأ؛ لذا كان عليَّ أن أضع حداً لكل شيء.

لذا تركت عملي، وغادرت ذلك البلد، وقررت أخذ استراحة من كل شيء، وما كنت بحاجة إليه هو معرفة مَن أريد أن أكون، وأن أُمعن النظر في أفعالي وانعكاساتها على حياتي وحياة الآخرين.

شاهد بالفيديو: 15 قول عن التسامح والغفران

الشفاء وطلب الغفران:

ابتداءً وقبل كل شيء، استجمعت القوة والشجاعة لطلب المغفرة من أولئك الذين سببت لهم الأذى في رحلة السعي وراء ما أريده، وكان الأمر موجعاً؛ إذ توجَّب عليَّ أن أكون ضعيفة ومنفتحة وصريحة، ونجحت في الأمر على الرغم من أنَّه لم يكن بتلك السهولة.

شعرت براحة نفسية، لكنَّ إحساساً غريباً ما زال يراودني، وأُصبت بنوبات هلع؛ إذ كنت أبكي من دون سبب واضح، ويتملَّكني شعورٌ بالحزن والوحدة والضياع والارتباك.

لقد تجاهلت كل تلك المشاعر في معظم الأوقات، لكنَّها استمرت تثقل على قلبي، وكان ثقلها كبيراً جداً لدرجة أنَّني قبل عطلة الأعياد شعرت بألمٍ شديدٍ في قلبي، ومع أنَّني حاولت مراراً إقناع نفسي أنَّ الأمور بخير، جسدي كان يخبرني عكس ذلك، وأذكر أنَّني حاولت الإفصاح عمَّا شعرت به لصديق، لكن أدركت أنَّ الأمر كان معدوم الجدوى.

كانت الصراعات التي دارت في داخلي تخصُّني، وما دمت لم أمعن النظر فيما يجول في نفسي، فسيزداد هذا الألم ثقلاً على قلبي، وأدركت عندها أنَّني طلبت العفو من الأشخاص الذين آذيتهم، لكنَّني لم أغفر لأهم شخص قد ظلمته، وهو نفسي.

شاهد بالفيديو: أهمية التسامح للفرد والمجتمع

مسامحة النفس والبدء برحلة الشفاء:

قد يبدو الأمر غريباً أو أنانياً، لكنَّ مسامحة الآخرين وقبولهم مسامحتك شيء، والغفران لنفسك قصة مختلفة كلياً.

لقد مررت بلحظة يقظة عندما أدركت أنَّني كنت متمسكةً بكثير من الألم والاستياء والبغض تجاه نفسي بسبب أخطائي، وقراراتي غير الصائبة، ولحظات السعادة العديدة التي أفسدتها حين كنت شديدة القسوة على نفسي، وكنت بحاجة إلى أن أغفر لها كي أشعر بالراحة النفسية وأنعم بالسلام، وهذه هي الأشياء التي كنت أفتقدها في حياتي في ذلك الوقت.

كيف يمكنك أن تسامح نفسك، في حين يعني ذلك أنَّ عليك أن تحب نفسك؟ وكيف يمكنك تقديم ذلك الحب، وأنت لطالما اعتقدت أنَّك لا تستحقه؟

تأتي لحظةٌ في حياتك تُضطر فيها إلى قول "كفى"؛ إذ تقولها لنفسك بعد أن تعبت من اتخاذ القرارات نفسها والحصول على النتيجة نفسها، والشعور بمزيدٍ من الضياع بدلاً من الشعور بالسلام مع نفسك ومع العالم من حولك، فكانت تلك لحظتي المصيرية، وأظن أنَّ رحلة شفائي بدأت عندها.

اعترفت لنفسي بعديدٍ من الأخطاء التي ارتكبتها كخطوةٍ أولى؛ إذ كان عليَّ أن أفهم أنَّ تأنيب النفس مراراً وتكراراً بسبب ما حدث لن يغير الماضي أبداً؛ بل سيسبِّب مزيداً من الأذى، وهكذا، قررت أنَّ الوقت قد حان لأغفر لنفسي عن كل شيء، عن كل هذا الجنون، وأبدأ بحبِّ نفسي كما لم أفعل من قبل قط.

كلنا نرتكب الأخطاء، فكلنا بشر، والهام أن نعرف متى نتوقف، ونعيد تقييم أفعالنا، فعندما تزداد معرفةً، تكون أفعالك أكثر صواباً، وقد عبَّرت الشاعرة والكاتبة الأمريكية "مايا أنجيلو" (Maya Angelou) عن ذلك على نحو جميل للغاية عندما قالت: "ابذل قصارى جهدك لتعرف ما الأفضل، وعندما تصل إلى تلك المعرفة، ستفعل الصواب".

إقرأ أيضاً: كيف تسامح نفسك على أخطائك؟

في الختام:

ما سُرِد آنفاً صادرٌ عن امرأة في الثلاثينيات من عمرها، وما تزال تخوض رحلةً لاكتشاف الحياة، لكن إن كان ثمَّة شيء واحد يجب أن تتعلمه من قصتي، فهو أنَّك إن كنت تعرف مَن أنت في أعماق نفسك، فلا شيء ولا أحد يستطيع أن يسلبك هذا.

جئنا إلى هذا العالم بدافع الحب، وخُلِقنا لنكون محبوبين وننشر الحب؛ لذا لا تدع أيَّ شيء أو أيَّ شخص آخر يقنعك بخلاف ذلك، ولا حتى ذلك الصوت المزعج في داخل رأسك. تبدأ عملية الشفاء حين تقرر أن تسامح نفسك، فماذا تنتظر؟

المصدر




مقالات مرتبطة