مراحل التعلم الثلاث التي تساعدك على التعلم بفاعلية

نحن نتعلم كل يوم في حياتنا منذ لحظة ولادتنا، وكنَّا نوظِّف دائماً واحدة على الأقل من المراحل الثلاث للتعلم لاكتساب المعرفة والتقدُّم كأفراد حتى دون أن ندرك ذلك، حيث تتضمَّن هذه المراحل الثلاث: التعلم المعرفي، والتعلم الترابطي، والتعلم الذاتي.



تختلف كل مرحلة من مراحل التعلم هذه تماماً عن الأخرى؛ ويمكن أن نمرَّ بهذه المراحل تدريجياً، حيث تأتي كل مرحلة بعد الأخرى بانتظام، أو على نحو فردي حيث تكون كل مرحلة في حدِّ ذاتها منهجية تعلُّم كاملة. وفي أي موقف يتضمن فرصاً للتعلُّم، يتَّخذ الشخص الذي يتطلع إلى اكتساب المعرفة قراراً غير واعٍ باكتسابها بطريقة معيَّنة، بناءً على أي مرحلة أو مجموعة من المراحل الثلاث المذكورة أعلاه.

إذا كنتَ تريد التعلم بصورةٍ أسرع، فمن الهام أن تعرف أي مرحلة من مراحل التعلم أنت فيها حالياً، والخطوات التي يتعيَّن عليك اتخاذها بعد ذلك للانتقال إلى المراحل التالية.

المرحلة الأولى "التعلم المعرفي":

يعمل التعلم المعرفي على تطوير فهمٍ شامل للمهارات؛ إذ يشرِك الطلاب في عملية التعلم؛ ممَّا يجعلهم يستخدمون عقولهم على نحوٍ أكثر فاعلية لإنشاء روابط جديدة من المعرفة المخزَّنة في أذهانهم بالفعل. وتساعد هذه المرحلة على تحسين الفهم، وتطوير مهارات حل المشكلات، وتعزِّز التعلم على الأمد البعيد.

تُعدُّ هذه المرحلة هي المرحلة الأولى من التعلم؛ إذ يلاحِظ المتعلِّم ويستمع وينشِئ روابط بناءً على المعرفة التي اكتسبها بالفعل، ويمكن الحصول على هذه المعرفة من خلال التعلم الواعي أو اللاواعي.

يستطيع المرء اكتساب المعرفة في المرحلة المعرفية من خلال أي من الطرائق الآتية:

1. التعلم الضمني:

يَحدث التعلم الضمني عندما يكون المتعلِّم غير مدرك لحقيقة أنَّه يتعلم بالفعل؛ وبالتالي، لا يتضمَّن هذا النوع من التعلُّم تعليماتٍ محدَّدة، ولكنَّه يَحدث بإشارات لفظية ومرئية وعادةً ما يَحدث في إطارٍ اجتماعي.

على سبيل المثال: يُعدُّ تعلُّم الطفل التحدُّث مثالاً على المعرفة المكتسَبة ضمنياً؛ إذ يتعلَّم الطفل هذا الأمر في إطار اجتماعي دون تدريب من قِبَل مدرِّب، ويحتفظ العقل بهذا النوع من التعلم على مدار سنوات عديدة، كما يظلُّ مقاوماً لتغيُّرات الأشخاص النفسية والعمر ومعدل الذكاء (IQ)، كما يُعدُّ التعلم الضمني أفضل أسلوب لاكتساب المهارات وتنميتها.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح لتزيد آفاق المعرفة لديك

2. التعلم الصريح:

يَحدث التعلم الصريح عندما يبحث الشخص واعياً عن فرصٍ للتعلم، وقد يتضمَّن هذا وجود معلِّم أو لا، ويتطلب إشارات لفظية ومرئية.

يُعدُّ تعلُّم ركوب الدراجة من الأمثلة الجيِّدة على هذا النوع من التعلم؛ إذ قد يحاول الشخص الذي يرغب في ركوب الدراجة التعلم بمفرده، أو محاكاة تصرفات شخصٍ آخر (الإشارات المرئية)، أو قد يَطلب تعليمات من شخص يعرف كيفية القيام بذلك بالفعل (الإشارات اللفظية). وما يميِّز التعلُّم الصريح أنَّه يساعد الدماغ على حلِّ المشكلات وتعلُّم مفاهيم جديدة.

3. التعلم التشاركي:

يُعدُّ التعلم التشاركي نوع التعلم الأكثر استخداماً في المعاهد التعليمية؛ إذ يتضمَّن درجات متباينة من المشاركة بين المعلِّم والمتعلِّم والطلاب الآخرين؛ إذ يمدُّ المعلم الطلاب بالمعلومات ويساعدهم على فهمها، ثم يُطلَب منهم مناقشة هذه المعلومات وربطها بالمعرفة المكتسَبة سابقاً واستخدامها في الإجابة عن الواجبات المدرسية.

يساعد التعلم التعاوني على تعزيز مستوى التفكير والتواصل اللفظي ومهارات القيادة لدى الطالب، فضلاً عن تعزيز تقدير الذات وقبول الآراء المختلفة وتحسين التفاعل بين الطالب والمعلِّم وبين الطالب وأقرانه.

شاهد بالفديو: 6 عادات يمارسها الأشخاص الذين يتقنون التعلُّم

4. التعلم التعاوني:

في مراحل التعلم، يُنظَّم التعلم التعاوني بطريقة تجعل الطلاب يتفاعلون مع بعضهم بعضاً ومع المدرب من خلال اتِّباع التعليمات ومراعاة أفضل المهارات والصفات وتعلُّمها. في الواقع، تعدُّ ميادين اللعب ومختبرات العلوم أمثلةً جيدة على بيئات التعلم التعاوني؛ إذ يُلاحَظ التعلم التعاوني بصورةٍ أفضل في بيئة تُكتسَب فيها المعرفة العملية.

يساعد هذا النوع من التعلم المعرفي على زيادة قوَّة الحفظ والثقة بالنفس وبناء العلاقات، كما يتيح فرصاً للدعم الاجتماعي ويساعد على تحسين السلوك والتعامل مع السُّلطة وأيضاً أولئك الذين يختلفون عن الآخرين.

5. التعلم بالملاحظة:

يُعرَّف التعلم بالملاحظة باعتباره اكتساب المعرفة من خلال الملاحظة وتقليد سلوك الآخرين، ويُعدُّ هذا النوع من التعلم منهجية تعليمية فعَّالة، لأنَّه يجعل التعلم نشاطاً ممتعاً، ويشجِّع التفاعلات الاجتماعية، ويعزِّز الذاكرة، ويؤثِّر في السلوك.

ولقد أثبتَ ألبرت باندور (Albert Bandura) فاعلية التعلم بالملاحظة من خلال تجربته "الدمية بوبو" (Bobo Doll)، وهي دُمية منفوخة كان يضربها مجموعة من البالغين، وعندما رأى بعض الأطفال هذا السلوك، صاروا يضربونها أيضاً. وبحسب "باندورا"، إذا لم يرَ هؤلاء الأطفال هذه الدمية وهي تُضرَب، لَما ضربوها أبداً.

قد يكون هذا النوع من التعلم إيجابياً في تعلُّم سلوكات مثل: التعاطف والروح الرياضية على سبيل المثال، أو سلبياً في تعلُّم أشياء مثل: تعلُّم الخوف من الثعابين أو العناكب لمجرد أنَّ شخصاً ما من حولنا يخاف منها.

6. التعلم الهادف:

يَحدث التعلم الهادف عندما يُفهَم المحتوى تماماً ويُطبَّق في الممارسة العملية، ويُعدُّ بمثابة طريقة هادفة لاكتساب المعرفة، وهو عكس التعلم من خلال الحفظ. ومن الأمثلة الجيدة على هذا الأسلوب هو طالب الكيمياء الذي يتعلم في الفصل أنَّ خلط بعض المواد الكيميائية سيؤدي إلى تفاعل انفجاري؛ وبالتالي، تمنعُه هذه المعرفة ​​من خلط تلك المواد الكيميائية في المختبر.

يُعدُّ التعلم الهادف أسلوب تعلُّم مستدام؛ لأنَّه يتطلب ربط المعلومات الجديدة بالمعرفة المكتسَبة سابقاً، كما يشجِّع هذا الأسلوب على التعلم من خلال تقنيات مختلفة.

تماماً مثل التعلم المعرفي، يمكننا اعتبار المرحلة التالية من التعلم منهجية مستقلَّة بذاتها أو مجرَّد مرحلة ثانية من نظام التعلم ثلاثي المراحل.

إقرأ أيضاً: 7 أسئلة هامّة لمعرفة ما تريد أن تُنجزه بحياتك

المرحلة الثانية "التعلم الترابطي":

يرتبط التعلم الترابطي بتعلُّم الاستجابات أو تعديلها، مع مراعاة المحفِّزات المقدَّمة. ويَحدث هذا النوع من التعلم عندما يُمكن ربط المعلومات الجديدة والقديمة ببعضها بعضاً؛ ممَّا يصقل النظرية القائلة بأنَّ الأفكار والخبرات تعزِّز بعضها بعضاً.

يعزِّز التعلم الترابطي السلوك الأمثل، ويركِّز على اكتساب المعرفة من خلال البيئة المحيطة، كما يهيِّئ الدماغ لتوقُّع النتائج واتِّخاذ القرارات بناءً على ذلك.

 دعونا نلقي نظرةً على الشروط المختلفة للتعلُّم الترابطي:

1. الاشتراط الكلاسيكي:

يتضمَّن الاشتراط الكلاسيكي تدريب الدماغ على ربط نتيجة معيَّنة مرغوبة بفعلٍ ما. على سبيل المثال: قد يُسمح للطلاب في المدرسة بوقتٍ إضافي للألعاب إذا أنهوا مهامهم، أو قد يحصل الموظَّفون على مكافأة نقدية في العمل إذا حققوا الأهداف المنشودة، أو يُسمَح للأطفال في المنزل بلعب ألعاب الفيديو إذا أتمُّوا واجباتهم المدرسية.

يركِّز الاشتراط الكلاسيكي على التعلم من بيئتنا المحيطة، ويعزِّز التفكير النقدي، كما قد يساعد على تعديل خصائص المتعلِّم غير المرغوب فيها، ويمكن استخدامه للمساعدة على التغلب على الرهاب بأنواعه المختلفة.

2. الاشتراط الإجرائي:

يعني الاشتراط الإجرائي أنَّ بعض الإجراءات ستؤدي إلى ثواب أو عقاب، ويوفِّر هذا الأسلوب طريقة سهلة لتعلُّم دروس جديدة. على سبيل المثال: يُمكِن تدريب العقل على توقُّع مكافأة مقابل كل كتاب تنتهي قراءته (مثل اجتياز الاختبار المدرسي)، أو توقُّع عقاب على التأخر في القدوم إلى المدرسة (مثل الاحتجاز في الفصل وقت الراحة).

3. الاشتراط العكسي:

يَحدث الاشتراط العكسي عندما يُدرَّب الدماغ على عدم توقُّع استجابة متوقَّعة مسبقاً عندما لا يتم الوفاء بشروط معيَّنة. على سبيل المثال: لا يروي الممثِّل الكوميدي النكات التي لم تعُد مضحكة للجمهور. ويمكن استخدام هذا الأسلوب لتحسين السلوك الحالي الذي قد يكون غير مرغوب فيه.

4. الاشتراط التمييزي:

يَحدث الاشتراط التمييزي عندما يُدرَّب الدماغ على توقُّع نتيجة معيَّنة لمحفِّز ما بصورةٍ موثوقة. وأحد الأمثلة على ذلك هو تدريب كلب على القفز باستخدام فعل الأمر "اقفز"، وليس "اجلس" أو "امكث" أو "امشِ".

وبالانتقال من التعلم الترابطي، نصل إلى المرحلة الثالثة من التعلم، والتي تمنح المتعلِّم أكبر قدر من الحرية.

المرحلة الثالثة "التعلم الذاتي":

في هذه المرحلة من التعلم، يجني المتعلِّمون المعارف من خلال بذل جهود مستقلة وتطوير القدرة على الاستفسار والتقييم بعيداً عن تأثير المعلِّمين والأقران، ويكون المدرِّسون أو المنتورز بمثابة مُيسِّرين في هذه المرحلة، وليسوا معلِّمين؛ إذ يمتلك المتعلِّمون في هذه المرحلة النهائية ما يكفي من المعرفة والقدرة للتحكُّم في عملية تعلُّمهم، ويبحثون عن مصادر تساعدهم على اتِّخاذ القرارات بناءً على فهمهم؛ وبالتالي، يكون المتعلِّمون مسؤولين عن تحديد الأهداف والغايات، والتأكد من فهمهم الواضح لموضوع الدراسة من أجل تحقيق أهداف التعلم.

شاهد بالفديو: 13 طريقة لتطوير التعلم الذاتي والتعلم بسرعة

يحفِّز التعلم الذاتي المتعلِّمين على التعلم بكامل إرادتهم؛ إذ يمنحهم الحرية في التخطيط وتنفيذ خطة تعلُّمهم وإنشاء استراتيجيات لتحقيق أهدافهم، ويمكنهم أيضاً تقييم أنفسهم ما داموا يدركون أسلوبهم في التعلم.

إقرأ أيضاً: كيف تصبح ذاتي التعلم بطرائق بسيطة؟

الخلاصة:

تُعدُّ كل مرحلة من مراحل التعلم هامَّة بحدِّ ذاتها، ولقد أثبتَت مراحل التعلم الثلاثة (التعلم المعرفي والتعلم الترابطي والتعلم المستقل) نجاحها على مختلف الأصعدة؛ وبالتالي، إذا استطعتَ تبنِّيها واستخدامها كطريقة لاكتساب المعرفة والمهارات، قد تتمكَّن من الاستمرار في التعلُّم مدى الحياة، فضلاً عن التعلم بالسرعة التي تناسبك وتناسب احتياجاتك وأهدافك.

المصدر




مقالات مرتبطة