متلازمة الكوخ: أسبابها، وأعراضها، وعلاجها

اضطر الإنسان عبر تاريخه الطويل وبسبب الظروف التي مرَّ بها، كالحروب والكوارث الطبيعية وانتشار الأوبئة، إلى الانعزال والجلوس في المنزل فترات طويلة؛ وهذا ما نتج عنه سلسلة من المشاعر السلبية والسيِّئة، التي سُمِّيت بمتلازمة الكوخ. ولمعرفة المزيد عن هذه المتلازمة؛ أسبابها، وأعراضها، وطرائق علاجها، ما عليك إلا قراءة مقالنا هذا.



ما هي متلازمة الكوخ؟ وما أعراضها؟

متلازمة الكوخ أو حُمَّى المقصورة، يرجع هذا المصطلح إلى أوائل القرن العشرين في أمريكا الشمالية؛ حيث كان من المفترض على الناس في حينها أن ينعزلوا في منطقة بعيدة أو في مقصورة لفترة زمنية طويلة، ليتمكنوا من حماية أنفسهم خلال فصل الشتاء. وإذا ما عدنا بالتاريخ أكثر، سنجد أنَّ هذا المصطلح ارتبط بضرورة المكوث في المنازل بسبب حُمَّى التيفوس التي انتشرت في أوائل القرن التاسع عشر.

إذاً، يمكن القول إنَّ متلازمة الكوخ عبارة عن مجموعة من المشاعر السلبية التي تصيب الناس بسبب اضطرارهم إلى البقاء فترات طويلة في المنازل؛ نتيجة العديد من الظروف والكوارث والأوبئة وضعف وسائل النقل، وهذا ما ينتج عنه الكثير من المشكلات النفسية والجسدية أيضاً، كالشعور بالغثيان؛ ولهذا سُمي حُمَّى.

وفقاً لعلماء النفس، لا تُعَدُّ متلازمة الكوخ واحدةً من الاضطرابات النفسية؛ لذلك لا يوجد تعريف رسمي لها، وهي حالة غير مُعترف بها طبياً، ولم تُشخَّص بشكل رسمي ولم تُدرَج في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5)، ولكن بالتأكيد، المشاعر الناتجة عنها مشاعر حقيقية وأحاسيس مؤلمة يواجهها الإنسان بسبب الانعزال عن العالم والعيش وحيداً؛ وذلك نظراً إلى طبيعة الإنسان الاجتماعية.

أعراض متلازمة الكوخ:

تؤدي متلازمة الكوخ إلى مجموعة من الأعراض التي يحتاج التعامل معها إلى مجموعة من تقنيات التأقلم، ومن أكثر أعراض هذه المتلازمة شيوعاً:

  • القلق والشعور بالعصبية وسرعة الانفعال.
  • الحزن والإحساس بالألم والشعور بالضيق واليأس.
  • الخمول وزيادة الرغبة في تناول الطعام.
  • اضطرابات في النوم كالأرق أو النعاس الشديد وصعوبة الاستيقاظ صباحاً.
  • قلة الصبر.
  • انخفاض الثقة بالناس المحيطين.
  • الملل مع شعور كبير بالوحدة والارتباك والتلعثم عند التحدث أو التواصل مع الآخرين.

ويُضاف إلى الأعراض السابقة مشكلات في القدرة على التواصل الجسدي مع الأقرباء والأصدقاء، وفقدان القدرة على المشاركة في النشاطات التي كانت في السابق ممتعة.

تؤثِّر هذه الأعراض بشكل سلبي وسيئ جداً في أداء الأفراد وفي ممارستهم لحياتهم اليومية. ومن الجدير بالذكر أنَّ بعض الأفراد يستطيعون التخلص من هذه المشاعر بسهولة من خلال الانغماس في ممارسة نشاطاتهم الإبداعية، في حين يعاني بعضهم الآخر من صعوبات كثيرة للتخلص من هذه المتلازمة وعلاجها وتجاوز المشاعر الناتجة عنها.

إقرأ أيضاً: علم الصحة النفسية: أهميته ومجالاته ومظاهره

أسباب متلازمة الكوخ:

من الهام أن نعرف، قبل ذكر الأسباب، أنَّ ما يؤدي دوراً كبيراً في الإصابة بهذه المتلازمة أو عدمها، هو مزاج الشخص وطبيعته؛ إذ يُعَدُّ هذان العاملان رئيسين لتحديد مدى تطور المشاعر الناتجة عن الإصابة بالمتلازمة. ثم إنَّ هناك الكثير من الأسباب والعوامل الأخرى المساعدة على إصابة الأشخاص بمتلازمة الكوخ، وسنذكر منها:

  • العزلة والجلوس وحيداً لفترات طويلة؛ وهذا ينتج عنه انعدام القدرة على التعامل مع الآخرين، وعدم القدرة على التواصل بهم بشكل مناسب.
  • الانغماس في العمل لدرجة يفقد فيها الشخص قدرته على تحقيق التوازن بين حياته الشخصية وأعماله وحياته المهنية؛ وهذا ما يؤدي إلى إنهاكه جسدياً بشكل كامل.
  • الجلوس في المنزل من دون عمل، فالبطالة تعطي شعوراً بقلة الإنجاز، وتسبب الإحباط والإحساس بقلة الثقة بالنفس وقلة الفائدة، كما تؤدي البطالة إلى الخمول وفقدان الشغف تجاه ممارسة أيِّ نشاط بسبب الكسل.
  • الفقر وقلة المال اللذان يُنتجان قلقاً كبيراً بسبب الخوف من عدم القدرة على تحمُّل الأعباء المادية الكثيرة وعدم القدرة على التعامل معها.
إقرأ أيضاً: متلازمة ستوكهولم: تعريفها، أسبابها، وطرق العلاج

آثار متلازمة الكوخ في الأطفال:

من الطبيعي أن يكون لهذه المتلازمة أثرٌ كبير في الأطفال الذين عانوا الكثير بسبب جلوسهم لفترات طويلة جداً في البيت؛ إذ إنَّ هذا المكوث الطويل قد دفع الأهالي إلى إلهاء الأطفال بالشاشات والألعاب الإلكترونية؛ وهذا فاقم الوضع وزاده سوءاً، وأثَّر تأثيراً سلبياً في صحتهم النفسية والجسدية وفي تحصيلهم الدراسي أيضاً.

والأصعب من هذا كله، أنَّ الأطفال فقدوا قدرتهم على التواصل الاجتماعي، وأصبحوا يرفضون معلميهم وزملاءهم، كما سيطرت عليهم مشاعر الرغبة في العودة إلى المنزل طوال الوقت، فهو قد أصبح مصدر الأمان الوحيد بالنسبة إليهم، إضافةً إلى ظهور العديد من الآثار الأخرى فيهم كالعنف والعصبية والانفعال.

طرائق علاج متلازمة الكوخ:

كما ذكرنا آنفاً، فإنَّ هذه المتلازمة ليست اضطراباً نفسياً معترفاً به؛ لذلك لا يوجد علاج معياري لها. ومع ذلك، سنقدم فيما يأتي مجموعة من النصائح التي ستساعدك على تجاوز هذه المرحلة الصعبة:

  • احرص على الحصول على غذاء صحي متوازن مليء بالعناصر الغذائية المتنوعة من فواكه وخضراوات ومكسرات؛ لأنَّ ذلك يساعدك في الحصول على صحة جسدية ونفسية. إضافةً إلى ضرورة شرب كميات كافية من المياه.
  • أمضِ القليل من الوقت في الخارج، بعيداً عن جدران المنزل في الطبيعة؛ إذ إنَّ المشي في الهواء الطلق يساعد على تحسين المزاج والتخفيف من التوتر. وإذا كنت تعيش في مدينة يصعب عليك فيها المشي في الطبيعة، فيمكنك زرع النباتات على الشرفة والاهتمام بها وسقايتها.
  • حافظ على الحياة الاجتماعية قدر الإمكان؛ إذ يمكنك القيام باتصالات الفيديو مع أصدقائك وأقربائك وتخصيص الوقت للدردشة معهم يومياً؛ لأنَّ ذلك يساعد كثيراً على التخفيف من الوحدة التي تشعر بها.
  • مارس الرياضة كونها تساعد على التمتع بالنشاط والحيوية، وتعدِّل المزاج؛ إذ إنَّ الكثير من الدراسات أثبتت أنَّ الرياضة تخفض من مستويات هرمونات التوتر، وتساعد على تحفيز وزيادة إفراز هرمونات السعادة. يُفضَّل ممارسة الرياضة في الخارج، لكن إذا لم تتمكن من الخروج، فيمكنك القيام بالتمرينات الرياضية في داخل المنزل، وتخصيص موعد يومي لذلك.
  • استغل وقت العزلة المفروض عليك وقم ببعضٍ من النشاطات التي تحتاج إلى هدوء وسكينة، مثل قراءة الكتب ومشاهدة الأفلام.
  • ضع برنامجاً يومياً لنشاطاتك واعمل على تطبيقه؛ فمثلاً خصِّص وقتاً لتناول الطعام ووقتاً للرياضة ووقتاً للأصدقاء والنشاطات؛ إذ إنَّ ذلك من شأنه أن يساعدك مساعدةً كبيرةً على تنظيم حياتك، فقلة التنظيم تسبب أحياناً اضطرابات في نشاطاتك وأعمالك، كاضطرابات الأكل والنوم.
  • لا تجلس في مكان واحد لفترة طويلة؛ إذ إنَّ بعض الناس يقضون أوقاتاً طويلةً في غرفتهم وعلى سريرهم، ويقومون بكل نشاطاتهم في ذلك المكان، فيأكلون ويشربون ويشاهدون التلفاز ويقرؤون ويتصفحون الإنترنت، في حين تُعَدُّ هذه العادة غير صحية وتزيد من الشعور بالضيق والوحدة؛ لذلك خصص مكاناً لكل نشاط؛ فإنَّه من الهام أن يكون هناك مكان للعمل ومكان للدراسة ومكان للاسترخاء، حتى تُبعد الملل والنمطية عن حياتك.
  • اخلق توازناً مناسباً بين عملك وحياتك الخاصة؛ إذ غالباً ما يعاني الأشخاص الذين يعملون في المنزل من عدم القدرة على إعادة التوازن لحياتهم؛ لذلك لا تبالغ في العمل ولا تبالغ أيضاً في الراحة، واحرص على إعطاء كل نشاط حقه من دون مبالغة.
  • مارس هواياتك واعمل على تطويرها، واملأ أوقات فراغك بها؛ لأنَّ ذلك يساعدك كثيراً على تخطي الشعور بالفراغ والوحدة اللذين تشعر بهما.
  • هدِّئ أعصابك من خلال القيام بتمرينات الاسترخاء، كتمرينات التنفس واليوغا، فهذه التمرينات تساعد كثيراً في الحفاظ على التوازن وضبط الأعصاب. وأيضاً، احصل على النوم بشكل كافٍ ولفترات مناسبة حتى تتمكن من النهوض صباحاً وأنت تشعر بالراحة والنشاط.
  • خفِّف قدر الإمكان من المشكلات والتوتر بينك وبين الأشخاص الذين تشاركهم المكان والبيت نفسه، وتذكَّر دائماً أنَّ وجودك معهم لفترة طويلة هو السبب في الصراعات التي تنشأ. وفي الحقيقة، لا وجود لأيِّ مشكلة حقيقية؛ وإنَّما الضغط النفسي والضيق والقلق والتوتر تُعَدُّ الأسباب الخفية التي تقف وراء المشاحنات اليومية والمتكررة.
  • لا تتردد في زيارة الطبيب النفسي أو المختص عندما تشعر بالقلق والاكتئاب أو عندما تقلُّ شهيتك بشكل كبير أو تزداد ساعات أرقك، وكذلك عندما يقلُّ اهتمامك بالحياة وتفقد شغفك تجاه أيِّ نشاط أو عمل.

شاهد بالفديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

يمكن الخضوع أيضاً لخطة علاجية تُقسم إلى مرحلتين:

  • مرحلة العلاج الدوائي: من خلال تناول بعض الأدوية التي تساعد على التخفيف من حدة الأعراض، وتحسين رغبة الإنسان في الحياة، وتشجعه على العودة لممارسة حياته الطبيعية ونشاطاته اليومية. ومن هذه الأدوية، الأدوية المضادة للقلق، وأدوية الاكتئاب، وأدوية الوسواس القهري.
  • مرحلة العلاج النفسي السلوكي: تشمل حضور المريض جلسات علاج فردية وجماعية لمساعدته على التخلص من الأفكار والمعتقدات التي تستهلكه؛ وذلك في سبيل تعديل سلوكه لتحسين نظام حياته، سواءً داخل المنزل أم خارجه.

ومن الجدير بالذكر أنَّ الأشخاص الاجتماعيين أكثر عرضةً للإصابة بمتلازمة الكوخ، كما أنَّ الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية كالقلق والاكتئاب، يكونون أكثر عرضةً من غيرهم للإصابة به، كما تزيد عندهم حدة الأعراض وشدتها.

في الختام:

الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، يحب العيش مع الجماعة كما يحب التواصل مع الآخرين، ويشعر بالسعادة والمتعة عندما يقوم بالنشاطات برفقة أصدقائه وزملائه؛ لذلك من الطبيعي أن يتأثر تأثيراً كبيراً فيما إذا اضطر إلى البقاء فترات طويلة في المنزل وحيداً وبعيداً عن العالم الخارجي.

ولكن في كثير من الأحيان، يكون هذا البقاء إجبارياً بسبب ظروف قاهرة؛ وهذا ما يفرض على الإنسان البحث عن طرائق حقيقية للتأقلم، تساعده على تجاوز هذا الوضع بأقل الأضرار ومن دون أن تخلِّف هذه المرحلة وراءها الكثير من الكدمات في داخله، بحيث تجعل عودته للحياة الطبيعية أمراً صعباً. وبناءً على ذلك، ستكون نصيحتنا الأخيرة لك في ختام مقالنا، ألَّا تتردد في طلب المساعدة إذا ما شعرت بحاجتك إليها.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة