ما هي حالة التركيز؟ وكيف تصل إليها لتعزيز إنتاجيتك؟

هل تواجه صعوبةً في المضي قدماً ومواصلة العمل لإنجاز أمور مثل أعمال المنزل أو الدراسة أو حتى مشروعات العمل؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن ليون هو (Leon Ho)، والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته الشخصية في التركيز.

لا تقلق إذا كنت تعاني من ذلك، فهي مشكلة منتشرة بين الناس، لا سيما في ظل وجود مجموعة من عوامل التشتيت التي نواجهها في الوقت الحاضر، مثل التلفاز والأخبار العاجلة التي تصلنا من جميع أنحاء العالم ووسائل التواصل الاجتماعي.

كما تعلم، يُعدُّ البدء بأمر ما صعباً، ولكن غالباً ما يكون الاستمرار والمضي قدماً أكثر صعوبة، ولحسن الحظ، يوجد بعض الأساليب المجرَّبة والمختبَرة لمساعدتك على التركيز.

ما هي حالة التركيز؟

ببساطة، تُعدُّ حالة التركيز حالةً ذهنيةً تؤدي فيها نشاطاً وأنت منغمس فيه تماماً، وستعرف أنَّك وصلت إلى تلك الحالة عندما تشعر بالتركيز والنشاط والمشاركة بما تقوم به، والأهم من ذلك، ستستمتع بما تفعله، مثلاً حاول التفكير في أمر لا تحب القيام به، كإعداد تقارير العمل.

عندما تحاول القيام بأمر لا تستمتع به، ستواجه صعوبةً في البدء به، وتكافح من أجل الانتهاء منه، وستبحث غالباً عن أسباب للمماطلة.

فكر الآن في أمر تحبه وتستمتع في القيام به، كالخروج والسير مع حيوانك الأليف، أو العزف على البيانو أو الجيتار، فعندما تقوم بأمر تحبه، تجده سهلاً ولن تواجه أي مشكلة في البدء به ومواصلة العمل عليه.

الاختلاف بين الحالتين واضح وجلي، فبدون حالة التركيز ستكون مثل شخص يحاول السير في طريق وعر وصعب، ومن ثم ستكون بطيئاً وتتعثر باستمرار؛ وأما مع حالة التركيز، تكون مثل رياضي متميز يحقق التفوق دون أن يشعر بصعوبة الأمر.

أظهرت الأبحاث التي أجرتها الأستاذة "تيريزا أمابيل" (Teresa Amabile) في جامعة هارفارد (Harvard)، أنَّ الأشخاص الذين يصلون إلى حالة التركيز يحققون مستويات أعلى من الإبداع والإنتاجية لمدة تصل إلى ثلاثة أيام.

كما أنَّ الفوائد المتعلقة بحالة التركيز لا تتوقف عند الإنتاجية فحسب؛ وإنَّما تقلِّل شعورك بالتوتر وتزيد من مستويات سعادتك.

شاهد بالفيديو: 4 تغييرات بسيطة تعزّز الإنتاجية في أماكن العمل

طريقة الوصول إلى حالة التركيز:

ربما اقتنعت بالفوائد المتعلقة بحالة التركيز، ولكنَّك قد تتساءل كيف يمكنك الوصول إليها، يوجد العديد من الطرائق البسيطة للوصول إلى حالة التركيز الذهني، ونقدم لك فيما يلي أكثرها انتشاراً:

1. الاستعداد:

التزم بعادة الاستعداد الجسدي والنفسي قبل البدء بمهمة أو مشروع ما، قد يتضمن ذلك التأمل أو ممارسة اليوجا أو الجري، ويكمن السر هنا في جعل النشاط الذي اخترته أمراً تكرره بانتظام وتقوم به قبل التعامل مع مهامك.

جرب ذلك بنفسك؛ وسترى كيف سيساعدك ذلك في الوصول إلى حالة من التركيز.

2. القيام بأمر تحبه:

كما ذكرنا في بداية المقال، إذا قمت بأمر تحبه؛ فإنَّك ستجده سهلاً وممتعاً.

بالتأكيد، عندما يتعلق الأمر بالقيام بشيء لا تشعر بالحماس تجاهه، مثل تنظيف المنزل؛ فيجب أن تبحث عن طريقة تساعدك في جعل ذلك ممتعاً، على سبيل المثال، اجعل وقت التنظيف ممتعاً من خلال الاستماع إلى الموسيقى التي تلهمك وتساعدك على الحركة.

3. التركيز على مهمة واحدة:

قد يبدو القيام بعدة مهام طريقةً مثاليةً لإنجازها، ولكنَّ العلم يؤكد عكس ذلك.

مثلاً، وجدت دراسة أكاديمية حديثة أنَّ 2.5٪ فقط من الناس يمكنهم القيام بمهام متعددة بفاعلية، أما بالنسبة إلى الـ 97.5٪ الآخرين، فقد كان التركيز على إنجاز مهمة واحدة في كل مرة أكثر إنتاجيةً بالنسبة إليهم؛ وبمعنىً آخر يوصي علم النفس المتعلق بحالة التركيز أنَّه يجب أن تتوقف عن تعدد المهام وتركِّز على مهمة واحدة في كل مرة.

4. تجنُّب المشتتات الخارجية:

على الرغم من أنَّ هذا الأمر يبدو واضحاً، إلا أنَّ عوامل التشتيت الخارجية يمكن أن تمنعك من الوصول إلى حالة التركيز أو يمكن أن تعرقل تركيزك بمجرد وصولك إلى تلك الحالة.

على سبيل المثال، لنفترض أنَّك تعمل في مكتب بنظام مفتوح، وتحتاج إلى التركيز على إعداد عرض تقديمي؛ إذ لن تواجه أي عوامل تشتيت في أول 30 دقيقة من بدء العمل، وستصل إلى حالة شديدة من التركيز بحيث تراودك الكثير من الأفكار، ثم لسوء حظك يقاطعك زميل ما ويسألك سؤالاً غير هام، وستتوقف عن التركيز مباشرة، على الرغم من أنَّ حالة الانقطاع استمرت لبضع ثوانٍ فقط، إلا أنَّ الأمر سيستغرق بضع دقائق للعودة إلى حالة التركيز تلك.

بسبب المخاطر المرتبطة بفقدان حالة التركيز، إذا كنت تعمل على مهمة ذات أولوية عالية أو مهمة إبداعية؛ فحاول التأكد من عدم تشتُّت انتباهك بسبب الظروف الخارجية.

إقرأ أيضاً: 4 تقنيات فعالة لتتوقف عن التشتت وتركز على عملك

5. تحديد الأوقات التي تكون فيها طاقتك في ذروتها:

توجد طريقة أخرى تساعدك في الوصول إلى حالة التركيز، وهي العمل عندما تكون مستويات طاقتك في ذروتها، وهذا الأمر بسيط جداً، إذ يكفي أن تحدد فيما إذا كنت تفضِّل الاستيقاظ مبكراً أم السهر لوقت متأخر، فإذا كنت تفضِّل العمل في وقت مبكر، فاسعَ إلى القيام بالمهام ذات الأولوية العالية في الصباح عندما يكون لديك الكثير من الطاقة والحماس.

أما إذا كنت تفضِّل النوم متأخراً، فمن المرجح أن تكون مستويات طاقتك في ذروتها في فترة ما بعد الظهر أو المساء؛ لذا اختر هذه الأوقات للتعامل مع مهامك الهامة.

6. وضع أهداف واضحة:

قال الناشط الأمريكي في مجال الأعمال الخيرية "توم ستاير" (Tom Steyer): "يُعدُّ وضوح الرؤية مفتاح تحقيق أهدافك".

لا بدَّ أنَّك لاحظت أنَّه عندما تعرف بالضبط ما تريده من حياتك، ستميل إلى إيجاد طريقة للحصول عليه، وبالعكس؛ إذا كنت تفتقر إلى أهداف وأحلام واضحة، فمن المؤكد أنَّك ستجد نفسك تسير بلا هدف في الحياة.

وليس بالضرورة أن تكون الأهداف دائماً كبيرة، فعلى سبيل المثال، قد يكون الهدف من عملك اليومي هو أمر بسيط، كأن تتحقق من بريدك الإلكتروني مرةً كل ساعتين.

من تجربتي الخاصة في تدريب الناس على استخدام أساليب النجاح، ما إن تبدأ بناء عادة استخدام الأهداف، فلن ترغب في التراجع؛ وذلك لأنَّ الأهداف هي طريقة فعالة بشكل لا يصدق لمنحك وفرة من التركيز والتحفيز.

فكِّر فقط في الوقت الذي كنت تريد فيه الحصول على منزل أحلامك أو سيارة؛ لقد بحثت وضحيت بوقتك ومالك، وحاولت البقاء في حالة التركيز تلك حتى تحقق أهدافك.

إقرأ أيضاً: الأهداف الذكية (SMART): كل ما تحتاج إلى معرفته عنها

طريقة إتقان حالة التركيز:

دعنا نتحدث الآن عن بعض الأساليب السهلة والتي يندر استخدامها والتي ستساعدك في أن تتقن الوصول إلى حالة التركيز والحفاظ عليها.

1. التخلص من المشتتات الداخلية:

ما هي المشتتات الداخلية؟

هي أفكارنا وشكوكنا التي تتسلل إلى أذهاننا وتمنعنا من التركيز على المهام التي نقوم بها، والتي من الممكن أن تمنعنا من تحقيق أهدافنا في النهاية.

لإعطائك مثال عن ذلك، دعني أخبرك عن وقت كنت أعاني فيه كثيراً من أجل التركيز، لقد كان ذلك عندما أنشأت موقعاً إلكترونيَّاً، وكان لدي الكثير من الأفكار من أجل تقدُّم الشركة، بحيث وجدت صعوبةً في التركيز على المهام الأساسية مثل كتابة المحتوى والترويج للموقع الإلكتروني، لقد كان عقلي مليء بالأفكار لدرجة أنَّني وجدت أفكاري تتحرك من فكرة إلى أخرى دون توقف أو جدوى.

من الهام أن تمتلك بعض الأفكار بالتأكيد، ولكنَّ الأهمَّ من ذلك هو أن تركِّز على العمل الذي تقوم به.

لقد تمكنت من تجاوز تلك الأفكار غير المنطقية من خلال تخصيص 10 دقائق كل يوم للتفكير وتدوين ما تراودني من أفكار، ومن ثم وضعهم جانباً حتى اليوم التالي، لقد سمح لي القيام بهذا الأمر بالتركيز على عملي في الكتابة والتسويق.

من خلال إجراء هذا التغيير، تمكنت من التخلص من مشتتات داخلية محددة وزيادة إنتاجيتي كثيراً.

2. الاستماع إلى الموسيقى في أثناء العمل:

توجد طريقة أخرى أيضاً، ولكنَّها فعالة جداً للوصول إلى حالة التركيز والحفاظ عليها، وهي الاستماع إلى الموسيقى في أثناء إنجاز الأعمال، وبالتأكيد ليس أي نوع من الموسيقى؛ وإنَّما تلك التي تحفزك ولا تشتت انتباهك.

عادةً ما تكون الموسيقى الكلاسيكية مفيدة في هذه الحالة؛ وذلك لأنَّ موسيقى الآلات تخلو من الكلمات، مما يعني أنَّك لن تضطر إلى تفسيرها وفهمها، أو حتى محاولة غنائها.

كما يوجد أمر آخر يجب مراعاته عند اختيار الموسيقى من أجل الإنتاجية، وهو اختيار الإيقاع الذي يتناسب مع متطلبات عملك، فعلى سبيل المثال، إذا كنت تريد العمل على بعض المشروعات؛ فيجب أن تختار موسيقى مُبهجة تحفزك على العمل والاستمرار، وإذا كنت ترغب في أن تكون أكثر إبداعاً وتأملاً، فيجب أن تختار موسيقى تساعدك على الاسترخاء، ويمكنك أن تختار الاستماع إلى أصوات الطبيعة إذا كنت ترغب بتقليل المشتتات إلى أدنى حد.

نصيحتي لك هي تجربة أنماط مختلفة من الموسيقى واختيار الإيقاع المناسب لك، وقد تحتاج إلى تغيير مستوى الصوت ليساعدك على التركيز والتحفيز، فمن المرجح أن تجد الموسيقى الصاخبة أكثر تحفيزاً من الموسيقى الهادئة، ولكن يجب أن تحقق التوازن المناسب؛ فمن الممكن أن تكون الموسيقى الصاخبة أكثر تشتيتاً.

إقرأ أيضاً: هل تزيد الموسيقى من إنتاجيتنا؟

3. شرب كميات كافية من الماء:

نصيحتي الأخيرة لك لتتقن حالة التركيز هي أن تحافظ على وجود كمية كافية من الماء في جسمك؛ حيث تؤدي حالة الجفاف الخفيف إلى الشعور بالاكتئاب والصداع وعدم القدرة على التركيز، إلى جانب الآثار الجسدية مثل التعب وجفاف الفم والشعور بالدوار والضعف وزيادة ضربات القلب.

لحسن الحظ، يُعدُّ شرب كميات كافية من الماء أمراً سهلاً، فقط احرص على شرب ما لا يقل عن لترين من الماء طوال اليوم، فأنا شخصياً، أشرب كوباً من الماء عند الاستيقاظ وآخر قبل النوم، وآخذ معي زجاجة ماء إلى العمل وعندما أمارس الرياضة كي أتمكن من الحفاظ على شرب كميات كافية من الماء في جميع الأوقات.

بالتأكيد، يُعدُّ شرب الماء مجرد جزء من العملية؛ حيث يمكنك أيضاً تعزيز كمية السوائل في الجسم عن طريق تناول الفواكه والخضروات الطازجة، كما يمكنك تحضير عصير مغذي وطازج.

كم من الوقت تستمر حالة التركيز؟

على الرغم من عدم وجود قاعدة صارمة حول المدة التي يستغرقها الوصول إلى حالة التركيز، فإنَّ معظم الأشخاص يحتاجون حوالي 30 دقيقة لذلك، يصل بعض الأشخاص إلى حالة التركيز أسرع من غيرهم، في حين يستغرق بعضهم الآخر وقتاً أطول؛ حيث يعتمد الأمر على الشخص والمهمة التي يعمل عليها.

ومع ذلك، فإنَّ أحد الأمور الأساسية للوصول إلى حالة التركيز هو اتخاذ الخطوة الأولى والبدء بالعمل، وإذا كنت تفضِّل المماطلة، فستواجه صعوبةً في الوصول إلى هذه الحالة.

ولحسن الحظ، يمكن أن يظلَّ معظم الناس في حالة من التركيز لعدة ساعات دون وجود أي عوامل تشتيت وحالات انقطاع، وليس بالضرورة الاستمرار في العمل خلال ذلك الوقت؛ حيث يمكنك أخذ استراحة لمدة 10 دقائق كل 90 دقيقة؛ حيث سيساعدك ذلك في إراحة عينيك ودماغك دون أن تفقد الشعور بالتركيز.

الخلاصة:

عندما يصبح الانهماك في تأدية مهامك والتركيز عليها عادةً لديك، ستعتاد أيضاً على العمل في حالة تركيز؛ وسيؤدي ذلك إلى زيادة إنتاجيتك وجعل عملك وحياتك أسهل وأكثر متعةً، وفي الحقيقة يمكنك امتلاك المزيد من الوقت لممارسة بعض الهوايات وقضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء.

بمجرد أن تتقن حالة التركيز، لن تضطر إلى الالتزام بالمواعيد النهائية؛ وذلك لأنَّك ستنجز عملك في الوقت المناسب، وغالباً في وقت مبكر.

لن تستفاد بمجرد قراءتك لهذا المقال؛ وإنَّما يجب عليك اتخاذ إجراءات في حياتك الخاصة لتنفيذ الأساليب المذكورة أعلاه، وقد يتطلب الأمر إجراء بعض التعديلات على طريقة عملك، ولكنَّ الأمر يستحق العناء؛ لذا ابدأ الآن.

 

المصدر




مقالات مرتبطة