ما هي المشكلات الوظيفية الأكثر شيوعاً؟ وما هي طرق علاجها؟

يؤثِّر الاستياء وعدم الرضى عن مهنتك فيك سلباً، ويمكن أن يستمر هذا الاستياء بقية حياتك، مسبباً لك الكثير من الليالي التي تعاني فيها من قلة النوم، ومستويات عالية من الإجهاد والعلاقات المدمرة؛ حيث يشعر الكثيرون منَّا بأنَّهم محاصرون بأعمالٍ لا يستطيعون الهرب منها.



يُعَدُّ الحصول على مساعدة مهنية في مجال الصحة الذهنية، إحدى الطرائق لحل هذه الفوضى ومعالجة هذه المخاوف، هي القلق بشأن كيفية إخبار مديرك برفضك أمراً ما، والقلق بشأن العمل المباشر في المكتب، والشعور بالضياع والتعثر في تحقيق وظيفة أحلامك؛ فكلها مخاوف قد تواجه الكثيرين ولست وحدك من تشعر بها.

فيما يلي بعضاً من أكثر المشكلات الوظيفية شيوعاً، والتي يقول المعالجون إنَّ مرضاهم يطرحونها أمامهم لحلها، وكيف يعملون على معالجتها:

1. إدراك أنَّ "وظيفة أحلامك" ليست في الواقع ما تريد:

يقول "ريان هاوز" (Ryan Howes)، عالم النفس السريري ومؤلف "مجلة الصحة النفسية للرجال" في ولاية كاليفورنيا:

"يشرح لي بعض عملائي ضيقهم من عملهم، والصعوبة التي يعانون منها لفهم سبب ذلك الضيق، فقد يدركون أنَّ الوظيفة التي يعملون بها ليست كما كانوا يعتقدون، أو أنَّ مصالحهم أو أولوياتهم قد تغيَّرت بعد اختيار تخصصهم عندما كانوا يافعين في الثامنة عشر من العمر، أو أنَّهم امتهنوا تلك المهنة بدافعٍ خاطئ، سواءً أكان من أجل المركز، أم لإرضاء ذويهم، أم لأنَّهم كانوا دائماً يحصلون على درجةٍ عالية في موضوعٍ معيَّن وتم تشجيعهم على متابعة تلك المهنة، على الرغم من أنَّها لا تثير اهتمامهم.

أعتقد أنَّ هذا أمر شائع لأنَّنا عادةً ما نختار مساراً وظيفياً في سنٍ مبكرة نسبياً، قبل أن ندرك ما نريده تماماً، وما هو العمل الذي يعنينا والذي له مغزى بالنسبة إلينا، ولأنَّنا غالباً ما نختار المهن بناءً على الحالة أو المال أو الضرورة.

بصفتي معالجاً، فإنَّ وظيفتي ليست اتخاذ قرارات عملائي نيابةً عنهم، ولكن مساعدتهم على التفكير فيما وصلوا إليه اليوم، وما الذي يثير اهتمامهم ويمنحهم إحساساً بالهدف، ومعرفة كيفية إدارة عملهم الحالي، أو البحث في إمكانية تغيير عملهم وفقاً لتلبية هذه الاحتياجات بطريقة أو بأخرى، أو ربما البدء بالبحث عن خطة خروج حتى يتمكنوا من متابعة مهنة أخرى.

مع الأخذ في الحسبان جميع العواقب التالية لتلك الخطوة، خاصةً إذا ما اختاروا الاستقالة من وظائفهم المهنية غير الملائمة في محاولة لإيجاد هدف ومعنى في العلاقات أو التطوع أو ممارسة الهوايات خارج مكان عملهم".

2. نشوء النزاعات بين العمال وأرباب العمل:

تقول "سيسلي هورشام براثويت" (Cicely Horsham-Brathwaite)، عالمة نفس ومؤلفة كتاب "أفضل عادات يومية للعناية الذاتية" (Better Daily Self-Care Habits) في "مدينة نيويورك" (New York City): "تُعَدُّ التحديات الشخصية مع المديرين والزملاء وأعضاء الفريق قضايا شائعة تظهر في العلاج، وهذا بالطبع أمر منطقي بالنظر إلى مقدار الوقت الذي نقضيه في التفاعل مع الزملاء؛ حيث يمكن أن تختلف طرائق وأنماط العلاقات بين الزملاء وتتعارض مع بعضها بعضاً.

في مثل هذه المواقف، غالباً ما نتطلع إلى التواصل بشكل فعَّال، والتغلب على الصراع، ووضع الحدود المناسبة؛ وهذا يؤدي أيضاً إلى مناقشاتٍ حول ما إذا كان وضع البيئة المحيطة يستحق ذلك".

يقول "هاوز": "تكون المشكلات التي أسمع عنها غالباً مع المدير، والتحدي هو نوع من الشعور بالشجاعة؛ حيث يخشى الموظف أن يفقد وظيفته أو يُزعج مديره المباشر؛ ممَّا يدفعه إلى التردد في التعبير عن مخاوفه أو شكاويه، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالمدير خوفاً من أن يبدو ذلك نوعاً من قلة الاحترام.

نحاول في أثناء العمل على هذه النقطة في العلاج، إجراء تقييم واقعي لخياراتهم فيما إذا كان بإمكانهم التحدث عن هذه المشكلة مع المدير أم لا، أو طلب المساعدة من قسم الموارد البشرية، أو من مدير آخر، أو مجموعة من الزملاء.

إذا بدا خوفهم أكثر جدية من هذا الشخص أو الموقف، فقد نرغب في استكشاف تجاربهم مع أشخاص مسؤولين آخرين في ماضيهم، مثل الرؤساء السابقين أو المعلمين أو الكوتشز أو حتى الوالدين؛ لأنَّهم قد ينسبون هذه المشاعر القديمة إلى هذا الوضع الجديد، وإذا كانوا يشعرون حقاً بحالة من الفشل مع مديرهم أو الشركة، فإنَّنا نبدأ بالنظر في خيارات أخرى مثل البحث عن وظيفة جديدة".

شاهد بالفديو: 5 نصائح تساعدك على حلّ المشاكل في العمل

3. العودة للعمل المكتبي ومستويات الإنتاجية في فترة ما قبل الجائحة:

تقول "كاثرين بيريز" (Katheryn Perez)، اختصاصية علاج الزواج والأسرة في "بوربانك" (Burbank)، في "ولاية كاليفورنيا" (California):

"يعاني الناس الآن، بعد أكثر من عام من العمل عن بعد، جسدياً وعاطفياً من العودة إلى أماكن العمل التقليدية؛ حيث بدت هناك زيادة في أعراض القلق مثل القلق المفرط وصعوبة التعامل معه، بالإضافة إلى مشكلات الجهاز الهضمي بسبب زيادة التوتر والخوف والتشكيك في قدرتهم على مواكبة مستوى الإنتاجية الذي كانوا يحققونه قبل الجائحة.

نشهد ذلك حالياً بسبب قدرة الناس على التحكم بشكل أفضل في جداولهم الزمنية في أثناء العمل من المنزل، فقد أدرك الكثيرون كيف أنَّ ذلك خلق لهم الفرصة للعناية بأنفسهم وأسرهم بشكل أفضل، فنحن نعالج هذا الأمر في الجلسات من خلال استكشاف مهارات التكيف لتطبيقها عند الشعور بالإرهاق في مكان العمل، ومساعدة العملاء في تحديد احتياجاتهم فيه، وتمكينهم من الدفاع عن تلك الاحتياجات.

إحدى أكثر هذه الممارسات فائدة والتي يستمتع بها العملاء في العلاج حقاً هي تبادل الأدوار؛ إذ من خلال تبادل الأدوار، نجري محادثة محددة يرغبون في إجرائها مع أرباب العمل والتي غالباً ما يشعرون بالخوف من إجرائها؛ حيث يوفر هذا الأمر لهم الأدوات والكلمات والثقة اللازمة للدفاع عن احتياجاتهم".

إقرأ أيضاً: كيف يستعد المديرون لعودة الموظفين إلى مكاتبهم بعد الجائحة؟

4. الاعتداءات العرقية والصور النمطية:

تقول "ديبورا كيم" (Deborah Kim)، الاختصاصية في معالجة مشكلات الزواج والأسرة، المرخصة في "بيركلي" (Berkeley)، في "ولاية كاليفورنيا":

"ترتبط غالباً الكثير من مشكلات العمل بالإساءات المتعلقة بالعرق أو نوع الجنس، أو بالاضطهاد بشكل أساسي؛ حيث يشعر الناس أنَّ الأمر لا يتعلق بعدم كفاءتهم فحسب، ولكن بمكان عملهم أيضاً، غير أنَّهم لا يملكون القدرة على التعبير عن ذلك أو الطريقة لتحديده، فغالباً ما تتقاطع تلك الإساءات مع صدمات أخرى سابقة أيضاً، سواءً كان ذلك بسبب تجاهل آبائهم أم مقدمي الرعاية لصدماتهم هم أنفسهم التي لم تُعالَج، أم بسبب نشوئهم في بيئة فرضت عليهم الإقصاء.

وفي مكان العمل، يمكن أن يتجلى ذلك في عدم الشعور بالأمان للتفاوض بشأن التوقعات غير المنطقية أو المواعيد النهائية أو التعامل مع زملاء العمل والمديرين؛ حيث يتملكهم الشعور بأنَّ عليهم أن يتحملوا المزيد من المسؤولية وعدم التراخي، بالمقارنة مع زملائهم من ذوي البشرة البيضاء أو ببساطة الذكور؛ لأنَّهم لا يستطيعون تحمُّل المخاطرة بأن يُنظَر إليهم على أنَّهم يعانون من ضعف الأداء بسبب التحيزات العرقية أو نوع الجنس.

يمكن أن تنشأ هذه المشكلات أيضاً عندما يقررون الاستفادة من "نظام الإجازات المدفوع وغير المحدود" (unlimited paid time off PTO)؛ إذ ليس من السهل عليهم تقديم الطلب دون القلق بشأن تعريض جدارتهم في الشركة لخطر الحصول على تقييم أداء سلبي في المستقبل؛ حيث يتصارعون مع هذا الشعور بالجدارة على المستوى العاطفي".

تقول "أدجوا أوسي" (Adjoa Osei)، الاختصاصية النفسية السريرية في مدينة "نيويورك" (New York City):

"أنا أعمل مع عدد كبير من الزبائن من السكان الأصليين من ذوي البشرة السمراء في العلاج النفسي، وأحد المخاوف المتكررة التي تظهر هو الخوف من القوالب النمطية العنصرية، وعلى وجه الخصوص؛ غالباً ما تشعر زبائني من النساء ذوات البشرة السمراء بالقلق إزاء الصورة النمطية لـ "المرأة السمراء الغاضبة"، وهم يبلِّغون عن حالات تشكيك يعدُّهم فيها زملاؤهم عاطفيين للغاية في أثناء الحديث.

تحدَّث زبائني أيضاً بكثرة عن الإساءات العنصرية التي يبذلون جهداً لمعالجتها وفهم كيفية الاستجابة لها، مثل التعليقات المتكررة حول تسريحات الشعر والمظهر، أو التقليل من قدراتهم، أو التغاضي عن فرصهم في التقدم، وتعكس هذه التجارب الطريقة التي تظهر بها التحيزات اللاواعية في مكان العمل، وثقافة تفوق ذوي البشرة البيضاء".

إقرأ أيضاً: أكثر المشاكل انتشاراً في أماكن العمل

5. عدم تحقيق التوازن بين العمل والحياة اليومية:

تقول "أدجوا": "شعر العديد من الزبائن الذين يعملون عن بعد، خلال فترة الجائحة على وجه الخصوص؛ بالفوضى وعدم القدرة على الفصل بين الحياة المهنية والشخصية، وقد أفادوا بشعورهم بالإرهاق من التوقعات التي ينتظرونها في مكان العمل، والضغط لإثبات أنَّهم يعملون من خلال حضورهم الدائم عبر الإنترنت، وفي أثناء العمل من المنزل، قد يتجاهل الزبائن الأمور التي يمكن أن تكون أكثر وضوحاً في مواقع العمل، مثل أخذ فترات راحة، وتناول الغداء، وترك العمل في الوقت المحدد".

6. الشعور بعدم التقدير:

تقول المعالجة النفسية "نانسي بالوما كولينز" (Nancy Paloma Collins)، في "كاليفورنيا" (California):

"يستهلك العمل جزءاً كبيراً من حياتنا اليومية؛ لذا نحن نحتاج إلى أن نشعر بالرضا والقناعة عن أدوارنا في مكان العمل، إذا لم يشعر الناس بالتقدير، عندما تتاح لهم الفرص للنمو، تزداد لديهم مشاعر الاستياء، والتي من الممكن أن تؤدي إلى الاكتئاب والتوتر والقلق.

شيء واحد يجب تذكُّره، هو أنَّنا جميعاً نتحكم في حياتنا الشخصية، وأنَّك بحاجة دائماً إلى البحث عن الأهداف والنمو، كما إنَّ خلق وتطوير شغفك خارج العمل أمر هام وهذا هو المفتاح للحد من عدم الرضى، فإذا لم يتم منحك الفرصة للنمو في العمل، فقد يكون الوقت قد حان لوضع خطة عمل وخلق تلك المساحة في حياتك الشخصية، مثل: عمل إضافي، وفن، وسفر؛ حيث يمكنك تلبية الحاجة وإقناع نفسك بفكرة أنَّ التطور والنمو لا نهائي في حياتك الشخصية أو دورك الوظيفي الجديد".

7. الشعور بالاحتراق الوظيفي:

تقول "ليزا أوربي أوستن" (Lisa Orbé-Austin)، عالمة النفس في مدينة "نيويورك" (New York City):

"لقد فقدوا حبهم لعملهم ولما يفعلونه، ولم يعودوا يشعرون بالدافع بعد الآن، حتى إنَّهم باتوا يشعرون بالإرهاق حقاً، كنوع من الكآبة، فهم يأتون إليَّ عادةً لأنَّهم يشعرون بالدهشة ممَّا يجري، ولكن بعد ذلك، عندما أبحث بشكل دقيق في تلك الحالة، يبدو الأمر وكأنَّه نوع من الاحتراق الوظيفي.

نبحث في الجلسات الظروف الدقيقة، لمحاولة فهم سبب الاحتراق الوظيفي، وفيما إذا كانت البيئة التي يعيشون ويعملون فيها تحتاج إلى هذا الجهد الكبير لدرجة الاحتراق، أو إذا كان هناك الكثير من ثقافات الاحتراق الوظيفي المعيارية حقاً.

أو نبحث في الحالات؛ حيث تكون أنت المتسبب لنفسك بالاحتراق الوظيفي من خلال الطريقة التي تتصرف بها في مكان العمل، على سبيل المثال: لا تتوقف أبداً، وتعمل في عطلات نهاية الأسبوع، ولا توجد فترات راحة أبداً، ولا توجد رعاية ذاتية؛ ولذلك، أنت تبحث حقاً في السبب الجذري لهذا، وتحاول معالجة ذلك".

المصدر




مقالات مرتبطة