ما هي الكتابة التعبيرية وما فوائدها؟

وفقاً للباحثَين "جيمس بينيبيكر" (James W. Pennebaker) و"جوشوا سميث" (Joshua M. Smyth) يمكن تصنيف معظم الأشخاص الذين يكتبون يومياتهم إلى قسمين؛ أولئك الذين يكتبون يومياتهم بانتظام إلى أن تصيبهم كارثة فلا يتمكنون من الاستمرار بعدها، وأولئك الذين تعتريهم الرغبة في الكتابة فقط حين يشعرون بالإحباط.



قد يقلق أفراد المجموعة الثانية، من أنَّ دفاتر يومياتهم كئيبة جداً، فلا أحد يريد حين يسترجع ذكرياته أن يقرأ عن أوقات الضغوطات والشكوك والخسائر، لكنَّهم في الحقيقة يمارسون دون أن يدركوا الكتابة التعبيرية؛ وهي ممارسة كانت موضوع مئات الدراسات خلال العقود الثلاثة المنصرمة، ووفقاً لتلك الأبحاث، للكتابة عن الصعوبات التي تواجهها أثر إيجابي في صحتك وعافيتك.

يُلخِّص بينيبيكر وسميث في النسخة الجديدة من كتابهما "الانفتاح عبر التدوين" (Opening Up by Writing It Down) التاريخ العلمي للكتابة التعبيرية وفوائدها وكيف يمكنك استخدامها بحيث تنفعك؛ فقد يساعدك هذا التمرين الكتابي على التعبير عن المشاعر والأفكار المؤلمة وبدء عملية التعافي حين تتعثر.

كيف تمارس الكتابة التعبيرية؟

التعليمات الأساسية للكتابة الإبداعية هي الكتابة دون توقف لمدة 20 دقيقة عن مشاعرك العميقة وأفكارك حول تحدٍ عاطفي في حياتك، وإطلاق العنان لنفسك في أثناء الكتابة واستكشاف الحدث الذي أثَّر فيك، وقد تلاحظ رابطاً بينه وبين طفولتك أو علاقتك مع والديك أو الأشخاص الذين تحبهم أو حتى مع حياتك المهنية.

لكي تستفيد من هذا التمرين إلى أقصى حد، خصص له وقتاً هادئاً لتتعمق داخل نفسك، وتذكَّر أنَّ الهدف ملاحظة أمور عن نفسك وصِلات جديدة بين عواطفك وليس مجرد التنفيس عن مشاعرك، وعلى الرغم من أنَّ المشاركين في الدراسة كتبوا عن أسرار يخجلون منها وأحداث مؤلمة جداً عاشوها، مثل التعرض لسوء المعاملة في الطفولة وتجاربهم في الحرب، لكن يمكنك أنت أن تكتب عن أيِّ أمر يزعجك أو يشغل بالك حالياً، على سبيل المثال، إليك بعض أنواع الكتابة التعبيرية التي ينصح بها بينيبيكر وسميث:

  • الكتابة لحل المشكلات: اكتب لمدة 10 دقائق عن مشكلة شخصية، ثم اقرأ الذي كتبته وحدد العراقيل الرئيسة التي تواجهها، ثم اكتب عن تلك العراقيل لمدة 10 دقائق أخرى واقرأ ما كتبته مجدداً؛ وفي النهاية اكتب لمدة 10 دقائق لتجميع الأمور التي تعلمتها.
  • الكتابة عن مخاوفك وهواجسك قبل النوم: مما قد يساعدك على النوم أسرع.
  • كتابة كلمة "قلق" وربطها بكلمات أخرى: وذلك عبر كتابة الموضوعات التي تخطر لك عند قراءتها، ثم اكتب الكلمات أو الموضوعات التي تخطر لك عند قراءة الكلمات الجديدة، وكرر ذلك بتتابع لمحاولة معرفة معنى القلق بالنسبة إليك.

على الرغم من أنَّ النصيحة التقليدية هي الكتابة لمدة 20 دقيقة ولأربعة أيام متتالية، إِلاَّ أنَّ الأبحاث تشير إلى أنَّ الكتابة لبضع دقائق قد تكون مفيدة أيضاً؛ إذ ينصح بينيبيكر وسميث تجريب الكتابة لجلستين على الأقل، حتى لو كان الفاصل بينهما 10 دقائق فقط؛ وذلك لأنَّ وقت الاستراحة هذا يسمح لدماغك بالمعالجة والدمج؛ ويختار بعض الأشخاص الكتابة عن المشكلة نفسها مراراً وتكراراً واستكشافها من وجهات نظر جديدة في كل مرة، بينما يكتب آخرون عن موضوعات مختلفة خلال كل جلسة.

من ناحية المضار المحتملة للكتابة التعبيرية، لا يزال الباحثون يحاولون تحديد من هم أكثر المستفيدين من هذه الممارسة، وتشير بعض الأدلة غير القاطعة إلى أنَّ الأشخاص الأقل احتمالاً أو ميلاً للإفصاح عن مشاعرهم في الحياة اليومية، هم أكثر من يستفيد من الكتابة التعبيرية، بينما تشير أبحاث أخرى إلى أنَّ الكتابة التعبيرية قد لا تكون مفيدة حين تكون الصدمة حديثة جداً أو في طور الحدوث.

حالياً أنت أفضل مرشد لنفسك في هذا الموضوع، فإذا راودك شعور جيد عند الكتابة فاكتب، أما إذا لم تشعر بأنَّك مستعد أو شعرت أنَّ الكتابة تدفعك إلى اجترار الأفكار أو تمنعك من إجراء تغييرات هامة في حياتك، فقد لا تكون الكتابة التعبيرية مناسبة لك.

إقرأ أيضاً: كيف غيَّرت كتابة اليوميَّات بخط اليد حياتي؟

فوائد الكتابة التعبيرية:

كما قد تتوقع، الكتابة عن مشاعر الخوف أو الحزن أو الغضب ليست أمراً ممتعاً، ولعلَّ هذا هو سبب عدم تمكُّن - حتى الأشخاص الذين يكتبون يومياتهم بانتظام - من حمل أنفسهم على ممارستها؛ إذ تشير الدراسات إلى أنَّ الشخص الذي يمارس الكتابة التعبيرية قد يشعر بالحزن والقلق بعدها مباشرة، لكنَّ للتأثيرات طويلة الأمد أمر مختلف.

في الدراسات الأولى عن الكتابة التعبيرية، دعا الباحثون المشاركون للكتابة إما عن صدمة عاشوها أو عن موضوعات غير هامة لمدة أربعة أيام متتالية؛ وفي النتيجة كان الشعور بالمعنى أقوى لدى الأشخاص الذين كتبوا كتابة تعبيرية مقارنة مع الذين كتبوا عن موضوعات غير عميقة، وكانت مناعتهم أفضل بعد ستة أسابيع من تمرين الكتابة، وزياراتهم للطبيب أقل خلال نصف العام عقب التجربة، لا تزال الأبحاث جارية عن كيفية تحسين الكتابة التعبيرية للصحة بالضبط إلى الآن، ولكن يبدو أنَّها تحمي من الآثار المؤذية للتوتر والاجترار.

قد تساعدك الكتابة التعبيرية على الحصول على وظيفة؛ حيث كتب مهندسون خسروا وظائفهم مؤخراً في دراسة أخرى عن أفكارهم ومشاعرهم حول فصلهم من العمل، وبعد سبعة أشهر، حصل أكثر من نصفهم على وظيفة جديدة؛ أي ثلاثة أضعاف عدد الأشخاص من المجموعات الأخرى في الدراسة الذين كتبوا عن إدارة الوقت أو لم يكتبوا أيَّ شيء، مع العلم أنَّ المشاركين في كل مجموعة أجروا عدد المقابلات نفسه تقريباً؛ ويعتقد الباحثون أنَّ الكتابة التعبيرية سمحت للمهندسين بالتعبير عن غضبهم والتعامل معه؛ لذا تركوا انطباعاً أفضل خلال المقابلات عند الحديث عن رب عملهم السابق.

كما تشير الأبحاث إلى أنَّ الكتابة التعبيرية قد تساعد الطلاب على التأقلم مع التغييرات الجديدة على حياتهم عند دخولهم الجامعة، وأنَّ فوائدها الصحية قد تدوم لأربعة أشهر، فتُحسِّن الذاكرة العاملة إضافة إلى معدلات الطلاب ونتائجهم في الاختبارات الموحدة.

أكثر فوائد الكتابة التعبيرية المثيرة للحماسة هي للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الصحة العقلية أو الأمراض المزمنة؛ فوفقاً لإحدى الدراسات، قد يلاحظ الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب تراجعاً في أعراضه لمدة تصل إلى شهر بعد تجريب هذه الممارسة، وتشير بعض الأدلة إلى أنَّها قد تفيد المصابين باضطراب ما بعد الصدمة، كما قد تُريح الكتابة التعبيرية من يعاني من الربو والتهاب المفاصل الروماتويدي والألم العضلي الليفي ومتلازمة القولون العصبي، وتساعد على خفض ضغط الدم المرتفع، وتقوي مناعة المصابين بنقص المناعة، وتُحسِّن نوعية حياة مرضى السرطان والنوبات القلبية.

إقرأ أيضاً: انفوغرافيك: 9 نصائح لتجاوز الصدمات العاطفية عن طريق الكتابة

سبب فاعلية الكتابة التعبيرية:

يعترف بينيبيكر وسميث: "لا زلنا لا نملك تفسيراً ثابتاً لسبب فاعلية الكتابة التعبيرية أو عدم فاعليتها"، لكنَّ الدراسات الأولية والتعليقات من عشرات المشاركين في الدراسات، تشير جميعها إلى أنَّ الكتابة عن تجاربهم وعدم كبتها له تأثير قوي.

يجادل المؤلف "ديفيد آلين" (David Allen) في كتابه الشهير "إنجاز الأمور" (Getting Things Done) بأنَّ كتابة قوائم المهام ضروري لتدوين المهام خارج ذهننا، مما يفسح المجال لتأخذ أفكار أهم مكانها، فتتمكن من التركيز على أفكارك الإبداعية عوضاً عن تذكُّر المهام.

يقترح بينيبيكر وسميث أنَّ عملية مشابهة تجري في حالة التجارب السلبية، فإذا بقيت الأفكار المؤلمة تحوم في ذهننا، فسنعود إليها مراراً؛ وذلك لأنَّها ستطالب بانتباهها على أمل حلها ومعالجتها، ويشرحان: "أحد أسباب تفكيرنا بهوس في تجربة مقلقة هو في كثير من الأحيان أنَّنا نحاول فهمها"؛ وحين نحاول فهمها عبر الكتابة، ستهدأ أفكارنا، وتصبح تجربتنا أشبه بقصة يمكننا الاستماع لها وترك مسافة بيننا وبين الذي حصل إلى حد، وهذا يتيح للعقل ممارسة أمور صحية، مثل الحصول على نوم جيد ليلاً والتواصل مع الآخرين.

حين نكتب عن أفكارنا ومشاعرنا نحن لا ننقلها فحسب؛ بل نغيرها أيضاً؛ إذ تجبرنا الكتابة على ترتيب أفكارنا بتسلسل الواحدة تلو الأخرى، ومع مرور الوقت، نبدأ بملاحظة السمات والأنماط، والتوصل إلى وجهات نظر جديدة وإدراك أمور جديدة.

أجرى الباحثون تحليلاً نصياً لعينات من الكتابة التعبيرية، ولاحظوا نمطاً مثيراً للاهتمام؛ حيثُ يستخدم المشاركون الذين يستفيدون أكثر، عدداً أكبر من الكلمات المعرفية تدريجياً، مثل كلمات "أثر" و"منطق" و"أدرك" و"أعرف"، خلال جلسات الكتابة المتتالية؛ أي يمكن ملاحظة انتقالهم بوضوح من الشعور والمعاناة إلى التفكير والفهم مع مرور الوقت؛ ومن المثير للاهتمام أكثر أنَّ الأشخاص الذين يستخدمون كميات كبيرة من الكلمات المعرفية منذ البداية لا ينتهي بهم المطاف بالاستفادة؛ إذ يبدو أنَّهم  يكونون عالقين في حالة معينة لا يتفاعلون فيها بعمق مع مشاعرهم فلا يتمكنون من الانتقال إلى المرحلة التالية.

بالطبع، كما يعترف المؤلفون، أفضل شيء يمكننا فعله خلال أوقات الشدة هو مشاركة أفكارنا ومشاعرنا مع الأشخاص الذين نثق بهم، لكنَّ هذا غير ممكن دائماً، ففي بعض الأحيان لا يمكننا مشاركة السر؛ وذلك لأنَّه لا يخصنا وحدنا، أو لخوفنا من استجابة الآخرين، وتكون الكتابة في هذه الحالات ثاني أفضل حل، كطريقة للتعبير دون المشاركة، والكشف دون التعرض للحكم، ومعالجة الوقائع على انفراد، وإذا كانت مفكرتك مليئة بالمعاناة والألم، فهذا ليس أمراً يستدعي الخجل.

المصدر




مقالات مرتبطة