ما هي أماكن العمل التي توفر الرعاية لحالات الصدمة؟

تعرَّض الموظَّفون حول العالم لصدمات على جميع المستويات، بدءاً من جائحة كوفيد-19 إلى ممارسات التمييز العنصري، فالصدمة تبقى صدمة، مهما كانت كبيرة أو صغيرة، وقد ذكَرَت "منظمة الصحة العالمية" (WHO) أنَّ سوء الصحة النفسية يُكلِّف الاقتصاد العالمي أكثر من تريليون دولار سنوياً لمعالجته.



لقد وضع تأثير جائحة كورونا الاهتمام بالسلامة النفسية للموظفين في مكان العمل في مقدمة أولويات القادة التنظيميين، فقد تسبَّبَت هذه الجائحة في نشوء حالة طوارئ تتعلق بالصحة النفسية؛ حيث ذكر حوالي أربعة من كل عشرة أشخاص بالغين في الولايات المتحدة أنَّهم يتعرضون لأعراض مرتبطة بالقلق أو الاكتئاب، مقارنة بشخص واحد من كل عشرة أشخاص بالغين كانوا يعانون من هذه الأعراض في عام 2019.

مع عدم القدرة على تنبؤ الموقف ووجود عرقلة في التعامل معه، تمحورت المحادثات التنظيمية حول استكشاف كيفية تقديم الدعم للصحة النفسية للموظفين وللصدمات التي يتعرضون لها بشكل فعَّال في أثناء مواجهتنا لهذه التحديات الجديدة؛ حيث أفادت منظمة الصحة العالمية أنَّه عندما تعزز أماكن العمل الصحة النفسية للموظفين وتدعمهم، فمن الأرجح أن تنخفض حالات تغيُّبهم عن العمل، وتتعزز الإنتاجية، وتستفيد الشركة من المكاسب الاقتصادية.

يجب على قادة المؤسسات أن يكتسبوا فكرة واضحة عن أبعاد الصدمة، على المستوى الكلي من حيث الحوادث التي يتعرض لها الموظفون، وعلى المستويات الجزئية للصدمات اليومية وكيف تؤثر هذه الأبعاد في سلامة الموظَّفين وأدائهم.

إليك كيف يمكن للقادة البدء بعملية اكتساب فكرة واضحة عن أبعاد الصدمة:

1. إعطاء الأولوية للحفاظ على الصحة النفسية الجيدة كجزء أساسي من الثقافة التنظيمية:

يُعَدُّ "آي إس أو 45003" (ISO 45003) أول معيار دولي متعلق بالصحة النفسية، والسلامة في العمل؛ حيث يُقدِّم هذا المعيار نصائح عملية عن تحديد النقاط التي تنشأ فيها مخاطر الصحة والسلامة النفسية في مكان العمل، والإجراءات التي يمكن أن تتخذها المنظمات للتخفيف من القلق، والاحتراق الوظيفي، وانخفاض الإنتاجية.

يمكن لجميع المؤسسات، بصرف النظر عن حجمها أو مجال عملها، التركيز على فهم مصادر الضرر التي يمكن لمكان العمل السيطرة عليها؛ حيث إنَّ دمج هذا المعيار في ثقافة مكان العمل يمكن أن يساعد على اكتشاف المخاطر المحتملة على الصحة العقلية للموظفين من خلال التشاور معهم، ومراجعة عمليات التوظيف والإعداد، وتحليل استبيانات العمال للمساعدة على ابتكار الحلول وخلق ثقافة تُعنى بالرعاية الصحية والنفسية.

2. البداية من القادة:

لكي يتمكَّن الموظفون من البقاء بصحة جيدة في مكان العمل، فلا بُدَّ أن تعمل على خلق بيئات تعزز المحادثات الشفافة حول التعامل مع الإجهاد والحفاظ على الصحة النفسية؛ حيث إنَّ التحقق من أداء القادة يحدد الطريقة التي تُمكِّن الموظفين من الحصول على الدعم المهني.

إقرأ أيضاً: كيف يمكن للمديرين تعزيز الصحة النفسية لموظفيهم؟

3. الوصول إلى الدعم المهني داخل مكان العمل:

يؤدي كوتشز الصحة النفسية والسلامة دوراً بالغ الأهمية في تعزيز فهم الصدمات على مستوى الفريق والفرد، وتقديم تمرينات تشاركية للمساعدة على تنمية بيئة للشعور بالانتماء والسلامة النفسية في مكان العمل، كما يمكن للأفراد تعلُّم كيفية دعم زملائهم الذين قد يعانون من آثار الصدمة ومنح القادة الثقة لمعرفة ما يجب القيام به في حال إظهار سلوكات ناجمة عن الصدمات، والحد من الشعور بالعجز، ومساعدة الموظفين على الشعور بالأمان.

وكثيراً ما تساعد برامج دعم الزملاء في التعامل مع الصدمات التي يتعرض لها الموظفون في مكان العمل، كما تؤدي إلى تعزيز التعاون والمرونة.

في عام 2021، عرضَت الشركة المسؤولة عن تقديم خدمة "زندسك" (Zendesk) على الموظفين سهولة الوصول إلى الخدمات، بما في ذلك الكوتشينغ، والاستشارة، ومقاطع الفيديو، بالإضافة إلى ذلك، عملَت شركة "إرنست ويونج" (EY) على تعزيز برنامج الصحة النفسية الذي تقدمه من خلال 25 جلسة مجانية لتقديم المشورة أو جلسات الكوتشينغ في مجال الحفاظ على الصحة النفسية لكل موظف مع عائلته سنوياً.

4. إرساء ثقافة الرعاية داخل فريقك:

يحتاج المديرون والمشرفون إلى التدريب وتلقِّي الدعم ليكونوا واثقين من قدرتهم على تحديد علامات الاضطراب التي تبدو على الموظفين والاستجابة لحالتهم هذه بتعاطف وحنان؛ لذا يجب على المديرين أن يكونوا قدوة يُحتذى بها، وأن يشجعوا فريقهم على تبني عادات عمل صحية وأن يكونوا واضحين بشأن السياسات والممارسات التنظيمية المتعلقة بالصحة والسلامة.

يجب على القادة العمل على إعادة صحة الموظفين النفسية إلى طبيعتها من خلال التواصل المنتظم معهم، ووضع بند موحد في جدول الأعمال في أثناء اجتماعات الفريق لمناقشة السلامة الجماعية له، ووضع خطة عمل لتحديد العوامل والاستراتيجيات التي يشعر بها الأشخاص بالدعم.

بصفتنا رواد أعمال، فإنَّ التأكد من الحفاظ على الصحة النفسية يجب أن يندرج في جدول الأعمال على جميع المستويات، ويمكن للقادة تبادل مقاطع الفيديو حول الصدمات والرعاية الذاتية خلال اجتماعات الفريق وتوفير الوصول إلى أدوات مثل كتب التقييم الذاتي للاكتئاب أو الدورات التدريبية أو النشاطات عبر الإنترنت التي تركز على الوعي.

إقرأ أيضاً: 6 توجهات تشكل مستقبل الرعاية الصحية

5. تعزيز الإيجابية:

يمكن أن تساهم برامج التقدير مساهمة إيجابية في اكتساب ثقافة الرعاية الذاتية، وبناء المرونة، وتعزيز الثقة بين الموظفين، فعندما يدرك القادة القيم والسلوكات المناسبة، فإنَّ جرعات صغيرة من الطاقة الإيجابية قادرة على إحداث فارق، على سبيل المثال: الاعتراف بالنجاح، والاحتفاء بتحقيق التقدم، وتسليط الضوء على الإنجازات في عالم يبدو كئيباً يمكن أن يمنح العمال القوة ويبني احترام الذات.

ركزَت شركة "باسيفيك للغاز والكهرباء" Pacific) Gas and Electric Company) على إجراء تواصل واضح على مستوى الشركة من خلال مقاطع الفيديو، والندوات عبر الإنترنت، والمدونات الصوتية ورسائل البريد الإلكتروني، والمكالمات الأسبوعية للموظفين، مؤكِّدةً من جديد أهمية إعطاء الموظفين الأولوية للحفاظ على صحتهم النفسية والوصول إلى الدعم عند الحاجة.

بالإضافة إلى ذلك، فقد تبنوا مشاركة قصص الموظفين وأنشؤوا مجلساً افتراضياً للتعبير عن الامتنان.

شاهد بالفيديو: 9 طرق لتزيد الإيجابية في حياتك

6. بناء مراكز التعلُّم:

يمكن للمنظمات دعم الصحة النفسية لجميع الموظفين ومساعدة الذين يتعرضون للصدمات منهم؛ وذلك من خلال إنشاء مركز تعليمي يشارك المصادر حول التعامل مع الصدمات، والقلق، والإجهاد، والرعاية الذاتية، والتعامل مع المشاعر الصعبة، والحصول على الدعم من الهيئات المهنية.

على سبيل المثال: يمكن للمدير التنفيذي تسجيل رسالة ومشاركة كيفية وقوف الشركة إلى جانب الموظفين الذين يعانون من الصدمات أو تحديات الصحة النفسية والموارد المتاحة في مكان العمل؛ لذا قدِّم بياناً جريئاً والتزاماً تجاه موظفيك بأنَّك ستصغي دائماً إليهم إذا أرادوا التواصل لمناقشة القضايا الحساسة أو التحديات التي تواجهها المنظمة حول هذه الموضوعات.

تدمج منصة الصحة النفسية "مودرن هيلث" (Modern Health) خدمات تقييم منظمة الصحة العالمية للسلامة، ومجموعات العافية ذاتية الخدمة، وشبكة عالمية من الكوتشز والمعالجين المعتمدين المتاحة بـ 35 لغة، كل ذلك في تطبيق واحد.

وفي الآونة الأخيرة، أنشأَت منصة "مودرن هيلث" حلقات، وهي جلسات مباشرة يقودها مزود خدمات؛ حيث يمكن للأفراد التعرف إلى الموضوعات التي تؤثر في السلامة والمشاركة والتواصل مع الآخرين ووضع المهارات موضع التنفيذ.

7. دمج خطط عمل العافية:

تتمثل إحدى الطرائق الاستباقية لإدارة الصحة النفسية في العمل على تطوير وتنفيذ أداة عملية مخصَّصة تُسمَّى "خطة عمل العافية" (WAP)؛ حيث يسمح هذا النظام القائم على الأدلة للأفراد بتحديد ما يبقي الموظفين في حالة جيدة في العمل، وما الذي يمكن أن يؤدي بهم إلى الشعور بالمرض، ونوع الدعم الذي يرغبون في الحصول عليه من مديرهم للمساعدة على التعافي وتعزيز السلامة.

يسمح فتح حوار بين المدير والموظف للطرفين كليهما بفهم احتياجات وخبرات الموظفين بشكل أفضل؛ حيث يمكن للمنظمات دمج هذه المناقشات والأدوات القائمة على الأدلة لجعل المحادثة جزءاً من استراتيجية السلامة الخاصة بهم في أثناء عملية الاستقراء التي يجرونها.

إنَّها تحدد رسالة لا لبس فيها منذ البداية مفادها أنَّ القوى العاملة هامة، ويشارك الموظف إشارات إنذار مبكرة ومحفزات في مكان العمل والدعم اللازم والخطوات الإيجابية والإجراءات التي سيتخذها الطرفان كلاهما إذا كان الموظف يعاني من اضطراب في الصحة النفسية، كل ذلك خلال محادثة خطة عمل العافية.

نظراً لأنَّ الكثير من الموظفين يواصلون العمل من المنزل بسبب جائحة فيروس كورونا، فمن الهام أكثر من أي وقت مضى التفكير فيما يبقيك بصحة جيدة وتحديد ما يمكن أن يؤثر في صحتك خلال هذا الوقت.

المصدر




مقالات مرتبطة