ما هو التيسير الاجتماعي ولماذا هو هام؟

هل سبق أن سمعت بمصطلح "التيسير الاجتماعي"؟ أو أنَّك لم تسمع به من قبل؟ هو من المصطلحات غير الشائعة، رغم أنَّنا نعيشه يومياً، تابع معنا في هذا المقال لتُشبع الفضول الذي انتابك الآن.



مفهوم التيسير الاجتماعي:

مفهوم التيسير الاجتماعي: مفهوم نفسي يُفسِّر ميل الفرد إلى أداء أفضل وإنتاجية أعلى؛ وذلك عند وجوده بين الآخرين؛ سواء من خلال العمل معهم أم من خلال الأداء أمام جمهور، أمَّا المفهوم المُعاكس للتيسير الاجتماعي، فهو مفهوم التثبيط الاجتماعي؛ ويشير إلى الأثر السلبي لوجود الآخرين في أداء الفرد.

غالباً ما يرتبط الأمر بمدى إلمام الفرد بالمهمة التي يُؤدِّيها، فكلَّما كان مُلمَّاً ومتمكِّناً منها، كان أداؤه أفضل وأكثر ثقة أمام الآخرين، وعلى العكس كلَّما قلَّ إلمام الفرد بالمهمة التي يؤديها أمام الآخرين؛ ضعُف أداؤه.

أمثلة عن التيسير الاجتماعي:

  1. الموسيقي أو الفنان أو الممثل الذي يُبدع أمام الجمهور، ويُقدم أداء أفضل.
  2. أنَّك تدرس وتلتزم أكثر في حال ذهبت للدراسة في المكتبة مع مجموعة طلاب غيرك، بدلاً من بقائك في المنزل.
  3. التيسير الاجتماعي للطعام؛ وهو ظاهرة ميل الفرد إلى تناول الطعام بصحبة العائلة أو الأصدقاء، بكمية أكبر من تناوله الطعام وحده.

أنواع التيسير الاجتماعي:

يوجد نوعان من التيسير الاجتماعي:

النوع الأول: تأثيرات العمل المشترك

يُقصَد بالعمل المشترك عندما يتشارك الفرد مع الآخرين في أداء المهمة، ويُحسِّن هذا النوع من أداء الفرد بسبب المنافسة التي تُخلَق بينه وبين المشتركين معه في العمل.

النوع الثاني: تأثيرات الجمهور

هو العمل الفردي لكن أمام الجمهور، وهو ما يجعل أداء الفرد أفضل لأنَّه يزيد من حماسته.

العوامل المؤثرة في التيسير الاجتماعي:

يُمكن تلخيص العوامل المؤثِّرة في التيسير الاجتماعي بما يأتي:

  1. صعوبة أو سهولة المهمة: إذ يجعل التيسير الاجتماعي أداء الفرد أفضل في المهمات السهلة، وقد يُضعفه في المهمات الصعبة.
  2. احترام الذات: يتحسن أداء الفرد الواثق بنفسه في أثناء وجود الآخرين، بينما يُضعِف أداء الفرد غير الواثق بنفسه.
  3. يؤثِّر دعم الجمهور ونوعيته ومدى قربه وحجمه في التيسير الاجتماعي، فمثلاً قد يرفع رافع الأثقال وزناً أكبر بسبب تشجيع وحماسة الجمهور.

شاهد بالفديو: 7 خطوات تضمن لك التّحفيز الذاتي للنجاح

تاريخ نظرية التيسير الاجتماعي:

تناول العديد من العلماء دراسة موضوع التيسير الاجتماعي، ومن أبرزهم:

1. نورمان تريبليت:

طُرِحت فكرة التيسير الاجتماعي لأول مرة من قِبَل نورمان تريبليت عام 1898، الذي بدأ بإجراء التجارب عن هذا الموضوع، وكانت أول تجاربه عن راكبي الدراجات وقياس وقت ركوب الدراجات في حالات مختلفة، ففي الحالة الأولى سمح لهم بالتسابق الفردي؛ أي أن يُنافس الفرد نفسه، أمَّا الحالة الثانية سمح لراكبي الدراجات بالتسابق فيما بينهم والتنافس ضد بعضهم بعضاً.

بمقارنة نتائج الحالتين لاحظ أنَّ وقت سباق راكبي الدراجات كان أقصر عند تنافسهم مع بعضهم بعضاً مُقارنةً بالوقت الذي استغرقوه في حالة التسابق الفردي، أيضاً أجرى نورمان تجربة على مجموعة من الأطفال وطلب منهم الصيد بشكل منفرد وبشكل جماعي، فلاحظ أنَّ أداء الطفل في الجماعة تفوَّق على أدائه منفرداً.

2. فلوريد ألبورت:

أجرى الدكتور فلويد ألبورت مجموعة من التجارب عن التيسير الاجتماعي، وعلى نمط نورمان تريبليت أجرى ألبورت تجاربه في حالتين مختلفتين؛ الأولى بأن يؤدي الفرد مهمة ما وحده، والثانية ضمن مجموعة أشخاص آخرين، وقد أثبتت نتائج تجاربه أنَّ أداء الفرد ضمن مجموعة يكون أفضل من أدائه وحده.

3. روبرت زاجونك:

لا يُمكن أن تبحث عن مفهوم التيسير الاجتماعي دون أن يظهر لك اسم الباحث روبرت زاجونك؛ الذي تحدَّث عن فكرة أنَّ قدراتنا وأفكارنا عن أنفسنا هي من تُحدِّد تأثير التيسير الاجتماعي فينا سواء كان إيجابياً أم سلبياً، واكتشفَ ذلك من خلال تجارب أدَّى فيها الفرد مهمة أمام مجموعة أشخاص، لكن في المرحلة الأولى سمح له بأداء مهمة مُتقِن لها، وفي المرحلة الثانية كُلِّفَ بمهمة جديدة غير مُتقِن لها، وعند مقارنة النتائج لاحظ أنَّ أداء الفرد في المرحلة الثانية "المهمة غير المُتقنة" كان أسوأ من أدائه في المرحلة الأولى "المهمة المُتقنة"؛ وفسَّر زاجونك سبب الأداء المنخفض للفرد في المرحلة الثانية هو شعوره بأنَّه غير واثق بقدرته على أداء مهمة جديدة غير مُتقِن لها أمام الآخرين، فالشعور بعدم الأمان يجعل الميل إلى ارتكاب الأخطاء أكبر.

إقرأ أيضاً: مقياس مراقبة السلوك لتقييم الأداء

نظريات التيسير الاجتماعي الفرعية:

أدت تجارب وآراء العلماء إلى تكوين نظريات للتيسير الاجتماعي وهي:

1. نظرية التنشيط وفرضيَّة اليقظة:

قدَّم الدكتور روبرت زاجونك كل من نظرية التنشيط التي تقول إنَّ الفرد يشعر بإثارة أكثر عند وجود أشخاص آخرين؛ مما يجعله يشعر بدافع أعلى لتحسين أدائه، وفرضيَّة اليقظة التي تشرح أنَّ الفرد سيكون في حالة يقظة عندما يتعيَّن عليه القيام بمهمة معقدة؛ مما قد يُسبِّب ضعف أدائه أمام الآخرين.

2. نظرية التوجُّه الاجتماعي:

تُشير نظرية التوجُّه الاجتماعي إلى اختلاف توجُّه الأفراد إلى المواقف الاجتماعية؛ إذ نصَّت النظرية على أنَّ الفرد الذي يمتلك توجهاً اجتماعياً إيجابياً يتحسَّن أداؤه بوجود الآخرين، أما من لديه توجُّه اجتماعي سلبي وخوف من الأخرين وتدنِّي احترام الذات؛ يضعف أداؤه بوجود الآخرين.

3. فرضيَّة الإلهاء والصراع:

هي الفرضيَّة التي حاول روبرت بارون أن يشرح فيها كيف يُمكن أن يكون وجود الأشخاص حول الفرد مصدرَ إلهاء؛ فتخيَّل أن تكون في موقفٍ مطلوب منك فيه إنهاء مهمة معقدة تتطلَّب التركيز الكامل، ولكنَّك موجود ضمن مجموعة أشخاص يراقبونك كيف تتحدث وماذا تفعل، ويُصدرون أصواتاً مُحدثين ضوضاء من حولك؛ مما يجعلك في بيئة غير جيدة للعمل والتركيز ومن ثم حُكماً سيتأثر أداؤك بشكل سلبي.

4. فرضيَّة الحمل الزائد:

هي الفرضية المُطوَّرة من فرضية الإلهاء والصراع؛ إذ تشرح هذه الفرضية أنَّ الإلهاء والضوضاء الصادرة عن البيئة من حولنا تُحدِث حملاً زائداً على أدمغتنا؛ مما يؤثر سلباً في أدائنا.

لكنَّ هذه الفرضيَّة تُشير إلى حدوث الحالة المخالفة عند تأدية الفرد لمهمة بسيطة؛ فليس للمُشتتات في هذه الحالة أي تأثير في أداء الفرد؛ بل يُمكن أن تجعله يُركِّز أكثر فيما هو هام.

إقرأ أيضاً: كيف تتخلص من مصادر التشتيت؟

5. نموذج حلقة التغذية الراجعة:

التغذية الراجعة هي ردود أفعال الآخرين، وتشرح هذه النظرية كيف يُصبح الفرد أكثر وعياً ودقةً وتركيزاً في المواقف التي يلاحظه فيها الآخرون وينتظر فيها تلقي ردود فعل إيجابية؛ لذا نجده يسعى إلى تقديم أفضل أداء لديه.

شاهد بالفديو: كيف تقدم تغذية راجعة بناءة في مكان العمل؟

لماذا تحتاج إلى طلب التغذية الراجعة؟ وكيف تستخدمها؟
لماذا تحتاج إلى طلب التغذية الراجعة؟ وكيف تستخدمها؟

6. نهج العرض الذاتي:

يشرح نهج العرض الذاتي نظريتين عن التيسير الاجتماعي؛ الأولى تتعلق بالإثارة أو القيادة، وتقول هذه النظرية إنَّ وجود الجمهور يُنشِّط الاستثارة، كما يدفع الإحراج المحتمل الفردَ إلى تقديم أفضل ما لديه والظهور بأفضل صورة أمام الجمهور، أما النظريَّة الثانية فترى أنَّ المسألة ليست إثارة؛ وإنَّما هي استجابة؛ إذ يميل الفرد إلى أن يظهر كفوءاً أمام الجمهور، أما في حال كانت المهمة صعبة، فقد تكون استجابته على شكل خوف من ألَّا يكون كفوءاً، ويقع في التلبُّك والإحراج؛ مما يؤثر سلباً في أدائه.

مفاهيم ذات الصلة بالتيسير الاجتماعي:

1. قانون يريكس- دودسون:

يشرح قانون يريكس- دودسون أنَّ أداء الفرد يختلف تبعاً إلى مدى سهولة أو صعوبة المهمة، ومدى دراية الشخص بها.

فمثلاً إن كنتَ قد درستَ وحضَّرت جيداً للامتحان، ففي وقت الامتحان الفعلي سيكون أداؤك أفضل مما لو كنتَ تختبر نفسك في المنزل؛ وذلك لأنَّ الامتحان يزيد من يقظتك وتركيزك، بينما لو تخيَّلت أنَّه لديك امتحان ولكنَّك بالكاد درست وحضَّرت له، فإنَّ أداءك سيكون أسوأ في الامتحان الفعلي مما لو كنتَ تختبر نفسك في البيت؛ وذلك لأنَّك تكون في موقف صعب وتوتُّر شديد، ومطلوب منك معلومات لست متمكناً منها.

إقرأ أيضاً: القلق قبل الامتحان: أسبابه، وكيفية التخلص منه

2. التسكع الاجتماعي:

يرتبط مفهوم التسكع الاجتماعي بمفهوم التيسير الاجتماعي ولكنَّه يختلف عنه؛ إذ يُشير التسكع الاجتماعي إلى فكرة أنَّ أداء الأفراد ضمن مجموعة يتأثر في وجود شخص واحد هو محور نجاح أو فشل المجموعة؛ أي لو افترضنا وجود مجموعة أشخاص يعملون معاً، ولكنَّ شخصاً واحداً من بينهم هو من يتحمَّل مسؤولية نجاح أو فشل العمل، حينها غالباً ما سينخفض أداء باقي أفراد المجموعة ويميلون إلى التسكع؛ وذلك بسبب شعورهم بمسؤولية أقل تجاه النتيجة.

لماذا التيسير الاجتماعي هام؟ ما هي آثار التيسير الاجتماعي؟

تأتي أهمية التيسير الاجتماعي من كونه:

  1. يفسِّر ويشرح استجابات الفرد الإنسانية عند وجود أفراد آخرين.
  2. يمكن استغلال التيسير الاجتماعي في تحسين أدائنا، فبعد أن نفعل أمراً ما وحدنا ونُتقنه، يُمكننا الانتقال إلى أدائه ضمن مجموعة أو أمام جمهور؛ وذلك حتى نزيد من حماستنا ونُحسِّن أداءنا.
  3. يُمكن الاستفادة من التيسير الاجتماعي في تحفيز الطالب بين طلاب الصف، أو تشجيع الموظف في تقديم أفضل أداء لديه بين زملائه.

في الختام:

إنَّ التيسير الاجتماعي ظاهرة نفسية، ويُمكن الاستفادة منها واستغلالها لمصلحتنا؛ وذلك عند الشعور بأنَّ العمل مع الآخرين أو أمام الجمهور يُشعرنا بالحماسة، ويُحسِّن من أدائنا، ويزيد من إنتاجيتنا، وبالمقابل تجنُّب التيسير الاجتماعي في المواقف التي نشعر فيها بأنَّه يُعوقنا أو يُقلِّل من أدائنا.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة