ما مقدار الذكاء الذي يتطلبه النجاح منك؟

ما مدى الذكاء الذي تحتاج إليه لتصبح رائد أعمال ناجح؟ وإلى أي حد يجب على البرنامج التدريبي أن يكون جيداً لتصبح رياضياً محترفاً؟ وإلى أي مدى يجب أن يكون برنامج إنقاص الوزن احترافياً لتتمكن من حرق الدهون؟



هذه أسئلة لا نسألها لأنفسنا كثيراً، ولكنَّها جزء لا يتجزأ من معتقداتنا وأفعالنا في العديد من مراحل الحياة؛ فغالباً ما نعتقد أنَّ سبب عدم نجاحنا هو أنَّنا لم نعثر على الاستراتيجية الصحيحة، أو لأنَّنا لم نُولَد بالمواهب المناسبة، ولعلَّ هذا صحيح؛ ولكن هناك جانب آخر للقصة.

"النمل الأبيض":

بدأ عالم نفس يعمل في جامعة ستانفورد (Stanford University) يُدعَى لويس تيرمان (Lewis Terman) في عام 1921 مَهمَّة إجراء دراسة بحثية لم يُجرَ مثيلها قَط، حيث بدأ "تيرمان" بالعثور على أكثر 1000 طالب ذكاء في كاليفورنيا بين الصف الثالث والصف الثامن وفقاً لمقياس معدل الذكاء؛ وبعد الكثير من الاختبارات والبحث، جمع عينة نهائية تتكون من 856 فتى و672 فتاة، وأصبح الأطفال معروفين باسم "النمل الأبيض" (The Termites).

بدأ "تيرمان" وفريقه اختبار الأطفال بكل طريقة ممكنة، فقد راقبوا معدلات ذكائهم، وأحصوا عدد الكتب التي يمتلكها كل طالب في منزله، وسجلوا تاريخهم الطبي، وما إلى ذلك؛ ولكن هذه كانت مجرد بداية.

ما جعل دراسة "تيرمان" فريدة من نوعها هو أنَّها كانت أول دراسة بحثية طولية؛ إذ استمر "تيرمان" في مراقبة الأطفال الذين خضعوا إلى الدراسة وإجراء اختبارات لهم لسنوات بعد ذلك، فجمعت الدراسة المعروفة الآن باسم الدراسات الجينية للعباقرة بيانات ومعلومات عن الطلاب على مدار حياتهم، كما جمع "تيرمان" بيانات إضافية في أعوام 1928، و1936، و1940، و1945، و1950، و1955؛ وبعد وفاته في عام 1956، واصل زملاؤه تعقُّب "النمل الأبيض" في أعوام 1960، و1972، و1977، و1982، و1986.

باختصار: بدأت الدراسة بمجموعة أكثر الأطفال ذكاء في ولاية كاليفورنيا بالكامل، ثم راقبت النجاحات التي أحرزوها طيلة حياتهم؛ وبعد عقود من الزمان، اكتشف الباحثون أموراً مثيرة للاهتمام.

إقرأ أيضاً: 9 إشارات علمية تدلّ على أنَّك أذكى من الناس العاديين

نظرية العتبة (الحد الأدنى):

لقد كانت أفضل مَن تحدث عن الاكتشاف المذهل الذي نتج عن دراسة "تيرمان" هي الباحثة والطبيبة في مجال الإبداع هي نانسي أندريسين (Nancy Andreasen)، والتي وصفته بنظرية العتبة: "رغم أنَّ العديد من الأشخاص يساوون الذكاء بالعبقرية، لكنَّ الاستنتاج الحاسم الذي توصلت إليه دراسة "تيرمان" قد أظهر أنَّ الحصول على معدل ذكاء مرتفع لا يعادل القدرة على الإبداع بدرجة عالية، وقد عززت الدراسات اللاحقة التي أجراها باحثون آخرون استنتاجات "تيرمان"، الأمر الذي أدى إلى ما يُعرَف بنظرية العتبة، والتي ترى أنَّ الذكاء لا يخلف تأثيراً كبيراً على الإبداع بعد مستوى معيَّن.

يُعدُّ أغلب المبدعين أذكياء جداً، ولكن ليس من الضروري أن يتمتعوا بمستوى ذكاء خارق؛ على الأقل، قياساً إلى اختبارات الذكاء التقليدية. كما يُعدُّ معدل الذكاء الذي يبلغ 120، والذي يشير إلى أنَّ شخصاً ما ذكي جداً ولكن ليس بصورة استثنائية؛ كافياً للعبقرية الإبداعية عموماً".

لا علاقة لتحلِّي المرء بأعلى نسبة ذكاء بالإبداع الخيالي، بل يشتمل الأمر على حد أدنى من الذكاء تحتاج إلى امتلاكه، والتدريب والممارسات لتطوير مهاراتك.

يحب بعض أساتذة علم النفس استخدام تشبيه لاعبي كرة القدم لشرح دور الذكاء والنجاح؛ فإذا حلَّلت إنتاجية وفاعلية جميع لاعبي خط الهجوم في فريق كرة القدم مقارنة بأوزانهم، سترى نتائج واضحة للغاية؛ فمن المُستبعد أن يكون أثقل الرجال وزناً من لاعبي الارتكاز هو أكثرهم مهارة، إذ لا تزيد الإنتاجية خطياً مع الوزن، ولكن يزيد وزن كل لاعب كرة قدم تقريباً عن 300 رطل؛ إذ توجد عتبة يجب عليك تجاوزها للحصول على الوظيفة، وسيخمن أي شخص بعد ذلك من سيكون الأفضل. بوسعنا التفكير في الذكاء على نحو مماثل.

إقرأ أيضاً: 8 أفكار يحتاج رواد الأعمال إلى الإيمان بها حتى يحققوا أهدافهم

نظرية العتبة في الحياة اليومية:

إذا نظرت حولك، سترى أنَّ نظرية العتبة تنطبق على أشياء كثيرة في الحياة؛ إذ يوجد حد أدنى من الكفاءة تحتاج إلى تطويره في أي مسعىً تقريباً، ويظهر بعده الاختلاف بين أولئك الذين يجتهدون في العمل والذين يتشتت انتباههم؛ ولكن ما إن تمتلك فهماً أساسياً لما يجب عليك القيام به، حتى تتمكن من القيام بالأشياء الصحيحة من أجل تحقيق النجاح؛ إذ يتعلَّق الأمر بأكمله بالعادات.

إليك بعض الأمثلة:

  • ممارسة التمرينات الرياضية: لنفترض أنَّك قد حققت العتبة الدنيا أو الحد الأدنى من ممارسة الرياضة وتمارس تمرينات فعَّالة إلى حد معقول؛ فلن تهم التفاصيل كثيراً بعد هذه النقطة؛ فبمجرد اجتياز هذا الحد الأدنى، يصبح ما يشكل 95٪ من الفرق هو ذهابك إلى صالة الألعاب الرياضية بانتظام وتكرار ممارسة التمرينات.
  • الكتابة: بافتراض أنَّك تفهم المبادئ الأساسية للكتابة والقواعد النحوية، يصبح ما يحدِّد قدرتك على الكتابة بصورة أكبر هو الكتابة كثيراً؛ فما إن تصل إلى عتبة كتابة جملة جيدة، فإنَّ ما يؤدي إلى النجاح هو كتابة المزيد.
  • ريادة الأعمال: بافتراض أنَّك تعرف المقياس الأكثر أهمية لعملك، فإنَّ ما يشكِّل الفرق الأكبر هو التركيز على هذا المقياس بصورة يومية؛ فبمجرد عبور العتبة الأساسية لمعرفة ما يجب العمل عليه، يغدو أهم شيء هو الاستمرار في العمل على هذا الشيء بالتحديد وليس على شيء آخر.

إذا كانت معرفتك بمجال ما حديثة تماماً، فأنت على الأرجح لم تتعلم ما يكفي لتجاوز العتبة حتى الآن؛ ولكن بالنسبة إلى معظمنا، فنحن نعلم ما الذي ينجح، ونمتلك القدر الكافي من المعرفة لإحراز التقدم؛ إذ لا يتعلق الأمر بكونك أكثر ذكاء أو مهارة، بل بالتغلب على مصادر الإلهاء والقيام بالعمل باستمرار.

 

المصدر




مقالات مرتبطة