ما الذي يجعل الحيل ذكية؟

أجرى الكاتب في مجال التكنولوجيا البريطاني داني أوبراين (Danny O’Brien) مقابلات مع مجموعة أشخاص يَعدُّهم من أكثر الأشخاص إنتاجية الذين عرفهم في حياته، وقد تضمَّنت هذه المجموعة مبرمجي الكمبيوتر الذين استخدموا استراتيجيات بسيطة وتقنية لتحسين عملهم، على سبيل المثال، كانوا يعتمدون على المستندات النصية لتذكُّر المعلومات الهامة، مثل أعياد الميلاد والمهام في العمل؛ بحيث يمكنهم البحث عن هذه المعلومات عندما يحتاجون إلى الوصول إليها.

في العام التالي، قدَّم أوبراين النتائج التي توصَّل إليها في مؤتمر أورايلي إيمرجين تكنولوجيز (O’Reilly Emerging Technologies) في سان دييغو (San Diego) لتبادل الأفكار بشأن أحدث النصائح والحيل، وقد أطلق أوبراين على هذه الأسرار اسم "حيل الحياة"، ومنذ ذلك الحين، أصبحنا مهووسين بالحيل.

ما الذي يجعل الحيل ذكية؟

لا توجد طرائق مُثبتة وثابتة تشرح لك كيفية تحسين إنتاجيتك؛ حيث يتطلب الأمر أحياناً الصبر، والكثير من التجارب والأخطاء، قبل العثور على حيلة تناسبك، ولكن، كي نبدأ بداية صحيحة، دعنا أولاً نلقي نظرة عن كثب على الأمور التي تجعل الحيل تبدو ذكيةً في الأساس:

1. تُلهمك الحيل الذكية اتخاذ الإجراءات اللازمة:

إنَّ مفتاح أيِّ حيلة ناجحة هو أن تحفزك وتلهمك لاتخاذ الإجراءات اللازمة، ومع ذلك، فإنَّ معظم الحيل تفعل العكس، وفي الحقيقة، تُعدُّ معظم الحيل مضيعة للوقت.

لنفترض أنَّك قد صادفت مقالاً أو مقطع فيديو على يوتيوب (YouTube)، يؤكد لك بأنَّ الحيل المدرجة ستجعلك أكثر إنتاجيةً، في الحقيقة، قد تقضي ساعات عدة في مرحلة التخطيط، أو في محاولة جعل المهمة أكثر كفاءةً، في حين كان من الأفضل قضاء هذا الوقت الثمين في إنجاز المهمة.

أحد الأمثلة على ذلك، هو إنشاء لوحة رؤية، أو ما يسمى بلوحة أحلام، وهي مجموعة من الصور والتأكيدات على أحلام المرء ورغباته؛ والفكرة هي أنَّ هذا الأمر سيساعدك على تحقيق أهدافك؛ ومع ذلك، وفقاً للأبحاث، عندما تتخيل نفسك تحصل على مكافأة، فإنَّ الدماغ يشعر كما لو كنت قد حققت هدفك، ونتيجة لذلك، تفقد الدافع إلى بذل الجهد والعمل لإنجاز أمر ما.

صحيح أنَّه ليس من المريح دائماً تخيُّل الألم والجهد اللازمين للوصول إلى هدفك، لكنَّ التخيل سيزيد من فرصك في النجاح.

2. تُخفِّف الحيل الذكية من الإحباط:

توجد مقاطع فيديو مضحكة ومثيرة للسخرية على يوتيوب (YouTube)؛ فمثلاً يوجد مقطع فيديو لامرأة تقف على أكتاف رجل لتحصل على زوج من الأحذية موجود على الرف العلوي، والسؤال، لماذا لم تطلب المساعدة من الموظف؟

يجب أن تقلل الحيل مقدار الإحباط في حياتك، مع عدم زيادة مشاعر التوتر؛ ولكن أصبح هذا الأمر يمثِّل مشكلةً؛ حيث يوضح المؤلف نيكيل سافال (Nikil Saval) ذلك قائلاً: "تهدد حيل الحياة بتحويل كل جانب من جوانبها إلى مهمة يجب إدارتها، فهي تزيد مقدار العمل الذي يجب القيام به، بينما ندير أنفسنا علمياً".

بدلاً من السير مع القطيع أو اتباع الحيل لمجرد أنَّها أمر شائع، ركز على إحباط معيَّن، على سبيل المثال، إذا أصبحت جدولة الاجتماعات أو المواعيد مصدراً للإزعاج بالنسبة إليك، فسيكون الحل السريع هو تحميل أداة مثل التقويم؛ حيث تعتمد على التعلُّم الآلي لتقديم اقتراحات ذكية للاجتماعات المستقبلية، وجدولتها تلقائياً لأجلك.

3. تُحرِّر الحيل الذكية الجداول الزمنية لأوقات الفراغ:

لم تُصمَّم الحيل من أجل التخفيف من إحباط المهام المرهقة فحسب، وإنَّما تهدف أيضاً إلى توفير الوقت، حتى تتمكن من إضافة إضافات مفيدة إلى حياتك وسلامتك، وللأسف، غالباً ما نستغل الوقت الإضافي للعمل أكثر.

يقول الكاتب يفغيني موروزوف (Evgeny Morozov): "ما نريده هو الاستفادة من حيل الحياة في الصباح، وذلك من أجل الحصول على قيلولة في فترة ما بعد الظهر، وممارسة الرياضة بعد تناول طعام العشاء، غير أنَّ ما نحصل عليه الآن، هو حيل الحياة في الصباح لتخطِّي القيلولة في فترة ما بعد الظهر، فضلاً عن العمل بعد العشاء؛ إنَّها صفقة فاشلة".

للحفاظ على حافزك وصحتك النفسية، يجب أن تستخدم وقت فراغك للراحة واستعادة نشاطك، على سبيل المثال، يمكنك ممارسة التأمل، أو ممارسة الرياضة مدة نصف ساعة، أو قراءة كتاب ممتع، يجب أن يكون اهتمامك بذاتك نفسياً وجسدياً من أهم أولوياتك.

على سبيل المثال، اشترى رجل الأعمال ريتشارد برانسون (Richard Branson)، جنَّته الخاصة في جزيرة نيكر (Necker Island)، تحديداً لاستعادة ذاته، ويكتب برانسون مقالاً ضمن مجموعة فيرجن (Virgin) قائلاً فيه: "في أثناء وجودي في جزيرة نيكر، كنت أركب الأمواج يومياً؛ حيث إنَّه تمرين رائع وممتع، يساعدني على الشعور بالترفيه والاسترخاء، والقدرة على إدارة التوتر".

من الواضح أنَّ معظمنا لا يمتلك مكاناً محدداً للذهاب إليه عند الحاجة، ولكن يمكنك تخصيص ساعة في جدولك لفعل ما تريده، سواء كان ذلك ركوب الدراجة، أم أخذ قيلولة، أم مشاهدة محاضرة على موقع تيد (TED Talk).

ركز على الصورة الشاملة؛ إذ في معظم الحالات، تعمل حيل الحياة على مستوى المهمة، وتجذب تركيزك إلى التفاصيل الدقيقة، ونتيجة لذلك، قد تفقد الرؤية بشأن الصورة الكبيرة وأولوياتك.

يقول المؤلف جوزيف ريجل (Joseph Reagle): "قد يوجد خطر أحياناً، فربما تقوم بتحسين أمر ما لاستبعاد غيره؛ لذلك عندما يتعرَّف الناس أول مرة إلى حيل الحياة، فإنَّهم يحبونها، لكنَّهم بعد ذلك، يدركون أنَّ الإنتاجية هي مجرد جزء واحد من حياتهم، وربما يشوهون حياتهم بالتركيز على هذا الأمر المحدد".

مرةً أخرى، يجب أن تزيل الحيل الجيدة كل الأمور غير الضرورية في حياتك؛ ونتيجةً لذلك، يمكنك التركيز على الأمور الهامة فعلاً، وقد يكون أمراً بسيطاً، مثل تناول وجبة غداء أسبوعية مع شخص يشجعك على تحقيق أهدافك.

4. تُعدُّ الحيل الذكية عمليةً وبسيطةً وفعَّالةً:

عندما نتحدث عن البساطة، يجب ألَّا تكون الحيل معقدة أو غير عملية؛ حيث تكتب كاتي واي (Katie Way): "يمكن حل مشكلات معظم حيل الحياة بسهولة أكبر، بالاعتماد على المال أو الوقت".

في الحقيقة، يكفي تغيير النظام الغذائي أو النوم أو جدول العمل، على سبيل المثال، خلال فترة جائحة كورونا (COVID-19)، سمح بعض أرباب العمل للموظفين بالعمل عن بُعد، ما داموا ملتزمين بإرشادات معيَّنة؛ لذا، ولأنَّ بعض الموظفين يفضِّلون العمل في أوقات محددة، فقد تمكنوا من العمل كيفما أرادوا، وحققوا إنتاجيةً أعلى؛ لقد كان الأمر بهذه البساطة.

5. تُحدِّد الحيل الذكية مصادر الصمود لديك:

الحياة خيارات، على سبيل المثال، العمل ليس ضرورةً، لكنَّك تحتاج إلى المال للرفاهية، وليس لتأمين لقمة عيشك فحسب؛ لذلك، يمكنك اختيار عمل إضافي إلى جانب عملك الأساسي، إن رغبت في الاصطياف في مكان جميل.

للتخلص من مشاعر الحيرة التي ترافق تغيير السلوك أو التحديات الجديدة، كتب المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة كاليندر (Calendar)، جون رامبتون (John Rampton): "يجب عليك تحديد مصادر الصمود لديك، ومن الأفضل، تحديد الأمور التي يجب عليك فعلها، مستخدماً عبارات مثل "يجب أن أفعل" أو "يجب ألَّا أفعل" أو "لا أستطيع"، وبعد ذلك، استبدل تلك العبارات السلبية بأخرى تتعلق بالقدرة على الاختيار، على سبيل المثال: "اخترت أن أفعل أمراً يجعلني أقرب إلى أهدافي"، أو "أريد أن أنجز أموراً أركز كل اهتمامي عليها".

المرونة هي الحل:

طوَّر رائد الأعمال تيم فيريس (Tim Ferriss)، حيلاً في حياته بالاستناد إلى تجاربه الذاتية، وفي حين أنَّ هذه الحيل يمكن أن تكون مفيدة، إلا أنَّها لا تتناسب مع الجميع، على سبيل المثال، يتضمن الروتين الصباحي المعتاد لدى فيريس 20 دقيقةً من التأمل، و10 دقائق لكتابة اليوميات، و20-90 دقيقةً لممارسة التمرينات الرياضية، يبدو الأمر رائعاً، أليس كذلك؟

بالنسبة إلى فيريس وغيره من الأشخاص، قد يكون هذا الأمر جيداً، ولكن، قد لا يتناسب هذا الروتين الصباحي مع الآباء الذين لديهم أطفالاً صغاراً جداً؛ وذلك لأنَّه ليس مرناً بما فيه الكفاية بالنسبة إليهم، ومع ذلك، فإنَّ تتبُّع الحيل وتطبيق مستوى معيَّن من المرونة، يمكن أن يجعل معظم الحيل مناسبة لك، فربما يمكنك الاستيقاظ قبل 15 دقيقة لتدوين يومياتك أو التأمل، أمَّا بالنسبة إلى ممارسة التمرينات الرياضية، فيمكنك القيام بها عن طريق اللعب مع أطفالك طوال اليوم، سواء عبر التمدد قليلاً أم عبر رفع الطفل في الهواء في أثناء اللعب.

بمعنىً آخر، يجب أن تكون أفضل الحيل مُكيَّفةً لتناسب وضعك بصورة أفضل، سواء بين أفراد عائلتك أم في عملك اليوم، يمكن أن توفر لك الحيل الوقت، ويمكن أن تضيف قيمةً إلى حياتك وعملك، وإذا كان في بإمكانك نشر قيمة مضافة إلى حياتك، فمعنى ذلك أنَّك قد وجدت حيلاً ذكيةً.

المصدر