لماذا يمكن أن يكون نمو ما بعد الصدمة أساس ازدهارك في عام 2021؟

إنَّ أقل ما قد يُقال عن عام 2020 هو أنَّه أبعد مما تصوَّر أي منا أن تكون عليه السنة الأولى من العقد الجديد؛ إذ لا تزال تظهر الآثار طويلة الأمد لجائحة فيروس كورونا، وستمضي شهور، إن لم يكن سنوات، قبل أن نعرف كيف أثَّر الوباء ليس في اقتصادنا ومعاييرنا الثقافية فحسب، بل وفي صحتنا الجسدية والنفسية أيضاً.



ورغم أنَّه من الهام التفكير في الآثار السلبية للجائحة، إلا أنَّه من المفيد أن نأخذ الجانب المشرق المحتمل من الأمر بعين الاعتبار أيضاً؛ ففي أعقاب الأحداث الحياتية المؤلمة، يمرُّ الكثير من الناس بتغيرات نفسية إيجابية، تُعرف باسم نمو ما بعد الصدمة.

إنَّ معنى مفهوم نمو ما بعد الصدمة موجود منذ قرون، ولكن لم يظهر المصطلح بوضوح حتى طرحه عالما النفس ريتشارد تيديشي (Richard Tedeschi)، ولورانس كالهون (Lawrence Calhoun) العاملَين في جامعة نورث كارولينا (University of North Carolina) التي تقع في مدينة شارلوت (Charlotte) في منتصف تسعينيات القرن الماضي.

يبرز نمو ما بعد الصدمة بعد التعرض للصدمات، أو حدوث الأزمات؛ إذ يقول تيديشي (Tedeschi): "إنَّ ما تفعله أحداث الحياة الصعبة هذه هو أنَّها تجعلنا نضع معتقداتنا الجوهرية، والأمور البديهية، التي افترضنا أنَّها مسلَّمٌ بها عن أنفسنا وحياتنا في موضع الشك؛ حيث يمكن أن يؤدي صراعنا مع هذه المعتقدات الجوهرية، والتشكيك بها، إلى حدوث تغييرات تسمى نمو ما بعد الصدمة".

شاهد بالفديو: أكثر 9 أمور غامضة حول فيروس كورونا

وتجدر الإشارة إلى أنَّ نمو ما بعد الصدمة لا يخفِّف بالضرورة من وطأة الصدمة التي سبَّبها لنا الحدث المأساوي؛ حيث لا يزال يواجه الأشخاص، الذين اختبروا حالة نمو ما بعد الصدمة، صعوبات هائلة، ومن بينها اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية (PTSD)، ولكن يمكن أن يساعد نمو ما بعد الصدمة المرءَ في التعامل مع الآثار الناتجة عن التجارب المؤلمة على نحو أفضل.

يقول تيديشي (Tedeschi) إنَّه ينبغي على المرء أن يختبر تغييراً واحداً على الأقل في المجالات الخمسة الرئيسة الآتية، كي يتمكن من التمتع بنمو ما بعد الصدمة:

  • تَحَسُّن علاقاتك مع الناس؛ إذ يصبح المرء أكثر تعاطفاً تجاه معاناة الآخرين، ويبني علاقات شخصية وثيقة أكثر معهم.
  • تتعزَّز ثقتك بنقاط قوتك، وقدراتك؛ وخصوصاً حينما يتعلق الأمر بإدارة الظروف الصعبة.
  • ظهور أولويات وإمكانيات جديدة في الحياة؛ فقد طرأ تغيير ملحوظ على الطريقة التي كنت تنجز بها أمورك.
  • تقدير الحياة بشكل أكبر؛ حيث تشعر بمتعة أكبر بـ"الأشياء الصغيرة" التي كنت تَعُدُّها من المُسلَّمات.
  • اختبار تغييرات روحية أو وجودية؛ إذ تطوِّر فهماً أعمق لما يعنيه أن تكون إنساناً.

صحيح أنَّه من المستحيل أن نستطيع التنبؤ بعدد الأشخاص الذين سيختبرون نمو ما بعد الصدمة في أعقاب جائحة فيروس كورونا، والأزمات الأخرى التي حلَّت علينا في عام 2020، ولكن تشير بعض الأبحاث إلى أنَّ التغيير النفسي الإيجابي أمر لا مفر منه، على الأقل بالنسبة لجزء من السكان.

إقرأ أيضاً: كيف تحافظ على صحتك النفسية في زمن الكورونا؟

خلُصَت دراسة استقصائية أُجريت على أكثر من 800 من سكان هونغ كونغ (Hong Kong)، إلى أنَّ 60% من الناس أفادوا بأنَّهم أصبحوا يهتمون أكثر بمشاعر أفراد أُسرِهم بعدما ابتُليَ العالم بوباء سارس (SARS) بين عامي 2002 و2003، بينما أفاد حوالي ثلث الناس أنَّهم يشعرون بمزيد من الدعم بشكل عام، وأنَّهم أكثر استعداداً للحديث عن مشاعرهم بصراحة مع أُسرِهم وأصدقائهم؛ كما قال ثلثا الأشخاص الذين استُطلعَت آراؤهم أنَّهم أَولوا اهتماماً أكبر لصحتهم النفسية، وقال حوالي 40% أنَّهم قضوا وقتاً أطول في الراحة، أو الاسترخاء، أو ممارسة الرياضة.

سواء كنت تتعامل مع صدمة تتعلق بالجائحة، أم مع مجرد حدث مؤلم هزَّ كيانك، اسعَ للعثور على نمو ما بعد الصدمة؛ فقد تكون قادراً على تسليح نفسك بالأدوات اللازمة ليس للبقاء على قيد الحياة فحسب، بل لتحقيق الازدهار أيضاً.

تطرح الطبيبة النفسية، والأخصائية في إعادة التأهيل في المركز الطبي لجامعة راش (Rush University Medical Center) في مدينة شيكاغو (Chicago)، أبيجيل هاردين (Abigail Hardin)، والتي تتلمذت على يد عالمي النفس، والرائدين في مجال نمو ما بعد الصدمة، ريتشارد تيديشي (Richard Tedeschi)، ولورنس كالهون (Lawrence Calhoun)، ستَّ أسئلة لتعزيز نمو ما بعد الصدمة:

  • لا نتمنى أبداً أن يعاني أي شخص من هذه التجربة المؤلمة، ولكن في نفس الوقت، ما الحكمة التي استخلصتها من هذه التجربة؟
  • أنشِئ قائمةً بثلاث نقاط قوة في شخصيتك اعتمدت عليها خلال هذا الوقت العصيب، كيف تستخدم نقاط القوة هذه بشكل فعال في الوقت الحالي؟ هل لاحظت أي نقاط قوة جديدة فاجأك تمتعك بها؟
  • ما هي العلاقات التي تعتبرها هامةً في حياتك الآن؟ وهل كوَّنتَ أي علاقات جديدة، أو عزَّزتَ روابط قديمة بطريقة أدهشتك؟
  • كيف تغيرت معتقداتك أو ممارساتك الروحية خلال هذا الوقت العصيب؟
  • ما هو الأمر الذي كان الأهم بالنسبة لك قبل أن تبدأ هذه الشدائد؟ قارنه الآن بالوقت الحالي؛ فما الذي تغير؟ وهل ثمة قيم أو أنشطة تمنحها الأولوية الآن؟
  • كان من الممكن أن تكون حياتك مختلفةً عما هي عليه الآن قبل ظهور هذه المصاعب؛ فما هو الأمر الذي لم يكن ليحدث أبداً في حياتك لولا تعرُّضك لهذه التجربة الصعبة؟ ما الذي كنت لتخسره لو لم تواجه هذه العراقيل؟

مساعدة أحبائك بأن تصبح رفيقاً خبيراً:

هل ترغب بدعم أحد أفراد أسرتك أو أصدقائك المقربين عقب تعرُّضهم لأحداث مؤلمة؟ إذاً، فكِّر في أن تصبح، ما يسميه عالم النفس ريتشارد تيديشي (Richard Tedeschi) - الذي شارك في وضع نظرية نمو ما بعد الصدمة - رفيقاً خبيراً.

يُصغي الرفاق الخبراء بكل صدق إلى ما يمر به الناس دون الإفراط في تقديم النصائح، ولا يسكِّنون آلامهم بعبارات مبتذلة أو بسيطة، ولا ينصتون إلى قصصهم بدافع الفضول، بل لأنَّهم يهتمون لأمرهم حقاً، كما يبقون إلى جانبهم على الأمد الطويل، ويلتزمون بالعلاقة بكل صدق.

والأهم من ذلك، أنَّهم قادرون على تحمُّل الغموض؛ حيث يقول تيديشي (Tedeschi): "قد يشعرون بطرائق كثيرة أنَّهم لم يعودوا قادرين على فعل أي شيء حيال الأمر، ولكنَّهم في الواقع يفعلون الكثير من خلال رفقتهم، وحُسنِ إصغائهم الدائم".

إقرأ أيضاً: 8 نصائح لتقديم تغذية راجعة بنَّاءة ومؤثرة

تشخيصٌ بمرض عضال دفع امرأةً إلى إعادة تقييم حياتها:

حينما كانت آلي شميدت (Allie Schmidt)، البالغة من العمر 30 عاماً في منتصف العشرينات من عمرها، لم تستطع تحريك خنصرها، ولم تأبه للأمر إلا بعد مرور عام ونصف حينما لم تستطع تحريك إبهامها الأيسر أيضاً، استشارت شميدت (Schmidt) طبيب أعصاب، خَلُصَ إلى أنَّها على الأرجح مصابة بالتصلب الجانبي الضموري (ALS)، والمعروف باسم مرض لو غيريغ (Lou Gehrig).

تقول شميدت (Schmidt)، التي تقطن في مدينة ناشفيل (Nashville) في ولاية تينيسي (Tennessee): "لقد كنت في السادسة والعشرين من عمري حينما أُصِبتُ بهذا المرض، وكنت أعتقد أنَّني قد خططت لحياتي بالكامل،  ولكنَّني اضطررتُ إلى إعادة تقييم ما كان هاماً في حياتي".

لطالما كانت تحلم بالانتقال إلى بورتلاند (Portland) في ولاية أوريغون (Oregon) للعمل في شركة نايكي (Nike)، ولكنَّها فضَّلت أن تكون بالقرب من عائلتها في ناشفيل (Nashville) بعد تشخيص مرضها. لقد استبدلت وظيفتها في مجال التسويق الرياضي بالعمل في شركة يستغرق الوصول إليها وقتاً أقل، ومنحت الأولوية لإيجاد شريك حياة عطوف ومستقر، لتتمكن من تكوين أسرة معه.

تقول شميدت (Schmidt): "حينما اكتشفتُ أنَّه من المحتمل أن يكون عمري أقصر من عمر أي شخص آخر، أدركتُ أنَّ إنجاب طفل هو أهم شيء أرغب به".

لقد تزوَّجت شميدت (Schmidt) في أيار من عام 2019، ثم رُزقت بمولودها الأول، الذي يدعى "آشر" (Asher) في شهر كانون الأول من عام 2019. وبعدها ببضعة أشهر، في مارس 2020، أطلقت مدونةً تُدعى "ديسابيليتي ديم" (Disability Dame)، وهي مدونة مصممة لدعم الأمهات اللواتي يتعاملن مع الإعاقة، والأمراض المزمنة.

تقول شميدت (Schmidt): "لم أكن لأفكر أبداً أنَّه بعد مرور خمس أعوام من اكتشاف الإصابة بمرض عضال أنَّني سأستيقظ متحمسةً للغاية لمواجهة العالم".

ثلاث أسئلة طُرِحت على ريتشارد تيديشي (Richard Tedeschi)، الذي شارك في وضع نظرية نمو ما بعد الصدمة:

1. هل ثمة أشخاص لا يعايشون نمو ما بعد الصدمة بعد تعرُّضهم لصدمة؟

ليس من المرجح أن يمرَّ الأشخاص، الذين عاشوا حالة نمو ما بعد الصدمة بالفعل في الماضي، أو نجحوا للغاية في التأقلم مع حياتهم بطريقة ما، بنمو ما بعد الصدمة؛ فأولئك الأشخاص يشكِّلون مثالاً حياً على قدرة البشر على العيش، والتكيف، ومتحكمون بجميع جوانب حياتهم.

على الجانب الآخر، يواجه بعض الناس صعوبةً كبيرةً في إدارة أمور حياتهم، لدرجة أنَّه لا يمكنهم التعامل مع أساسيات الأحداث الصادمة؛ فهم يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة، ولا يمكنهم النظر لأبعد من ذلك أبداً.

إنَّ هؤلاء هم نوعاً ما الأشخاص الوحيدون الذين لا يختبرون نمو ما بعد الصدمة، وأما الغالبية العظمى من الناس، فهُم بين الحالتين.

2. هل بعض الناس أكثر عرضةً لاختبار نمو ما بعد الصدمة من غيرهم؟

إنَّ بعض الناس أكثر قدرةً على البحث عن الدعم، والتواصل مع الآخرين، والذي يُعدُّ أمراً مفيداً للغاية في عملية نمو ما بعد الصدمة؛ فقد يكون هذا النوع من الأشخاص في وضع أفضل.

كما سيكون الأشخاص القادرون على التعامل مع مصاعب الحياة، أو أولئك الذين يرغبون في تجربة أشياء جديدة لإدارة وضعهم، أكثر عرضةً قليلاً لاختبار نمو ما بعد الصدمة.

3. هل من المرجح أن تؤدي تجارب حياتية معينة إلى اختبار نمو ما بعد الصدمة؟

يمكن أن يؤدي أي نوع من الأحداث المؤلمة تقريباً إلى معايشة نمو ما بعد الصدمة؛ فما نعدُّه حدثاً صادماً ليس موقفاً محدداً بقدر ما يكون أمراً يضع المعتقدات الجوهرية الخاصة بالمرء موضع الشك، ويدفعه إلى أن يُعيد النظر في هويته، و مستقبله، والعالم الذي يحيا فيه؛ إذ لا تكمن الأهمية في طبيعة الصدمة الذي نتعرض لها؛ بل فيما يحدث بعد هذه الصدمة.

 

المصدر




مقالات مرتبطة