لماذا يؤدي تنوع التجارب إلى تحسين الصحة العامة؟

ربما أُرهقت في العمل خلال الأشهر القليلة الماضية، وأنت متحمِّس الآن لأخذ قسط من الراحة، ومع بقاء بضعة أيام لانتهاء الإجازة، بدلاً من قضاء الوقت في المنزل كما كانت خطتك الأولية، يوصيك أحد أصدقائك بالتخطيط لرحلة ما، تزداد حماستك بسبب متعة السفر ومتعة استكشاف مواقع مختلفة وربما جديدة وتناول أطعمة مختلفة وصنع ذكريات جديدة، يتطلب هذا بعض التخطيط، ولكن تخيَّل لو أنَّك بقيت في المنزل تشاهد التلفاز وتستلقي على الأريكة طوال اليوم.



سنقدم لكم في هذا المقال طريقةً لتحسين السعادة عن طريق علم الأعصاب.

أو لنأخذ مثالاً أقرب إلينا إلى حد ما في الوقت الحالي، مثالاً وثيق الصلة بجائحة اكورونا المستمرة، من أصعب الأمور المتعلقة بجائحة كورونا أنَّ الحَجر الصحي قد حدَّ بشكل كبير من قدرتنا على متابعة التجارب الجديدة؛ حيث تشير الدراسات إلى أنَّ عدم القدرة على الاندماج في بيئاتنا النموذجية قد عرَّض - بلا شك - صحتنا العقلية للخطر، وقد تكون قادراً على فهم هذا الأمر، ومع ذلك، ربما تكون قد وجدت العزاء إلى حدٍّ كبير في محاولة العثور على بعض التناغم في العام الماضي، خاصة إذا كنت من الأشخاص الذين يجدون عادة صعوبة في تجربة نشاطات جديدة؛ حيث إنَّ إيجاد أساليب مختلفة للعيش يوماً بعد يوم يبدو مفيداً ومنعشاً جداً للكثيرين منا، سواءً كنت تمارس هواية جديدة، أم تضع أهدافاً جديدة، أم تمشي إلى جزء من الحي لم تزره من قبل.

نأمل أن تتمكَّن من خلال هذه الأمثلة من رؤية كيف يمكن لتنوُّع التجارب، أو الذهاب إلى أماكن جديدة أو على الأقل مختلفة، أو المشاركة في تجارب مختلفة، أن يحسِّن الصحة العامة، هذا المبدأ بديهي للغاية بالنسبة إلينا؛ وذلك لأنَّ الكثيرين يتفقون على أنَّ الذهاب في إجازة - أو ربما، بالنسبة لأولئك الذين ليسوا منفتحين إلى هذه الدرجة، إيجاد نشاطات مختلفة للقيام بها كل يوم - يجعلنا أكثر سعادة؛ بعبارات أكثر واقعية، تشير التجربة البشرية إلى أنَّ التنوع في التجارب قد يرتبط بتأثير إيجابي متزايد، وهو أمر منطقي لأنَّ الاستكشاف رغبة بشرية فطرية.

ومن المثير للاهتمام أنَّ الأبحاث التي أجريت على الحيوانات أظهرت أنَّ التجارب الجديدة مفيدة، فالحيوانات التي يمكنها التجول بحُريَّة في البيئات التي تقدِّم تجارب متنوعة تظهر صحَّةً إدراكيَّةً أفضل؛ وبعبارة أخرى، تظهر نشاطاً اجتماعياً متزايداً وقدرة قوية على الاستجابة للمواقف المجهدة أو البغيضة، ومن الجدير بالذكر أنَّ هذه التأثيرات السلوكية مصحوبة بتغيرات كبيرة في بنية ووظيفة الدماغ، لا سيما في المناطق العصبية المسؤولة عن الذاكرة والاستجابة للمنبهات المجزية كمنطِقتي الحصين والجسم المخطط.

من ناحية أخرى، كانت هناك دراسات قليلة نظرت في التباين في تنوع التجارب وعلاقته بالحالات العاطفية الإيجابية لدى البشر؛ حيث أُجريت دراسة حديثة تستخدم أداة تشبه نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) لدراسة العلاقة بين تنوُّع التجارب في العالم الحقيقي والتأثير الإيجابي في البشر، والآليات العصبية الأساسية التي قد تتوسط هذه العلاقة، لنرى ما وجدوه.

إقرأ أيضاً: 12 طريقة مثبتة لتحسين العافية الذهنية

تتبُّع تنوع التجارب عند البشر وقياسه وتحليله:

تتبَّع الباحثون مواقع المشاركين في التجربة وقاسوا إحداثيات الـ GPS الخاصة بهم كمياً خلال اليوم، ففي الدراسات السابقة، تحققوا من أنَّ هذا النمط المستخدم في تتبُّع الموقع الجغرافي أداة ناجحة لتقييم تنوع التجارب عند الحيوانات، ومن ثمَّ هدفت الدراسة الحالية إلى فحص ما إذا كانت الحركة اليومية - مع التحكُّم بالعوامل المربكة المحتملة مثل المسافة المقطوعة، وموقع المشارك؛ أي المدينة التي هو فيها، وأيام الأسبوع، ودرجة الحرارة - يمكن أن تكون بمنزلة تقييم دقيق لتنوعِ التجارب وارتباطه بالتأثيرات الإيجابية على البشر.

راقب الباحثون ما مجموعه 132 مشاركاً لمدة 3-4 أشهر، وطُلب منهم تقييم المشاعر الإيجابية والسلبية في أوقات عشوائية خلال اليوم عبر نظام الهاتف الذكي، وكانت نتيجة تحديد الموقع الجغرافي للمشاركين أعلى في الأيام التي زاروا فيها عدداً أكبر من المواقع وقضوا وقتاً متساوياً في هذه المواقع؛ حيث يمكن تحقيق الحد الأدنى من النقاط، من خلال قضاء كل الوقت في مكان واحد.

أخيراً، في نهاية فترة تتبُّع تحديد الموقع الجغرافي، فُحِصَت مجموعة فرعية من هؤلاء المشاركين للتحقُّق من أهليتهم لخضوعهم للتصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) وهو فحص لنشاط الدماغ، ويفيد في الحصول على فهم أفضل لكيفية عمل أجزاء مختلفة من الدماغ معاً لتفسير العلاقة المحتملة بين تنوُّع التجارب والصحة.

التجارب المتنوعة تحسِّن الصحة:

كما هو متوقع، وجد الباحثون أنَّ المشاعر الإيجابية كانت أعلى في الأيام التي كانت درجة تحديد الموقع الجغرافي للمشارك أكبر، مما يشير إلى أنَّ خوض تجارب جديدة يوميَّاً يرتبط بالصحة، وتجدر الإشارة إلى أنَّ الباحثين سعوا أيضاً إلى معرفة ما إذا كانت هذه العلاقة متبادلة؛ بمعنى آخر، كان الأفراد أيضاً أكثر رغبةً في استكشاف بيئاتهم في الأيام التي يشعرون فيها بتحسن المزاج.

ومن المثير للاهتمام، في هذه المجموعة الثانية من التجارب، أنَّهم أكدوا أنَّ التنوع التجريبي مرتبط بازدياد المشاعر الإيجابيةً، ووجدوا أيضاً أنَّ هذه المشاعر بدورها ترتبط بحصولهم على تجارب جديدة ومتنوعة أكثر في اليوم التالي، وهذا يتوافق مع التكهنات بأنَّ السلوكات التي تعزز المشاعر الإيجابية يمكن أن تخلق سلسلة ردود فعل إيجابية، أو "دوامات تصاعدية"، والتي تعزز التطور اللاحق لمشاعر أكثر إيجابية، وهذه الفكرة بديهية بالنسبة إلى الكثير منا، فعلى سبيل المثال، غالباً ما نرغب في الاحتفال بعد الانتهاء من العمل على مشروع كبير أو تحقيق هدف ما، لزيادة أمد المشاعر الإيجابية التي نمر بها.

بقي سؤال واحد عند الباحثين: كيف يعمل بالضبط العقل البشري بهذه الطريقة؟ ما هو التفسير العصبي لزيادة المشاعر الإيجابية استجابةً للتنوع التجريبي؟ وللإجابة على هذا، أجرى الباحثون فحص التصوير بالرنين المغناطيسي على ما يقرب من نصف المشاركين بعد فترة تتبُّع الموقع الجغرافي، ووجدوا أنَّ الدرجة التي تعمل بها المناطق العصبية الضرورية لعمل الذاكرة ومعالجة المكافآت والتجارب الجديدة - اتصال الحُصين بالجسم المخطط - ترتبط بالعلاقة بين التنوع التجريبي والعواطف الإيجابية.

إقرأ أيضاً: 8 طرق تأمّل لإدخال مزيد من الحب إلى حياتك

نتائج الدراسة:

  • ارتبطت الزيادة في التنوع اليومي لموقع الفرد بزيادة المشاعر الإيجابية، والتي بدورها عزَّزت التطور اللاحق لمشاعر أكثر إيجابية.
  • كان هذا التأثير مرتبطاً باقتران المناطق العصبية المستخدمة في معالجة الذاكرة ومعالجة المحفزات المجزية؛ أي تكامل الحُصين والجسم المخطط.

من البيانات التي جمعها العلماء، نرى أنَّ خَوض تجارب يومية جديدة ومتنوعة قد يكون له تأثيرات دائمة في الصحة؛ لذلك نشجعك على قضاء بعض الوقت اليوم، أو في الأيام القليلة المقبلة، للعثور على نشاطات جديدة ومختلفة لتجربتها خاصة في ظل انحسار الجائحة ببطء. نظراً لأنَّ إجراءات الحجر الصحي أصبحت أقل صرامة، استثمر هذا الوقت الإضافي لاستكشاف المدينة مع عائلتك، أو تجوَّل في مكان قريب وجديد، حتى لو كان الأمر يتطلب في بعض الأحيان الكثير من الطاقة للقيام بأشياء جديدة، فمن يعرف مقدار "الدوامات التصاعدية" الذي ستجد نفسك في وسطها؟

نقاط أساسية:

  • تشير الأبحاث إلى أنَّ تنوع التجارب - الذهاب إلى أماكن جديدة أو مختلفة والقيام بأشياء مختلفة - يمكن أن يعزز الصحة.
  • وجدت دراسة باستخدام التتبُّع الجغرافي للمشاركين أنَّهم في الأيام التي ذهبوا فيها إلى مجموعة واسعة من الأماكن، كانت مشاعرهم الإيجابية أفضل.
  • إنَّ زيادة نطاق النشاطات أو المواقع، خاصة مع تخفيف القيود الخاصة بالجائحة، يمكن أن يخلق "دوامة تصاعدية" من المشاعر الإيجابية.

المصدر




مقالات مرتبطة