لماذا نحتاج إلى فترات استراحة للتعافي والنمو؟

في بداية الصيف، تأمَّلنا جميعاً انحسار جائحة فيروس كورونا حتى نعود لحياتنا الطبيعية؛ ومع ذلك، وبعد عودة فيروس كورونا المتحور، عدنا من جديد للتركيز على التدابير الوقائية، وعدم إغفال الحاجة إلى الاستمرار في التركيز على الصحة والسلامة؛ لذا علينا تعلُّم درس مهم بعد رؤية انسحاب لاعبة الجمباز "سيمون بايلز" (Simone Biles) من سباقاتها الأولمبية؛ إذ حتى أصحاب اللياقة الجسدية العالية يحتاجون إلى الراحة والتعافي وإعادة شحن أنفسهم بالطاقة الإيجابية؛ لذا مع رغبتنا في تلبية حاجتنا الملحَّة للعمل، علينا التوقف بوعي برهة للتفكُّر في الدروس التي تعلمناها في السابق.



وكما قالت سيمون: "علينا أن نركِّز على أنفسنا أيضاً؛ وذلك لأنَّنا بشر في نهاية المطاف، وعلينا أن نحمي عقولنا وأجسادنا، بدلاً من مجرد الخروج والقيام بما يريد العالم منَّا القيام به".

نحن نشعر في كثير من الأحيان بأنَّ علينا أن "نقدم كل ما لدينا" على حساب سلامتنا؛ حيث تعاظَم حرصنا الشديد على إثبات أنفسنا وإظهار قدراتنا ومصداقيتنا لفِرَقنا، خصوصاً بعد التحول إلى العمل في بيئة عمل افتراضية أول مرة، وعدم وضوح الحدود الفاصلة بين مكان العمل والمنزل.

وبالنسبة إلى الكثيرين، أدت حالة انعدام اليقين التي تلت جائحة فيروس كورونا إلى أيام عملٍ طويلةٍ تخلو من فتراتٍ للراحة، وبسبب الطبيعة المتغيرة للعمل، بات الإصرار على الاستمرار في هذا العمل المرهق جزءاً من وظيفتنا، وإذا سُئِلنا عن كيفية سير العمل سنجيب بفخر، أنَّنا في أعلى مستويات الأداء، ونقوم بالعديد من المهام في فترة زمنية قصيرة، ولكن إذا أمعنَّا النظر حقاً في هذه العبارات، سندرك أنَّ الحفاظ على هذه الوتيرة يعني أنَّ طاقتنا أوشكت على النفاد، ولن يبقى شيءٌ نقدمه للمجتمع أو حتى لأنفسنا على حدٍّ سواء، وسينتهي الأمر بنا غالباً بالشعور بالإرهاق، وهو شعور مألوف جداً بالنسبة إلى كثيرٍ من مدمني العمل بين الناس.

إقرأ أيضاً: متلازمة الإرهاق المزمن: أعراضها وطرق التغلب عليها

حرصاً على سلامة الموظفين، واعترافاً من شركة ديلويت (Deloitte) بصعوبة عمل موظفيها خلال عام استثنائي حافل بالتحديات، فقد اتخذت العديد من التدابير لضمان سلامتهم، ومن الأمثلة على ذلك، السماح لهم بأخذ عطلة إضافية مدة خمسة أيام، وهي خطوة جاءت في مكانها، اعترافاً بأهمية قضاء بعض الوقت بعيداً عن العمل، مع العائلة والأصدقاء.

بالإضافة إلى ذلك، ومن بين العديد من إجراءات السلامة التي اتخذتها الشركة، قدَّمت دورات توعوية إلى موظفيها بالتعاون مع شركة كوربريت أثليت (Corporate Athlete) للتعريف بأساليب النوم والطعام الصحي، ومسببات التعب، وغير ذلك من أساليب الرعاية الذاتية والتعافي، إيماناً منهم بارتباط راحة وسلامة الموظف بإنتاجيته، فتميُّز الموظف مرتبط بتميُّز منظمة العمل.

لذا علينا كموظفين، أن نولي سلامتنا وراحتنا الأولوية في حياتنا الشخصية والمهنية، لتنمية عقولنا وأجسامنا بشكل صحي حتى نصل إلى ما نطمح إليه، ويتطلب النمو اكتساب مهارات عدة، كإضافة قيمة لوجودنا، ومهارة خلق الفرص، وتقديم رؤى جديدة لما نقوم به، لكن للوصول إلى المهارات المطلوبة، لا بدَّ من أخذ قسط من الراحة؛ حيث ينبغي لنا أن نكرَّس الوقت لسلامتنا الجسدية والعاطفية وحتى المالية، وأن نضع حدوداً للعمل، كما علينا الانتباه للإشارات التي يرسلها إلينا جسدنا المُنهَك، لنعطي الفرصة لأنفسنا لممارسة نشاطات ترفيهية نعتقد خطأً أنَّها ستقلل من تركيزنا في العمل أو في الحياة.

ستلاحظ أنَّ لديك المزيد لتقدمه إلى من حولك، عندما تقرر التوقف هذه المرة والانتباه لصحتك.

إقرأ أيضاً: أهم الوسائل التي تساعد على استعادة نشاط وحيوية الجسم

تُوضِّح مديرة السلامة في شركة ديليوت، جين فيشر (Jen Fisher)، في مدوَّنة صوتية بعنوان: "اعمل بجد" (WorkWell)، إنَّنا نفخر جميعاً بالتزامنا أخلاقيات العمل، لكنَّنا نفتقد أخلاقيات الراحة؛ حيث إنَّ وجود أخلاقيات عمل قوية، من دون تطبيق أخلاقيات الراحة بجدية، هو ما يرهقنا بشدة؛ لذا ينبغي أن نفهم أنَّ الإجازات هي استثمار في الإنتاجية والإبداع.

إن شعرت بحاجة ماسة إلى تغيير روتينك الرتيب، فإنَّ تخصيص بعض الوقت للابتعاد فترة هو الحل الأمثل؛ كأخذ إجازة قصيرة مثلاً، للخروج مع العائلة إلى مكان في الطبيعة بعيداً عن ضوضاء المدينة، ومن خلال هذه الإجازة القصيرة، يمكن ممارسة نشاطات عدة تعيد الحياة للجسد المنهك، بعيداً عن العمل وضغط المدينة؛ كالذهاب في جولات مشي لمسافات طويلة، وركوب الدراجات، والاستمتاع بالجري في الهواء الطلق، فالتجديد يعيد شحن طاقاتنا.

من المهم جداً التزام شحن نفسك بالطاقة الإيجابية بانتظام، ممَّا سيوفر مزيداً من العاطفة لكل ما نقوم به بالفعل؛ حيث إنَّ مطالبنا اليومية تنادينا باستمرار، لكنَّنا لن نحقق النمو الذي نسعى إليه ببساطة من خلال تخصيص المزيد من الوقت والطاقة لها؛ بدلاً من ذلك، يجب أن نخصص المزيد من الوقت لأخذ قسط من الراحة والتعافي؛ لأنَّ ذلك لا يقل أهمية عن العمل، بل ويُعدُّ المحفز لإنتاجية أعلى.

المصدر




مقالات مرتبطة