لماذا لن تكون بحاجة إلى العمل بجهد إذا التزمت بهذه النصائح؟

يقضي الكثيرون منَّا حياتهم منتظرين السعادة التي ستأتيهم في المستقبل، ولا يرتاحون أبداً إلى أن يكملوا العمل الموكَل إليهم حتى وإن استنفذ كلَّ طاقتهم، وتراهم يركضون على درب لا نهاية له من الأشواك. نعم، نحن نعمل دون توقف، وننتظر الحصول على السعادة في العطلة القادمة أو السنة القادمة أو عندما نتقاعد من أعمالنا.



إن كان هذا حالك، فقد بلغت حد الإدمان على العمل.

قد تعتاد على إجهاد نفسك إلى أقصى حد، والعمل بجد للوصول إلى النجاح الذي تصبو إليه؛ كالحصول على مكتبك المستقل، ووظيفة تتطلب منك السفر المتواصل، وشهادة أكاديمية، وشريك جذاب وطفل، والحفاظ على لياقتك ووزنك المثاليين؛ لكنَّك قد تتوقف عن السعي بمجرد تحقيقك لهذا الهدف، وتستمر في الجري في هذه الحلقة المفرغة المتعبة حتى تجد نفسك تسعى وراء دقائق من الراحة لنفسك، وتتفقد حساباتك على برامج التواصل الاجتماعي، وتبحث عن أصدقاء لتثرثر معهم، وتحدق في الأفق البعيد؛ محاولاً الهرب من مسؤولياتك عبر اللجوء إلى عادات سيئة أو القيام بالكثير من النشاطات الاجتماعية.

إنَّ الشيء الهام في حياتك هو ما يملأ قلبك بالحب، لكن قد تشغلك خططك القادمة للمستقبل عن التمتع والاحتفاء بإنجازاتك؛ وهذا ما سيصيبك بالتعاسة.

التحرر من الأهداف:

إن لم تحطم هذه الحلقة الخطيرة، فستبقى في حالة سيئة وبائسة، ويكون زواجك وحياتك الشخصية في حالة من الفوضى، وقد تتخلى عن أكثر الأشياء التي تحبها دون أن تدرك ما حدث إلَّا بعد فوات الأوان. لكن عندما تخفف من وتيرة حياتك، ستعود إلى ممارسة هواياتك ونشاطاتك المفضلة، وتتجرأ على ترك عملك المرهق وتسعى وراء وظيفة أحلامك، وتتوقف عن تضييع اللحظات الجميلة مع أفراد أسرتك بانشغالك الدائم.

خفّف من وتيرة حياتك:

إنَّ هذه الدوامة التي تحقق فيها هدفاً تلو الآخر نابعة من حقيقة أنَّك نشأت على أخلاقيات عمل ثابتة، لدرجة أنَّك تنظر إلى المتعة والراحة كقوى شريرة ستحطمك حتماً.

إنَّ أخلاقيات العمل مفيدة لنا، وهي هامة للتطور؛ لكن كي تتمتع بحياة سعيدة، فأنت بحاجة إلى التوازن؛ فعندما تعمل بجهد كبير، فإنَّك تضع المتعة جانباً وتركز على أن تكون منتجاً؛ ذلك لأنَّك تعتقد أنَّ الناس الحالمين ليسوا إلَّا حفنة من الفاشلين، وأنَّ الكسالى هم فقط من يأخذون فترات راحة ويستمتعون، وهم من يموتون أولاً في الأفلام. قد نقتنع أن لا مفر من المشكلات، وأنَّ المتعة ليست ضرورية لحياة متجددة وأخلاقية ومنتجة، وقد يصيبنا مجرد التفكير فيها بالتوتر. عادةً ما يخبرنا مركز المكافأة في الدماغ -الذي يعتمد على الناقل العصبي (الدوبامين)- على الفور ما إذا كان الشيء ممتعاً أم لا، ويعزز رغبتنا في المزيد؛ وربَّما هذا هو السبب الذي يجعل المدمنين على العمل عرضة إلى الإدمان أو اضطرابات تناول الطعام.

يفقدك الإفراط في أيِّ شيء التوازن الجسدي والعقلي، ويجعلك ترغب في زيادة الجرعة باستمرار؛ فقد تعتقد أنَّ القيام بمزيد من الأمور بشكل أسرع وأفضل سيجعلك أكثر سعادة، وتكون على استعداد للتضحية بصحتك وبكل شيء من أجل "النجاح" الذي تتوق إليه؛ لكنَّك تدرك لاحقاً أنَّ عواقب ذلك وخيمة للغاية.

قد ترغب في تحقيق الكثير من الأمور، وقد يكون لديك طموحات عديدة تضرب بها عرض الحائط كي تكتشف كيف يمكنك السعي بشكل أفضل وأسرع وأقوى. فبدلاً من التركيز على العمل فقط، يجب تكريس الوقت للصحة والعلاقات والتأمل؛ وهذا ما ستجده في كتاب "عادات أصحاب الأداء العالي" (High Performance Habits) للكاتب بريندون بورشارد (Brendon Burchard).

لقد وجدت دراسة بورشارد أنَّ أصحاب الأداء العالي:

  • أقل توتراً.
  • أكثر صحة.
  • أكثر من يمارس الرياضة.
  • لديهم مستويات أعلى من السعادة.
  • لديهم علاقات إيجابية أكثر.

ستصدمك حقيقة أنَّ ذوي الأداء العالي لم يضحوا أو يكابدوا أو يصارعوا مثل غيرهم؛ وقد يؤدي هذا الإدراك إلى نسف نظرية العمل بجد وذكاء، وتأخير المتعة إلى ما لا نهاية؛ إذ ليس لدى أصحاب الأداء العالي القدرة على القيام بالأعمال التجارية فحسب، ولكن أيضاً على الاهتمام بأنفسهم، وأن يحبوا ما يفعلونه أيضاً.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح ذهبية تساعدك على عيش حياتك كما تحب

لا تُضِع البوصلة:

ينتج كلُّ هذا الكر والفر عن الحرمان من المتعة التي تغير الشخص بسبب سعيه إلى تحقيق الأمور ونسيان كلِّ شيء آخر؛ وهذا بسبب إضاعته البوصلة.

يتعلق إصلاح هذا الأمر بمواءمة ما تفعله يومياً بهدف حياتك؛ إذ ليس بالضرورة أن يكون هذا الهدف عظيماً وكبيراً، بل بسيطاً؛ كالشعور بالرضا، والتمتع بالحياة، والشعور بالامتنان لما لديك، وأن تكون حاضراً ومرتبطأ بالواقع، وتحب حياتك كما هي؛ ذلك لأنَّ هذا هو أثمن ما تمتلك.

نحن نسعى إلى تحقيق الكثير من الأهداف كي نبدو ناجحين وطبيعيين وذوي شأن، لكن تبرز المشكلة عندما لا يكون أيٌّ منها هو ما نريد أن نكونه حقاً؛ لذلك بمجرد أن ننجز هذه الأهداف، لن تشكل حافزاً لنا بعد الآن؛ ذلك لأنَّك مهما أنجزت وحققت، ستبحث عن المزيد، ولن تكتفي بما لديك من نجاحات.

3 طرائق تساعدك في كسر الحلقة:

1. ممارسة عادات صحية:

مارس الجري، وابدأ بمسافات قصيرة، وزدها بالتدريج.

قد لا تكون عداءً جيداً، لكنَّك تصبح تواقاً لمزيد من السرعة، وتشعر عندها بإنجاز مؤقت، وتغمرك السعادة؛ لكنَّك ستدرك فيما بعد أنَّه يمكنك القيام بعمل أفضل، ثمَّ تحدد هدفاً لاستثمار الوقت وإجراء سباق أطول، والبحث عن السباق التالي والتدرب عليه؛ ممَّا يجعلك عصبياً وقلقاً وغاضباً بشكل متزايد من الركض إلى النقطة التي لم تعد ترغب بها.

جرب أن تلجأ إلى الاسترخاء، حيث سيساعدك هذا الفعل البسيط المتمثل في الإبطاء والتركيز على جسدك، وإدراك توترك وقلقك، وأخذ أنفاس عميقة لنسيان جدول أعمالك والتحرر من النتائج والأهداف؛ في رؤية نفسك ووضعك بشكل أكثر وضوحاً، وتبدأ الشعور بالامتنان لما أنت عليه الآن، وتصبح السباقات التي خضتها بعد اكتشاف هذه العقلية احتفالاً حقيقياً باللحظة والمكان الذي تعيش فيه في هذا الوقت.

جرب أيَّ هواية أو هدف يدفعك إلى الاسترخاء، فقد تصبح هذه الهواية عملك في المستقبل، وربَّما تكون نتيجة مبهجة ومنطقية لشغفك، وتشارك غيرك بها.

قد لا يشبه هذا الشغف أيَّاً من أهدافك السابقة، حيث إنَّها أشياء تريد أن تفعلها لبقية حياتك؛ فعند ممارستك لهواية كاليوغا، يمكنك نسيان إخفاقات السابقة، وعدم القلق من المستقبل؛ فستصبح بذلك أكثر قدرة على الاستمتاع باللحظة، ويعدُّ هذا جوهر الحياة الحقيقي.

شاهد بالفيديو: 8 عادات يومية من أجل صحة قوية

2. البحث عن التدفق:

أصبح مصطلح "التدفق" في عالم مليء بالصخب مثيراً هذه الأيام، وأكثر الأمثلة وضوحاً على ذلك: الرياضيون المحترفون الذين يحققون أداءً رائعاً عندما ينغمسون في الأداء دون شيء آخر.

غالباً ما يُشار إلى اليوغا باسم "تدفق اليوغا"؛ ذلك لأنَّها مصممة كي تضعك في حالة من التدفق، حيث تتوقف عن تتبع الوقت وترتبط بالواقع واللحظة الحالية فقط.

يُعرِّف الباحثون التدفق على أنَّه الشعور بالنشاط والتركيز والمشاركة الكاملة والمتعة عند القيام بأمر ما، وقد أثبت علماء الاجتماع الذين يدرسونه علمياً -أمثال مارتن سيليغمان (Martin Seligman)، وميالي سيكزينميالي (Mihaly Csikszentmihalyi)- أنَّ الناس يكونون أكثر إبداعاً وإنتاجية وسعادة عندما يكونون في حالة التدفق هذه.

ستسمح لك دراسة التدفق باكتشاف أنَّ الكثير من القلق سببه الندم والتخوف من الأمور؛ فكثيراً ما تشعر بالندم جراء تبديد حياتك من خلال القيام بالمهام الروتينية، ويحدث القلق بسبب عدم العمل على تحقيق الأهداف الكبيرة التي خططت لها؛ لذلك قد تشعر بالملل والاستياء والإحباط عند القيام بالمهام المنزلية، أو العناية بمظهرك، أو التسوق.

كذلك، عندما تعمل على تحقيق أهدافك، قد ينتابك القلق من أنَّك لن تصل إلى نتيجة من كلِّ عملك الشاق، وقد تتساءل عن سبب كل هذا، وعمَّا إذا كان الأمر يستحق كلَّ هذا العناء.

يقوم معظمنا بأنشطة عادية أوتوماتيكياً "لمجرد أن ينتهوا من الأعمال الموكلة إليهم"؛ ففي العمل، نتصرف بشكل أوتوماتيكي، ونقوم بالمهام نفسها الموكلة إلينا كل يوم.

بإمكاننا خلق التدفق في حياتنا الروتينية عندما نتخيل أنَّ كل الأشياء الإيجابية متعلقة بما نفعله الآن؛ ويجب أن نعود أطفالنا على ذلك، فعلى سبيل المثال: تنظيف الأسنان ليس ممتعاً، ولكن عندما نخبر أطفالنا كيف ستكون أسنانهم نظيفة وبيضاء وناعمة وجميلة، نساعدهم في الحصول على مزيد من الرضا عن هذا النشاط الذي يعبر عن اهتمامنا بأنفسنا.

ستغير هذه الممارسة أنشطتك الاعتيادية كلياً؛ فبدلاً من مجرد تحضير العشاء لعائلتك بأسرع طريقة ممكنة، جرب أن تحضر الطعام باستخدام مكونات جديدة مثيرة للحواس، وتجربة وصفات جديدة تذهل بها عائلتك؛ أو جرب أن تزرع حديقة منزلك بشتى أنواع الخضار لتضفي أصنافاً جديدة على مائدتك.

أي بدلاً من الانجراف إلى التخطيط للشيء التالي الضخم في حياتنا، ستساعدك هذه الأفكار الصغيرة على أن تكون حاضراً أكثر في أجزاء حياتك التي كانت تضيع سدىً في السابق.

إقرأ أيضاً: نصائح لاكتساب المزيد من الطاقة الإيجابيّة في الحياة

3. التمتع بالقليل من متع الحياة:

يحب مدمنو العمل الأشياء العملية التي تساعدهم في عملهم، ويشعرون بسعادة كبيرة عند التحقق من قائمة المهام، أو نجاح خطة قد أعدوا لها جيداً؛ لكنَّهم يؤجلون عن قصد التمتع بأمور تسعدهم مثل قضاء الوقت مع الأصدقاء؛ غير أنَّ هكذا ملذات بسيطة قد تكون الهدف الكامل من الحياة.

لا ترمِ قائمة مهامك، بل أضف إليها شيئاً ممتعاً؛ وبدلاً من استخدام العديد من قوائم التدقيق والخطط، استخدمها للقيام بالنزهات والأمور التي تسعدك؛ وإذا كان بإمكانك تخصيص ساعات -أو حتى أيام- لتكون عفوياً، أو تحظى ببعض العزلة أو الاهتمام الشخصي؛ فهذا جيد طالما أنَّك تجعل سعادتك أهم أولوياتك.

لا يجدر بالمتعة أن تكون شيئاً أنانياً، فقد تكون ضروريةً للوصول إلى الإبداع والهدف الأسمى، وسبب وجودنا على هذا الكوكب في المقام الأول.

بدلاً من الاجتماعات والمناسبات الاجتماعية المتتالية، احرص على أن تكون الروزنامة خاصتك مليئة بالكثير من أوقات الفراغ والمرح والأمور الممتعة؛ فقد تفضل إنجاز كلِّ شيء في قائمة مهامك أو روزنامتك، لكن عليك منح نفسك فترة راحة عندما لا تسير الأمور وفقاً للخطة.

عندما تكون قادراً أكثر على مواكبة التيار والتقليل من السيطرة، يصبح الجميع -بمن فيهم أنت- أكثر سعادة؛ إذ يمكننا جميعاً من خلال الممارسة والتدفق والمتعة المسموحة، خلق الحياة المميزة التي نريدها حسب معاييرنا الخاصة.

 

المصدر




مقالات مرتبطة