لماذا تحتاج إلى "تطهير الإنتاجية"؟

ألن يكون رائعاً لو كنتَ قادراً على العمل على شيء واحد فقط في كل مرة؟ بمعنى آخر، ألا تكون مضطراً دائماً إلى العمل على مشاريع متعددة؟ هل تتذكر في فترة جائحة فيروس كورونا (Covid-19) عندما كنتَ تتعامل مع تعليم أطفالك من المنزل في أثناء إجراء مكالمة عبر تطبيق "زووم" (Zoom)؟ والآن ومع اقتراب فصل الشتاء، يتكرر السيناريو نفسه مجدداً، إذاً كيف يتصرف الآخرون مع هذا الواقع؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن أحد أفضل المسوقين في العالم "جون رامبتون" (John Rampton)، والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته في كيفية إدارة حياته من خلال التركيز على المهمات الضرورية فحسب.

حياتنا مليئة بالأشغال، ويبدو كأنَّه من المستحيل أن نكون قادرين على إدارة مهمة واحدة فقط، ومع ذلك، فقد حصلنا على الكثير من المعلومات العلمية في السنوات القليلة الماضية، والتي تخبرنا بعدم ممارسة تعدُّد المهام، فهل استفدنا منها؟ في الواقع، إنَّ من الممكن حقاً أن تفعل شيئاً واحداً في كل مرة، وتُحقق نجاحاً كبيراً، فعلى سبيل المثال: ألقِ نظرة على الوقت الذي كان يعمل فيه العالم "ألبرت أينشتاين" (Albert Einstein) على نظريته النسبية.

مبدأ أينشتاين (The Einstein Principle):

روَّج لمبدأ "أينشتاين" الكاتب "كال نيوبورت" (Cal Newport)، مؤلف كتاب "العمل العميق: قواعد للنجاح المركَّز في عالم مشتت" (Deep Work: Rules for Focused Success in a Distracted World)؛ حيث وضَّح "نيوبورت" في مقال له في مدوَّنة أنَّه من عام 1912 إلى عام 1915 كان "أينشتاين" يركز تركيزاً أساسياً على نظريته النسبية، وفي حين كان يجب على "أينشتاين" أن يقدِّم التضحيات، نشر أحد أعظم الإنجازات العلمية في التاريخ.

كتب "نيوبورت"، "نحن أكثر إنتاجية عندما نركز على عدد صغير جداً من المشاريع التي يمكننا تكريس قدر كبير من الاهتمام لها؛ حيث تتطلب الإنجازات التي تستحق الثناء العمل الجاد، ولا يوجد طريق مختصر هنا؛ إذ إنَّه في عالم مثالي، يمكننا أن نكون جميعاً كـ "أينشتاين"، ويكون لكل منَّا مشروع واحد أو مشروعان على الأكثر، في المجالات الرئيسة الثلاثة من حياتنا: المهنية واللامنهجية والشخصية"، وبالطبع، معظمنا ليس محظوظاً إلى هذا الحد؛ ذلك لأنَّه أمر محفوف بالمخاطر وممل وغير واقعي، ولكنَّ هناك شيء سيتحقق، وهو أمر يسميه "نيوبورت" "تطهير الإنتاجية" (productivity purge).

ما المقصود بتطهير الإنتاجية؟

تطهير الإنتاجية هي استراتيجية بسيطة للاقتراب قدر الإمكان من تلبية مبدأ "أينشتاين" دون التخلي عن السعي وراء هدفك الكبير التالي، ويعمل المبدأ على النحو الآتي:

  • أحضِر ورقة وأنشِئ ثلاثة أعمدة، وصنِّفها: المهنية واللامنهجية والشخصية، وضمن عمود "المهنية" أدرِج جميع المشاريع الرئيسة التي تعمل عليها حالياً، وتحت عمود "اللامنهجية" دوِّن مشاريعك الجانبية، وضمن عمود "الشخصية" دوِّن جميع مشروعات تحسين الذات مثل القراءة.
  • تحت كل قائمة، حدد مشروعاً أو مشروعين هما الأكثر أهمية في هذه المرحلة من حياتك، ويبدو أنَّهما سيحققان عوائد أكبر، وضَع علامة عليهما.
  • بعد ذلك، حدد كل ما يمكنك التوقف عن العمل عليه على الفور دون عواقب وخيمة، واشطبه.
  • مهما كانت المشاريع التي تُرِكَت دون علامات، فضَع خطة من أسبوع إلى ثلاثة أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة عليها وإنهائها، وضَع أيضاً خطة للأزمات في المستقبل القريب لحلها في أسرع وقت ممكن.
  • وبعد الانتهاء من وضع خطة الأزمة، لن يتبقى لك سوى عدد صغير من المشاريع الهامة.

يقدم "نيوبورت" نصيحة أخيرة هامة قائلاً: "حاول أن تستمر مدة شهر واحد على الأقل دون البدء بأيِّ مشاريع جديدة، وقاوم بأيِّ ثمن الالتزام بأيِّ شيء خلال هذا الشهر، وبدلاً من ذلك، اعمل على قائمتك المختارة فحسب".

6 طرائق لتحقيق تطهير الإنتاجية:

الاستراتيجية المذكورة آنفاً واضحة جداً من وجهة نظري، وعندما تُطَبَّق بانتظام، فهي بالتأكيد فعَّالة، وكنتُ قد طبَّقتُ هذا المفهوم أيضاً على الأمور التي تسلب الإنتاجية مني؛ حيث كانت النتيجة أنَّني أقضي وقتاً وطاقة أقل على الأشياء غير الضرورية.

1. تجديد روتينك:

يمكن أن يكون الروتين مفيداً؛ حيث إنَّه يوفر الهيكل العام لعملك ويجعل التخطيط أسهل، وعندما يكون لديك روتين، لا يتعين عليك اتخاذ العديد من القرارات، وهنا تكمن المشكلة؛ إذ إنَّ عملك بصورة تلقائية لا يعني بالضرورة أنَّك على المسار الصحيح؛ لذا توقَّف لحظة وقيِّم جدولك اليومي، من خلال الإجابة عن الأسئلة الآتية:

  • هل تعمل عندما يكون لديك أكبر قدر من الطاقة؟
  • هل تركتَ مساحة فارغة في التقويم الخاص بك؟
  • هل تقترب فعلاً من أهدافك قصيرة وطويلة الأمد؟
  • ما هي المهام المتكررة التي يمكنك تفويضها أو إزالتها؟

لا وجود لجدول زمني مثالي، ولكن على حد تعبير الكاتب "ستيفن كوفي" (Stephen Covey): "المفتاح ليس تحديد أولويات في جدولك الزمني؛ بل جدولة أولوياتك".

إقرأ أيضاً: ملخص كتاب إدارة الأولويات لستيفن كوفي

2. التخلِّي عن المهام القديمة:

ألقِ نظرة على قائمة مهامك، فإن لم تكن قد حدَّثتَ هذه القائمة منذ فترة لكونك تعمل بصورة تلقائية، فقد تتفاجأ بأنَّ المهام لم يَعُد لها أيَّة أهمية؛ لذا أزِلها من قائمتك، وأما بالنسبة إلى ما تبقَّى من مهام، فرتِّب قائمتك وفق الأولويات باستخدام "مصفوفة أيزنهاور" (Eisenhower Matrix)، فكل ما هو هام وعاجل، ستفعله على الفور، وسوف تُجَدوَل المهام الهامة وغير العاجلة في وقت آخر، وتذكَّر، أيُّ شيء عاجل ولكنَّه غير هام، ويمكن تفويضه لشخص آخر.

3. تنظيف مساحة العمل الخاصة بك:

نظِّف ونظِّم مساحة العمل الخاصة بك، وإليك بعض النصائح:

  • تخلَّص من كل ما لا تحتاج إليه، مثل رسائل البريد الإلكتروني غير الهامة.
  • نظِّم كلاً من الملفات الورقية والرقمية بحيث لا تحدث أيَّة فوضى.
  • فكِّر كطاهٍ، واعمل وفقاً لعبارة الطهي الفرنسية: "ميز أون بلاس" (mise en place)، والتي تعني "ضع كل شيء في مكانه"، فخصِّص مكاناً لكل شيء، واحتفِظ بالعناصر الأكثر استخداماً بالقرب منك، وفي نهاية اليوم، أعِد كل شيء إلى مكانه.

4. تجنُّب فيض المعلومات:

يتسبب العمل باستمرار دون توقُّف، واستهلاك كمية كبيرة من البيانات، في حالة فيض المعلومات، وإذا لم تسيطر على الأمر، فيمكن أن يعوق إنتاجيتك وأداءك وتعاونك؛ إذ إنَّه في النهاية، يمكن للدماغ أن يتذكر الكثير ولكن لديه حد معيَّن؛ لذا فإنَّ أفضل مسار للعمل هو أن تكون أكثر انتقائية فيما تستهلكه، ومن ثم جعله ذا صلة بما تعمل عليه الآن، وبالإضافة إلى ذلك، يمكنك أيضاً تعيين حد زمني لجمع المعلومات، وتجنُّب عوامل التشتيت.

5. سؤال نفسك "هل ما تفعله يجلب لك السعادة؟":

على الرغم من أنَّ العديد من الأشخاص يجدون الأمر مفيداً، ولكنَّني لا أستخدم هذا السؤال إلا عندما يتعلق الأمر بالتقويم الخاص بي، على سبيل المثال: أقام أحد الأصدقاء تجمُّعاً صغيراً في الهواء الطلق، وعلى الرغم من أنَّه كان بإمكاني إدراج هذا في جدول أعمالي، إلا أنَّني لم أشعر بأهمية ذلك، وقد يبدو هذا أنانياً، لكنَّني شعرتُ أنَّ هناك أشياء أخرى كانت أكثر أهميةً، وفي رأيي، لم يكن هذا التجمع أولوية في ذلك الوقت، وكنتُ قد حددت وقتاً آخر للراحة، فأنا الآن أطبِّق هذا المبدأ على أيِّ طلب يأتيني، سواءً كان مشروعاً جديداً أم اجتماعاً أم حدثاً على الإنترنت.

شاهد بالفديو: دليل الإنتاجية: الاستراتيجيات الفعالة لإدارة الوقت

6. التخلص من التوتر:

وأخيراً، تخلَّص من التوتر من حياتك، لأنَّك إن لم تفعل ذلك، فأنت لا تضر بإنتاجيتك فحسب؛ بل تعرِّض صحتك وسلامتك للخطر أيضاً، ويمكنك البدء من خلال هذه النصائح:

  • حدِّد ما يحفزك حتى تتمكن من التخلص منها، فعلى سبيل المثال: إذا كان أحد العملاء يبقيك مستيقظاً في الليل، فقد تتركه ليعمل مع شخص آخر.
  • اهتمَّ بجسدك من خلال ممارسة التمرينات الرياضية، واتِّباع نظام غذائي صحي، ولا تهمل نومك.
  • مارِس تأمل اليقظة الذهنية لو لمدة خمس دقائق فقط.
  • تعلَّم كيفية تهدئة نفسك، فعندما تشعر بالتوتر، فجرِّب تمرينات التنفس لتهدأ.
  • افعل شيئاً تستمتع به، ومن الأمثلة على ذلك، القراءة أو التنزه أو قضاء الوقت مع الأصدقاء والعائلة.
  • ركِّز على ما يمكنك التحكم فيه، ولا تُضيِّع وقتك في الهوس بأشياء ليست في متناولك.
  • خُذ إجازة؛ أي عندما تشعر بالإرهاق، اقضِ بعض الوقت بعيداً عن العمل لإعادة شحن طاقتك.

المصدر




مقالات مرتبطة