لم يجب أن تطلق العنان لخيالك؟

يساعدنا تخيل مستقبل أفضل -سواء أكنت تريد الاستمتاع فيه بأوقاتك أم توطيد علاقاتك مع مَن تحب- على التأقلم مع الفترات العصيبة. ونظراً إلى الأوقات العصيبة التي ألمَّت بنا خلال جائحة كورونا (COVID-19)، أصبحنا ننتظر بفارغ الصبر أن تنحسر الجائحة لنفعل الأشياء التي خططنا إليها.



سوف نستعرض لكم في مقالنا هذا اعترافات أشخاص عانوا من آثار الجائحة، والأمور التي يتوقون إلى فعلها بعد انقضائها.

يقول تيدي جونسون (Teddy Johnson)، البالغ من العمر ثمانية وعشرين عاماً، والذي خسر وظيفته: "أريد أن أرتدي ثياباً أنيقة وأراقص أحدهم في ليلة صيف دافئة على وقع الموسيقى الهادئة. لا أطيق صبراً حتى أقابل أصدقائي ونرقص سوياً، صحيح أنَّ ذلك لن ينسيني معاناتي في تلك الفترة؛ لكنَّ مجرد التفكير في هذه الفكرة يمنحني السعادة، فالرقص بالنسبة إليَّ كالهواء. إنَّ التفكير في العودة إلى ساحة الرقص مع الأشخاص الذين أحبهم هو ما يمدني بالقوة لتجاوز هذه القيود التي وضعتها جائحة كورونا (COVID-19) فتركتني حبيس المنزل".

قد يبدو خيال السيد جونسون (Johnson) سابقاً لأوانه، فلن يندفع معظمنا إلى الزحام والاختلاط في الناس بغضِّ النظر عن مدى اشتياقنا لفعل ذلك؛ لكن يزعم الخبراء أنَّ التخيل والتفكير المستقبلي وتوظيف الخيال هي أدوات فعالة تجعل الناس يتخطون الفترات العصيبة.

مع اقتراب نهاية فصل الشتاء واستمرار ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا (COVID-19) والوفيات ودخول موجة جديدة معدية أكثر، وفي ظل الأزمات والكوارث، أصبح الناس أكثر من أيِّ وقت مضى بحاجة إلى التطلع إلى المستقبل، كحضور الحفلات وعناق المقربين ومحادثات الأصدقاء والذهاب إلى رحلات، بمجرد أن تستقر الأوضاع.

يقول مارتن سيليغمان (Martin Seligman)، أستاذ علم النفس في جامعة بنسلفانيا (University of Pennsylvania) ومدير مركز علم النفس الإيجابي (Positive Psychology Center): "ترجع أهمية الخيال إلى التفاؤل الذي يمنحنا إياه".

كرس سيليغمان (Seligman) عمله لدراسة ما فيه منفعة للبشرية، والذي يقوم على الفاعلية والتفاؤل والخيال. عندما كان الدكتور سيليغمان (Seligman) رئيساً لجمعية علم النفس الأمريكية (American Psychological Association) في عام 1998، طالب "بالانتقال من التركيز على المشكلة إلى الأمور التي تجعل الحياة تستحق العيش".

قال الدكتور سيليغمان (Seligman) أنَّ الساعات التي قضاها في التخيل وأحلام اليقظة حول الخطط المستقبلية ثمينة؛ لأنَّها تسمح للناس بتغيير الروتين، وتعزز الأمل والمرونة. يساعد الخيال أيضاً الناس على عيش "حياة رغيدة"، أو ما يُطلَق عليه اسم بيرما (PERMA) وهو اختصار جمعت أوائل حروفه الكلمات الإنكليزية التالية:

قال الدكتور سيليغمان (Seligman): "تخيَّل المستقبل - ندعو هذه العملية بالتنقيب عن المهارة - ويساعد التنقيب عن طريق مجموعة من شبكات الدماغ التي تقارن بين الزمان والمكان وتجعلك تتخيل حدوث أشياء تتجاوز الوقت الحاضر. يتمثل جوهر المرونة بالمستقبل في مدى مهارتك كمنقِّب. وهذه هي الحال، بغضِّ النظر عما إذا كانت تخيلات المرء عن المستقبل مبالغاً فيها وغير قابلة للتصديق أم عادية.

تقول غابرييلا أغيلار (Gabriela Aguilar)، البالغة من العمر سبعة وعشرين عاماً، التي هي إضافة إلى كونها أماً لطفلين، تدير متجراً للسلع المصنوعة منزلياً: أنَّ أكثر ما تتطلع إليه، هو اصطحاب أطفالها إلى الملعب القريب من منزلهم.

انتقلت عائلة السيدة أغيلار (Aguilar) من هيوستن إلى أوستن في عام 2020، ولم يُتح لأولادها اللعب مع باقي الأطفال منذ وصولهم إلى هناك. قالت السيدة أغيلار (Aguilar): "أشعر بالاستياء عندما نخرج في نزهة وأرى أطفالاً آخرين. يريد الأطفال اللعب والاستمتاع وعيش طفولتهم ليس إلا؛ ولكنَّنا نُبعد أطفالنا عن بعضهم بعضاً ولا نسمح لهم باللعب سوياً، مما يسبب إلينا الإحراج".

إقرأ أيضاً: تطوير استراتيجيات المرونة في التعامل مع الأزمات

احلم، سواء أكانت أحلامك كبيرة أم صغيرة:

تقول رايتشل سيمي (Rachel Syme)، الكاتبة المتخصصة في الموضة والأناقة والثقافة في مجلة نيويوركر (The New Yorker)، أنَّها خططت هي وصديقتها أفيري تروفلمان (Avery Trufelman)، التي تقدم بودكاست ذا كت (The Cut)، لإقامة حفلة بمجرد أن تستقر الأوضاع، وسوف يطلقان على الحفلة اسم "الحفلة التالية" (The After Party).

وقالت في رسالة بريد إلكتروني كانت قد أرسلتها في كانون الأول: "يمكننا ارتداء ما شئنا من الملابس، فلا قواعد على اللباس، بإمكانكم إن أردتم أن ترتدوا بدلة رسمية أو ثوب رقص أو ملابس خاصة بالحفلات، فلا فرق".

تتخيل إيماني بوكوم (Imani Baucom) ذات التسعة وعشرين عاماً والمعلمة في العاصمة واشنطن الذهاب في رحلة إلى جمهورية الدومينيكان للقاء طلابها الذين درَّستهم منذ سبع سنوات - أي مذ كانوا في الصف الخامس - وحضور حفل تخرجهم من المدرسة الثانوية هذا العام.

لاحظ جوردان فيرستمان (Jordan Firstman)، الكاتب التلفزيوني، أحد المشاهير هذا العام يتقمص الشخصيات على إنستغرام (Instagram)، حيث يتخيل تناول الفطور مع عشرين شخصاً في مطعم، وهو يصور ذلك في عُقر داره، تليها التسالي وتناول وجبة العشاء ومشاهدة مسرحية على الهواء مباشرة، ثم بعد ذلك يرتاد حفلة حتى السادسة صباحاً، ثم يتخيل الذهاب لمشاهدة فيلم في الساعة الثامنة صباحاً لأنَّه لم يملَّ بعد من حضور العروض التمثيلية.

تشبه التخيلات الضخمة مثل هذه في جوهرها التخيلات الأبسط كموعد أو حفلة كوكتيل أو الاقتراب من الآخرين والاستماع إلى أحاديثهم، حيث إنَّ جميعها تعبيرات عن حاجة إنسانية ماسَّة للتواصل.

تقول ديردري باريت (Deirdre Barrett)، عالمة النفس والأستاذة في كلية الطب في جامعة هارفارد (Harvard Medical School): "إنَّهم يتخيلون ما قد حُرموا منه الآن، فتعمل أحلام اليقظة كبديل، مما يمنحهم شيئاً من متعة التجربة الحقيقية".

إقرأ أيضاً: دروس مستفادة من أزمة جائحة كورونا

تمسَّك بالأمل:

لا تستهن بقوة تخيل أوقات أفضل في هذه الظروف الذي فقد فيه العديد من الأشخاص أحباءهم، أو يكابدون لدفع فواتيرهم وتأمين لقمة العيش لعائلاتهم والاحتفاظ بمنازلهم.

تقول بيغ أوكونور (Peg O’Connor)، أستاذة علم الأخلاق في جامعة غوستافوس أدولفوس في مينيسوتا (Gustavus Adolphus College): "نغفل أنَّ التخيل لا يقتصر فقط على الإيجابيات، فالتفكير دائماً في التخيل على أنَّه أمر جيد هو شيء خطر؛ لأنَّ الكثيرين لا يستطيعون تخيل الأشياء الجيدة والمبهجة والباعثة على الأمل نظراً لكونهم غير قادرين على ذلك، أو لأنَّهم قد واجهوا الكثير من الصعوبات في حياتهم التي تجعلهم يشعرون أنَّ الخيال ينمُّ عن طيش".

هذا ما أكدت عليه الطبيبة النفسية إبريل توري (April Toure)، الاختصاصية في التعامل مع الأطفال والمراهقين في مركز موسى بن ميمون (Maimonides) الطبي في بروكلين.

تقول الدكتورة توري (Toure): "صحيح أنَّ فقدان الأمل ليس من الأعراض الأساسية للاكتئاب؛ لكنَّه عَرَضٌ شائع، لذا فإنَّ التفكير المستقبلي أو الخيال والاعتقاد بأنَّ القادم سيكون أفضل هما أمران هامان لتخطي الفترات الصعبة.

تقول الدكتورة أوكونور (O’Connor): "يمكن للتمسك بالأمل، حتى لو كان حول شيء بسيط ودنيوي أن يُحدِث فارقاً كبيراً؛ فأنا مثلاً لا أحلم بالذهاب في رحلات بعيدة، وكل ما آمله هو عناق أمي".

المصدر




مقالات مرتبطة