هذا الأمر يدفع الأفراد الذين هم بأمس الحاجة لزيارة العيادة النفسية إلى تجنب الأمر، أو القيام به في الخفاء وبكامل السرية، خوفاً من وصمات المجتمع المسيئة وأصابع الاتهام التي قد تُشار إليهم بسبب هذا الأمر. وبدل أن يبحث المريض عن الشفاء ويتحسن، نراه يهرب منه، فيضاف خوف جديد إلى مخاوفه، وتتفاقم حالته النفسية المتأزمة أساساً، فيكون ضحية لوصمة العار التي قد تلصق به، ويدفع ثمن مخاوفه من المجتمع باهظاً.
سنسلط في هذا المقال الضوء على هذه المسألة، ونتحدث عن وصمة العار المرتبطة بالصحة النفسية في المجتمع.
ما هي وصمة العار المرتبطة بالصحة النفسية في المجتمع؟
هي تلك الأفكار السلبية والنظرات الدونية التي يوجهها المجتمع عموماً للأشخاص الذين يعانون من أي اضطراب نفسي، وهذه الوصمة تجعل هؤلاء الأشخاص يشعرون بالخجل والعار، وتمنعهم من طلب المساعدة التي يحتاجونها.
مظاهر وصمة العار المرتبطة بالصحة النفسية في المجتمع
- اعتبار المرض النفسي علامة ضعف: يعتقد بعضهم أنَّ الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية هم ضعفاء أو غير قادرين على التعامل مع الحياة.
- التخويف من المرض النفسي: ينظر بعضهم إلى الأمراض النفسية على أنَّها معدية أو خطيرة، فيتهمَّش الأشخاص المصابون.
- الوصم بالعار والجنون: يستخدم بعض الأشخاص ألفاظاً مهينة ووصفية سلبية للإشارة إلى الأشخاص المصابين بأمراض نفسية.
- إنكار المرض: يرفض بعضهم الاعتراف بوجود الأمراض النفسية، ويُعِدُّونها مجرد ضعف في الإرادة.
- الخوف من الوصمة: يدفع الخوف من الوصمة كثيراً من الأشخاص إلى إخفاء مرضهم النفسي وعدم طلب العلاج.
أسباب وصمة العار المرتبطة بالصحة النفسية في المجتمع
- قلة الوعي: عدم فهم طبيعة الأمراض النفسية وأسبابها.
- الخرافات والأحكام المسبقة: وجود معتقدات خاطئة حول الأمراض النفسية.
- الخوف من المجهول: الخوف من الأمور التي لا نفهمها.
- التأثير الثقافي والديني: يكون هناك بعض المعتقدات الثقافية والدينية التي تعزِّز هذه الوصمة.
شاهد بالفيديو: 6 أمور يحتاجُها الناس لتحسين صحتهم النفسية
تأثير وصمة العار المرتبطة بالصحة النفسية
وصمة العار المرتبطة بالصحة النفسية لها آثار عميقة وسلبية في حياة الأفراد والمجتمعات، وهذه الوصمة لا تقتصر على من يعانون من اضطرابات نفسية؛ بل تمتد لتشمل عائلاتهم ومحيطهم الاجتماعي، وأبرز الآثار السلبية لهذه الوصمة على الفرد المصاب بمشكلات في الصحة النفسية:
1. صعوبة في طلب المساعدة
يخشى كثير من الأشخاص المصابين بأمراض نفسية من طلب المساعدة خوفاً من الوصمة الاجتماعية، وهذا التأخير في طلب العلاج قد يُفاقِم الحالة ويزيد المعاناة.
2. العزلة الاجتماعية
يميل الأشخاص المصابون بأمراض نفسية إلى العزلة الاجتماعية خوفاً من الرفض والاستبعاد، ممَّا يزيد الشعور بالوحدة والاكتئاب.
3. انخفاض احترام الذات
تؤدي الوصمة إلى انخفاض احترام الذات وتقدير القيمة الذاتية لدى المصابين، ممَّا يؤثر سلباً في جميع جوانب حياتهم.
4. التمييز والعنف
يتعرض الأشخاص المصابون بأمراض نفسية للتمييز والعنف في مكان العمل، والمدرسة، والمجتمع عموماً.
5. صعوبة في الحصول على وظيفة
يواجه الأشخاص المصابون بأمراض نفسية صعوبة في الحصول على وظيفة أو التقدم الوظيفي بسبب الوصمة المرتبطة بمرضهم.
6. زيادة حدة الأعراض
يؤدي التوتر والقلق الناتجَين عن الوصمة إلى تفاقم الأعراض النفسية.
كانت هذه آثار الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالصحة النفسية في الفرد المصاب، أمَّا عن آثار هذه الوصمة في المجتمع، فهي:
- زيادة التكاليف: يؤدي تأخُّر طلب العلاج إلى زيادة التكاليف الطبية على الأمد الطويل.
- انخفاض الإنتاجية: يؤدي غياب الأشخاص المصابين عن العمل أو الدراسة بسبب مرضهم إلى خسائر اقتصادية.
- زيادة الجريمة: يؤدي عدم الحصول على العلاج المناسب إلى زيادة معدلات الانتحار والجريمة.
كيفية معالجة وصمة العار المرتبطة بالصحة النفسية
من أجل معالجة وصمة العار المرتبطة بالصحة النفسية في المجتمع، لا بدَّ لنا من اتباع الخطوات التالية:
1. نشر الوعي
يعد نشر الوعي حول الصحة النفسية الخطوة الأولى والأهم لمواجهة وصمة العار المرتبطة بها، فعندما يكون الناس على دراية أكبر بالأمراض النفسية، وكيفية التعامل معها، وكيفية دعم المصابين بها، فإنَّهم يصبحون أقل ميلاً للحكم عليهم أو تهميشهم، وتبرز أهمية نشر الوعي من خلال ما يأتي:
- يغيِّر نشر الوعي النظرة السلبية والاستعلائية التي يوجِّهها المجتمع للأشخاص المصابين بأمراض نفسية، ويحوِّلها إلى نظرة أكثر تعاطفاً وفهماً.
- عندما يشعر الأشخاص المصابون بأنَّ المجتمع أكثر تقبُّلاً لحالتهم، فإنَّهم يصبحون أكثر استعداداً لطلب المساعدة والبحث عن العلاج.
- يقلِّل نشر الوعي العزلة الاجتماعية التي يعاني منها المصابون، ويشجِّعهم على الانخراط في المجتمع.
- يدحض نشر المعلومات الصحيحة عن الأمراض النفسية الخرافات والأحكام المسبقة المنتشرة حولها.
- عندما يكون هناك وعي أكبر بالصحة النفسية، فإنَّ ذلك يشجِّع الجميع على الاهتمام بصحتهم النفسية، والبحث عن الدعم عند الحاجة.
كيف يُنشَر الوعي؟
يُنشر الوعي من خلال عدة خطوات:
- حملات التوعية: تنظيم حملات توعية واسعة النطاق من خلال وسائل الإعلام المختلفة، مثل التلفزيون والراديو والإنترنت، لتسليط الضوء على أهمية الصحة النفسية.
- البرامج التعليمية: إدراج موضوع الصحة النفسية في المناهج الدراسية، وتنظيم ورشات عمل ودورات تدريبية للمعلمين والأهالي.
- المشاركة المجتمعية: تشجيع الشخصيات المؤثِّرة في المجتمع، مثل الفنانين والرياضيين، على التحدث عن الصحة النفسية.
- وسائل التواصل الاجتماعي: استخدام منصات التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات الصحيحة حول الصحة النفسية، وتشجيع الحوار الإيجابي.
- قصص النجاح: مشاركة قصص نجاح الأشخاص الذين تعافَوا من الأمراض النفسية، لإظهار أنَّ الشفاء ممكن.
يعد نشر الوعي مفتاح مكافحة وصمة العار المرتبطة بالصحة النفسية، ومن خلال تضافر جهودنا جميعاً، نبني مجتمعاً أكثر تقبُّلاً وفهماً للأمراض النفسية، ومجتمعاً يدعم الصحة النفسية للجميع.
2. محاولة تغيير النظرة المجتمعية
النظرة المجتمعية هي الأساس الذي تُبنى عليه تصوراتنا عن الأمراض النفسية، فعندما تكون هذه النظرة سلبية ومحمَّلة بالوصمة، فإنَّها تخلق بيئة غير داعمة للأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض، وتمنعهم من طلب المساعدة والحصول على العلاج اللازم. فكيف يمكن تغيير النظرة المجتمعية؟
اتَّبِع الاستراتيجيات التالية لتغيير النظرة المجتمعية:
- التعليم والتثقيف: إدراج موضوع الصحة النفسية في المناهج الدراسية، وتنظيم ورشات عمل ودورات تدريبية للمعلمين والأهالي.
- وسائل الإعلام: استخدام وسائل الإعلام المختلفة لنشر المعلومات الصحيحة حول الصحة النفسية، وتسليط الضوء على قصص نجاح الأشخاص الذين تعافوا من الأمراض النفسية.
- الدعم الحكومي: توفير الدعم الحكومي اللازم لبرامج التوعية والوقاية من الأمراض النفسية.
- برامج التدريب للمعلمين: تدريب المعلمين على كيفية التعرف على علامات اضطرابات الصحة النفسية لدى الطلاب وتقديم الدعم اللازم.
- إنشاء خطوط ساخنة للصحة النفسية: توفير خدمة خط ساخن مجاني ومتاح على مدار الساعة لتقديم الاستشارات والدعم النفسي.
يعد تغيير النظرة المجتمعية للأمراض النفسية عملية طويلة تتطلب تضافر جهود الجميع، ومن خلال نشر الوعي، ودعم المصابين، وتغيير السياسات، نبني مجتمعاً أكثر تقبُّلاً للأمراض النفسية، ومجتمعاً يدعم الصحة النفسية للجميع.
شاهد بالفيديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية
3. تسهيل حصول المصابين على الرعاية
يُعدُّ تسهيل الوصول إلى الرعاية الصحية النفسية أحد أهم العوامل في مكافحة وصمة العار المرتبطة بالصحة النفسية. فعندما يجد الأشخاص المصابون بأمراض نفسية صعوبة في الحصول على العلاج المناسب، يتعزز الشعور بالعار والعزلة، وتزيد حدة أعراضهم. لماذا إذاً يعدُّ تسهيل الوصول إلى الرعاية أمراً بالغ الأهمية؟
- تشجيع طلب المساعدة: عندما يكون الحصول على العلاج سهلاً وميسوراً، فإنَّ ذلك يشجِّع الأشخاص المصابين على طلب المساعدة في وقت مبكِّر، قبل تفاقم حالتهم.
- تحسين جودة الحياة: يحسِّن الحصول على العلاج المناسب جودة حياة الأشخاص المصابين، ويساعدهم على العودة إلى حياتهم الطبيعية.
- زيادة الوعي: عندما يرى الناس أنَّ المجتمع يوفِّر الرعاية الصحية النفسية بسهولة، فإنَّ ذلك يزيد الوعي بأهمية الصحة النفسية، ويقلِّل وصمة العار المرتبطة بها.
كيف يمكن تسهيل الحصول على الرعاية؟
يمكن تسهيل الحصول على الرعاية من خلال عدة خطوات:
- توفير خدمات صحية نفسية بأسعار معقولة: يجب أن تُتاح الخدمات الصحية النفسية بأسعار معقولة، أو مجانية في بعض الحالات، لتشجيع الجميع على الحصول عليها.
- تسهيل الوصول الجغرافي: يجب توفير الخدمات الصحية النفسية في جميع المناطق، وخصيصاً المناطق النائية، لتقليل الحاجة إلى السفر لمسافات طويلة.
- تبسيط الإجراءات: يجب تبسيط الإجراءات البيروقراطية للحصول على العلاج النفسي، وتقليل الوقت والجهد اللازمَين لذلك.
- توفير خدمات متنوعة: يجب توفير مجموعة متنوعة من الخدمات الصحية النفسية، بما في ذلك العلاج الفردي والجماعي، والعلاج الدوائي، وغيرها.
- تدريب الكوادر الطبية: يجب تدريب الكوادر الطبية على التعامل مع الأمراض النفسية، وتقديم الرعاية المناسبة للمصابين.
- كسر الحواجز: يجب كسر الحواجز بين الرعاية الصحية البدنية والنفسية، وتشجيع التكامل بينهما.
يعد تسهيل الوصول إلى الرعاية الصحية النفسية عنصراً أساسياً في مكافحة وصمة العار المرتبطة بالصحة النفسية، فعندما يشعر الأشخاص المصابون بأنَّ المجتمع يهتمُّ بصحتهم النفسية، ويوفر لهم الدعم اللازم، يصبحون أكثر استعداداً لمواجهة تحدياتهم والتغلب عليها.
4. دعم الأشخاص المصابين
يعد دعم الأشخاص المصابين بأمراض نفسية ركناً أساسياً في مكافحة وصمة العار المرتبطة بها. فعندما يشعر هؤلاء الأشخاص بأنَّهم مدعومون ومحاطون بالحب والقبول، يعزز ذلك ثقتهم بأنفسهم، ويقلل من شعورهم بالعار والعزلة، ويشجعهم على طلب المساعدة والالتزام بالعلاج، وتبرز أهمية ذلك من خلال ما يأتي:
- تعزيز الثقة بالنفس: يبني الدعم المستمر من العائلة والأصدقاء والمعالجين ثقة الشخص المصاب بنفسه وقدراته على التعافي.
- تقليل الشعور بالوحدة والعزلة: يقلل الشعور بأنَّ هناك من يهتم بهم ويقف بجانبهم الشعور بالوحدة والعزلة الذي غالباً ما يصاحب الأمراض النفسية.
- تشجيع الالتزام بالعلاج: يساعد الدعم المعنوي والعملي الشخص المصاب على الالتزام بخطة العلاج والوصول إلى نتائج أفضل.
- تحسين جودة الحياة: يعيش الأشخاص الذين يشعرون بالدعم والقبول حياة أكثر سعادة وإنتاجية.
- كسر الحواجز: تكسر مشاركة تجارب الأشخاص الذين تعافوا من الأمراض النفسية الحواجز حول الصحة النفسية، وتُظهر للآخرين أنَّ الشفاء ممكن.
كيف يُدعَم الأشخاص المصابون؟
ندعم الأشخاص المصابين من خلال عدة خطوات:
- الاستماع بانتباه: الاستماع إلى الشخص المصاب دون مقاطعة أو حكم، وإظهار التعاطف والفهم.
- تقديم الدعم المعنوي: تقديم كلمات التشجيع والدعم، وإظهار الإيمان بقدرة الشخص على التعافي.
- توفير المساعدة العملية: مساعدة الشخص المصاب على أداء المهام اليومية، أو ترتيب مواعيد العلاج، أو البحث عن الموارد المتاحة.
- التعليم والتوعية: تثقيف نفسك وعائلتك وأصدقائك حول الأمراض النفسية، وكيفية التعامل مع الأشخاص المصابين بها.
- الانضمام إلى مجموعات الدعم: الانضمام إلى مجموعات الدعم التي توفر بيئة آمنة للشخص المصاب للتفاعل مع أشخاص يمرون بتجارب مماثلة.
- تشجيع العلاج: تشجيع الشخص المصاب على طلب المساعدة من متخصص، والالتزام بخطة العلاج.
يعد دعم الأشخاص المصابين بأمراض نفسية مسؤولية مشتركة، فعندما نقدِّم الدعم والحب والقبول لهؤلاء الأشخاص، فإنَّنا نبني مجتمعاً أكثر صحة وسعادة.
في الختام
تتعرض الصحة النفسية للأزمات والوعكات تماماً مثل الصحة الجسدية. وإذا ما أردنا بناء مجتمع سليم ومعافى، لا بد لنا من احتواء المرضى النفسيين والتعاطف معهم بالطريقة ذاتها التي نتعامل بها مع المرضى العضويين، بدلاً من وصمهم بما يسيء لهم والإشارة إليهم بأصابع الاتهام.
يُمكن تحقيق ذلك من خلال نشر الوعي ومحاولة تغيير النظرة المجتمعية، وتسهيل حصول المصابين على الرعاية والدعم. بذلك نكون قد قدمنا مساعٍ إيجابية لمساعدتهم على التعافي والاندماج الكامل في المجتمع.
أضف تعليقاً