كيف يمكنك استعادة انتباهك في عالم مليء بالمشتتات؟

يرسل الناس ويستقبلون العشرات من الرسائل النصية كل يوم، دون احتساب رسائل الفيسبوك (Facebook) والبريد الإلكتروني. لقد صُمِّمت بعض المشتتات لنُدمنها فحسب، فلم تعد الإعلانات وحدها تتنافس على جذب انتباهنا، بل يريدنا كل موقع ويب وكل تطبيق على الهاتف أن تصبح عودتنا إليه بانتظام عادة نقوم بها تلقائياً.



هذه ليست نظرية مؤامرة، ولتلقِ نظرة على كتاب المسوِّق نير إيال (Nir Eyal) الذي لاقى رواجاً واسعاً، والذي يُدعَى "الإدمان الالكتروني: كيف تصنع منتجات مُكوِّنة للعادات" (Hooked: How to Build Habit Forming Products)؛ ولحسن الحظ، تبعه بجزء ثانٍ بعنوان: "بلا تشتُّت: كيف تتحكم في انتباهك وتختار حياتك؟" (Indistractable: How to Control Your Attention and Choose Your Life) موضحاً كيف يمكننا حماية أنفسنا من المنتجات التي تُشكِّل عاداتنا.

يعيد الكتاب سرد قصة أستاذة مساعدة في التسويق في كلية ييل للإدارة (Yale School of Management) التي أدمنت تطبيق عدَّاد الخُطى، لدرجة أنَّها ذات مرَّة أمضت ساعتين في الصعود والنزول من على الدرج في منتصف الليل للحصول على مزيد من "النقاط" على التطبيق، ولم تتمكَّن من إجبار نفسها على التوقف.

إذا لم يكن شخص ذكي للغاية يُدرِّس طلاب ماجستير إدارة الأعمال في جامعة مرموقة قادراً على التخلُّص من المًشتِّتات، فماذا يفعل بقيتنا؟

ربما لا يمكننا الإجابة عن هذا السؤال بدقة؛ لكن ما نعرفه على وجه اليقين أنَّ هناك العديد من السبل التي ابتُكِرت لتحسين مدى انتباهنا؛ وما المكملات الغذائية والأطعمة ذات القيمة الغذائية العالية وألعاب وتمرينات تدريب الدماغ وطريقة بومودورو وطريقة دافيد آلن لإنجاز المهام (David Allen’s Getting Things Done®) إلَّا بعض هذه السبل.

ما هي أحدث صرعة جربتها لتحسين انتباهك؟ هل جربت زيت الثعبان قبل الآن؟ وهل يصبح مدى انتباهك أقصر مع مضي الوقت؟ دعونا نكتشف ذلك في هذا المقال.

ماذا يقول العلم عن انخفاض مدى الانتباه؟

لقد وجدت دراسةٌ أُجرِيَت عام 2015 أنَّ مدى انتباه الإنسان قد انخفض من 12 إلى 8 ثوانٍ في أقل من عقدين، وذلك بسبب أسلوب الحياة الرقمي؛ ونحن الآن أقل انتباهاً من السمكة الذهبية، حيثُ نُشِر هذا الاكتشاف المذهل في "مجلة الوقت" (Time magazine) و"التلغراف" (Telegraph) و"نيويورك تايمز" (New York Times).

إذا بدا لك الأمر سخيفاً إلى حد ما، فهو كذلك في حقيقة الأمر؛ إذ فضحَت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) وصحيفة وول ستريت (Wall Street Journal) زيف "خرافة السمكة الذهبية" لاحقاً بقولها: "لم تتغيَّر المقاييس التي يتتبعها العلماء على مدى الأجيال"، وقال "إدوارد فوغل" (Edward Vogel)، أستاذ علم النفس وعلم الأعصاب في جامعة شيكاغو (the University of Chicago): "لقد كنت أقيس انتباه طلاب الجامعات على مدار العشرين عاماً الماضية، ولقد كانت مستقرة بصورة ملحوظة على مرِّ عقود؛ فنحن منتبهون أو غير منتبهين كما كان البشر دائماً".

لكن يجب أن تمنحنا ألعاب تدريب الدماغ القائمة على علم الأعصاب الحديث بعض التفوق على أسلافنا بالتأكيد، ويجب أن تجعل المكملات الغذائية المقوِية للدماغ تفكيرنا أكثر وضوحاً وسرعة ومقاومة ضد المشتِّتات، أليس كذلك؟

إقرأ أيضاً: 8 أطعمة تقوّي القدرات العقلية

هل يمكنك تحسين انتباهك؟

نشرت مجموعة من 70 عالِماً في أكتوبر 2014 وثيقة مفتوحة تزعم أنَّ ألعاب تدريب الدماغ ككل تفتقر إلى الأساس العلمي، ولكن سرعان ما دُحِضَت هذه الوثيقة من قِبَل مجموعة أخرى من العلماء، ولكن اتفقت هذه المجموعة الثانية على أنَّ "كثيراً ما تكون الادعاءات التي تروِّج لألعاب الدماغ مبالغاً فيها، وغالباً ما تكون خادعة".

تصدَّر في عام 2016 تطبيق لوموستيي (Lumosity) لتدريب الدماغ عناوين الصحف عندما فرضت لجنة التجارة الفيدرالية عليه غرامة قدرها 2 مليون دولار بسبب إعلاناته الخادعة، حيث قالت "جيسيكا ريتش" (Jessica Rich)، مديرة مكتب حماية المستهلك التابع للجنة التجارة الفيدرالية: "استغل موقع لوموستيي (Lumosity) مخاوف المستهلكين بشأن التدهور الإدراكي المرتبط بالعمر، من خلال الإشارة إلى أنَّ ألعابهم قد تُجنِّب الناس فقدان الذاكرة والخرف وحتى مرض ألزهايمر؛ ولكنَّ لوموستيي (Lumosity) ببساطة لم يملك الأدلة العلمية التي تدعم هذه الإعلانات".

توجد قصة مماثلة مع المكملات الغذائية المقوية للدماغ، حيث يقول الدكتور "جاد مارشال" (Gad Marshall)، اختصاصي مرض الخرف في كلية الطب بجامعة هارفارد (Harvard Medical Schoo): "مارس مزيداً من التمرينات الرياضية، واتَّبِع نظاماً غذائياً نباتياً، وقد يساعدك ذلك في الحفاظ على الذاكرة وصحة الدماغ على الأمد الطويل أكثر من أي مكملات أخرى".

حتى عندما يتعلق الأمر بالأداء الرياضي، ذكرَ الدكتور "دان برنادوت" (Dr. Dan Bernadot) -المدير المشارك لمختبر أداء نُخبة الرياضيين (Laboratory for Elite Athlete Performance) في جامعة ولاية جورجيا (Georgia State University)- في كتابه "التغذية للرياضيين المحترفين" (Nutrition for Serious Athletes): "تتجاوز المزاعِم المتعلقة بتحسين الأداء المنسوبة للمكملات الغذائية في معظم الحالات الواقع"، ويضيف أنَّ الغذاء الكافي وشُرب السوائل والراحة ستحدِث فارقاً أكبر من أي مكمِّلات، حتى بالنسبة إلى أغلب الرياضيين المحترفين؛ ويفعل الأشخاص الذين يتمتَّعون بانتباه ثاقب ذلك بالطريقة التقليدية.

إقرأ أيضاً: كيف ينظف النوم دماغك ويساعد على تقليل مخاطر الإصابة بالخرف؟

يحدِّد الانتباه شخصياتنا:

نحن نبحث عن تقنيات لتعزيز الانتباه بطريقة خاطئة، فلنأخذ جهاز المناعة كمثال: يعمل هذا الجهاز الحيوي دون وعي، وتحارب أجسادنا من خلاله الأمراض، سواء شعرنا به أم لا؛ وبالتالي، لا يمكننا التأثير في هذه العملية إلَّا بصورة غير مباشرة، مثل تناول الفيتامينات أو ممارسة التمرينات الرياضية؛ ولكنَّ الانتباه يحدث بوعي، بل إنَّه النشاط الأكثر وعياً على الإطلاق؛ فنحن نمتلك سيطرة أكبر على انتباهنا مقارنة بمعظم وظائف الجسم والعقل الأخرى.

يعرف الجميع كيف يولي مزيداً من الانتباه، وحتى الأطفال؛ لذا فالطريقة التي نوجِّه بها انتباهنا تحدد من نحن:

  • يعدُّ الشخص الذي يتابع الرياضة أو الموسيقى بانتباه شخصاً مهتماً بهذه الموضوعات.
  • يعدُّ الشخص الذي يعمل على مَهمَّة بتركيز وانتباه شديد شخصاً مُجِّداً وحازماً.
  • يُعدُّ الشخص الذي يعمل على مَهمَّة دون إيلاء الكثير من الانتباه لها شخصاً كسولاً وغير مبالٍ.

كما يُعدُّ التوجُّه السائد في الأدب الشعبي هو استخدام أبحاث الدماغ لتبرير الكسل، لدرجة أنَّ الباحث "برين جيفري فوج" (BJ Fogg)، مؤلف كتاب "العادات الصغيرة" (Tiny Habits) قد قال أنَّك إذا حاولت تغيير حياتك بشتى الطرائق وفشلت، فهذا ليس خطأك؛ فقد صُمِّمَت استراتيجيتك تصميماً سيئاً، وربما قد حاولت إجراء تغييرات كبيرة بسرعة شديدة.

ولكنَّ معظم الناس يختارون تشتيت انتباههم بأنفسهم، فلا أحد يجبرهم على قضاء ساعات على وسائل التواصل الاجتماعي أو مشاهدة التلفاز أو لعب اليانصيب.

لذا، إذا كنت حاد الانتباه في السابق، وتريد استعادة انتباهك الآن، فيجب أن تعترف بأنَّك أصبحت كسولاً قليلاً ومن السهل تشتيت انتباهك لأي سببٍ كان، ثم تبحث عن طرائق للتغلُّب على ذلك.

ابدأ من خلال الالتزام بنشاط ما:

لا يضمن لك الالتزام بنشاطٍ ما أنَّك ستتمكَّن من الانتباه بصورة كبيرة للغاية بمجرد المحاولة بجدية أكبر، فالمحاولة الجادة هي مجرد البداية لا أكثر.

يقول "أرنولد شوارزنيجر" (Arnold Schwarzenegger): "عندما ذهبت إلى صالة الألعاب الرياضية، تخلَّصت من كل فكرة غريبة في ذهني، وكنت أركز على التمرينات الحالية والنتائج حتى أتخلَّص من مشكلاتي اليومية؛ وكنت أعلم أنَّني إذا ذهبت إلى هناك وأنا قلق بشأن الفواتير أو الأطفال وتركت نفسي أفكر في هذه الأشياء في أثناء ممارسة التمرينات، فلن أحرز سوى تقدم طفيف فحسب".

يروي "جوش ويتزكين" (Josh Waitzkin) -لاعب الشطرنج المحترف والبطل العالمي في رياضة تاي تشي- العديد من استراتيجياته العقلية في "فن التعلُّم" (The Art of Learning) بالتفصيل، قائلاً أنَّه في أحد الأيام، اكتشف أنَّ سماع لحن معين قد يُشتِّت انتباهه في أثناء المنافسة؛ وبدلاً من قبول هذا القيد، قرَّر التغلب عليه. أصبح "ويتزكين" يستمع إلى الموسيقى الصاخبة عدَّة مرات في الأسبوع في أثناء التدريب على مواضع الشطرنج المُعقَّدة، وصار يُغيِّر من أنماط الموسيقى حتى تعلَّم التركيز في هذا النوع من المواقف.

في الخلاصة، إذا كان النشاط هامَّاً بالنسبة إليك، ستجد طريقة للحفاظ على انتباهك في أثناء القيام به.

شاهد بالفيديو: 6 عادات يمارسها الأشخاص الذين يتقنون التعلُّم

تعلَّم كيفية التركيز على نشاطٍ واحدٍ صعب:

لقد اكتسب بعضنا مهارة الحفاظ على درجة عالية من التركيز بسبب المتطلَّبات الفريدة لمهننا؛ ومن بين الأشخاص الذين يُدرَّبون على الانتباه باحترافية في مهنهم: مراقبو الحركة الجوية، والرياضيون المحترفون، وفنانو الأداء المسرحي، ومقاتلو النخبة، ورجال الإسعاف.

من ناحية أخرى، يبدو أنَّ العمل الإبداعي للكُتَّاب والمهندسين المعماريين والمحامين والباحثين ومطوري البرمجيات يتطلب أيضاً نوعاً من التركيز العميق، ولكن ليس بالإلحاح الذي تتطلبه المهن السابقة.

وهذا هو الفارق الرئيس؛ حيث لا يتمتَّع الأشخاص من المجموعة الثانية بالقدر نفسه من الانتباه، وقد يعانون من التشتت لكون عملهم ليس ملحاً أو محدوداً بالوقت، وبسبب الغياب شبه الكامل للقيود المفروضة على طريقة عملهم.

إذا كانت مهنتك أو أسلوب حياتك لا يمنحك الوسائل اللازمة لنوع التركيز الذي تريده، ففكِّر في بدء هواية جديدة، إذ يجب أن تتطلَّب هذه الهواية منك اتخاذ قرارات سريعة، والتخطيط للمستقبل؛ واحرص على مراقبة جسمك وعقلك وعواطفك باستمرار، وشارك في مثل هذا النشاط عدَّة مرات في الأسبوع، وستبدأ قريباً في اكتشاف الطريقة التي يعمل بها انتباهك، ويتحسن تركيزك تدريجياً.

كما ينبغي عليك التركيز بشدة في أثناء ممارسة هذا النشاط الجديد كما لو أنَّه ما من شيءٍ آخر في العالم هام أو حقيقي، فهذا ما يفعله الأطفال الموهوبون؛ والواقع أنَّ الكثير من الناس يمارسون هواية مُعيَّنة كممارسة الرياضة، ويساعدهم هذا على تحسين انتباههم إلى حدٍّ ما بالتأكيد، دون احتساب الفوائد الأخرى التي لا تعدُّ ولا تُحصَى؛ ولكنَّهم لا يركزون على العملية الحالية كما يفعل المحترفون.

العقبة التي تحول دون تحقيق مزيدٍ من التقدُّم بالنسبة إلى معظم الناس هي عدم وجود نشاط هام بالنسبةِ إليهم، لدرجة أن يستحق التركيز عليه وحده دون غيره؛ فمنذ الطفولة، طُلِب من معظمنا تركيز انتباهنا على أشياء مملة وغير سارَّة وعديمة الفائدة، مثل مسألة في الرياضيات؛ لذا قد لا نشعر بالتحفيز للتعامل مع أي شيءٍ بقدرٍ كبيرٍ من الانتباه.

لكن حاول أن تفعل ذلك على أي حال؛ وبمجرد أن تقرِّر التركيز على نشاطٍ ما، تصرَّف كما لو أنَّك تمتلك الرغبة الشديدة في القيام به، وستجد أنَّك قد أصبحت أكثر انتباهاً وتركيزاً بمرور الوقت.

إقرأ أيضاً: التحفيز وتأثيره الإيجابي على حياة الإنسان ونجاحهِ العملي

كيف يمكنك استعادة انتباهك؟

يظل السؤال قائماً: إذا أراد المرء أن يختار هواية بغية تعزيز انتباهه، فما هي الخيارات الجيدة؟

للإجابة عن هذا السؤال، دعونا نلقي نظرة على نوعين من الممارسات المنتظمة التي يمكن أن تبني أو تعيد بناء قدرتك على التركيز؛ وبالعودة إلى الفلسفة الصينية القديمة، سنطلق على هاذين النوعين "يانغ" و"يين" لتمييز الممارسة النشِطة التي تتَّسِم بالتحدي عن الممارسة المرِنة والعلاجية.

عادة اليانغ (النشطة):

ما نوع الممارسة التي يمكنك المشاركة فيها والتي تساعدك على تعزيز حدة انتباهك؟

يجب أن يكون لمثل هذه الممارسة قواعد محددة، وأن تكون أشبه بلعبة وأقل شبهاً بلعب الأطفال؛ فعلى سبيل المثال: لن يُعزِّز المشي لمسافات طويلة الانتباه؛ ذلك لأنَّ المشي ليس له قواعد، إذ بوسعك المشي وأنت مُشتَّت الانتباه.

تتَّسِم أفضل الممارسات لتعزيز الانتباه بالإلحاح في الوقت الفعلي، فإمَّا أن تتفاعل الآن أو تخسر. قد يكون فعل مثل الكتابة بطيء إلى حدٍّ ما، ولكنَّ عزف الموسيقى على البيانو قد يكون بالسرعة الصحيحة، أو يكون خاطئاً؛ وبالتالي، يتطلَّب العزف على البيانو تركيزاً أعمق من الكتابة.

كما أنَّ أفضل الممارسات هي الممارسات البدنية التي تتطلَّب حركة جسدك، فعلى سبيل المثال: يتطلب رمي الكُرات تركيزاً أعمق من حل الألغاز.

تتضمَّن بعض الممارسات تبايناً من ناحية أخرى، فهي إما تشاركية أو تنافسية، فأنت تقوم ببعض تمرينات البيلاتيس بمفردك دائماً، بينما تشمل تدريبات فنون الدفاع عن النفس المصارعة مع الخصم؛ وبالتالي تتطلَّب المصارعة تركيزاً أعمق من البيلاتيس.

تشمل الممارسات البدنية "في الوقت الفعلي" ما يأتي:

  • الألعاب الرياضية الجماعية.
  • تمرينات حمل الأثقال.
  • سباقات السيارات.
  • سباقات التزلج.
  • الفنون القتالية.
  • اليوجا.
  • الرقص.
  • رياضة الجمباز.
  • رمي الكُرات.
  • الألعاب البهلوانية.
  • طريقة ويم هوف.

تجبرك هذه الأنشطة على إيلاء الانتباه الفوري إلى جسدك، في حين لا يدرِّبك الركض وركوب الدراجات على الانتباه بالطريقة نفسها؛ فقد تكون خاملاً على جهاز المشي، لكن سيوقظك رفع الأثقال أو التوازن على ساق واحدة.

تشمل النشاطات التعاونية أو التنافسية القائمة على الانضباط "في الوقت الفعلي" ما يأتي:

  • الشطرنج.
  • أي نوع آخر من المنافسة بحدٍّ زمني.
  • الارتجال الكوميدي.
  • عزف الموسيقى مع فِرقة.
  • ممارسة الفنون القتالية.
  • الرقص الثنائي.
  • الجمباز البهلواني المُشترَك.

من أجل إحراز تقدُّم حقيقي، يجب أن تكبح جماح غرورك؛ فقد تكون محترفاً وتتقاضى رواتب عالية، ولكن يتبيَّن أنك غير كفء وغير منتبه عند التعامل مع أيٍّ من تلك المهارات السابقة، وقد يقوم ساحر سيرك شِبه عاطل عن العمل أو فتاة تبلغ من العمر 11 عاماً مُدرَّبة على ممارسة الجمباز بالتفوُّق عليك؛ إذ غالباً ما يتقن هؤلاء الأشخاص تقنيات عقلية متقدمة لتركيز انتباههم بصورة تتجاوز ما يُدرَّس في ندوات رجال الأعمال.

عادة اليين (العلاجية):

تعدُّ "عادة اليين" أو "عادة الشفاء" مُكملة لعادة "اليانغ"؛ فبينما قد ينخفض الانتباه بالتأكيد بسبب عدم بذل جهد كافٍ لتعزيزه، لن يقوى الشخص المُجهَد للغاية على التركيز، مهما كان مستوى التحفيز أو الالتزام الذي يبديه؛ لذا أحياناً لا يكون ما نحتاجه فعلياً هو تحدٍّ آخر لقوة إرادتنا، بل بعض الراحة فحسب.

ربما لا تتطلب استعادة انتباهك سوى أخذ قسط من الراحة ليوم أو أسبوع والحصول على ما يكفي من النوم، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يمكن للمرء أن يستريح بصورة أكثر كفاءة ويستعيد مزيداً من طاقته في وقت أقل؟ والإجابة هي: نعم، وأنت تعرف بالفعل بعض الطرائق للقيام بذلك.

يمتلك كل شخص بالفعل "عاداته العلاجية"، وتتمثَّل في الأمور التي تفعلها عندما ترغب في الشعور بالتحسُّن؛ مثل: الحصول على جلسات تدليك، أو الاستحمام في أثناء الاستماع إلى الموسيقى الهادئة، أو ممارسة التمرينات الرياضية الخفيفة، أو التمدد، أو التأمل، أو السير على شاطئ البحر، أو استخدام بعض العلاجات الطبيعية مثل الأعشاب أو الوخز بالإبر.

ولكن يكمُن السر في عدم الانتظار حتى تشعر بالتعب الشديد أو الإصابة بمرض خطير، وأن تستخدم التقنيات التي تعرفها بالفعل بصورة منتظمة؛ فقد يحقِّق التأمل اليومي أو الذهاب إلى الساونا شهرياً المعجزات.

في الواقع، قد يجد ممارس اليوجا المتمرِّس الراحة في جلسة تمدُّد لمدة 5 دقائق، وقد يصبح المتأمل المخضرم منتعشاً بعد 30 ثانية فقط؛ ولكن يجب بناء هذا النوع من القدرة من خلال التكرار؛ فإذا أردت إنشاء روتين شخصي للدخول في حالة مُعينة، فقلِّص من الوقت المطلوب لتنفيذ هذا الروتين، ويمكنك معرفة المزيد حول هذا الموضوع من كتاب "فن التعلُّم" (The Art of Learning).

ابدأ بتكوين عادة علاجية:

كما هو الحال مع عادة "اليانغ" أو النشطة، قد ترغب في اختيار هواية جديدة وتنميتها من أجل سلامتك الشخصية؛ وفي هذه الحالة، من الحكمة أن تختار نشاطاً فردياً يمكن القيام به دون أي إلحاح.

لا تزال الممارسات التي تنطوي على انضباط بدني هي الأكثر فاعلية، إذ يتراكم الإجهاد والتوتر في الجسم بقدر ما يتراكم في العقل بمرور الوقت؛ لذا قد تساعدك التمرينات الرياضية الخفيفة، أو اليوجا، أو التأمل أو تمرينات التنفس، أو تاي تشي، أو تشي كونغ، أو أي ممارسة مماثلة؛ وقد يكون العزف على آلة موسيقية، أو قراءة كتاب ملهم، أو حتى الطهي أو التنظيف خيارات جيدة إذا كان هذا ما تحتاج إليه للشعور بالانتعاش.

وكبداية، قد يفي مجرد الاستلقاء والاسترخاء لفترة من الوقت بالغرض؛ كما يمكنك الاستماع إلى الموسيقى الهادئة أو إلى جلسة تنويم مغناطيسي إرشادية مُسجلة.

تخلَّص من كل الأفكار المزعجة؛ وستمكِّنك هذه الممارسات من تحقيق السعادة، وعيش حياة مُلهمة، وإضفاء البهجة على حياة الآخرين.

في الختام:

لا يمكن زيادة حدة الانتباه بسهولة عن طريق ابتلاع أقراص الدواء أو ممارسة لعبة تزيد من الانتباه؛ ولكن لحسن الحظ، يمكن تعزيزه من خلال اتباع أسلوب حياة يمنحك فرصة منتظمة للتركيز كلياً على نشاط هام.

أمَّا أولئك الذين لم يتعرضوا إلى هذا النوع من النشاط، فيمكنهم اختيار هواية واحدة، والتي قد تكون جسدية وتتطلَّب إلحاحاً للقيام بها "في الوقت الفعلي"، وربما تفاعلات مع أشخاص آخرين كشركاء أو خصوم.

يمكنك أيضاً الحصول على فائدة أكبر من الممارسات العلاجية المتسقة، والتي تتطلب التروِّي وتجربة حالة سلام نفسي مدهشة؛ وتذكَّر أنَّك تتحكَّم بانتباهك تحكماً كلياً، وأنَّ ممارسة هذا التحكم هي مسؤوليتك تجاه نفسك لأنَّ مدى انتباهك يحدد من أنت كشخص، ويُحدِّد جودة حياتك وسعادتك في نهاية المطاف.

 

المصدر




مقالات مرتبطة