كيف يمكن لليقظة الذهنية أن تساعدنا على إدارة التوتر؟

إنَّ التوتر في حدِّ ذاته ليس أمراً سيِّئاً؛ وإنَّما يصبح مشكلةً عندما يكون مزمناً، وللتوتر المزمن آثار سلبية في صحتنا ورفاهيتنا وأدائنا المهني، ولكن يمكننا تجنُّب هذه الآثار من خلال تخصيص فترات كافية من الراحة والتجديد في حياتنا.



يعاني معظمُنا من التوتر المزمن، ولكنَّنا لا نمتلك وقتاً كافياً لنشاطات التجديد، ولحسن الحظ، من الممكن تقليل مقدار التوتر الذي نعاني منه؛ فلا يمكننا التخلص من معظم الضغوطات في حياتنا، ولكن يمكننا أن نتعلم كيف نتأثر فيها بدرجة أقل.

عندما يتعلق الأمر بإدارة التوتر، فإنَّ اليقظة الذهنية ستتفوق، فهي طريقة مباشرة لجعل أجسامنا تُنشِّط الجهاز العصبي اللاودي وتنتقل إلى الوضع التجديدي، على سبيل المثال: أحد أشهر برامج إدارة التوتر في العالم، هو برنامج تقليل التوتر القائم على اليقظة الذهنية، والذي أساسه الممارسة.

ربما تكون أبسط طريقة لتعريف اليقظة الذهنية، هي أن نكون في حالة من الاسترخاء والوعي، ولحسن الحظ، إنَّ قدرتنا على تحقيق هذه الحالة الذهنية يمكن تعلُّمها.

يُطلَق على إحدى ممارسات تدريب العقل القديمة لتطوير اليقظة الذهنية اسم "ساماثا" (Shamatha) أو ما يسمى بـ "هدوء العقل" أو "التزام الهدوء"؛ فهذه الممارسة سهلة جداً، فنحن نركز على أمر ما مثل أنفاسنا ونعيد توجيه انتباهنا كلما واجهنا أمراً مشتتاً.

عندما نمارس هدوء العقل، فإنَّنا ندرِّب قدراتنا على تركيز انتباه أذهاننا والابتعاد عن النشاط والتفاعل المستمرَّين؛ إذ يساعد هذا الأمر نظامنا العصبي على الانتقال إلى وضع الراحة والاستيعاب.

إقرأ أيضاً: 5 طرق لإعادة السكينة إلى العقل والحفاظ على الحضور الذهني

لا تُعَدُّ اليقظة علاجاً سحرياً للتوتر، فهي تتطلب الممارسة المنتظمة، ولحسن الحظ، يمكن ممارستها خلال جلسات قصيرة؛ حيث تساعدك بضع دقائق ولبضعِ مرات في اليوم على إحراز تقدُّم، وعندما تؤسِّس ممارسة أساسية، ستصبح اليقظة جزءاً طبيعياً من حياتك دون الحاجة إلى وجود وقت إضافي يتجاوز تلك الجلسات العادية.

نحن نحتاج إلى فهم ما يحدث في أجسامنا وجهازنا العصبي عندما نتوتر؛ وذلك لاستخدام اليقظة بفاعلية لإدارة التوتر، ومن السهل فهم ذلك، لكنَّ التحدي يكمن في أنَّ معظم استجابتنا للتوتر تكون اعتيادية وغير واعية، وإذا أردنا إدارة التوتر، فيجب علينا أن نكون مدركين له.

لحسن الحظ، فإنَّ ممارسة اليقظة الذهنية تطوِّر وعينا؛ حيث تشرح تعاليم التأمل التقليدية كيف تؤدي ممارسة هدوء العقل ممارسة طبيعية إلى الرؤية الواضحة؛ فالمبدأ سهلٌ جداً: عندما يهدأ العقل يصبح واضحاً تماماً مثل كوب من الماء العكر الذي يصبح واضحاً عندما تضعه على طاولة وتتركه لفترة من الوقت.

يزيد التدريب على ممارسة اليقظة من وعينا لما يحدث لحظة بلحظة في جسدنا وجهازنا العصبي؛ وهذا الأمر هام لأنَّه كلما تمكَّنَّا من ملاحظة العلامات الأولى للتوتر بسرعة، نجحنا في إدارته.

إقرأ أيضاً: 3 عادات بسيطة لممارسة تأمل اليقظة الذهنية

والأمر الهام الذي نحتاج إلى فهمه فيما يخص الاستجابة للتوتر البشري، هو أنَّه يعتمد على استراتيجيات الاستمرار، فقد نجحَت تلك الاستراتيجيات في مساعدة أسلافنا على البقاء على قيد الحياة عندما كانت حالات التوتر ناتجة عن التهديد الجسدي.

اليوم، معظم حالات التوتر ليست تهديدات جسدية، فنحن نشعر بالتوتر عندما يهاجمنا أو ينتقدنا أحدهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ونشعر بالتهديد عندما توجد صراعات وخلافات، ونشعر بالقلق من أنَّ مديرنا أو زملاءنا في العمل لا يفضِّلون أن ندخل معهم في مناقشات عقيمة.

لسوء الحظ، لم تتكيف استجابتنا للتوتر بعد مع الضغوطات التي نواجهها اليوم، فعندما نواجه ضغوطات سهلة، مثل تلقِّي بريد إلكتروني فظ، فإنَّ جسمنا يتفاعل كما لو كان يوجد نمر يهاجمنا؛ حيث ننتقل غريزياً إلى استجابة الكر أو الفر، والتي لها عيبان رئيسان؛ أولاً، لا تستمر هذه الاستجابة لفترات طويلة من الزمن، فهي تستنزف طاقتنا وتؤثر في صحتنا تأثيراً أكبر ممَّا يدركه معظمنا، وثانياً، إنَّها ليست طريقةً فعَّالةً للتعامل مع معظم التحديات التي تواجهنا.

من الواضح أنَّ الاستجابة المرتبطة بتلقِّي بريد إلكتروني فظ تختلف عن الاستجابة المرتبطة بهجوم نمر؛ لذا إذا أردنا إدارة التوتر، فيجب علينا أن نكون على علم به.

من أجل فهم سبب استنزاف التوتر لطاقتنا، سنلقي نظرة على ما يحدث في أجسامنا عندما ينشط نظامنا العصبي الودي استجابةً لتهديد ما؛ إذ يستجيب نظامنا العصبي بأكثر الطرائق منطقيةً، فهو يوفر جميع الموارد اللازمة لمواجهة التهديد.

وللقيام بذلك، يقوم الجهاز العصبي الودي بتنشيط هرمون الأدرينالين، الذي نشعر بتدفُّقه؛ حيث تتسارع نبضات قلبنا، وهذا يُسبِّب ارتفاع ضغط الدم، ومن ثمَّ ننتقل إلى حالة التنفس السريع للحصول على المزيد من الأوكسجين في نظامنا، وتزداد كثافة الدم لتقليل فقده في حالة الإصابة، وعندها يستعد الجهاز المناعي لمنع الإصابة بالجروح.

تتطلب استجابتنا للتوتر الكثير من الطاقة، ولتوفير هذه الطاقة يقلِّل جسمنا من معظم الوظائف الأساسية المتعلقة بالحفاظ على خلايا الجسم وإصلاحها، بما في ذلك نمو خلايا الدماغ الجديدة، والتي تُعَدُّ هامةً للحفاظ على أداء الدماغ المثالي والصحة العقلية، حتى إنَّ التوتر يوقف عملية الهضم ويوفر الطاقة من احتياطاتنا.

لقد صُمِّمَت استجابة التوتر لفترات قصيرة من التنشيط؛ وذلك استجابةً للتهديدات الجسدية، فالتوتر المستمر حتى لو كان سهلاً، سيؤدي إلى حالة توتر مزمن، ثم يصبح الأمر حلقةً مفرغةً كلما نُشِّطَت استجابتنا للتوتر، أصبحنا أكثر حساسيةً، ويبدأ جسمنا بالاعتقاد بأنَّنا نعيش في عالم شديد الخطورة، ويقلِّل من عتبة تنشيط التوتر.

إذا لم يجرِ التعامل مع هذه الحلقة المفرغة، فإنَّها ستؤدي إلى الإرهاق الجسدي والاستنزاف العاطفي والانهيار النفسي، بالإضافة إلى بعض الأعراض، مثل ارتفاع ضغط الدم، وإرهاق الغدة الكظرية، وفرط التوتر المزمن، وعدم انتظام ضربات القلب، واضطرابات في النوم، والصداع المزمن، ومشكلات في الظهر، والقلق، وغيرها.

تساعد اليقظة الذهنية على تنشيط الجهاز العصبي اللاودي، الذي يُنظِّم الهرمونات التي تبعدنا عن حالة التوتر، وتخفض ضغط الدم وتقلِّل من نبضات القلب وتهدِّئ تنفُّسنا، كما تعيد تنشيط عملية الهضم والجهاز المناعي وإنتاج خلايا دماغية جديدة؛ إذ إنَّها أفضل طريقة لتجديد الطاقة المستخدَمة في أثناء التوتر وترميم ما ينتج عنه من إصابات.

فكِّر في طريقة جعل ممارسة اليقظة الذهنية جزءاً من حياتك، وإذا كنت قد جرَّبت اليقظة الذهنية بالفعل، فخصِّص بعض الوقت اليوم للتدرب، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فجرِّب ممارسة الوعي السهل بالتنفس، فكلما نُشِّطت استجابتنا للتوتر، أصبحنا أكثر حساسيةً.

المصدر




مقالات مرتبطة