كيف يساعدك تخفيف التشاؤم على تجاوز الأوقات الصعبة؟

يبدو أنَّه لن نرى أيام أكثر إشراقاً في المستقبل مع دخولنا العام الثاني من أزمة جائحة كورونا، ولن تعود الحياة إلى طبيعتها المعتادة، فأنت تعلم أنَّه من الهام أن تبقى متفائلاً، ولكن حتى إذا كنتَ تميل دائماً إلى رؤية الأمور الجيدة، فمن الصعب عدم رؤية الأمور السلبية في الحياة.



ربما تعرف بالفعل أشخاصاً تمكَّنوا من البقاء متفائلين في ظل الفوضى التي سبَّبَتها الجائحة، وعندما يتابعون الأخبار، فإنَّهم يركزون على الأمور التي توفر الإلهام بدلاً من تلك التي تركز على الأرقام والإحصاءات وعدد الوفيات، ولكن كيف يمكِن للناس البحث عن أسباب تدفعهم للشعور بأنَّ الحياة جيدةٌ؟

من الواضح أنَّه يوجد صفة شخصية يمكِن أن تفسِّر هذا الميل إلى التغاضي عن الأمور السلبية والبحث عن سبب يدفعهم للاحتفال كل يوم، وهي صفة التفاؤل؛ حيث لا يعكس شكلاً من أشكال الإنكار والوهم؛ وإنَّما يُعَدُّ خاصيةً ثابتةً تسمح للناس بالشعور بأمل حقيقي بغضِّ النظر عمَّا يحدث من حولهم.

وفقاً لبحث حديث أجراه الأستاذ في علم النفس "مايكل شير" (Michael Scheier) وفريقه في "جامعة كارنيغي ميلون" (Carnegie Mellon University) في عام 2020، يتحدث عن التفاؤل والتشاؤم، وجدوا بأنَّ المتفائل هو الشخص الذي يستخدم عبارة: "سأتوقع الأفضل في الأوقات الصعبة"، ولا يستخدم عبارة: "نادراً ما أتوقع أن تسير الأمور لصالحي".

يجب أن يؤدي الميل إلى تبنِّي نهج متفائل في الحياة إلى بعض الفوائد النفسية والجسدية المحدَّدة، كما لاحظ "شير" وفريقه، فإنَّ الأشخاص المتفائلين يمتلكون سجلاً حافلاً يتضمن مقاييس أساسية مثل حل المشكلات وطبيعة العلاقات وحتى نوعية الحياة عموماً، ممَّا يؤدي إلى التفوق على المتشائمين.

والأهم من ذلك هو أنَّ المتفائلين يتمتعون بصحة أفضل من نظرائهم الأقل سعادةً؛ حيث تشير البيانات إلى أنَّ المتفائلين يتعافون بسرعة من العمليات الجراحية، ويتعرضون تعرُّضاً أقل لأمراض القلب والأوعية الدموية والسكتات الدماغية، وانخفاض ضغط الدم، وانخفاض مستويات الكورتيزول في الدم، والشعور بالتوتر، واستناداً إلى هذه المزايا، فليس من المدهش أنَّ المتفائلين يميلون أيضاً إلى العيش لفترة أطول.

السؤال الذي ناقشه الفريق في بحثه هو فيما إذا كان يكفي أن تكون شخصاً متفائلاً لتتمكن من تجربة هذه الفوائد العديدة؛ حيث تشير النظرية السابقة إلى أنَّه لا يُفضَّل التفكير في التفاؤل على أنَّه نقيض التشاؤم؛ وإنَّما هو صفة شخصية بحد ذاتها، فكان الهدف من مراجعتهم هو معرفة فيما إذا كان التفاؤل والتشاؤم مرتبطَين بالنتائج الصحية بطرائق مختلفة؛ بمعنىً آخر، قد يختلف الأشخاص الذين يعانون من التشاؤم من الناحية الفيزيولوجية عن الأشخاص الذين يعانون من انخفاض مستوى التشاؤم، ولكن لا يوجد علاقة للتفاؤل بهذا المؤشر الفيزيولوجي.

شاهد بالفديو: أقوال وحكم تساعدك على تجاوز الأوقات الصعبة

وقد كان تحت تصرُّف فريق "كارنيغي ميلون" مجموعة بيانات تتكون من أكثر من 221 ألف مشارك يبلغ متوسط ​​أعمارهم 64 عاماً تقريباً، وللأسف، كانت البيانات محدودة بسبب حقيقة أنَّ المشاركين جميعهم تقريباً كانوا من الإناث والبيض ويعيشون في الولايات المتحدة (U.S)، والسبب في هذا النقص في التنوع، هو أنَّ الدراستين اللتين قدَّمَتا جُلَّ البيانات استندتا إلى غالبية النساء البيض، فيجب وضع هذه القيود في الحسبان عندما تفكر في النتائج.

بالانتقال إلى النتائج، أفاد مؤلِّفو الدراسة أنَّهم وبحسب توقعاتهم كانوا أكثر قدرةً على التنبؤ بالنتائج الصحية عندما أخذوا بالحسبان مجموع درجات التفاؤل والتشاؤم للمشاركين، وتتضمن بعض هذه الآثار المرتبطة بانخفاض مستوى التفاؤل والتشاؤم مؤشراتٍ صحيةً هامةً، بما في ذلك زيادة كفاءة الجهاز التنفسي؛ أي قدرته على امتصاص الأوكسجين جيداً، وانخفاض معدلات فشل الإخصاب الأنبوبي، وزيادة مستويات الجلوكوز، وانخفاض مدة الإقامة في المستشفيات، والبقاء على قيد الحياة بسبب انخفاض مشكلات القلب ومؤشر كتلة الجسم، وتحسين أداء الجهاز المناعي.

وقد ظهرَت التأثيرات المرتبطة بانخفاض الشعور بالتشاؤم وزيادة الشعور بالتفاؤل، عندما درس المؤلفون معدل الوفيات الإجمالي، وبحسب قولهم: "يرافق تغيير أمر واحد يدعو إلى التشاؤم زيادةً في عدد الوفيات تصل إلى 97914 مهما كانت الأسباب؛ ومن ثمَّ يمكِن أن تكون التأثيرات الإحصائية - حتى البسيطة منها - ذات أهمية كبيرة عند تطبيقها على أعداد كبيرة من الناس".

إقرأ أيضاً: كيف يمكن للمتفائلين والمتشائمين أن يشكلا فريقاً متكاملاً ناجحاً

إذاً، يُعَدُّ انخفاض التشاؤم صفةً هامةً يجب أن تتمتع بها من أجل صحتك، ولكن ما الذي يفسر هذه النتيجة؟ تشير الأبحاث السابقة التي ناقشها "شير" وفريقه إلى أنَّ المتفائلين هم أكثر قدرةً على التعامل مع التوتر، وتحديداً التوتر المرتبط بالشدائد، ومع ذلك، تشير الدراسة الحالية كذلك إلى أنَّه من أجل التعامل مع الشدائد بنجاح، يجب أن يكون شعورك بالتشاؤم منخفضاً.

بالعودة إلى السؤال حول كيف يسمح التفاؤل لبعض الأشخاص بالحفاظ على إيمانهم بأنَّ الحياة سوف تتحسن في أثناء العيش في ظل هذه الأوقات الصعبة جداً، هل يمكِن أن يكون السبب هو عدم وجود التشاؤم ووجود التفاؤل أكثر؟ إذا كان الأمر كذلك، فإنَّ إدارة التوتر وعدم اليقين في الحياة في ظل الجائحة تبدو أنَّها مرتبطة بقوة بالقدرة على تجنُّب التفكير في الأمور السلبية في المستقبل.

يمكِن أن يساعدك هذا الأمر أيضاً على التعامل مع الضغوط الناتجة عن أزمة جائحة كورونا يومياً؛ حيث يُعَدُّ من المفيد توقُّع الأفضل، ولكن يجب عليك أيضاً تجنُّب تخيُّل الأسوأ، وإذا كنتَ أحد هؤلاء الأشخاص الذين لا يستطيعون التوقف عن التفكير في إحصاءات حالات الإصابة والوفيات على التلفاز، فقد يكون الوقت قد حان للتفكير بالقصص المُلهمة؛ حيث يوجد الكثير من التقارير التي يمكِن أن تقدِّم وجهات نظر متباينة، مثل تلك التي تركز على الأشخاص الأبطال الذين قدَّموا مختلف خدماتهم خلال الجائحة كالأطباء والمعلمين.

في الوقت نفسه، يجب أن تدرك أنَّه كلما انخفضَت مستويات التشاؤم لديك، زادت قدرتك على تعزيز صحتك النفسية والجسدية، ومن المعروف أنَّه من الصعب فصل السبب عن النتيجة عند التفكير في نوع البيانات التي يقدِّمها الفريق، فقد يشعر الأشخاص الأكثر صحةً بأنَّهم أقل تشاؤماً، بدلاً من أن يتنبأ التشاؤم المنخفض بصحة أفضل.

وعلى الرغم من ذلك، عندما يتعلق الأمر بنتائج حياتك الشخصية، يمكِنك التغاضي عن هذه التفاصيل الإحصائية الدقيقة وإيجاد طرائق لجعل هذه العلاقة تعمل لمصلحتك، كما يمكِن أن يؤدي تحويل أفكارك السلبية إلى أفكار بنَّاءة مع مرور الوقت، إلى توجيهك إلى مسار صحي أكثر بينما تتعامل مع الشدائد التي تواجهها الآن.

وتلخيصاً لما سبق، مع تقدُّم الأشهر والأعوام ومنذ أن غيَّر فيروس كورونا (COVID-19) كل شيء، تُعَدُّ الطريقة التي ستتخطى بها الأمر من الناحية النفسية هامةً فعلاً، وإنَّ تقليل الشعور بالتشاؤم وزيادة التفاؤل لا يسهل الطريق للوصول إلى صحة أفضل فحسب؛ بل الحصول على حياة أطول وأكثر رضا أيضاً.

المصدر




مقالات مرتبطة