لكن لحسن الحظ، ترافق بعض المُكافآت -التي نلمسها من حينٍ إلى آخر- الكفاحَ والمُعاناةَ في العمل، فمثلاً: تخطر فكرةٌ عبقريةٌ على بالك، وتُشعِرَك أنَّك ستُغيِّرُ العالم. تدفع مثلُ هذه الطموحات المُلهِمة روَّاد الأعمال إلى مواظبة العمل لمدَّة أيام، وحتَّى ساعاتٍ مُتأخرةٍ من الليل، وبلا كللٍ أو ملل.
يعني كوننا بشراً أن نتقبَّل واقع الحياة من صعودٍ وهبوط؛ لكنَّنا ومع ذلك، نستطيع إيجاد الظروف التي تسمح للإلهامَ أن يتسلَّل إلى حياتنا.
ما هو الإلهام؟
يُدرك مُعظمنا معنى الإلهام عندما يشعرُ به، وقد وصفه "فلاديمير نابوكوف" (Vladimir Nabokov) بأنَّه: ذلك "التوهُّج التمهيدي" الذي يليه "شعورٌ بنشوةِ الرفاهية"، استعداداً للحدث العظيم الذي سيحدثُ بعدها.
تسحرك فكرةٌ ما، فتأخذ منديل المائدة لتُدوِّن الخطوط العريضة وتنشئ نموذجاً أولياً، وتنسى أن تأكل؛ ثُم تبدأ سلسلة من الأحداثِ المُتسارعةِ التي تجعلك تبني مشروع حياتك. لكن لا يحدث الأمرُ بهذا الشكلِ الانفجاري مع الجميع، فقد يأخذك الإلهام أحياناً إلى الحدِّ الذي تريد معه احتساء كوبٍ آخر من القهوة فحسب.
يشتركُ كُلٌّ من الدافع والإلهام بأنَّهما نادراً ما يجعلانك تنسى نفسك، حيث يشبه الإلهام -في شكله الأكثر شيوعاً- يداً تُربِّتُ على كتفك، وتدفعكَ دوماً للمُضيِّ قُدُماً نحو الأمام.
التوأم الشرير للطموح هو المقاومة:
يُطْلِعُنا "ستيفن بريسفيلد" (Steven Pressfield) في كتابه "القيام بالعمل" (Do the Work) على الخصم الأساسي للإلهام، وهو: المقاومة؛ ويُعرِّفها بأنَّها القوة الموجودة داخلنا جميعاً، والتي تقودنا إلى التسويف والمُماطلة. إنَّها ليست أمراً مُختلفاً تماماً، لكن يُمكن اعتبارها الخصم الفعَّال للإلهام، والذي يمنعنا من القيام بالأمور الهامَّة، وخاصَّةً عندما يكون الهدف عظيماً.
نحن نعرف جميعنا هذا النوع من المُقاومة، والذي يُمكن أن يتجلَّى في القيام بأيِّ شيءٍ عدا العمل على تحقيقِ أهدافنا، مثل: الرَّغبة في تصفُّح حساباتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، أو الإصرار على تنظيف مكاتبنا قبل البدء بالعمل؛ حيثُ تُحاصرنا هذه المُقاومةُ وتستنزفُ وقتنا، حتَّى لا نتمكَّن من تأدية ما يجب علينا فعله حقاً.
تبدو المقاومة كعدوٍّ شرس، لكنَّها ليست كذلك في الواقع؛ فعندما يكون الإلهام أقوى من المقاومة، فسوف تكون أنت الرابح بالتأكيد. لذا عزِّز إلهامك من خلال القيام بالخطوات التالية:
1. سُدَّ الثغرات:
لا يهمُّ مقدارُ الإلهام الذي تولِّده لنفسك، إذ ستشعر مع الوقت أنَّك مستنزفٌ إذا لم تستمرَّ في إحيائه بداخلك؛ لذا اكتشف ما يستنزف القوة في حياتك، ثمَّ حاول أن تتخلَّص منه.
ستحتاج إلى مراقبة مزاجك بوعيٍ لكي تجدَ الثغرات التي تمنعك من إلهام نفسك. لذا إليكَ بعض الملاحظات حول هذا الأمر:
1. 1. أن تكون في الموقع أو الدور الوظيفي الخاطئ:
كان أحدهم يبيع أجهزة قراءة بطاقات الائتمان لصالح الشركات المحلية منذ مدةٍ تزيدُ عن ثلاثة أشهر، وقد كان سيئاً في هذا النوع من العملِ بشكلٍ لا يُطاق. وبعد مئات حالات الرفض للمُنتج الذي يعرضُه، فقد رغبته في مُتابعةِ العمل بشكلٍ كامل.
تقترحُ خبيرة الصحة "سوزان بيالي" (Susan Biali) أن تختبرَ شعورك أولاً حيال الهدف نفسه؛ هل تُشعِرك هذه الفكرة بالحماس؟ إذا كانت كذلك، فيعني هذا أنَّك قد اجتزت الاختبار الأوَّل؛ وإذا لم تكن كذلك، فربَّما أنت لست في المكان الصحيح.
1. 2. قلّّة التشجيع من الناس المحيطين بك:
تُظهِر الأبحاث أنَّ الناس يمتلكون دافعاً أكبر للعمل عند تلقِّي الأصداء الإيجابية على الجهود التي يبذلونها، سواءً أكانت هذه الردود الإيجابيةُ من المدير أم الزملاء أم الزبائن.
يقول مؤلِّف كتاب الدافع (Drive) "دانييل بينك" (Daniel Pink): "يمكن للمكافآت غير الملموسة -مثل: الثناء والمديح- أن تُلهمِك لتخرج بعملٍ أكثر جودة. يبدو هذا الأمر بسيطاً، لكن من الممكن أن يكون ذا تأثيرٍ هائل؛ لذا أنصحُك أن تُحيطَ نفسك بالمشجِّعين".
1. 3. العمل ضمن بيئةٍ غير مُحفِّزة:
لقد بدأ "ستيفن كينغ" (Stephen King) العمل في مهنة الكتابة على مقعدٍ صغيرٍ محشورٍ بجانب غرفة الغسيل في منزله. يشعر معظمنا بالسعادة نحو النتيجة النهائية التي وصلَ إليها هذا الكاتب؛ لكن يعدُّ مكان العمل الكئيب والفوضوي عدوّ الإلهام الأول بالنسبة إلى الكثير من الناس الذين يعانون رهاب الأماكن المزدحمة.
رغم أنَّ الغالبية لا يمتلكون رفاهيةَ امتلاكِ مكانِ عملٍ مُريحٍ ومثالي؛ لكن افعل ما بوسعك لخلق بيئةِ عملٍ مُلهمةٍ تُناسبك.
2. ابحث عن جوهرك:
يروقُ لـ "توني روبنز" (Tony Robbins) أن يتحدَّث عن اكتشاف الجوهر في الحياة، ونقصدُ بالجوهر هنا: خُلاصةَ الأشياء التي تُبقي روحنا توَّاقةً للمُستقبل؛ لذلك يعود الأمر لك لاكتشاف تلك الأجزاء من التجربة الإنسانية التي تخوضها، والتي تُشعِرك بالنشوةِ والإنجاز.
جرّب ما يأتي: احتفظ خلال الأسابيع الثلاثة القادمة بدفتر يوميات، وخصِّصه للأوقات التي تشعر فيها بالإلهام، وستُلاحظُ نمطاً ما، لينتهي بك الأمر إلى قائمة نشاطاتٍ تضيفها إلى مُحفِّزاتك الإنتاجية.
عندما تسدُّ الثغرات، وتكتشف جوهرك الحقيقي؛ ستتمكَّن من الشعور بالإلهام في حياتك.
3. نفِّذ العمل:
"إنَّ الإلهام موجودٌ دوماً، لكن يجب أن تعملَ كي تستفيد منه" - بابلو بيكاسو (Pablo Picasso).
تكمُن الطريقة المثلى لقتل الإلهام في انتظاره كي يظهر؛ فإذا تكاسلت، فمن غير المحتمل أن تكتسبَ نعمةَ الإلهام.
لقد وصلت هذه الفكرة بشكلٍ صحيح إلى الرسام "تشاك كلوز" (Chuck Close)، حيث قال أنَّ "الإلهام مخصَّصٌ للهُواة؛ بينما على البقية النهوض والذهاب إلى العمل".
عندما نفتح حواسيبنا المحمولة، يحصل شيئان:
- الأول: الحركة، إذ سيجعلُ أيُّ فعلٍ -مهما كانَ بسيطاً- الأفكار تتدفَّق مُباشرة.
- الثاني: الأصداء الإيجابية؛ فعند القيام بعملٍ ما وتحقيق إنجازٍ فيه، سيدفعنا الإلهام إلى إنجاز مزيدٍ من الأعمال الجيدة.
يصبح الناس أكثر سعادةً عندما يكونون مُنتجين؛ وإذا لم تصدِّق ذلك، فابدأ اكتشاف شعورك بعد القدوم إلى المنزل من عملك في يومٍ حافل بالإنجازات، مقابل يومٍ لم تُحقِّق فيه أيَّ شيء؛ إذ تحمِلنا الإنتاجية على الشعور بالتحسُّن في كلِّ الأوقات.
لا ينطبق قانون نيوتن الأول للحركة -قانون الجذب- على الأجسام المادية فحسب، بل وعلى الشعور بالإلهام أيضاً؛ فيستمرُّ الشيء الذي يتحرَّك في الحراك.
الطريقة المثلى لخلق الزَّخم: تطبيق مبدأ البداية المُستمرَّة (أو البداية مع المُواظبة)؛ فعوضاً عن التركيز على المهمَّة بمجملها، ابدأ بها فحسب. لا بأس إذا نفدت طاقتك، ابدأ تنفيذ المهمَّة مرةً أخرى بعد خمس دقائق، أو بعدَ ساعة، أو يوم؛ إذ إنَّ المفتاح هنا المواظبة على البدء، وعندما تبدأ، ستجد أنَّ الأمور تسير بسلاسةٍ نحو النهاية التي تُريد.
أضف تعليقاً