كيف يساعدك النوع المناسب من المنافسين على الازدهار في عالم متغير؟

يقول الكاتب "سيمون سينك" (Simon Sinek): إنَّ الوقت قد حان ليتوقَّف كلٌّ من المؤسسات والأفراد عن التركيز في كسب المنافسة، والتعلُّم منها بدلاً من ذلك، فمن خلال تحديد منافس جدير والنظر إلى نقاط قوَّته وقدراته، يمكننا الاستمرار في التحسين والابتكار.



ويجادل البروفيسور "جيمس ب كارس" (James P. Carse) بوجود نوعين من الألعاب: ألعاب محدودة بزمن وأخرى غير محدودة بزمن؛ حيث إنَّه في الألعاب المحدودة بزمن، يكون اللاعبون معروفين، والقواعد محددة، كما أنَّ نقطة النهاية والفائز والخاسر جميعها أشياء واضحةً تماماً، وهذا هو حال لعبة كرة القدم أو الشطرنج.

ولكن في الألعاب غير المحدودة بزمن - مثل العمل أو السياسة أو الحياة نفسها - يتغير اللاعبون باستمرار، وتكون القواعد غير ثابتة، ولا وجود لنقطة نهاية محددة، كما أنَّه لا وجود لما يسمى الرابح أو الخاسر؛ بل هناك فقط شخص في المقدمة وشخص في الخلف.

يعتقد الكاتب "سيمون سينك" أنَّ العديد من الصعوبات التي تواجهها المنظمات موجودة؛ لأنَّ قادتها يلعبون لعبة غير محدودة بزمن ولكن بعقلية محدودة، وبينما يمكن أن تعمل عقلية الربح أو الخسارة في بعض الأحيان على الأمد القصير، إلَّا أنَّها تحمل عواقب وخيمة على الأمد الطويل؛ حيث إنَّ القادة الذين يتبنون عقلية غير محدودة، لديهم المرونة للازدهار في عالم متغير.

تتمثل إحدى الجوانب الرئيسة لتنمية عقلية غير محدودة في تحديد مَن هم المنافسون الجديرون، وفي دراستهم، كتب "سينك" في كتابه الجديد "اللعبة اللانهائية" (The Infinite Game): "تجبرنا المنافسة التقليدية على اتخاذ موقف الفوز، بينما يُلهِمُنا منافس جدير لاتخاذ موقف بالتحسن؛ حيث يدفعنا الأول إلى التركيز في النتيجة، بينما يدفعنا الثاني إلى التركيز في العملية؛ إذ لا يُصبِح التركيز المبالغ فيه على هزيمة الخصم مرهقاً فحسب؛ بل يمكن أن يعوق الإبداع كذلك".

إقرأ أيضاً: لماذا تحتاج إلى التركيز على نفسك بصفتك رائد أعمال وليس على منافسيك؟

وفيما يلي، يشارك تجربته مع خصمه الجدير بالمنافسة:

عندما أسمع باسم "آدم غرانت" (Adam Grant)، أشعر بعدم ارتياح، وعندما أسمع شخصاً يتغنَّى بمناقبه، تجتاحني موجة من الشعور بالحسد؛ إذ إنَّني كنتُ أعرفهُ شخصاً طيباً ولطيفاً، وكنتُ أحترم عمله بشدة؛ حيث كان لطيفاً معي عندما كنا نتقابل، وكنا نقوم بالعمل نفسه تقريباً؛ وهو كتابة الكتب وإلقاء محاضرات حول نظرتنا إلى الحياة.

وعلى الرغم من وجود العديد ممن يقومون بالعمل نفسه، إلَّا أنَّني كنتُ ولسببٍ ما مهووساً به، فكنتُ أريد أن أتفوق عليه؛ حيث كنتُ أتفقد التصنيفات على الإنترنت لأرى مبيعات كتبي وأقارنها بمبيعات كتبه، وفقط مبيعات كتبه ولا أحد غيره، وإن كانت نسبة مبيعاتي أعلى، كنتُ أبتسم بفخرٍ وأشعر بالتفوق، وإن كانت نسبة مبيعاته أعلى، كنتُ أتجهَّم وأشعر بالانزعاج، فلقد كان المنافس الرئيس لي وكنت أريد الفوز.

ثم حدث أمر ما؛ حيث إنَّنا دُعينا كي نُقيمَ حدثاً على المنصة نفسها، وظنَّ المُحاوِر أنَّ الأمر سيكون ممتعاً إن قدَّمنا بعضنا، بدأتُ أولاً؛ نظرتُ إلى آدم وإلى الجمهور وقلت: "أنت تجعلني أشعر بانعدام الثقة بشكل كبير؛ وذلك لأنَّ نقاط قوَّتك هي نقاط ضعفي؛ ولأنَّك تُجيد ما أجده صعباً للغاية"، وضحك الحضور.

حينها توجه إليَّ "آدم" قائلاً: "الشعور بانعدام الثقة متبادل"، وبدأ بذكر مواطن قوَّتي؛ والتي كان يتمنى أن يتحسن بها.

علينا التوقف عن رؤية اللاعبين الآخرين كمنافسين يجب هزيمتهم، والبدء برؤيتهم كأنداد يمكن لهم مساعدتنا على أن نكون لاعبين أفضل.

في لحظة ما، فهمتُ سبب منافستي الشديدة له؛ فكلَّما ذُكِر اسمه، كان يُذكِّرني بنقاط ضعفي، بدلاً من استثمار طاقتي في تحسين نفسي. وللتغلب على نقاط ضعفي أو تعزيز نقاط قوَّتي، كان من السهل التركيز في هزيمته. هذه طبيعة المنافسة، أليس كذلك؟ هي دافع للفوز.

كانت المشكلة أنَّ جميع المقاييس الخاصة بمن كان متقدماً ومن كان متأخراً اعتباطية، وكنتُ قد وضعتُ معايير للمقارنة، وبالإضافة إلى ذلك، ونظراً لعدم وجود خط نهاية، كنت أحاول المنافسة في سباق لا يمكن الفوز به، وكوَّنتُ خطة عقليةً محدودة تقليدية، وفي الواقع، وعلى الرغم من قيامنا بأشياء مماثلة، إلَّا أنَّه ليس خصمي؛ بل هو منافسي، ومنافسي بجدارة.

بالنسبة إلى أي شخص قضى وقتاً في مشاهدة أو ممارسة الألعاب والرياضة، فإنَّ فكرة المنافسة المحدودة - حيث يتفوق لاعب أو جانب على الآخر لكسب لقب أو جائزة - تُعَدُّ أمراً مألوفاً.

في الواقع، وبالنسبة إلى معظمنا، من المؤكد جداً أنَّنا نتبنى فكرة نحن ضد الآخر كلَّما كان هناك لاعبون آخرون في هذا المجال، ومع ذلك، علينا التوقف عن التفكير في اللاعبين الآخرين كخصوم يجب هزيمتهم، والبدء بالتفكير فيهم على أنَّهم منافسون جديرون يمكنهم مساعدتنا على أن نصبح لاعبين أفضل.

المنافس الجدير هو لاعب آخر في اللعبة يستحق المقارنة، وقد يكون المنافسون الجديرون لاعبين في مجالنا نفسه أو خارجه، وقد يكونون أعداء لدودين، أو متعاونين معنا أحياناً، أو زملاء لنا، وبغض النظر عمَّن هم أو أين نجدهم، فإنَّ النقطة الأساسية هي أنَّهم يفعلون شيئاً - أو أشياء كثيرة - كما نفعله أو أفضل منا.

قد يصنعون منتجاً متفوقاً، أو يكتسبون ولاء أكبر، أو يقودون بشكل أكثر فاعلية، أو يتصرفون بإحساس أوضح بالهدف مما نفعل نحن؛ حيث إنَّنا لسنا بحاجة إلى الإعجاب بكل شيء عنهم، أو الاتفاق معهم، أو الإعجاب بهم؛ بل بحاجة إلى أن نعترف ببساطة بأنَّ لديهم نقاط قوة وقدرات يمكننا من خلالها تعلُّم أمر أو اثنين، فلا فائدة من اختيار لاعبين آخرين نتفوق عليهم باستمرار كي نشعر بأنَّنا متفوقون.

نظراً لأنَّنا نختار منافسينا الجديرين، فيجب أن نختارهم بشكل استراتيجي؛ إذ لا فائدة من اختيار لاعبين آخرين نتفوق عليهم باستمرار كي نشعر بأنَّنا متفوقون، وهذا لا فائدة منه لنمونا؛ بل نختارهم ليكونوا منافسينا الجديرين؛ وذلك لأنَّهم يكشفون لنا نقاط ضعفنا ويدفعوننا إلى التحسن الدائم، وهو أمر ضروري إذا أردنا أن نكون أقوياء بما يكفي للبقاء في اللعبة.

يمكن أن يُحفِّزنا المنافس الجدير بطريقة لا يجيدها سوى قلة من الآخرين - ولا حتى الكوتش أو المنتور أو المستشار - يمكن أن يكون تأثير هذا التحول الدقيق في العقل عميقاً في كيفية اتخاذ القرارات وتحديد أولويات الموارد.

تجبرنا المنافسة التقليدية على اتخاذ موقف الفوز، بينما يلهمنا منافس جدير لاتخاذ موقف التحسن؛ حيث تركز الأولى في اهتمامنا بالنتيجة، بينما يركز الأخير في انتباهنا على العملية، وهذا التحول البسيط في المنظور يغير على الفور كيف نرى أعمالنا الخاصة؛ إذ إنَّ التركيز في العملية والتحسُّن المستمر هو ما يكشف عن مهارات جديدة ويعزز المرونة، والتركيز المفرط في التغلب على منافسينا لا يصبح مرهقاً مع مرور الوقت فحسب؛ بل يمكن أن يخنق الابتكار.

شاهد بالفديو: 10 صفات لتكون مندوب مبيعات ناجح

والسبب الآخر لتغيير وجهة نظرنا تجاه رؤية لاعبين أقوياء في مجالنا كمنافسين جديرين هو أنَّه يُبقينا صادقين، فالأمر مثل عدَّاء مهووس بالفوز لدرجة أنَّه ينسى القواعد والأخلاق أو لماذا بدأ الركض في المقام الأول، فقد يستنزف وقته وطاقته ليضعف منافسه الذي سبقه، ويحاول إيقاعه على الأرض، أو ربما يتناول عقاقير تحسين الأداء ليتفوق عليه، وستزيد الطريقتان كلاهما من فرص فوزه بالسباق، ولكنَّهما ستجعلانه غير جاهز للنجاح بعد تلك السباقات، وفي نهاية المطاف، يزول مفعول هذه الاستراتيجيات ولا تترك سوى عداءً بطيئاً.

عندما ننظر إلى اللاعبين الآخرين على أنَّهم منافسون جديرون، فإنَّ ذلك يزيل ضغوط الخوض في صراع الربح بأي ثمن؛ لذلك، وبشكل افتراضي، لا نشعر بداعٍ للتصرف بشكل غير أخلاقي أو غير قانوني، ويصبح التمسك بالقيم التي نتصرف بناءً عليها أكثر أهمية من النتيجة؛ مما يحفزنا في الواقع على أن نكون أكثر صدقاً.

أما بالنسبة إلى منافسي الجدير، فعندما فكرتُ في "آدم" كخصم، فإنَّ ذلك لم يساعدني؛ بل عزز عقليتي المحدودة؛ حيث كرستُ الكثير من الوقت والطاقة للقلق بشأن ما كان يفعله بدلاً من تركيز تلك الطاقة في إمكانية أن أكون أفضل فيما أفعله.

ومنذ ذلك اليوم وعندما تعلمتُ تغيير طريقة تفكيري، لم أعد أقارن تصنيفات كتابي بترتيب "آدم" أو أي شخص آخر، وتحوَّلَت عقليتي من توجيه مشاعري بعدم الثقة ضده إلى الشراكة معه لتعزيز قضيتنا المشتركة، ومن ثم أصبحنا صديقين حميمين، ولقد دقق هذا الكتاب لغوياً وساعد على تحسينه، وأشعر بسعادة حقيقية عندما أسمع اسمه أو أرى أنَّه يعمل بشكل جيد، وأريد أن تنتشر أفكاره.

في لعبة غير محدودة، يمكننا أن ننجح، وكما اتضح، يمكن للناس بالفعل شراء أكثر من كتاب واحد؛ حيث تتبنى العقلية غير المحدودة الوفرة، في حين أنَّ العقلية المحدودة تتبنى الندرة، وفي اللعبة غير المحدودة، نقبل أنَّ "كونك الأفضل" هو مهمة لا طائل منها وأنَّ العديد من اللاعبين يمكنهم القيام بعمل جيد في الوقت نفسه.

على الرغم من صعوبة الاعتراف بجدارة أحد منافسينا، خاصةً إذا كان بغيضاً، إلَّا أنَّ القيام بذلك هو أفضل طريقة لنصبح أفضل، وأوضح "جون دوغلاس" (John Douglas)، رئيس وحدة مكتب التحقيقات الفدرالي المتقاعد ورائد في التحليل الجنائي: "كلما استجوبتُ هؤلاء الرجال، أدركتُ أنَّ المجرمين الناجحين كانوا محللين جيدين".

لقد فهم "دوغلاس" أنَّه على الرغم من معرفتنا بأنَّ القتلة المتسللين عديمو الضمير، فإنَّ أفضل طريقة للقبض على أحدهم هي الاعتراف بأنَّهم كانوا بارعين للغاية في الشيء نفسه بالضبط الذي يفعله مكتب التحقيقات الفيدرالي؛ مما يعني أنَّ مكتب التحقيقات الفيدرالي يجب أن يكون أفضل من ذلك، وإنَّ وجود المجرمين البارعين في التهرب من مكتب التحقيقات الفيدرالي، يدفع مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى تحسين تقنياتهم باستمرار.

إقرأ أيضاً: معرفة الذات: سر النجاح المضمون

إنَّ وجود منافس جدير بالمقارنة لا يعني بالضرورة أنَّ قضيته أخلاقية أو تخدم الصالح العام؛ وهذا يعني فقط أنَّه يتفوق في أشياء معينة ويكشف لنا أين يمكننا إجراء تحسينات؛ حيث إنَّ الطريقة التي يلعبون بها اللعبة يمكن أن تتحدانا أو تلهمنا أو تجبرنا على التحسن، فمَن نختاره ليكون منافساً جديراً عائدٌ لنا، ومن مصلحة اللعبة غير المحدودة إبقاء خياراتنا مفتوحة.

إنَّ معرفة من هم المنافسون الجديرون هي أفضل طريقة لمساعدتنا على التحسن والتأقلم قبل فوات الأوان، ولقد فشلت شركة "بلوكبستر" (Blockbuster)، القوة العظمى الوحيدة في مجال تأجير الأفلام، في تقدير أنَّ شركة صغيرة مثل "نيتفليكس" (Netflix) والتكنولوجيا الناشئة مثل الإنترنت يتطلبان إعادة التفكير في نموذج أعمالهم بالكامل.

واختارت شركات سيارات الأجرة مقاضاة شركات النقل لحماية أعمالها بدلاً من تعلُّم كيفية التكيف وتقديم خدمة سيارات أجرة أفضل، وأصبحت شركة "سيرز" (Sears) كبيرة جداً وغنية جداً بسبب إرسال كتالوجات ورقية لعقود من الزمن لدرجة أنَّها كانت بطيئة جداً في التكيف مع ظهور المتاجر الكبيرة مثل "وول مارت" (Walmart) والتجارة الإلكترونية، ولم يتوقع "ماي سبيس" (MySpace) قدوم "فيسبوك"؛ لأنَّه ظنَّ نفسه دون منافس جدير.

فدون منافس جدير، إنَّنا نجازف بفقدان تواضعنا ومرونتنا، ويؤدي الفشل في الحصول على منافس جدير إلى زيادة خطر تحول اللاعب من العقلية غير المحدودة إلى العقلية المحدودة ليصبح مجرد لاعب آخر محدود يسعى إلى تحقيق الانتصارات، وعندما قاتلَت المنظمات ذات مرة من أجل مصلحة الآخرين في المقام الأول، دون وجود منافس جدير، فمن المرجح أنَّها ستقاتل من أجل مصلحتها، وعندما يحدث ذلك وعندما تبدأ الغطرسة، ستجد المنظمة بسرعة نقاط ضعفها مكشوفة، وتفتقر إلى المرونة الشديدة التي تحتاج إليها للبقاء في اللعبة.

المصدر




مقالات مرتبطة