كيف يساعدك التركيز في النظر إلى "نصف الكأس الممتلئ"؟

ثمَّة العديد من الأسباب التي تكمن وراء عدم حصولنا دائماً على ما نريد، ولعلَّ أحد أهمِّ هذه الأسباب هو أنَّ تركيزنا يكون منصباً على خلاف ما نريد الحصول عليه. إذ في بعض الأحيان لا ننتبه إلى مثل هذا الأمر؛ ولكن إن أصبحنا أكثرَ وعياً تجاه أفكارنا، حينها يمكننا التَّحكُّم في تلك الأفكار وتوجيهها نحو أهدافنا المنشودة.



فمثلاً، إن أزعَجَك أحد الأشخاص، ستلاحظ أنَّك كُلّما تذمَّرت من ذلك الشخص، ازداد انزعاجك أكثر. وكلّما ازداد انزعاجك أكثر، ازداد الأمر سوءاً. وحين تُضطَّرُّ للتَّعامل مع ذلك الشَّخص مجدداً، تتوقّع مسبقاً أن تتضايق منه، ومن ثم تبدأ في البحث لاشعوريَّاً عن مساوئه الصَّغيرة التي تُبقيكَ منزعجاً منه.

مثالٌ آخر: إن أردت شراءَ نوعٍ محددٍ من السيارات لا تراه كثيراً من حولك (ولنقل سيارة تويوتا برايوس)، سوف تلاحظ بعد أن تقتنيَ تلك السَّيارة، أنَّك تراها في كُلِّ مكان من حولك. وكذلك ينسحب الأمر على الثياب؛ فعندما تشتري سترةً أو حذاء، ستلاحظ فجأة أنَّ الجميع يرتدون مثلما تَلبِس.

فسواءٌ أَكنَّا نركز على الأشياء التي نريدها أم التي لا نريدها، فالحقيقة هي أنَّ الذي نركِّز عليه نراه أينما ذهبنا.

غالباً ما تتحقق الأحلام لسبَبٍ وحيد: كلما ازداد تركيزك على أمرٍ ما، تلاحظ وجوده أكثر وتكون أكثرَ وأفضلَ حساسيةً تجاه الفرص التي ستتاح لك، والتي من شأنها أن تُحوِّلَ أحلامك إلى واقع.

1. تمرينٌ بسيط:

إذا لم تقتنع بعد بما أخبرناك به، فلا بأس عليك، جرب إذاً هذا التمرين البسيط، والذي يمكنك القيام به أينما شئت. في المرة القادمة التي تمشي فيها أو تقود سيارتك، أو تركب حافلةً أو سيارة؛ تذكَّر أن تقوم بالآتي:

  1. اختر لوناً محدداً (وليكن اللونَ الأحمر مثلاً)، وابحث عن ذلك اللون في مجال رؤيتك.
  2. قم بذلك لعدة دقائق، وستلاحظ وجود هذا اللون في أماكن عِدَّة.
  3. والآن، اختر لوناً آخر وقم بالتَّركيز عليه (وليكن الأخضر مثلاً)، وانسَ أولَ لونٍ اخترته، وركِّز على اللون الثاني.
  4. قم بذلك لدقائق معدودة. وتفحَّص البيئة المحيطة بك. ما سيحدث هو أنَّك ستلاحظ فجأةً، أنَّ اللون الثاني موجود في كل مكان.
  5. كرِّر ذلك عدة مرات، باستخدام ألوانٍ مختلفة في كُلِّ مرَّة.

قد يبدو هذا الأمر سخيفاً بالنِّسبة إليك، إلا أنَّه تمرينٌ قويٌّ من شأنه أن يفتح بصيرتك على أمورٍ لم يسبق لك وأن لاحظتها من قبل. إذ في كل مرة تحوِّلُ تركيزك على لونٍ جديد؛ سيبدو الأمر لك وكأنَّك ارتديت نظارات خاصة تريكَ ذلك اللَّون فقط.

يُعلِّمُنا هذا التَّمرين كيف أنَّ التَّركيز على أفكارٍ محبطة، لن يؤدي إلَّا لزيادة إحباطنا. كما يعلمنا كيفَ أنَّه بإمكاننا أن نغيِّرَ أفكارنا بصورةٍ استباقيَّة، وذلك عبرَ تحويل مسار تركيزنا. إذ إنَّ أيَّ تغييرٍ يطرأ على مسارِ أفكارنا؛ سيُغِّير معه -على الفور تقريباً- عواطفنا.

شاهد بالفيديو: كيف تطور مقدرتك على التركيز

2. طبِّق ذلك في حياتك العملية:

لعلَّ أول سؤالٍ قد يتبادر إلى ذهنك هو: "كيف باستطاعتي وضع ذلك حيِّزَ التَّنفيذ؟". حسناً، بإمكانك تطبيق ذلك التَّمرين على العديد من المواقف. وفيما يأتي بعض الاقتراحات العملية لذلك:

2. 1. أشخاصٌ مزعجون:

إنَّه لمن شبه المؤكَّد أن تتعامل مع أشخاصٍ يتسببون لك بالضِّيق والإحباط. لكن بدلاً من أن تُركِّز على تلك المشاعر أو على السَّبب الذي قد أدَّى إليها، يجب عليك أن تركِّزَ على الأشياء التي تعجبك فيهم. سوف يتطلب الأمر بعض الممارسة من قِبَلِك، لذا قم بذلك في المرة القادمة التي تشعر فيها بمثل تلك المشاعر.

ابحث عن الأمور التي تقدرها وتعجبك فيهم. فلعلَّهم يمتلكون ابتسامةً لطيفة، أو أخلاقيات عملٍ رائعة. لذا ركِّز على إيجابياتهم وتحرَّ عن المزيد منها.

2. 2. مواقف مُحبطة:

حين لا تتطابق المواقف مع تطلعاتنا، نُصاب بالإحباط الشديد. ولكن كلما أمعنّا في ذلك الموقف تفكيراً، أصبحنا أكثر غضباً وإحباطاً، واستُنْفِذَت طاقتنا أكثر؛ وهو ما لا يخدم وضعنا أو صحتنا. لذا ركِّز على إيجابيات الموقف عوضاً عن سلبياته. وابذل مزيداً من الجهد في إيجادها. أُدْرِكُ أنَّه قد يَصُعبُ عليك القيامَ بذلك، لكن ابدأ به على أيَّةِ حال. وابحث عن الدُّروس التي تكون قد تعلَّمتَها من ذلك الموقف.

2. 3. الشَّعور بالإعياء:

عندما لا تشعر بأنَّك على ما يُرامَ بدنيَّاً، ألا تلاحظ كيف تقول لنفسك أنَّك لستَ على ما يرامٍ بالمُطلق؟ ألا تقوم بإخبارِ أيِّ شخص عندَ أيِّ فرصة بأنَّك مريضٌ وفي أسوأ حال؟ صحيحٌ أنَّ الصِّحة هي فوقَ كُلِّ اعتبار، وصحيحٌ أنَّه يحق لكَ أن تُعبِّرَ عمَّا تشعر به بالطَّريقة التي تريدها (طالما أنَّك لا تؤذي الآخرين طبعاً)، إلا أنَّ ما يساعدك على التَّحسن فعلياً هو التَّركيزُ عقلياً ونفسياً وجسدياً على أن تكونَ بصحَّةٍ جيدة. استمتع بالوقت الذي تريحُ فيه جسدك، ووجه كامل تركيزك على جعل نفسك بأفضل حال.

2. 4. كُرهُكَ لوظيفتك:

لعلَّك تكون قد سمعت بمثل هذا الأمر من العديد من النَّاسِ الآخرين، أو كرَّرْتَ قولَ ذلك لنفسك حينَ مررت بأوقاتٍ عصيبة. لتكونَ نتيجة ذلك هي نفسها دائماً: أنَّك تُوجِدُ لنفسك مزيداً من الأسباب التي تدفعك لكُرهِ عملك؛ وتشعرَ بالتَّالي بسخطٍ أكبر تجاهه، وتميلَ دائماً لأن تنسَ كم أنتَ محظوظٌ بحصولك على مثل تلكَ الوظيفة.

إنَّ تركيزكَ على الألمِ سيضعك ضمن دوامة من السَّلبية. لذا ابدأ التَّركيزَ على الأمور التي تستمتع بها في وظيفتك، وركِّز على جميع الفرص الرائعة التي يوفرها العمل لك؛ مثل الأمان المالي وصداقاتك مع زملاء العمل وفرص التَّطور على الصَّعيد المهني، وما شابه ذلك.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح لإزالة الملل وتحفيز الموظفين على العمل

2. 5. غيرَتُكَ من الآخرين:

عندما نحكم على الأشخاص الآخرين على أنَّهم أفضل حالاً منَّا، يسهل علينا الوقوعَ ضحيَّةً لمشاعر الغيرة؛ والتي غالباً ما تُسبِّبُ لنا الشُّعور بالغضب والإحباط.

بدلاً من أن تشعر بمثل هذا النَّوع من المشاعر السلبية، اجعل من غيرتك تلك دافعاً إلى تحسين نفسك؛ من خلال تسليطِ الضوء على سلوكيات ذلك الشَّخص وتقدير إنجازاته. ذلك ما يُعرفُ بالغِبطَة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يدفعك إلى التَّفكير فيما يقوم به الشَّخصُ الآخر، والتعلُّم من تصرفاته التي قادته إلى تحقيق النَّجاح. وتقوم بالتَّالي باستخدام تلك الدروس التي تعلمتها كمصدر إلهامٍ يُساعدكَ على التَّفوق أنت أيضاً.

2. 6. عندما تفوتك رحلتك أو يتم تأجيلها:

تكون معظم مشكلات السَّفر عبارةً عن تجاربَ مُحبِطَة؛ سِيَمَا حين نكونُ ممَّن يكرهون السَّفر. لكن إن نحن نظرنا إلى إيجابيات الأمر بدلاً من سلبياته؛ سنوفِّرُ على أنفسنا الإحباط النَّاجم عن مثل تلك المشكلات. لكن أنَّى لنا السَّبيلُ للوصول إلى ذلك؟

تكمن الإجابة في التَّركيز على كيفية تحقيق أقصى استفادةٍ من مثل تلك المواقف؛ كأن تنظر للأمر على أنَّه:

  • فرصةٌ أكثرُ من رائعة لقراءةِ كتابٍ مفيد.
  • فرصةٌ للتَّعرُّفِ على أصدقاءَ جدد.
  • ضمانٌ لسلامتك (عندما يتم تأجيل الرِّحلة بسببِ عطلٍ فنِّيٍ مثلاً). وتستمرُّ هذه القائمة وتطول.

2. 7. عندما لا يكون لديك متَّسعٌ من الوقت:

عندما تُخبر نفسك بأنَّه ليسَ لديكَ الوقتَ الكافي للقيام بكذا وكذا من المهام، غالباً ما ينتهي بك المطاف في هدر وقتك على أمورٍ غير مثمرة؛ مثل تصفح الإنترنت أو مشاهدة التِّلفاز، أو الدردشة مع صديق.

لا تجعل من ذلك عذراً من أجل التَّهرب من القيام بمهامك والمماطلة فيها، فإذا كان لديك شيء مُهِمٌّ كي تقوم به، بإمكانك دوماً تخصيصَ وقتٍ محددٍ للقيام به.

2. 8. خوفك من الفشل:

نادراً ما تكون الحياة بذلك السُّوء الذي نتوقَّعه. وكلما ركَّزنا على فكرة الفشل في الحياة، كلما تغلل فينا خوفنا من الفشل بشكلٍ أعمق. فالتَّركيز على أسوأ النَّتائج الممكنة هو أمرٌ مرهقٌ للغاية. وسواءٌ أكانَ الأمر يتعلَّقُ بطلب زيادةٍ على الرَّاتب، أم التَّحدثَ إلى جمهور ما؛ فمن غير المفيدِ أن تُخبِرَ نفسك بأنَّك ستفشل، أو بأنَّك لن تقومَ بذلك على أفضلِ وجه.

ركِّز بدلاً من ذلك على ما تريده، وأخبر نفسكَ بأنَّك قادرٌ على القيام بمهامك باقتدار. طبِّق ذلك على أبسطِ جوانبِ حياتك، وتدرَّج به إلى أن تكتسب الثِّقة اللَّازمة من أجل تعميمه على جوانبَ أكثرَ تعقيداً.

المصدر




مقالات مرتبطة