كيف يحصل الشخص على أصدقاء جدد بعد أن يكبر؟

إنَّ وجود الأصدقاء كنزٌ؛ إذ يوفر وجودهم في عالمٍ يسوده الشك شعوراً مريحاً بالاستقرار والتواصل؛ فالأصدقاء يفرحون ويحزنون معاً، ويتشاركون الأوقات السعيدة ويدعمون بعضهم بعضاً خلال الأوقات السيئة، ومع ذلك، فإنَّ السمة المميزة للصداقة هي أنَّها تحدث بمحض الإرادة؛ إذ إنَّ علاقة الصداقة ليست قائمة على روابط قانونية أو روابط صلة الدم أو مقابل المال؛ بل إنَّها علاقة عظمى أساسها حرية الاختيار، وهي علاقة نحافظ عليها فقط لأنَّنا نريد ذلك.



لكنَّ الجانب السلبي لكل هذه الحرية هو الافتقار إلى الالتزام الرسمي، وأنَّ علاقة الصداقة في أغلب الأحيان تفشل ولا تستمر؛ إذ إنَّه من الممكن أن تصبح حياتنا بصفتنا أشخاصاً بالغين بمنزلة مواسم من الالتزامات، بدءاً من الاهتمام بالأطفال والشركاء والعناية بالآباء المرضى ووصولاً إلى ساعات العمل التي تتعدى أوقات فراغنا.

وجدت دراسة أجراها باحثون في "جامعة أكسفورد" (University of Oxford) على العلاقات الاجتماعية للشباب أنَّ أولئك الذين يعيشون علاقة عاطفية، في المتوسط، لديهم عدد أقل من الروابط الاجتماعية الوثيقة، ومن ذلك الأصدقاء، أما أولئك الذين لديهم أطفال، فقد فقدوا مزيداً من هذه الروابط الاجتماعية.

لا تنهار علاقة الصداقة بسبب أي قرار متعمد بالتخلي عنها، ولكن لأنَّه لدينا أولويات أخرى، تلك التي ليست بمحض إرادتنا تماماً؛ ولقد لخَّص عنوان بحث "أكسفورد" الفكرة جيداً: "إنَّ العلاقة العاطفية وإنجاب الأطفال أمران مكلفان اجتماعياً".

إنَّ وتيرة الحياة والمشاغل الموجودة في حياة العديد من الأشخاص البالغين هي السبب في أنَّه من الممكن أن يفقدوا التواصل مع أصدقائهم بسرعة. على سبيل المثال، وجدت دراسة أجراها عالم الاجتماع الهولندي "جيرالد مولينهورست" (Gerald Mollenhorst) أنَّه على مدار سبع سنوات، فقد الناس التواصل مع نصف أصدقائهم المقربين في المتوسط.

إنَّ الأمر المثير للقلق جداً هو أنَّ العديد من الناس يبدو أنَّهم يفقدون أصدقاءهم بسرعة؛ وهذا يجعلهم يستبدلون أصدقاء جدد بهم. جمع تحليل إحصائي أجراه باحثون في "ألمانيا" (Germany) في عام 2013 بيانات من 177635 مشاركاً عبر 277 دراسة، وخلصوا إلى أنَّ علاقات الصداقة كانت تتقلص طوال السنوات الـ 35 السابقة.

على سبيل المثال، في الدراسات التي أُجريت بين عامي 1980 و1985، تبيَّن أنَّ عدد الأصدقاء الذين يمتلكهم هؤلاء يفوق بـ 4 وسطيَّاً ما يمتلكه المشاركون الذين شاركوا في الدراسات بين عامي 2000 و2005.

إذا لم نتوخَّ الحذر، فإنَّنا نجازف بأن نعيش مرحلة البلوغ بلا أصدقاء. هذا موقف يستحق تجنُّبه؛ إذ إنَّ الأصدقاء ليسوا فقط مصدراً رائعاً للشعور بالمتعة والهدف في الحياة، ولكنَّ الدراسات تشير إلى أنَّه دون وجود الأصدقاء، نحن أيضاً معرضون جداً للشعور بمزيدٍ من الاكتئاب.

من الواضح أنَّه في الدراسة التي أجروها بعنوان "أناس سعداء جداً" (Very Happy People) في عام 2002، وجد عالما النفس الأمريكيان "إد دينر" (Ed Diener)، و"مارتن سيلغمان" (Martin Seligman) أنَّ الاختلاف الرئيس بين الأشخاص الأكثر تعاسة والأشخاص الأكثر سعادة هو مقدار ارتباطهم الاجتماعي؛ فالأصدقاء يمنحوننا كثيراً من المودَّة؛ ولهذا السبب نحتاج إلى الاستثمار في تكوين الصداقات. إليك الطريقة للقيام بذلك.

ماذا أفعل؟

إنَّ تكوين الكثير من الصداقات في مرحلة البلوغ يتطلب بذل بعض الجهد المدروس من جانبك؛ فالأمر يُمثِّل تحدياً مثيراً من الناحية النظرية، ولكنَّ إحدى العقبات الأولى التي ستواجهها هي امتلاك الثقة الكافية، خاصة إذا كنت بطبيعتك شخصاً خجولاً، فقد يبدو وضع نفسك في هذا الموقف أمراً مخيفاً؛ وهذا يثير لديك المخاوف من أن يرفضك الآخرون.

قد تقودك هذه المخاوف إلى التعرض إلى نوعين من التجاهل من شأنهما أن يعوقا قدرتك على تكوين صداقات. أولاً، يمكنك ممارسة "التجاهل العلني"، من خلال عدم وضع نفسك في مواقف يمكنك فيها مقابلة أشخاص جدد؛ فبدلاً من الذهاب إلى حضور فيلم مع صديقك؛ حيث يمكن أن تكون هناك فرصة لقاء أشخاص آخرين، قد ينتهي بك الأمر إلى البقاء في المنزل.

ثانياً، قد تجد نفسك منخرطاً في "التجاهل الخفي"، وهذا يعني أنَّك تظهر ولكن لا تتفاعل مع الأشخاص عند وصولك ولقائك بهم، فقد تذهب لحضور الفيلم مع صديقك، ولكن بينما يتحدث الجميع عن أحداث الفيلم بعد انتهائه، تقف صامتاً وتشغل نفسك بمداعبة الحيوانات الأليفة واستعمال الهاتف.

1. افتراض أنَّ الناس مثلك:

إنَّ سبب كل من هذين الشكلين من التجاهل هو المخاوف التي يبررها الرفض؛ لذا تخيَّل كم سيكون الأمر سهلاً إذا كنت تعرف أنَّه إذا اجتمعت مع مجموعة من الغرباء، فإنَّ معظمهم سيحبونك ويجدونك مثيراً للاهتمام.

وجدت دراسة أمريكية في الثمانينيات أنَّ المتطوعين الذين دُفعوا للاعتقاد بأنَّ شريكهم أحبهم، بدؤوا بالتصرف بطرائق تجعل هذا الاعتقاد أكثر احتمالية أن يتحقق؛ لقد كشفوا عن مزيدٍ من المعلومات عن أنفسهم، واختلفوا بدرجة أقل، وكان لديهم مواقف أكثر إيجابية. يشير هذا إلى أنَّك إذا شاركت في مواقف اجتماعية بعقلية إيجابية، مفترضاً وجود أشخاص مثلك، فمن المرجح أن يكون هذا هو الحال بالفعل.

بالطبع، ما تزال متردداً في افتراض وجود أشخاص آخرين مثلك؛ وذلك لأنَّك لا تظن أنَّ هذا الأمر صحيح. إذا كان هذا هو تفكيرك، فقد تستمد الثقة من البحث الذي وجد أنَّ الأشخاص الغرباء يحبوننا أكثر مما ندرك.

شاهد: صفات الصديق الحقيقي

تضمَّن البحث الذي أعدته "إيريكا جي بوثبي" (Erica J Boothby) من "جامعة كورنيل" (Cornell University) وزملاؤها، وجود أزواج من الغرباء يدردشون معاً لمدة خمس دقائق لتقييم مقدار إعجابهم بشريكهم في التفاعل، وتقدير مقدار إعجابهم بهم.

ظهر النمط نفسه عبر مجموعة متنوعة من الظروف وفترات الدراسة، في المختبر والسكن الجامعي وفي ورشة عمل التطوير المهني؛ فقد قلَّل الناس من شأن مدى احتمالية إعجاب الناس بهم، وهي ظاهرة أطلقت عليها "بوثبي" وزملاؤها اسم "فجوة الإعجاب".

ما هي الحكمة التي يجب أن نستخلصها من هذا البحث؟ يمكن أن يذكِّرنا بالذهاب إلى مناسبات اجتماعية جديدة على افتراض أنَّ الناس سوف يعجبون بنا، كما يمكن أن يمنعنا من الشعور بعدم القدرة على تجاوز ذلك بسبب المخاوف من الرفض، وهذا يدفعنا للتشكيك في بعض هذه المخاوف.

حسِّن حوارك الداخلي، وصوتك الداخلي الذي ربما يطرح افتراضات سلبية جداً عن كيفية استجابة الناس لك. سيساعد القيام بذلك على منحك الثقة للذهاب إلى هناك وبدء التواصل الودي مع الغرباء.

2. أخذ زمام المبادرة:

في كتاب "نحن يجب أن نلتقي معاً: سر بناء صداقات أفضل" (We Should Get Together: The Secret to Cultivating Better Friendships)، تصف "كات فيلوس" (Kat Vellos) أنَّ الذي ألهمها تأليف كتابها لحظة من الشعور بالوحدة التامة؛ كانت تبحث عن صديقة لتخرج معها، لذلك نشرت على صفحتها على "فيسبوك" (Facebook): "من يريد أن يأكل البطاطس المقلية ويتحدث معي عن الحياة؟".

كل مَن استجاب لمنشورها كان يعيش في دولة أخرى، أمَّا أصدقاؤها المحليون في منطقة خليج "سان فرانسيسكو" (San Francisco Bay Area) جميعهم كانوا مشغولين تماماً؛ إذ تقول فيلوس: "لم أرغب في تناول الوجبات الخفيفة والتحدث عن الحياة فقط؛ بل كنت أتوق إلى نوع مختلف من الحياة؛ حياة من شأنها أن تمنحني القدرة على تكوين صداقات مع أشخاص يريدون رؤيتي والالتقاء بي بقدر ما كنت أرغب في رؤيتهم".

جعلت هذه التجربة "فيلوس" تدرك أنَّها تحتاج إلى وجود مزيدٍ من الأصدقاء في حياتها؛ لذلك وضعت خطة للحصول على بعض الأصدقاء ونفَّذتها. في النهاية، كانت تدير مجموعتين ناجحتين من اللقاءات مع الأصدقاء الذين تتشارك معهم الاهتمامات والهوايات نفسها، وأقامت صداقات مع أشخاص تحبهم وترغب في التقرُّب إليهم.

كيف غيَّرت حياتها؟ لقد أخذت زمام المبادرة؛ إذ خصصت "فيلوس" وقتاً للتواصل مع الأشخاص بانتظام، ولتنشيط العلاقات القديمة، وتكوين علاقات جديدة، وللتواصل معهم، وإيجاد الوقت للخروج معهم؛ فقصتها تكشف كيف يمكن لأخذ زمام المبادرة أن يُغيِّر مسار صداقتنا.

لفهم أهمية أخذ زمام المبادرة، يجب أن تتخلى عن الأسطورة القائلة إنَّ الصداقة تحدث طبيعياً؛ إذ ينبغي عليك أن تتحمل المسؤولية بدلاً من الانتظار السلبي. إنَّ الأبحاث تدعم فكرة أهمية أخذ زمام المبادرة؛ ضع في حسبانك دراسة أُجريت على كبار السن في "مقاطعة مانيتوبا الكندية" (Canadian Province of Manitoba).

المشاركون الذين اعتقدوا أنَّ الصداقة كانت شيئاً يحدث بناءً على الحظ يميلون إلى أن يكونوا أقل نشاطاً اجتماعياً، ويشعرون بالوحدة عندما التقى بهم الباحثون بعد خمس سنوات. على النقيض من ذلك، فإنَّ أولئك الذين ظنوا أنَّ الصداقة تتطلب بذل الجهد قد بذلوا بالفعل مزيداً من الجهد - على سبيل المثال، من خلال الذهاب إلى الكنيسة أو ارتياد جمعياتٍ محلية - وقد حقق هذا فائدة؛ إذ شعروا بوحدة أقل في فترة المتابعة التي استمرت خمس سنوات.

لكنَّ الأمر لا يتعلق فقط بالوجود بين الناس؛ بل بإلقاء التحية عندما تصل إلى هناك؛ هذا يعني تقديم نفسك لأشخاص آخرين، وسؤالهم عن أرقام هواتفهم وإضافتهم على برامج التواصل الاجتماعي وطلب الخروج معهم. إنَّ الأخذ بزمام المبادرة هو عملية يجب علينا القيام بها مراراً وتكراراً لتكوين صداقات جديدة.

تُعَدُّ المبادرة أمراً هاماً خاصة للأشخاص الذين يجدون أنفسهم في أوضاع اجتماعية جديدة، مثل الأشخاص الذين انتقلوا إلى مدينة جديدة، أو بدؤوا دراستهم في مدرسة جديدة، أو بدؤوا وظيفة جديدة.

في دراسة أُجريت على طلاب السنة الأولى الجامعيين في "جامعة دنفر" (University of Denver) عام 1980، كان هؤلاء الطلاب الذين صنفوا أنفسهم على أنَّهم يتمتعون بمهارات اجتماعية فائقة هم الذين تمكَّنوا من تطوير علاقات اجتماعية مُرضِية جداً.

علاوة على ذلك، في فصل الخريف، عندما كان الجميع مستجدين في الجامعة، كانت "مهارة البدء بتعرُّف الآخرين والتحدُّث معهم" على وجه التحديد هي الأهم، وبعد أن أصبحت الصداقات مستقرة، لم يعد الأمر هاماً.

مع أنَّنا قد نخشى أن يرفضنا الآخرون إذا بدأنا الحديث معهم، إلا أنَّ البحث وجد أنَّ هذا الأمر أقل احتمالاً مما نعتقد. عندما طلب عالما النفس الأمريكيان "نيكولاس إيبلي" (Nicholas Epley)، و"جوليانا شرودر" (Juliana Schroeder) من المشاركين في البحث المبادرة بالحديث مع زملائهم من ركاب القطارات، هل يمكنك تخمين عدد الذين امتنعوا عن ذلك؟ لا أحد!

خلص "إيبلي" و"شرودر" إلى أنَّه: "يبدو أنَّ الركاب يظنون أنَّ التحدث إلى شخص غريب يمثِّل خطراً حقيقياً من الرفض الاجتماعي. وحسب المعلومات المتوفرة، فإنَّه لا يشكل أي خطر على الإطلاق".

3. ابقَ دائماً على تواصل مع الآخرين:

عندما تبدأ بعض العلاقات الجديدة، يبدأ التحدي المتمثل في تحويلها إلى صداقات حقيقية. وفقاً لـ "ريبيكا جي آدامز" (Rebecca G Adams)، أستاذة علم الاجتماع وعلم الشيخوخة بجامعة "نورث كارولينا في جرينسبورو" (North Carolina at Greensboro)، أدرك علماء الاجتماع منذ فترة طويلة أنَّ الصداقات تزدهر عندما يكون لدينا تواصل مستمر.

المشكلة في الحفاظ على التواصل مع الآخرين تكمن في الافتقار إلى وجود الفرصة للالتقاء بهم باستمرار؛ إذ إنَّ الذهاب إلى الجامعة لإلقاء محاضرة أو قضاء ساعة سعيدة واحدة - الفترة الزمنية التي تُقدَّم فيها خصومات وتخفيضات على بعض المنتجات كالمقبلات - أو إلى فاعلية تهدف إلى إقامة علاقات اجتماعية هي من بين الأمور التي قد تتيح الفرصة الوحيدة فقط للتواصل مع الآخرين.

إذا استطعت وكان لديك وقت فراغ، فمن الأفضل الاشتراك في النشاطات التي تمنحك فرصاً متعددة للتواصل مع الآخرين، مثل دروس في اللغة، أو دورة في الكتابة، أو فصل التحسين، أو نادي الكتاب، أو عموماً شيء يتكرر مع مرور الوقت.

تتيح لك فرص التواصل باستمرار هذه الاستفادة من شيء يسمى "تأثير التعرُّض المَحض" (mere exposure effect)؛ فهذا هو ميلنا إلى الإعجاب بالأشياء أكثر كلما بدت مألوفة، وهو ينطبق على الناس أيضاً.

ضع في الحسبان دراسة أُجريت في "جامعة بيتسبرغ" (University of Pittsburgh) في التسعينيات؛ إذ وُضِعَت أربع نساء في فصل دراسي لعلم النفس لعدد متفاوت من الفصول، ولم تتحدث النساء مع أحد، ولم يتذكَّرهن الطلاب إلا بصعوبة.

في نهاية الفصل الدراسي، عرض الباحثون على الطلاب صوراً للنساء وسألوهم عن الصورة التي يحبونها أكثر؛ كانت النساء اللاتي حضرن أكبر عدد من الفصول محبوبات، في حين أنَّ النساء اللاتي حضرن في عدد أقل من الفصول حظين بإعجاب قليل؛ وذلك ربما لأنَّ الألفة الكبرى، حتى على مستوى اللاوعي، تزيد من الإعجاب. تظهر هذه النتيجة القوة الاجتماعية للظهور والحضور بسهولة.

فيما يتعلق بهذا الأمر، أظهرت الأبحاث الأُخرى التي أُجريت في الستينيات أنَّنا نميل للإعجاب بالناس أكثر إذا علمنا أنَّنا سنراهم مرة أخرى. في هذه الحالة، قدَّم الباحثون للمشاركات ملفات شخصية عن طالبتين؛ كان الملفان الشخصيان متشابهين، باستثناء أنَّه أُخبِرَ المشاركون أنَّ إحدى النساء ستكون شريكتهم في مجموعات المناقشة المستمرة. أبلغ المشاركون عن إعجابهم الكبير بهذه المرأة؛ فعندما نعلم أنَّنا سنرى شخصاً ما مرة أخرى، نريد أن نجعل تفاعلاتنا المستقبلية متناغمة، لذلك نحبهم أكثر الآن.

الدرس هنا هو أنَّه إذا كنت ترغب في تكوين صداقات، فيجب أن تلتزم بالظهور في مكان ما لبضعة أشهر. إذا ذهبت إلى حدث ما، وشعرت بعدم الارتياح ولم تكرر ذلك، فأنت تقلل من قدر نفسك، لكن إذا أصررت على الذهاب، فسوف تشعر براحة كبرى، وستتعرَّف الناس معرفة عميقة.

ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى مجرد تأثير الظهور بينهم؛ إذ سيحبونك أكثر مع مرور الوقت. وكل ما تحتاج إليه هو تجاوز الإحراج الأولي ومواصلة المحاولة؛ وذلك لأنَّ الأمر لن يكون محرجاً لفترة طويلة.

4. إظهار نقاط الضعف:

الآن بعد أن عرفت كيفية بدء التواصل مع الآخرين، فإنَّ إظهار نقاط الضعف هو الخطوة التالية نحو تعميق علاقة الصداقة. من الجميل أن تفكر أنَّ أحد المعارف يكون شخصاً تعرف عنه، بينما الصديق هو شخص تعرفه.

لتكوين صداقات حقيقية، عليك مشاركة الآخرين أموراً تتعلق بك، وطرح أسئلة تجعلهم يتحدثون عن أمور تتعلق بهم أيضاً؛ إذ إنَّك لست مضطراً إلى مشاركة كل ما قد تخبر به المعالج النفسي، ولكن، بصرف النظر عن الأسرار العميقة، ما يزال لديك كثير من الأمور لمشاركتها مع الآخرين.

أخبر الناس ما هو شغفك، وكيف تقضي وقت فراغك، أو ما الذي تتطلع إليه، واطلب منهم الشيء نفسه. تستند النصيحة هنا إلى بحث من سبعينيات القرن الماضي إذ وُجد أنَّ طلاب السنة الأولى الجامعيين الذين كانوا أكثر انفتاحاً للتحدُّث عن نقاط ضعفهم أمام زملائهم في السكن يميلون إلى تكوين صداقات عميقة معهم أيضاً.

وجدت دراسات حديثة أنَّه عندما يتعرَّف الغرباء بعضهم بعضاً، كلما شاركوا أكثر عن أنفسهم، ازداد إعجابهم ببعضهم بعضاً. إذا كنت تبحث عن طرائق لتعميق تواصلك مع الآخرين، فإنَّ إبراز نقاط الضعف هو الطريق لترسيخ هذه العلاقة.

باختصار، إنَّ السر في تكوين صداقات بصفتك شخصاً بالغاً هو أنَّه عليك المحاولة؛ عليك أن تضع نفسك في مكان ما، وتطلب من الناس أن يتقابلوا، ويحضروا في المناسبات، ويستمروا في فعل ذلك مراراً وتكراراً.

قد يبدو الأمر مخيفاً أن تختلط مع أشخاص لا تعرفهم، ولكن نأمل أن تكون نتائج البحث التي شاركناها قد أقنعتك أنَّه ليس مخيفاً كما تظن؛ إذ إنَّ الأمر يبدأ بفعل سهل يتمثل في إلقاء التحية، وبعد ذلك يعتمد على الاستمرار في البدء، والتواصل بانتظام، والاستعداد في النهاية لمشاركة نقاط الضعف لديك.

قد تفترض أنَّ هذه الأعمال الصغيرة، كإلقاء التحية بكلمة صغيرة متمثلة في كلمة "مرحباً"، غير هامة على الأمد الطويل، لكنَّ هذه الأعمال الافتتاحية هامة؛ إذ يمكنها فتح أبواب الصداقة، وإرسالنا إلى مسار التقارب والألفة التي لم تكن لتتحقق دون تلك الخطوات الأولى.

إقرأ أيضاً: 10 نصائح للحصول على أصدقاء جدد

النقاط الأساسية لتكوين صداقات عندما تكون شخصاً بالغاً

  • عندما تكون شخصاً بالغاً، لا تحدث الصداقة طبيعياً؛ وذلك لأنَّك لست في العديد من الأماكن التي تتيح لك التفاعل المستمر غير المخطط له، وإظهار نقاط الضعف المشترك؛ وإذا كنت سلبياً بشأن تكوين صداقات، فلن تتمكن من تكوين أيٍ منها. أنت تحتاج إلى بذل جهد متعمد لمقابلة أشخاص جدد.
  • عليك أن تفترض أنَّ الآخرين مثلك، وستكون محبوباً جداً؛ إذ سيحفزك ذلك أيضاً على البدء بالظهور في التجمعات الاجتماعية، والمشاركة الفاعلة مع الناس.
  • عندما تحضر في المناسبات الاجتماعية، تأكد من تقديم نفسك للناس واطلب من بعضهم أن يجتمعوا خارج الحدث، حتى لو لم تكن تعرفهم جيداً بعد.
  • للاستفادة من "تأثير التعرُّض المَحض" - اكتشف أنَّ الناس سيحبونك كثيراً كلما بدوت مألوفاً لهم - خطط للانضمام إلى الأحداث التي تتكرر مع مرور الوقت، مثل الفصول الدراسية أو النوادي الاجتماعية.
  • لتحويل أحد معارفك إلى صديق، ابدأ بممارسة إظهار نقاط الضعف. شارك مزيداً عن نفسك واسأل الشخص الآخر أسئلة لدفعه إلى مشاركة معلومات عن نفسه.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة