كيف يجب أن تغضب؟

عندما أُخبر الناس أنَّني أبحث وأكتب عن الغضب، يجيبونني بأنَّهم لا يغضبون، ويوضحون أنَّهم لا يصرخون أبداً ولا يضربون ولا يتصرفون بأي شكل آخر من الأشكال العدائية تجاه الآخرين. لكن ما يقصدونه في الحقيقة هو أنَّهم لا يصبحون عدوانيين. وبمجرد أن نتحدث في الموضوع، فإنَّهم يدركون في الحال أنَّهم في الواقع يغضبون في كثير من الأحيان (معظم الناس يغضبون، مرات عدَّة في الأسبوع إلى مرات عدَّة في اليوم).



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون "ريان مارتن" (Ryan Martin)، والذي يُحدِّثنا فيه عن الغضب.

الغضب هو شعور يتميز بإحساس شديد بالاستياء، فهو يتراوح بين الإحباط الذي قد تشعر به عندما تعجز عن إيجاد مفاتيح سيارتك وبين الغضب الشديد الذي تشعر به عندما تُعامَل أنت أو شخص تهتم لأمره معاملة سيئة.

ومثله مثل أي شعور آخر، يتضمن استجابة فيزيولوجية (بما في ذلك زيادة معدل ضربات القلب والتوتر العضلي)، وأفكاراً نمطية (مثل إلقاء اللوم على الآخرين أو الرغبة في الانتقام)، وسلوكاً متوقعاً (مثل العنف إما لفظياً أو جسدياً).

والأهم من ذلك، على الرغم من أنَّ هناك في كثير من الأحيان رغبة في التصرف بإحدى هذه الطرائق، فإنَّ معظم الناس لا يفعلون ذلك. فقد يشعرون برغبة في الصراخ؛ لكنَّهم عوضاً عن ذلك قد يستاؤون ويبكون ويجترُّون الأفكار السلبية ويأخذون أنفاساً عميقة، أو قد يتبنون استراتيجية أخرى للتعبير عن الغضب بطريقة غير عنيفة؛ هذا هو السبب في أنَّ الناس قد لا يدركون كم مرة يشعرون فيها بالغضب. بعض الأشخاص يعبِّرون عن حزنهم بطرائق مختلفة جداً، والأمر نفسه ينطبق على الغضب.

وغالباً ما يعزو الناس غضبهم مباشرةً إلى أشياء خارجية مثلاً: "لقد غضبت بسبب الازدحام المروري"، أو "لقد شعرت بالغضب الشديد عندما أساء لي مديري في العمل". في الواقع، التفسير الأفضل هو أنَّ الغضب ينبع من ثلاثة عوامل: وهي الاستفزاز، وتفسير الشخص للاستفزاز، ومزاجه في ذلك الوقت.

إنَّ الاستفزاز هو ما يثير الغضب، فربما قد علقت في زحمة المرور أو أهانك زميلك في العمل، أو قد توقف الاتصال بالإنترنت بينما كنت تعمل، ومن المرجح أن تثير بعض المواقف غضبك بشكلٍ خاص؛ إذ تكون أهدافك غير قابلة للتحقيق أو يؤدي شيء ما إلى إبطاء سرعتك، أو قد تحدث معك الأشياء التي تجعلك تشعر بالإحباط، أو بسبب المواقف التي تعاني فيها من الظلم أو عدم الإنصاف.

ولكن قبل أن تغضب حقاً، يجب عليك تفسير ذلك الاستفزاز، وأن تقرر ما يعنيه لك وما إذا كنت تستطيع التعامل معه أم لا، تخيل أنَّ زميلك في العمل قد أهانك خلال أحد الاجتماعات. ستفسر أنَّ ما قاله كان غير عادل وغير معقول، وتشعر أنَّك بدأت بالغضب.

في هذه المرحلة، عليك أن تقرر ما إذا كنت تستطيع التعامل مع الموقف أم لا، فإذا فكرت في شيء مثل: "لا أحد يصغي إلى هذا الشخص على أي حال، فهذا ليس بالأمر الهام"، فسيكون غضبك أقل مما لو فكرت: "إنَّ هذا فظيع، لقد كان مديري في العمل موجوداً في ذلك الاجتماع، والآن يظن أنَّني أحمق".

هذه الأفكار التي تراودنا عندما نشعر بالاستفزاز لها أهمية كبيرة، فعندما تَعُدُّها كارثة (أي تُخفق في أثناء قيامك ببعض الأشياء)، أو تعمِّمها بشكل مفرط (أي تأخذ حدثاً صغيراً وتجعله جزءاً من نمط أكبر من الأحداث)، أو تصف الناس بصفات ناتجة عن احتدامك، فستصبح أكثر غضباً مما كنت لتفعل عادةً.

تخيل - على سبيل المثال - كم قد تشعر بالغضب إذا قلت لنفسك، بعد أن توقفت عند إشارة حمراء وأنت في طريقك إلى العمل: "إنَّ هذا سيفسد يومي بأكمله" (كارثة)، أو "إنَّ هذا يحدث معي دوماً" (الإفراط في التعميم)، أو "أياً كان من عدَّل هذه الإشارة فهو أحمق تماماً" (وصف محتدم).

هذه الأفكار، تكون أكثر شيوعاً عندما نكون في مزاج معين. تُعرَّف الحالة المزاجية التي نشعر بها عندما تحدث حالة الاستفزاز باسم "حالة ما قبل الغضب" وعندما نكون متعبين أو مجهدين أو جائعين أو فعلاً غاضبين، أو في أيَّة حالة سلبية أخرى، فإنَّ الاستفزاز يجعلنا أكثر غضباً مما قد نكون عادةً.

هذا هو أحد الأسباب الذي يجعل شيئاً ما قد لا يزعجنا في الحالة العادية بأن يزعجنا في يومٍ آخر. إنَّ القدرة على التفكير في غضبك بهذه الطريقة، لفهم السبب وراءه، تسمح لك باتخاذ الخطوات التالية لتطوير علاقة أكثر صحة مع الغضب، فعندما تفهم غضبك، يمكنك أن تتحكم به بشكل أفضل، وتستعمله بطرائق نافعة أكثر.

1. فهم غضبك:

الخطوة الأولى نحو الغضب بطريقة غير مضرة هي فهم من أين ينبع، ليس فقط بفهم الأسباب الواضحة السطحية، ولكن فهم الصورة كاملةً للأمور، ويمكنك فعل ذلك بطرح الأسئلة الثلاثة الآتية على نفسك:

● هل يجب أن تغضب؟

عندما تقيِّم الوضع، فكِّر فيما إذا كنت مظلوماً أو قد عومِلتَ بعدم إنصاف، وما إذا كانت أهدافك قد أُعيقَت أم لا، وإذا كان الأمر كذلك، فما هي العواقب الحقيقية لذلك؟

يكتشف الناس أحياناً من خلال هذا النوع من التحليل أنَّ غضبهم غير مبرر، فهم يدركون أنَّ الموقف كان نتيجة لخطأ غير مقصود، أو أنَّ تفسيرهم كان غير صحيح، أو أنَّ نتيجة هذا الموقف ليست بالأمر الكبير، ولكن في الوقت نفسه، قد يكتشفون أيضاً أنَّ غضبهم مبرر جداً، وقد يتحلون بمعرفة واضحة بما يجب عليهم فعله حيال هذا الأمر.

● ماذا يخبرك غضبك عن الوضع؟

في الحالات التي تقرر فيها أنَّ غضبك مبرَّر، استثمر بعض الوقت للتفكير فيما يخبرك به غضبك عن ظروفك. التفكير في غضبك يسمح لك بتقييم لماذا تشعر بهذا الإحساس الذي أنت عليه، وقد يساعدك على تحديد ما الذي تريده فعلاً للخروج من هذه الحالة؛ مثلاً، تخيل ذات صباح بأنَّك تشعر بالإحباط نتيجة الازدحام المروري وأنت في طريقك إلى العمل.

تدرك أنَّ غضبك ينبع جزئياً فقط بسبب حركة المرور، والجزء الآخر منه يأتي من الإجهاد والقلق المحيطين بك في يومك الطويل الذي ينتظرك، وبما أنَّك لا تستطيع تغيير ازدحام السير، يمكنك أن تركِّز أكثر على التعامل مع القلق الذي تشعر به حيال العمل.

● ماذا يخبرك غضبك عن نفسك؟

من خلال تقييم سبب غضبك، خاصةً عندما تنظر إلى أنماط الغضب عبر المواقف، يمكنك تعلُّم الكثير عن قيمك، على سبيل المثال: تخيَّل أنَّك تجد نفسك محبطاً دائماً بسبب التأخر المتكرر لشخص ما. فإذا خطيت خطوة إلى الأمام وسألت نفسك لماذا يحبطك هذا الأمر، فستفهم قيمك وحاجاتك بشكل أفضل وبطريقة تساعدك على حل المشكلات.

وإذا كان سبب غضبك من تأخره هو أنَّك تجد هذا الأمر غير لائق، فهذا يدل على حاجتك لاحترام الذات والرغبة في الاحترام، ولكن إذا كان سبب غضبك هو أنَّ تأخره يجعلك تشعر بالتوتر حيال شيء آخر عليك القيام به، فشعورك بالإحباط ينمُّ عن أمر مختلف كلياً.

ويتعلق الأمر الأخير بعدم تحقيق الأهداف والإحساس بالضغط لإنجاز الأمور، ويؤدي الأمر المستفز نفسه (التأخير المتكرر) إلى شعور الغضب نفسه ولكن لأسباب مختلفة؛ ولهذه الأسباب المختلفة حلول مختلفة، والتفكير في غضبك يمكن أن يساعدك على فهم ما يجب فعله تالياً.

2. منع الغضب من الحدوث في المقام الأول:

والفائدة الأخرى من فهم غضبك فهماً كاملاً هي أنَّه سيسمح لك بالتدخل للتحكم فيما تشعر. عند هذه المرحلة، حددنا ثلاثة مكونات مختلفة لتجربة الغضب (الاستفزاز، وتفسير الشخص للاستفزاز، والحالة المزاجية)، ويمكنك التدخل في جميع المراحل لتقليل وإدارة الغضب.

أولاً، يمكنك أن تتجنب بعض الأمور المستفزة الشائعة عندما تقرر أنَّه من الأفضل أن تفعل ذلك، ولكن أحياناً تحدث أمور لا يمكنك تجنُّبها، وهناك أوقات أخرى قد تفعل فيها أموراً دون داعي، أموراً تعرف أنَّها تسبب لك الغضب.

لا تحتاج إلى دعوة هذه التجارب السلبية إلى حياتك، على سبيل المثال: يمكنك أن تختار تجاهل أو إخفاء المنشورات السياسية المزعجة على "فيسبوك" (Facebook) أو تختار طريقاً مختلفاً عند ذهابك إلى العمل لتجنب إزعاجات الازدحام المروري الشائعة.

كما يمكنك التحكم في الغضب بإعادة تقييمك للاستفزازات التي لا يمكن تجنبها؛ بكلماتٍ أخرى، قيِّم أفكارك واسأل نفسك هل هي صائبة أو معقولة. عندما يخطئ مطعمٌ ما في طلبك، يمكنك التفكير في العواقب الحقيقية التي ستحصل. هل سيفسد ذلك يومك، أم ستتمكن من التأقلم معه؟

عندما يرتكب شخص ما خطأ في العمل، يمكنك أن تسأل نفسك إذا كان ذلك سيجعله يبدو "أحمقاً تماماً" أو إذا كان هذا يمثل خطأً صغيراً سيعمل على تصحيحه فيما بعد. ومع ذلك الهدف هنا، لا يجب أن تكذب على نفسك وأن تتظاهر بأنَّ الأمور على ما يرام عندما لا تكون كذلك. يجب أن يكون الهدف هو تقبُّل الأفكار التي هي واقعية وتمثل ما يحدث بالفعل من حولك.

أخيراً، يمكنك تعرُّف الحالة المزاجية في مرحلة ما قبل الغضب. بمجرد أن تحدد الأنماط المتعلقة بالأوقات التي تكون فيها أكثر عرضة للغضب (مثل عندما تكون متعباً أو جائعاً أو مستعجلاً)، يمكنك اتخاذ خطوات لتجنب الدخول في هذه الحالات، فبالتخطيط المسبق، غالباً ما تتأكد أنَّك قد أخذت قسطاً جيداً من الراحة، وأكلت لتجنب الشعور بالجوع الشديد، واسبق مواعيدك المحددة كي لا تشعر أنَّك مستعجل.

حتى عندما يكون هذا غير ممكن، فبمجرد معرفة أنَّك تميل إلى الغضب في هذه الحالات هو أمرٌ هام. فعندما تجد نفسك متعباً وقابلاً للإزعاج، فإنَّ مجرد الإقرار بذلك لنفسك بالقول "كل شيء يبدو أسوأ حالاً لأنَّني متعب" يمكن أن يساهم كثيراً في التخفيف من الإحباط غير المرغوب فيه.

شاهد: 5 طرق للتعامل مع الغضب في العمل

3. تجربة الأساليب "التقليدية" لإدارة الغضب:

المكون الرابع للغضب هو الشعور العاطفي الفعلي الناتج عن هذه التفاعلات؛ أي هذا الشعور الشديد بالإحباط أو الغضب، وعندما يتعلق الأمر بالتصدي للغضب، فإنَّ هذا هو المكان الذي يعتقد العديد من الناس أنَّهم بحاجة إلى التدخل فيه.

قد ترى أدلة على ذلك في استراتيجيات إدارة الغضب الشائعة، والتي تتضمن الاسترخاء، مثل التنفس العميق، واسترخاء العضلات، والعد حتى الرقم 10 أو التأمل. وتتمحور هذه الأساليب بشكل كبير حول تقليل مشاعر الغضب بمجرد حدوثها.

على الرغم من أنَّني لا أعتقد أنَّ هذا هو كل ما ينبغي عليك فعله، فالطرائق المذكورة آنفاً هامة أيضاً، فهي فعلاً تُجدي نفعاً. عندما تكون غاضباً، فإنَّ طرائق الاسترخاء لها تأثير في تقليل الإثارة العاطفية والفيزيولوجية غير المرغوب فيها مثل زيادة التوتر العضلي ومعدل ضربات القلب.

ومن الجدير بالذكر أنَّ الاقتراحات الشائعة كلَكْمِ الوسادة لا قيمة لها، التي هي أفكار مروِّعة من ناحية أخرى. في الواقع، أظهرت الأبحاث التي تتحدث عن تنفيس الغضب بأنَّه لا يقلل من الغضب في تلك اللحظات فحسب، ولكن إنَّه في الواقع سيزيد من احتمال الإصابة بالعدائية في وقتٍ لاحق من الحياة.

إقرأ أيضاً: أهم أدوات فن إدارة الغضب

4. استثمار غضبك استثماراً مفيداً:

إنَّني أفكر في الغضب على أنَّه دافع يمكنه أن يحفزك لحل المشكلات، ومع ذلك، كأي دافع آخر، قد يكون غير مستقر، فإذا خرجت عن السيطرة، يمكن أن تنفجر بطريقة خطرة على نفسك أو على من حولك؛ لهذا السبب، الخطوة الأولى لاستثمار غضبك بشكل مفيد هي معرفة متى يمكن أن يُشكِّل مشكلة بالنسبة إليك.

ويمكن التعبير عن الغضب تقريباً بعدد لا نهائي من الطرائق، وبعضها ينتج عنها عواقب وخيمة ويحتمل أن تكون كارثية. فالأشخاص الذين يغضبون بشكل مزمن هم أكثر عرضة للشجار عبر الإساءة الجسدية واللفظية، والقيادة المتهورة وتدمير الممتلكات، واستعمال الكحول والمخدِّرات. إذا واجهت مثل هذه العواقب السلبية الخطيرة بسبب غضبك، فيتعين عليك أن تطلب المساعدة والمشورة من شخصٍ خبير.

ومع ذلك، قد تميل إلى تصنيف تعبيرات الغضب على أنَّها جيدة أو سيئة، أو صحية أو غير صحية، في الواقع، لا يوجد شيء واحد صحيح لتفعله عندما تكون غاضباً.

على سبيل المثال: هناك بالتأكيد أوقات يكون فيها الاحتفاظ بغضبك هو الخيار الأفضل لأنَّ التعبير عنه قد يكون مليئاً بالمخاطر أو ربما غير آمن؛ ولكنَّ القمع يمكن أن يكون له عواقب نفسية وجسدية إذا كنت تعتمده كثيراً. إنَّ أفضل شيء يمكن أن تفعله عندما تكون غاضباً يعتمد دائماً على المضمون.

جوهر الموضوع هو إنَّ غضبك يخبرك أنَّ هناك مشكلة، وإحدى الطرائق للتعبير عنه تعبيراً مفيداً هي استعمال الطاقة التي توفرها لحل هذه المشكلة، وقد يشمل ذلك معالجة أمور صغيرة نسبياً في حياتك تؤدي إلى حالات إحباط متكررة، فالانفعال الصغير الذي تشعر به عندما لا تجد محفظتك في مكانها قد يشجعك على تطوير نظام أفضل لتجنبه، أو الصنبور الذي يسرب الماء في مطبخك قد يبقى مزعجاً بالنسبة إليك إلى أن تصلحه.

قد تكون هناك مشكلات أكبر. إنَّ استعمال غضبك قد يعني أيضاً الدفاع عن نفسك بإجراء محادثة قد تكون ذات مغزى ولكن صعبة مع شخص ما في حياتك. فإذا شعرت أنَّه يتم تجاهلك في العمل، أو أنَّ أحد أفراد أسرتك يعاملك معاملة سيئة، فقد يساعدك غضبك أن تدافع عن نفسك.

القدرة على توصيل غضبك للناس بطرائق مفيدة هي مهارة هامة. قد يكون من الصعب الحفاظ على الكفاءة المهنية والبقاء في الموضوع عندما تكون غاضباً؛ ولكنَّ التواصل مع مشاعرك في أثناء الإصغاء إلى الآخرين، يمكن أن يكون وسيلة ذات قيمة أخرى ويمكن أن يخدمك غضبك فيها.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة