كيف يبدو مستقبل العمل؟

وَفقاً لـ "المنتدى الاقتصادي العالمي" (World Economic Forum)، توجد أربعة تطورات تكنولوجية تعرقل حالياً عالم الأعمال، تتضمن خدمة الإنترنت عالي السرعة، والاعتماد واسع النطاق لتحليلات البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي، وتقنية التخزين السحابي؛ فتغيِّر هذه التقنيات الجديدة قواعد اللعبة الاقتصادية؛ إذ إنَّ معدل التغيير التكنولوجي ما يزال يرتفع بلا هوادة، مؤدياً إلى اضطرابات في جميع القطاعات، من المتاجر إلى الرعاية الصحية وغيرها.



ويترتب على هذه التغييرات آثار متنوعة تؤثر في الموظفين في مؤسستك، وليس من السهل العثور على الموهبة التي تحتاج إليها، علماً أنَّ الوقت الافتراضي لاكتساب مهارة فنية هو بضع سنوات فقط؛ لذا يتطلب التغلب على هذه المصاعب على الأقل إعادة التفكير في كيفية إنجاز العمل.

العمر النصفي للمهارات:

إنَّ المعدل الذي تظهر فيه مهارات جديدة ومن ثم تصبح قديمة آخذ في التسارع؛ ففي عام 2011، وجد الباحث والصحفي "دوغلاس توماس" (Douglas Thomas)، والباحث المتخصص في الدراسات التنظيمية "جون سيلي براون" (John Seely Brown) أنَّ العمر النصفي للمهارات المكتسبة هو خمس سنوات فقط.

وبعبارة أخرى، ستجعل التقنيات الجديدة أو التحولات في ممارسات الأعمال نصف ما نعرفه حالياً قديماً في غضون خمس سنوات فقط، وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ العمر النصفي للمهارات آخذ في التناقص.

إنَّ الوظائف المرغوبة اليوم، مثل مطوري الويب المتكاملين، ومصممي تجربة المستخدم، ومطوري برامج السحابة، ومحللي البيانات، ومهندسي الذكاء الاصطناعي، لم تكن موجودة حتى قبل عقد من الزمن، ولا أحد يدري ما هي مجموعة المهارات المرغوبة التالية؛ وهذا التقلص للعمر النصفي للمهارات، يعني أنَّه يجب علينا جميعاً أن نتبنى حياةً كاملة من التعلم.

يجب على الشركات والموظفين والحكومات الاستجابة لهذا الواقع الناشئ؛ إذ يتعيَّن على أرباب العمل تطوير استراتيجيات جديدة لتحسين وإعادة بناء المهارات في سياق آلية العمل، ويجب على الموظفين مواصلة السعي الاستباقي إلى الاستفادة من فرص التعلم المستمرة، وعلى الحكومات تقديم الحوافز وتسهيل إنشاء شراكات بين القطاعين العام والخاص؛ وذلك لتشجيع الشركات على الاستثمار في إعادة تشكيل مهارات موظفيها.

شاهد: 7 نصائح لإدارة فِرَق العمل عن بعد بنجاح

تنظيم القدرة على التكيف:

مع استمرار تسارع وتيرة التغيير، تعيد الشركات تنظيم نفسها لتصبح أكثر قدرة على التكيف بسرعة، وتاريخياً، كانت الشركات تُنبى لتعمل بفاعلية وكفاءة، وهو ما كان مناسباً في عصر يمكن فيه التنبؤ، لكنَّ نماذج الأعمال الناتجة، قد أسست صوامع قوية لم تشجع على التعاون عبر الحدود.

وفي عصر اليوم الذي يتسم بعدم القدرة على التنبؤ والتعطيل المستمر لنماذج العمل، يجب أن تكون الشركات سريعة وقابلة للتكيف، ومن المؤكد أنَّ المؤسسات تستجيب من خلال إنشاء هياكل أكثر مرونة؛ إذ يستخدمون فرقاً متعددة التخصصات، ويطبقون دروساً تعلَّموها من اقتصاد العمل الحر؛ وذلك لتحقيق أقصى استفادة من مجموعة مهاراتهم الداخلية.

حتى إنَّ بعض الشركات تبني سوقاً داخلياً للمهارات التي تسمح لها بتوزيع المواهب، ليس فقط للاحتفاظ بالموظفين وإرضائهم، ولكن أيضاً لتسهيل تبنِّي شعار "التعلم دائماً".

فرق متعددة التخصصات:

يجمع الفريق متعدد التخصصات المهارات من مجالات مختلفة لتحقيق هدف أو لحل مشكلة؛ إذ تتجمع هذه الفرق لتحقيق هدف معين، وعندما ينتهون، يتفككون وينتقلون إلى مشاريع أخرى.

ونرى هذا الهيكل الجماعي المتعمد متعدد الوظائف كثيراً في صناعات التكنولوجيا الحيوية؛ فتحويل الجزيء إلى دواء صالح للاستخدام، يتطلب خبرة العديد من التخصصات التقنية التي تعمل معاً في نقاط مختلفة في الجدول الزمني لـ "البحث والتطوير" (Research and development)؛ إذ تسحب الفرق متعددة التخصصات المواهب من مختلف الوظائف والمجموعات؛ وذلك لمطابقة المهارات بمشاريع محددة لتحقيق النتائج.

مثل هذا التحول إلى الهياكل القائمة على الفريق يجعل الشركات أكثر مرونة؛ وذلك لأنَّ هذه المجموعات تُشكَّل أو تُوسَّع أو تُقلَّص أو تُلغى بسرعة بناءً على ديناميكيات الأعمال المتغيرة، ويمكن أن تزداد مساهمة الفرد في الفريق أو تنخفض بناءً على الاحتياجات الحالية للمشروع.

وفي الوقت نفسه، فإنَّ السماح للأشخاص بالمشاركة في فرق متعددة التخصصات، بالإضافة إلى أداء أدوارهم المعتادة، يساهم في تطويرهم؛ وذلك من خلال تقديم مهام عمل متنوعة يشاركون بها مع أشخاص مختلفين في الشركة، كل ذلك مع إتاحة الفرصة لهم لاكتساب مهارات جديدة.

شاهد أيضاً: كيف تخطط لمستقبلك بنجاح؟

الاقتصاد الحر الداخلي:

نظراً لانتشار منصات المواهب حسب الطلب، مثل "توب كودر" (Topcoder) و"توب تال" (Toptal)، لم يعد هناك ضرورة لإنشاء "وظيفة" لتلبية كل الاحتياجات اللحظية لمؤسستك، ونظراً لإمكانية تقسيم البرامج الكبيرة إلى مهام أو مشاريع منفصلة، يمكن للشركات الوصول إلى المهارات المحددة المطلوبة، ومن ثم السماح للأفراد المعنيين بالانتقال إلى مشاريع أخرى يمكنهم استخدام مهاراتهم على أفضل وجه فيها، كما تفعل الشركات فيما يخص المواهب الخارجية أو المتوفرة حسب الطلب.

ويمكنها أيضاً القيام بذلك داخلياً، وتزويد الموظفين بمشاريع جديدة مليئة بالتحديات للحفاظ على مشاركتهم؛ إذ يتمتع الفريق الداخلي الذي جُمِّع من أقسام مختلفة داخل الشركة، والذي يشارك القيم والمعايير الخاصة بثقافة المؤسسة، بالعديد من المزايا التي تتفوق على فريق من المقاولين الذين لا يتشاركون العقلية نفسها.

ومن خلال إنشاء تجربة عمل داخل شركتك، يمكنك أن تقدِّم للموظفين تجربة تعليمية أفضل، وتنوعاً محسَّناً في التطوير الوظيفي، ومشاركة أفضل في استراتيجية الشركة، وكل ذلك سيساعدهم على استخدام مهاراتهم مع عدم الشعور بأنَّهم عاطلون عن العمل.

إقرأ أيضاً: استراتيجية إدخال المواهب المرنة إلى الشركات

سوق المواهب الداخلي:

يريد الموظفون اليوم خبرات عمل جديدة ومختلفة؛ إنَّهم يريدون أن يقرروا ما هو العمل الذي يغذِّي شغفهم واهتماماتهم، ومع ذلك، فإنَّ معظم الوظائف اليوم متخصصة جداً، لدرجة أنَّ دور الموظفين ينحصر في القيام بالعمل نفسه مراراً وتكراراً؛ وهذا بدوره يؤدي إلى الملل وضعف الارتباط.

إنَّ فرصة العمل مع أشخاص جدد في مشاريع مختلفة هي النوع المحدَّد من بيئة التعلم الديناميكية التي يبحث عنها الموظفون اليوم، وإذا لم يحصلوا على خبرات العمل التي يريدونها، فلن يترددوا في البحث عن فرص أفضل في مكان آخر.

ويدفع ذلك بعض الشركات إلى إنشاء هياكل تُمكِّن الأفراد من قضاء جزء من وقتهم في المشاركة في مشاريع من اختيارهم، مع الاحتفاظ أيضاً بمسؤولياتهم الحالية؛ أي إنَّهم يطورون أسواقاً للمواهب الداخلية.

إقرأ أيضاً: 5 شخصيات يمكن أن تقابلها في أماكن العمل الجماعية

ولسوء الحظ، لا تعرف العديد من المؤسسات أهمية مجموعات مهاراتها الداخلية، فكثيرٌ من الموظفين لديهم مهارات خفية أو كامنة غير مرئية للمديرين، ومن خلال إنشاء قاعدة بيانات تحدد هذه المهارات وتصنِّفها، ومن خلال مطابقة الاحتياجات بحُريِّة مع مجموعات المهارات بمعدل يختلف من مشروع إلى آخر، يمكن للشركات الاستفادة من اقتصاد العمل الداخلي لتطوير أفضل المواهب والاحتفاظ بها.

ليست هذه بيئة أعمال أجدادك نفسها، ومع ذلك، فإنَّ معظم ما تقوم به لإدارة رأس المال البشري لم يتغير منذ عقود؛ لذا يمكن للمنظمات التي تتعاون في أداء الوظائف، والتي تتخذ زمام المبادرة لتحسين مجموعة المواهب الداخلية لديها، إنشاء أماكن عمل مرنة مطلوبة للتكيف مع بيئة الأعمال المتغيرة باستمرار.

المصدر




مقالات مرتبطة