كيف نتخلص من التوتر في ظل الأجواء الصعبة التي نعيشها؟

لطالما شَعرَ البشر بالضيق والتوتر بسبب ضغوطات العمل والحياة والمتطلّبات والواجبات التي تُثقِل كاهلهم على الدوام؛ واليوم، وفي ظلِّ جائحة كورونا وما خلَّفته من تبعاتٍ على العالم من الناحية الصحية والسياسية والاقتصادية، إضافة إلى ما تُعانيه المنطقة العربية من حروبٍ وصراعاتٍ وأوضاعٍ معيشيةٍ صعبة خَلَقَت حالةً مُضَاعَفَةً من الفوضى والتوتر والقلق لدينا جميعاً، لاسيما مع انتشار الأخبار المُضلِّلة والشائعات التي نجدها أمامنا على شاشات التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي وفي كلِّ مكان؛ لم يَعُد هناك من حلٍّ أمامنا سوى أن نُواجه هذه الأوضاع الصعبة، مُتَحلِّين بالقوة والصبر، ومُتَسلِّحِينَ بالأمل حتَّى تَمُرَّ هذه الفترة الصعبة بسلامٍ علينا جميعاً.



إذا كنت من أولئك الذين يعانون من التوتر بسبب الأوضاع الصعبة التي يعيشها العالم أجمع اليوم؛ فتابع معنا المقال التالي لنتعرَّف معاً على بعض الطرائق التي قد تساعدك في التخلص من هذا التوتر.

يعني التوتر والضغط النفسي صحة نفسية وجسدية أقل:

قد يكون التوتر والضغط والقلق والخوف من المستقبل نتيجةً طبيعية لما نعيشه اليوم من أوضاع صعبة؛ ولكن ما يجب علينا الحذر منه هو تأثير تلك المشاعر والضغوطات في صحتنا النفسية والجسدية، حيث ترتبط هاتان ببعضها بعضاً بعلاقة دينامكية؛ فإذا تحسَّنت الصحة النفسية، تحسَّنت الجسدية معها؛ والعكسُ صحيح.

تُعدُّ العناية بالصحة النفسية أمراً هاماً جداً، فهي جزءٌ لا يتجزأ من الصحة بشكلٍ عام، ويُقصَد بها: "مستوى الشعور بالعافية وغياب الأمراض والاضطرابات النفسية"، وهي تعكس مدى الرضى العاطفي والتكيف السلوكي وقدرة الإنسان على الاستمتاع بالحياة، وشعوره بالكفاءة والاستقلالية، وتحقيق الذات، والمساهمة المجتمعية.

قد يؤثِّر التوتر والخوف المُبالَغ فيه على مناعة الفرد النفسية مستقبلاً، ويُعدُّ الشخص الذي يميل إلى المشكلات النفسية أو الاكتئاب أكثر عرضةً إلى الاضطرابات النفسية نتيجة الأزمة؛ فحتَّى لو كانت الآثار النفسية للأزمة والضغط الذي يتعرَّض إليه الفرد ويعيش في ظلِّه مسألةً واضحةً لا خلاف عليها، سواءً في الأمد القريب أم البعيد؛ إلَّا أنَّ العديد منَّا قد يجهل أنَّ الجانب النفسي ليس الوحيد الذي يدعو إلى القلق، وأنَّ هناك مشكلات صحيةً ناتجةً عن الضغوطات التي نتعرَّض إليها في هذه الأوضاع الصعبة، والتي قد تظهر على المدى القريب أو البعيد.

من النتائج قصيرة الأمد للضغوطات:

  • نقص المناعة.
  • زيادة خطر التعرُّض إلى الالتهابات.

أمَّا بالنسبة إلى النتائج الطويلة الأمد، فقد يتعرَّض الفرد إلى ما يأتي:

  • ما يُعرَف بالـ (somatisation) أو اضطراب الجسدنة: وذلك نتيجة التوتر، حيث يشعر الشخص بآلام في الجسم دون وجود سببٍ واضحٍ لها في الفحوص.
  • الإصابة بالسكري: يُساهم التوتر أو الحزن أو الضغط النفسي كعاملٍ خارجيٍّ في ظهور مرض السكري، وذلك مع وجود استعدادٍ جينيٍّ يكون السبب الأساسي لذلك.
  • الأمراض المناعية: وهي التي يُصبح فيها للجسم مناعة ضد ذاته، ومنها: الروماتيزم، والتهاب المفاصل الرثياني، وأمراض الشرايين أيضاً.

كيف نتخلص من التوتر في ظلِّ الأجواء الصعبة التي نعيشها؟

أيَّاً كان سبب توترك وقلقك أو شعورك بالضغط، تمالك أعصابك، وهلمَّ معنا لنتعرَّف على عددٍ من الطرائق التي ستساعدك في التخلص من شعورك بالتوتر في ظلِّ هذه الأجواء الصعبة:

1. خُذ نفساً عميقاً واهدأ:

نعلم أنَّ الأمر ليس بهذه السهولة، لكن توقَّف للحظات عن التفكير في كلِّ الأمور التي تُسبِّب لك الضغط والتوتر، وخُذ نفساً طويلاً من أعماقك، وأَخرِج مع الزفير كلَّ ما يختلج صدرك من مخاوف وتوتر، وبطِّئ وتيرة تدفُّق الأفكار داخل رأسك، واهدأ؛ فالآن هو كلُّ ما يهم، وهو الحاضر الذي تُعنَى به؛ لذا لا داعي لأن تُغرِق نفسك بمشاعر تفوق طاقتك على الاحتمال.

2. ابتعد عن الأخبار والشائعات:

قد تلعب وسائل الإعلام والأخبار والشائعات التي تنتشر هنا وهناك دوراً كبيراً في بث الذعر والخوف في نفوس العديد من الأشخاص، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تحتلُّ هاتف أيِّ شخصٍ منَّا، فبتنا نجد أنفسنا نتصفَّحها كلَّ يوم مذهولين ومدهوشين بتلك الأخبار السلبية وكمية المآسي التي تحملها لنا، خاصةً في ظلِّ هذه الظروف التي يمرُّ بها العالم اليوم؛ فما أن نُغلق تلك الأجهزة، حتَّى تنتابنا نوبات من التوتر والقلق والهلع والخوف التي تصل إلى درجة الشعور بالاكتئاب أحياناً.

ما نُريد أن نقوله لك بكلِّ بساطة هو أنَّ عليك إغلاق التلفاز، وإطفاء جهازك الخلوي أو على الأقل شبكة الإنترنت، وأخذ نفسٍ عميق، ومنح عقلك بعض الراحة بعيداً عن هذه الضوضاء والأخبار المزعجة.

اقرأ كتاباً، أو مارس إحدى هواياتك المفضلة، واعمل ما يُمكنك عمله لتجنُّب شعورك بالتوتر.

إنَّنا لا نعني بكلامنا أن تعزل نفسك عن العالم، بل أن تحدَّ فقط من مشاهدة تلك الأخبار واستخدامك لوسائل التواصل الاجتماعي؛ مع التحكُّم بما تُريد مشاهدته من أخبارٍ ومعلومات.

إقرأ أيضاً: كيف تبقى على اطلاع بآخر أخبار فيروس كورونا دون أن تفقد عقلك؟

3. ركِّز على الأفكار الإيجابية:

قد تُسيطر عليك خلال هذه الأجواء المشحونة العديد من الأفكار السلبية والأسئلة المُتكرِّرة التي قد تقفز إلى رأسك مع وجود احتمالاتٍ لامُتناهية للإجابة عنها؛ مثل أن تسأل نفسك: "هل من الممكن أن أُصاب بالكورونا، أو يصاب بها أحد أفراد أسرتي؟ وكيف يُمكن أن أُحسِّن وضعي المادي في ظلِّ هذه الظروف الصعبة؟"، وغيرها من الأفكار السلبية والأسئلة التي يجب عليك استبدالها بأفكار أُخرى إيجابية.

يمكنك بدلاً من التركيز على مشاعرك وأفكارك السلبية التفكير بإيجابية، والتركيز على ما يجب عليك القيام به الآن، مثل البحث عن طرائق تُمكِّنك من تجاوز هذه الأزمة بنجاح، أو تثقيف نفسك بشكلٍ أكبر حول أساليب وطرائق لحماية نفسك وعائلتك من الإصابة بفيروس كورونا، أو حتَّى التفكير بِطرائق مُبتَكَرَة للاستفادة من فترة بقائك في المنزل.

4. استمدَّ القوة من قِيَمِك الروحية:

قد يكون الحل المناسب الذي يلجأ إليه العديد من الأشخاص حول العالم هو أن يستمدوا القوة والسكينة والراحة النفسية من القيم والمبادئ الأخلاقية والروحية التي يعتنقونها ويؤمنون بها، والتي يجدون فيها الخلاص من التوتر والخوف في هذه الظروف العصيبة، وتمنحهم السلام الذي يبحثون عنه؛ فإذا كنت من هؤلاء، فتمسَّك بما تؤمن به من قيم روحية، واستمدَّ العزيمة والقوَّة منها، فهي حتماً ستمنحك الراحة في الأوقات الصعبة.

5. مارس بعض النشاطات:

ما رأيك لو أوقفت توترك ومشاعرك السلبية وأخذت استراحة من العمل؟ يمكنك الاسترخاء وأخذ وقتٍ مُستَقطَع لترتاح وتُمارس بعض الأنشطة الممتعة؛ إذ عادةً ما تكون الحجة الرسمية للعديد منَّا هي: "لا أملك وقتاً كافياً"، لكن صدِّقنا أنَّك ستملكه إذا أردت.

خطِّط منذ اليوم لتنظيم نشاطاتٍ تقيكَ التوتُّر والقلق، واجعلها من أولوياتك، خاصةً في هذه الفترة الصعبة التي قد تكون في أمسِّ الحاجة إليها؛ فمثلاً: يُمكنك الركض أو القيام برحلات استرخاء.

حاول أن تستريح في أوقات الراحة وتستغلَّها للاستمتاع فقط، مع تجنُّب وضع برامج عمل أو مواعيد هامةٍ فيها؛ ذلك لأنَّ أوقات الراحة هامة لجسدك لإعادة نشاطه، وتُساهم في تقليل التوتر الذي تُعاني منه.

6. استمع إلى الموسيقى:

إن كنت من ضمن أولئك الذين يعانون من الأفكار المتسارعة التي لا تتوقف، فقد تجد السلام في الموسيقى؛ إذ قد يكون لأغنيةٍ نُحبُّها تأثيرُ السحر في مزاجنا ومشاعرنا.

عند استماعك للموسيقى، حاول الالتزام بالنصائح الآتية:

  • ابتعد عن الاستماع إلى الأغاني الحزينة التي تبث رسائل سلبية؛ ذلك لأنَّها ستزيد حالتك سوءاً.
  • أطلِق العنان لنفسك ولا تخجل من الغناء مع الأغاني التي تسمعها، وارقص واستمتع بما تسمعه؛ فقد تجد في ذلك نوعاً من ممارسة الرياضة، وتتخلص من الطاقة السلبية في جسدك.
  • إضافة إلى الأغاني المحبَّبة إليك، يمكنك أن تستمع أيضاً إلى الموسيقى الكلاسيكية الهادئة، خاصَّةً عند قيامك بأعمال أخرى تحتاج إلى التركيز، مثل: الدراسة والقراءة.

7. مارس الرياضة واتبع العادات الصحية:

لا يختلف اثنان على الدور الكبير الذي تلعبه ممارسة الرياضة في تخفيف التوتر وتأثيراته السلبية، حيث يُحفِّز النشاط البدني إفراز الإندورفينات التي تجعلكَ تشعُر بتحسُّن المزاج، والكيميائيات العصبية الطبيعية التي تُعزِّز من الإحساس بالراحة النفسية؛ كما تعيد ممارسة الرياضة تركيز عقلك على حركات جسمك، الأمر الذي يُسهِم في رفع حالتك المزاجية، ويُساعدك على تخفيف التوتُّرات اليومية التي تعيشها في ظلِّ هذه الأجواء الصعبة.

يمكنك أن تقوم بالمشي، أو الركض، أو التنزه، أو القيام بأعمال النظافة المنزلية في حال كنت في المنزل، أو بعض التمرينات الرياضية في الهواء الطلق، أو ركوب الدراجات الهوائية، أو أيَّ شيءٍ آخر يُحافظ على نشاطك.

لا تنسَ أن تلتزم أيضاً باتباع نظامٍ غذائي صحي من خلال التركيز على تناول الفواكه والخضار والحبوب الكاملة، بالإضافة إلى تجنُّب العادات غير الصحية، مثل: التخفيف من شُرب الكافئين الذي قد يلجأ إليه العديد منَّا للتعامُل مع الضغوطات النفسية، أو حتَّى شُرب الكحول، أو التدخين، أو الإفراط في الأكل، وغيرها من العادات التي يمكن أن تضر بصحتك، وتُفَاقِم التوتر والقلق لديك.

بالإضافة إلى ما سبق، احصل على قسطٍ كافٍ من النوم، والتزم بمواعيد ثابتة للنوم والاستيقاظ كلَّ يوم؛ حيث تؤدِّي قلَّة النوم إلى الإرهاق، والإصابة بنوبات الغضب والقلق والاكتئاب والثورات العاطفية، وانعدام الشهية، وعدم الرغبة في القيام بالأنشطة اليومية المُعتَادَة.

8. مارس التأمٌّل:

إنْ كُنتَ مثل الكثير من الأشخاص الذين قرَّروا لعدد من المرات أن يبدأوا في التأمُّل ومن ثمَّ تراجعوا عن ذلك، أو لم يلتزموا به حتَّى الآن؛ فقد يكون هذا هو الوقت المناسب لتتخلص من التوتر والقلق الذي يعتريك في ظلِّ الأجواء الصعبة التي نعيشها، وتبدأ رحلتك مع التأمل والدخول في حالةٍ من الاسترخاء وتحسُّن المزاج.

يمكنك أن تُجرِّب تقنية الاستجابة للاسترخاء، عن طريق الجلوس -يُفضَّل عدم الاستلقاء لتجنُّب النوم- مع إغلاق العيون لمدة تتراوح بين 10 و20 دقيقة؛ واختيار مكانٍ هادئ وخالٍ من وسائل التشتيت:

  • حاوِل أن تَصِلَ بجميع عضلاتك إلى حالة استرخاء، من القدمين وحتَّى الوجه.
  • تنفَّس من أنفك بصورةٍ طبيعية وهادئة.
  • تجاهل وارفض المخاوف أو الأفكار المتطفلة؛ وذلك من خلال التركيز على كلمةٍ في عقلك، وتكرارها بصمت.
  • يُمكنك أن تفتح عينيك للنظر إلى الساعة في أثناء ممارسة التمرينات، لكن لا تضبط المنبه.

بعد انتهاء الوقت المحدّد للتمرين، ابقَ جالساً، وأغمِض عينيك ثمَّ افتحهما مرةً أخرى، واسمح لأفكارك بالعودة إلى الواقع تدريجياً.

يُساعد التأمُّل مدّةً لا تقل عن 10 دقائق يومياً على التحكم بالتوتر، وتقليل القلق، وتحسين صحة القلب والأوعية الدموية، وتحقيق قدرةٍ أكبر على الاسترخاء، وقد رُبِط بالحدِّ من مُتلازمة القولون العصبي وأمراض القلب؛ كما يُنصَح بممارسة التأمُّل مرة واحدة أو مرتين في اليوم.

نعرف جميعاً أنَّ الكلام سهل، ولكن لن تخسر شيئاً إنْ جرَّبت وعملت ببعضٍ من هذه النصائح، وسترى نتائجها على حالتك النفسية.

تذكَّر أنَّ الجميع يمرُّ بهذه الظروف، وإن كان ذلك بدرجاتٍ مُتفاوِتَة؛ لذا ابدأ بنفسك ولا تنتظر من أحد أن يُحسِّنَ من مزاجك، بل كُنْ أنت سبباً لتُساعد غيرك حتَّى تمرَّ هذه الأوضاع الصعبة بسلامٍ علينا جميعاً.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة