كيف تنمي عقلية تؤمن بالنجاح؟

يمكِننا الاعتراف بكلِّ صدق أنَّنا بصفتنا أرباب عمل نشعر براحة أكبر في أثناء التعامل مع أمور ملموسة؛ إذ يمكِن توقُّع وفهم تحليلات البيانات والمعلومات المكتوبة، كما أنَّها تمنحك نقطة انطلاق للبدء بالعمل، وعلى نحو مماثل، نحن ماهرون عادةً في فهم سلوك الآخرين، فقد عملنا جاهدين على فهم قاعدة عملائنا لنُقدِّم إليهم خدمةً أفضل، كما ندرس الأمور التي تلهم وتشجع موظفينا وتساهم في الحفاظ عليهم. ومع هذا، أهمُّ أداة يحملها رواد الأعمال في حوزتهم هي طريقة تفكيرهم؛ فتنمية عقلية تؤمن بالنجاح هي أداة قوية وفعَّالة ومجرَّبة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب ريون جروس (Ryon Gross)، والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته في تنمية عقلية تؤمن بالنجاح.

كيف تستفيد من عقلية تؤمن بالنجاح؟

أنا مجرد مسوق ولستُ عالِم أعصاب، لكنَّني أطبِّق تأثير العقلية على عمليات إدارة شركتي منذ سنوات. فبدأ اهتمامي بالموضوع حين تواصلَت معي عميلة ناجحة تعمل كوتش حياة، حيث طلبَت مني مساعدتها في تحسين محركات بحث الموقع الإلكتروني لشركة الكوتشينغ خاصتها، وفي أثناء التعمق في العمل وتحديث الموقع - بما في ذلك العناوين والكلمات والعبارات المفتاحية - وجدتُ نفسي أعود دوماً إلى مفاهيمها الجوهرية بما فيها "الذكاء العاطفي" (emotional intelligence)، و"العقلية القابلة للتدريب" (coachable mindset)، و"القيم الشخصية" (personal values). فتمحور قسم كبير من رسالتها حول اكتساب الأدوات وإدراك الذات لتنمية عقلية مناسبة تؤمن بالنجاح.

وزاد اهتمامي بالأمر خلال عملنا على صياغة وترويج قصص نجاحها؛ فقد كانت هذه الموضوعات تمس بي شخصياً، وكنتُ أظنُّ أنَّني أعمل بأمان ضمن مجال عملي المرتبط بتقديم مخرجات ملموسة ومدروسة، لكن اتَّضحَ لي أنَّ مشاعري - سلبية كانت أم إيجابية - كان لها أثر في نوعية وكمية تلك المخرجات. فحين كنتُ متفائلاً، ازداد إبداعي وتمكَّنتُ من ولوج مخزون طاقة أكبر، وعندما شعرتُ بالإحباط، أثَّر ذلك سلباً في قراراتي وإنتاجيتي، وحتى في أعضاء فريقي، فقد كان الأمر معدياً.

كانت الرسالة التي تُقدِّمها عميلتي مغريةً؛ لأنَّ خدمتها كانت تتمحور حول أداة أملكها بالفعل وهي العقلية، ولكن بعد التفكير ملياً تبيَّن لي أنَّني لا أستثمرها على أفضل وجه؛ ولذا أردتُ تعلُّم المزيد عن الأمر.

إقرأ أيضاً: 10 أفكار مدهشة تساعدك على تطوير الذات

استثمار محدود يفتح أمامك آفاق وإمكانات غير محدودة:

هل يبدو ما أعدك به غامضاً وغير ملموس؟ ربما في ظاهره كذلك، لكنَّني أؤكد لكم أنَّه حقيقي؛ فما أشاركه معك اليوم مُثبت علمياً، وتَظهر أدلَّة جديدة تدعمه كلَّ يوم؛ إذ تتعمق أبحاث علم الأعصاب في أسرار العقلية والإمكانات البشرية، وتؤثر عوامل عديدة في العقلية، لكنَّني أود التركيز على ثلاث مجالات مفتاحية أرى أنَّها تُقدِّم إمكانات شاسعة لقادة الأعمال، وهي: استثمار شغفك، والتوفيق بين عملك وقيمك الشخصية، وتعزيز سلوك الامتنان. فالرائع بالأمر هو أنَّ الاستفادة من هذه التقنيات أمر بسيط نسبياً، وأكبر استثمار سيكون التزامك بتنمية إدراكك لذاتك.

الدوافع الشخصية:

لماذا نفعل ما نفعله؟ تفترض نظرية التحديد الذاتي (Self Determination Theory) التي طورها الباحثان "إدوارد ديسي" (Edward L. Deci)، و"ريتشاد راين" (Richard M. Ryan) أنَّ كلَّ البشر يملكون - إضافة للدوافع الخارجية - دوافع داخلية تحثهم على تقديم إنتاجية أكبر وإبداع أعلى حين يشاركون في نشاطات توفِّر ثلاث حاجات نفسية فطرية هي: الكفاءة، والاستقلال الذاتي، والشعور بالارتباط. وسأشرح كلاً منها باختصار:

  • الكفاءة: المشاركة في نشاطات يعتقد الإنسان أنَّها ستُمكِّنه من احتراف مهارة أو حرفة أو مفهوم، أو غيره.
  • الاستقلال الذاتي: القدرة على توجيه الجهود لتصب في هدف؛ أي اختيار ما نفعل، ومتى نفعله، ومع مَن.
  • الشعور بالارتباط: المشاركة في أنشطة تُنمِّي مشاعر الانتماء والعلاقة مع الآخرين، وقد نعني بالـ "آخرين" العملاء، أو فريق العمل، أو حتى مفهوم "المصلحة العامة" الجماعية.

حين نعثر على نشاطات تُشبع هذه الحاجات النفسية نبادر إلى المشاركة فيها باستمرار، ونُقدِّم عادةً أقصى مقدرتنا فيها، ويمكِنك وصف ثلاثي الحاجات هذا بالإكسير السحري لتعزيز الإنتاجية.

العثور على شغفي في مجال التسويق:

بالنسبة إليَّ شخصياً، ظهر شغفي في مجال عملي في بدايات حياتي المهنية؛ إذ لم يردعني عملي في مناصب لا ترتبط بالتسويق الإلكتروني مباشرة عن طرح رأيي فيما يتعلق باستراتيجيات التسويق؛ فكنتُ أتطوع لتحمُّل مسؤوليات تتعدى مهام منصبي، كتصميم تحديثات للموقع الإلكتروني، وحتى التعمق في تحليلات حركة مرور البيانات في الموقع أينما وجدتُها، وكنتُ متحمساً لاختبار أفكاري وشعرتُ بالرضا كثيراً عندما سنحَت لي الفرصة بذلك، وكنتُ شغوفاً بمراقبة نتائج الجهد الذي بذلتُه ودراسة الأفكار التي نجحَت وتلك التي لم تنجح؛ لذا حين أُتيحَت لي الفرصة، لم أتردد في تأسيس شركتي الخاصة للتسويق الإلكتروني.

يُنتِج الشغف عملاً أفضل:

أنا أشجع عملائي على مشاركة شغفهم في أثناء صياغة صفحة "مَن نحن" الخاصة بمواقعهم الإلكترونية؛ إذ تؤدي دوراً كبيراً في بثِّ شعور بالمصداقية، ويُبدي العملاء والزبائن امتنانهم عندما تتعامل معهم بصدق، كما نفعل جميعاً، وقد التمستُ نتائج ذلك شخصياً في تحليلات المواقع، حيث تتلقَّى صفحات "مَن نحن" المصممة بشكل جيد عدد زيارات أكبر، ويولِّد خيار العملاء بالمشاركة مشاعر إيجابية لديهم حين يتردد صدى رسالة الشركة في نفوسهم، سواء كان ذلك مرتبطاً بتاريخ الشركة، أم دوافع المالك، أم حتى قيم الشركة ككُل.

إقرأ أيضاً: ما هي توقعات العملاء؟ وكيف تُبنَى؟

التوفيق بين عملك وقيمك:

ترتبط فكرة التوفيق بين جهودك وقيمك الشخصية بالشغف، وتدعو المدربة المحترفة "كاثي والتر" (Kathy Walter) من شركة "برين بيسيك" (Brain Basics) القيم بـ "القوة السرية خلف إجابة 'نعم' أو 'لا' "، فهنالك العديد من الأمثلة على القيم الشخصية، ومنها: الهدف، والعائلة، والعزلة، والاستقرار المالي، والكرم. ويولي كلٌّ منا بعض القيم أهميةً أكثر من غيرها؛ حيث تنمو معظم هذه القيم الجوهرية في بداية حياتنا، وبشكل أساسي من خلال تعاملاتنا مع مُقدِّمي الرعاية الأقرب إلينا، ولكن يمكِن أيضاً أن نتبنَّى بعضاً منها لاحقاً بعد المرور بأحداث مفصلية في الحياة.

شاهد بالفديو: كيف يمكن أن تكون ناجحاً في حياتك الشخصية والعملية؟

الإدراك العميق للقيم الشخصية:

سيتحتَّم علينا كقادة أعمال اتخاذ العديد من القرارات؛ فاستخدام المدخلات الناتجة عن قيمنا الجوهرية في عملية صنع القرار ذو قيمة عالية في حدِّ ذاته. ونحن نحمي شغفنا حين نتخذ قراراتنا بما يتفق مع قناعاتنا الجوهرية؛ فلا يمكِنك أن تشعر بالشغف تجاه نشاط يتعارض مع قيمك الجوهرية، وحين نشعر بالاستياء إذا بحثنا عما يزعجنا من وجهة نظر قيمنا، سنلاحظ غالباً نقاطاً كانت قد فاتتنا، وسيؤثر التوفيق بين نشاطاتك اليومية وقيمك الشخصية إيجاباً في شغفك مما يعزز إنتاجيتك.

ثقافة الامتنان:

مفهوم الامتنان هو الجزء المفضل لديَّ من هذا الحوار حول عقلية مدير الأعمال؛ لأنَّه واضح ويمكِنك تحقيقه على الفور. ويؤكد الكاتب والمتحدث الأمريكي "شون أكور" (Shawn Achor) في كتابه "ميزة السعادة" (The Happiness Advantage) على دور الامتنان في اكتساب السعادة الشاملة، كما يشرح أنَّ تمريناً بسيطاً سيشعرك بالتفاؤل لستة أشهر، فكلُّ ما عليك فعله هو تدوين ثلاثة أمور تشعر بالامتنان لوجودها في حياتك كلَّ يوم على مدى 21 يوماً متتالياً. علاوة على ذلك، أظهرَت الأبحاث أنَّ الامتنان يغير دماغنا فيزيائياً من خلال عملية تدعى "اللدونة العصبية" (neuroplasticity)، ومن أجل نقاشنا هذا، أود التأكيد على الفوائد التالية التي يعود بها الامتنان علينا:

  • العثور على معنى في حياتنا المهنية.
  • تنمية مديرين أفضل، على سبيل المثال: يزيد الامتنان من ميلهم للمشاركة في السلوك الاجتماعي، ويشمل ذلك تقديم الدعم المعنوي لأفراد الفريق، والذي بدوره يعزز الإنتاجية.
  • تحسين مهارات اتخاذ القرار، وذلك عبر تخفيف "نفاد الصبر الاقتصادي" (economic impatience)؛ أي ببساطة عبر السماح لصُنَّاع القرار بالتفكير أبعد من الفوائد الفورية التي قد يكسبها على حساب منفعة أعظم في المستقبل.

كن أمين عقلية النجاح خاصتك:  

عملية تنمية عقلية تؤمن بالنجاح قابلة للتطبيق ومُجزية، ولذلك أنا شغوف جداً بمشاركة ما تعلَّمتُه؛ فمشاركة هذه المعلومات معك يدعم قيَمي الجوهرية لمساعدة الآخرين في الوصول إلى أقصى إمكاناتهم.

طوِّر سلوك الامتنان، فهناك دائماً شيء يدفعك للشكر، ونمِّ العقلية التي تحتاجها لتصبح شخصاً أفضل، وسيتبع ذلك النجاح من دون شك.

 

المصدر




مقالات مرتبطة