كيف تكتسب عادات جديدة من خلال الاستفادة من العادات القديمة؟

إنَّ هذا المقال مقتطف من كتابي العادات الذرية (Atomic Habits)، وهو كتابٌ صُنِّف ضمن قائمة الكتب الأكثر مبيعاً وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية (New York Times).



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب جيمس كلير (James Clear)، والذي يحدثنا فيه عن كيفية اكتساب عادات جديدة من خلال الاستفادة من العادات القديمة.

لقد بدأ الباحثون في جامعة أوكسفورد (Oxford) في عام 2007 بدراسة أدمغة الأطفال حديثي الولادة، وما وجدوه كان مفاجئاً للغاية؛ فبعد مقارنة أدمغة الأطفال حديثي الولادة بدماغ الإنسان البالغ، وجد الباحثون أنَّ ​​عدد الخلايا العصبية لديه أقل بنسبة 41٪ من تلك لدى ​​المولود الجديد.

للوهلة الأولى، لم يكن هذا الاكتشاف منطقياً؛ ذلك لأنَّه إذا كان لدى الأطفال خلايا أكثر، فلماذا يكون البالغون أكثر ذكاء ومهارة؟

دعنا نتحدث عن هذا الأمر من حيث أهميته وعلاقته ببناء عادات أفضل وبتحسين أدائك العقلي والبدني:

1. قوة التقليم المشبكي:

توجد ظاهرة تحدث مع تقدمنا ​​في العمر تُسمَّى التقليم المشبكي، حيث إنَّ المشابك العصبية صلات الوصل بين الخلايا العصبية في دماغك؛ والفكرة الأساسية هي أنَّ دماغك يقلِّم (يقطع) الاتصالات بين الخلايا العصبية غير المستخدمة ويبني روابط تُستخدَم باستمرار.

على سبيل المثال: إذا كنت تمارس العزف على البيانو لمدة 10 سنوات، سيعمل عقلك على تقوية الروابط بين تلك الخلايا العصبية الموسيقية؛ فكلما عزفت أكثر، أصبحت الروابط أقوى وأسرع وأكثر كفاءة في كل مرة تتدرب فيها؛ وبما أنَّ دماغك يبني روابط أقوى وأسرع بين الخلايا العصبية، ستتمكن من التعبير عن مهاراتك بسهولة وخبرة أكبر، وهذا تغيير بيولوجي يؤدي إلى تنمية المهارات.

أما إن كان هنالك شخص آخر لم يعزف البيانو من قبل، فلن يقوي تلك الروابط في دماغه؛ ونتيجة لذلك، يقلِّم الدماغ تلك الروابط غير المستخدمة ويخصص الطاقة لبناء روابط لمهارات الحياة الأخرى؛ وهذا ما يفسر الفراق بين أدمغة الأطفال حديثي الولادة وأدمغة البالغين، حيث يُولَد الأطفال بأدمغة تشبه قطعة قماش بيضاء، بحيث يكون كل شيء محتملاً لكن ليس لديهم روابط قوية في أي مكان.

على أي حال، لقد قلَّم البالغون قدراً كبيراً من خلاياهم العصبية، ولكن ما زال لديهم روابط قوية جداً تدعم مهارات معينة.

إقرأ أيضاً: 4 تمارين مهمة لتنمية المهارات العقلية عند الإنسان

2. تكديس العادات:

يحدث التقليم المشبكي مع كل عادة تبنيها، وكما ذكرت: يبني دماغك شبكة قوية من الخلايا العصبية لدعم سلوكاتك الحالية؛ فكلما فعلت أمراً ما، أصبح الاتصال أقوى وأكثر كفاءة.

قد يكون لديك عادات وروابط قوية جداً تعدُّها أمراً مسلَّماً به كل يوم، فعلى سبيل المثال: ربما يكون دماغك فعالاً للغاية في تذكُّر الاستحمام كل صباح أو تحضير فنجان قهوة الصباح أو فتح الستائر عندما تشرق الشمس أو آلاف العادات اليومية الأخرى، حيث يمكنك الاستفادة من هذه الروابط القوية لبناء عادات جديدة.

ولكن كيف يحدث هذا؟

عندما يتعلق الأمر ببناء عادات جديدة، يمكنك الاستفادة من ارتباط السلوك، حيث تتمثل إحدى أفضل الطرائق لبناء عادة جديدة في تحديد عادة حالية تقوم بها بالفعل كل يوم ثم تكديس سلوكك الجديد في الأعلى، وهذا ما يُسمَّى تكديس العادات.

إنَّ تكديس العادات شكل خاص من نية التنفيذ، فبدلاً من أن تقرن عادتك الجديدة بتوقيت ومكان محددين، يمكنك قرنها بعادة حالية، حيث يمكن استخدام هذه الطريقة التي ابتكرها "ب ج فوغ" (BJ Fogg) كجزء من برنامجه "عادات صغيرة" (Tiny Habits) لتصميم إشارة واضحة لأي عادة تقريباً.

3. أمثلة عن تكديس العادات:

صيغة تكديس العادات هي: "بعد/ قبل (العادة الحالية)، سأفعل (عادة جديدة)".

على سبيل المثال:

  • بعد أن أسكب فنجان قهوتي كل صباح، سأمارس التأمل لمدة دقيقة واحدة.
  • بعد خلع حذاء العمل، سأرتدي ملابس التمرين على الفور.
  • بعد أن أجلس لتناول العشاء، سأقول شيئاً واحداً أشعر بالامتنان له حدث اليوم.
  • بعد أن أستلقي في الفراش ليلاً، سأُقبِّل شريكي.
  • بعد أن أرتدي حذاء الجري، سأرسل رسالة نصية إلى صديق أو أحد أفراد عائلتي أخبره بها أين أجري والوقت الذي سأستغرقه.

مرة أخرى، السبب وراء نجاح تكديس العادات هو أنَّ عاداتك الحالية مدمجة بالفعل في عقلك، فقد تعززت لديك أنماط وسلوكات على مر السنين؛ ومن خلال ربط عاداتك الجديدة بحلقة من العادات المدمجة مسبقاً في عقلك، فإنَّك تزيد من احتمالية التزامك بالسلوك الجديد؛ وبمجرد أن تتقن هذا التركيب الأساسي، يمكنك البدء بإنشاء مجموعات أكبر من خلال ربط العادات الصغيرة معاً، مما يتيح لك الاستفادة من الزخم الطبيعي الذي يتولد من السلوك الذي يؤدي إلى السلوك التالي.

يزيد تكديس العادات من احتمالية التمسك بعادة ما من خلال تكديس سلوكك الجديد فوق سلوك قديم، ويمكن تكرار هذه العملية لربط العديد من العادات معاً، حيث تعمل كل عادة كمحفز للعادات التالية.

قد تبدو مجموعة عاداتك الروتينية الصباحية كما يأتي:

  • بعد أن أسكب فنجان القهوة في الصباح، سأتأمل لمدة ستين ثانية.
  • بعد أن أتأمل لمدة ستين ثانية، سأكتب قائمة المهمات لهذا اليوم.
  • بعد أن أكتب قائمة المهمات لهذا اليوم، سأبدأ مَهمَّتي الأولى على الفور.

أو ضع في اعتبارك مجموعة العادات هذه في المساء:

  • بعد أن أنتهي من تناول العشاء، سأضع الطبق مباشرة في غسالة الأطباق.
  • بعد أن أضع الأطباق في مكانها، سأمسح المنضدة على الفور.
  • بعد أن أمسح المنضدة، سأحضر كوب قهوتي لصباح الغد.

يمكنك أيضاً تضمين سلوكات جديدة في منتصف روتينك الحالي؛ فعلى سبيل المثال: قد يكون لديك بالفعل روتين صباحي على الشكل التالي: "أستيقظ ثم أرتب سريري ثم استحم"، ولنفترض أنًّك تريد تطوير عادة القراءة كل ليلة، عندها يمكنك توسيع مجموعة عاداتك وتجربة شيء مثل: "أستيقظ ثم أرتب سريري ثم أضع كتاباً على وسادتي ثم استحم". الآن، عندما تأوي إلى الفراش كل ليلة ستجد الكتاب بانتظارك لتستمتع به.

يتيح لك تكديس العادات إنشاء مجموعة من القواعد البسيطة التي توجه سلوكاتك المستقبلية، وسيبدو الأمر كما لو كان لديك خطة لعب، حيث يتعين عليك اتخاذ الإجراء التالي دائماً؛ وبمجرد أن تعتاد على هذا النهج، يمكنك تطوير مجموعات العادات العامة لإرشادك متى كان الموقف مناسباً، فعلى سبيل المثال:

  • عندما أرى مجموعة من السلالم، سأصعد الدرج بدلاً من استخدام المصعد.
  • عندما أحضر حفلة، سأقدم نفسي لأي شخص لا أعرفه.
  • عندما أرغب في شراء شيء يزيد ثمنه عن 100 دولار، سأنتظر 24 ساعة قبل الشراء.
  • عندما أقدم وجبة لنفسي، سأضع الخضار على طبقي أولاً.
  • عندما أشتري شيئاً جديداً، سأتبرع بشيء ما في المقابل.
  • عندما يرن الهاتف، سأتنفس بعمق وأبتسم قبل الرد.
  • عندما أغادر مكاناً عاماً، سأتحقق من الطاولة والكراسي للتأكد من عدم ترك أي شيء خلفي.

بغضِّ النظر عن كيفية استخدامك لهذه الاستراتيجية، فإنَّ السر وراء إنشاء مجموعة من العادات الناجحة هو اختيار الإشارة الصحيحة لبدء الأمور؛ وعلى عكس نية التنفيذ التي تحدد الوقت والمكان لسلوك معين، فإنَّ تكديس العادات يكون فيه الوقت والمكان مدمجان ضمنياً، ولكن يمكن أن يُحدِثَ مكان وزمان إدخال عادة في روتينك اليومي فرقاً كبيراً؛ فإن كنت تحاول إضافة التأمل إلى روتينك الصباحي وكان هناك فوضى في فترة الصباح وأطفالك يلعبون داخل الغرفة، فقد يكون المكان والتوقيت غير مناسبين؛ لذا ضع في اعتبارك متى يمكن أن تنجح، ولا تطلب من نفسك أن تمارس العادة إن كنت ستنشغل بشيء آخر.

يجب أن يكون للإشارة أيضاً تواتر عادتك المرغوبة نفسه؛ فإن كنت ترغب في ممارسة العادة كل يوم، ولكنَّك تكدسها فوق عادة تحدث أيام الاثنين فقط، يكون هذا اختياراً غير موفق.

4. العثور على المحفز الصحيح:

تتمثل إحدى طرائق العثور على المحفز الصحيح لمجموعة عاداتك في إعداد قائمة بعاداتك الحالية، ويمكنك استخدام بطاقة قياس أداء العادات كنقطة انطلاق، أو إنشاء قائمة بعمودين وكتابة العادات التي تمارسها كل يوم باستمرار في العمود الأول؛ فعلى سبيل المثال:

  • أنهض من السرير.
  • أستحم.
  • أُنظف أسناني.
  • أرتدي ملابسي.
  • أحضر كوباً من القهوة.
  • أتناول وجبة الإفطار.
  • أصطحب الأطفال إلى المدرسة.
  • أبدأ يوم العمل.
  • أتناول طعام الغداء.
  • أُنهي يوم العمل.
  • أغير ملابس العمل.
  • أجلس لتناول العشاء.
  • أطفئ الأنوار.
  • أستلقي على السرير.

يمكن أن تكون قائمتك أطول بكثير، فاكتب ما تشاء؛ واكتب في العمود الثاني كل الأمور التي تحدث لك كل يوم باستمرار، فعلى سبيل المثال:

  • تشرق الشمس.
  • تحصل على رسالة نصية.
  • تنتهي الأغنية التي تستمع إليها.
  • تغرب الشمس.

يمكنك الآن البدء في البحث عن أفضل مكان لوضع عادتك الجديدة في نمط حياتك بمساعدة هاتين القائمتين.

إقرأ أيضاً: استراتيجية وارن بافيت: كيف تعزز تركيزك وتحدد أولويات أهدافك؟

5. الخطوة التالية:

يعمل تكديس العادات على نحو أفضل عندما تكون الإشارة محددة جداً وقابلة للتنفيذ على الفور، ولكن يختار الكثير من الناس إشارات غامضة للغاية، ولقد ارتكبت هذا الخطأ بنفسي؛ فعندما أردت أن أبدأ ممارسة عادة تمرين الضغط، كانت مجموعة عاداتي هي "عندما أحصل على استراحة لتناول طعام الغداء، سأقوم بتمرين الضغط عشر مرات".

للوهلة الأولى، بدا هذا معقولاً، لكن سرعان ما أدركت أنَّ المحفز غير واضح، فهل سأقوم بتمرين الضغط قبل تناول الغداء؟ أم بعده؟ وأين سأتمرن؟ وبعد بضعة أيام مضطربة، غيرت مجموعة عاداتي إلى: "عندما أغلق جهاز الكمبيوتر المحمول للذهاب لتناول الغداء، سأقوم بتمرين الضغط عشر مرات بجوار مكتبي"، وبالتالي زال الغموض.

فالعادات مثل "اقرأ المزيد" أو "تناول الطعام على نحو أفضل" هي مسائل جديرة بالاهتمام ولكنَّها غامضة للغاية، إذ لا تقدم هذه الأهداف تعليمات حول كيفية وتوقيت البدء؛ لذا، كن محدداً وواضحاً، وقل شيئاً من قبيل: بعد أن أغلق الباب، أو بعد أن أنظف أسناني، أو بعد أن أجلس على الطاولة؛ ذلك لأنَّ الدقة هامة جداً، فكلما كانت عادتك الجديدة أكثر ارتباطاً بإشارة معينة، كانت احتمالات ملاحظتك لتوقيت ممارستها أفضل.

 

المصدر




مقالات مرتبطة