كيف تُفعِّل قدراتك الإنتاجية الخارقة؟

في العالم الحقيقي لا يمكن للأشخاص تقديم أداء متميز طيلة الوقت، فنحن لسنا آلات يمكنها العمل باستمرار وبالمعدل نفسه، فنحن بشر ولدينا عواطف وحالات مزاجية والعديد من العوامل الأخرى التي تؤثر في إنتاجيتنا؛ وتتمثل الطريقة المثلى للوصول إلى أفضل أداء في الاستماع لما يمليه عليك جسدك وجعل جدولك الزمني يعتمد على حالة جسدك، وعندما تفعل هذا، فهذا هو الوقت الذي تظهر فيه قدراتك الإنتاجية المليئة بالحيوية وعندها تقوم بمهامك على أكمل وجه.



آلية عمل أجسادنا:

قبل الخوض في كيفية الوصول إلى مرحلة تفعيل قدراتك الإنتاجية الخارقة، افهم أولاً مفهومين حول الآلية الطبيعية لجسدك، فكما تعلم؛ كل شخص لديه 24 ساعة في اليوم؛ ولكنَّ أجسادنا تمر أيضاً بدورة 24 ساعة كل يوم تُسمَّى الساعة البيولوجية "ساعتك الداخلية"، وهذا هو الوقت الذي ينام فيه الجسم ويطلق الهرمونات ويعالج الطعام وما إلى ذلك؛ أي شيء يفعله جسدك يومياً.

وإذا كنت قد عانيت من قبل من اضطراب الرحلات الجوية الطويلة واستيقظت في أوقات يفترض فيها أن تكون نائماً في موقعك الجديد، فهذا هو إيقاعك اليومي الذي يقوم بعمله الخاص، وبينما يمر جسمك مرة واحدة في اليوم بإيقاع الساعة البيولوجية، يمر أيضاً بدورات متعددة تسمى "النظم فوق اليومي" (ultradian rhythm)، وكل 90 إلى 120 دقيقة أو نحو ذلك يمر جسدك بهذه الحالة؛ وهذا ما يسبب لك فترات مختلفة من اليقظة والنعاس على مدار اليوم.

يبدأ كل شخص في اليقظة، ولكن بعد 90 دقيقة أو نحو ذلك يبدأ هذا في التلاشي ويريد جسمك أخذ قسط من الراحة؛ وعندها تشعر بالجوع وتتثاءب، ومن المرجح أن تماطل وتجد صعوبة في التركيز وتريد أن تقوم بتمرينات التمدد، وهذا أيضاً هو الوقت الذي من المرجح أن ترتكب فيه أخطاء.

الهدف من تلك الآلية:

لماذا أقول لكم كل هذا؟ السبب هو ارتباط انخفاض وارتفاع الطاقة الذي نشعر به كل يوم ارتباطاً وثيقاً مع النَّظم فوق اليومي؛ إذ إنَّنا لسنا آلات يمكنها أن تعمل بكامل طاقتها على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ويمكننا التركيز لفترة من الوقت ولكن بعد ذلك نحتاج أيضاً إلى أخذ استراحة وتناول الطعام قبل أن نتمكن من العودة إلى القيام بعملنا.

ويشرح الخبير "روسي" (Rossi) ذلك بشكل لطيف للغاية سبب أهمية الالتزام بإيقاع جسمك الطبيعي؛ الفكرة الأساسية هي أنَّك تحتاج كل ساعة ونصف أو نحو ذلك إلى أخذ قسط من الراحة؛ وإذا لم تفعل، فقد تكون في طريقك إلى متلازمة الإجهاد الفائق؛ إذ تشعر بالتعب وتفقد تركيزك وتميل إلى ارتكاب أخطاء وسرعان ما تتعرَّض للحوادث، فإذا واصلت تجاهل حاجتك إلى أخذ قسط من الراحة، عندها يمكنك تجربة المزيد من التوتر حتى تمرض بالفعل.

إقرأ أيضاً: 3 أسباب تجعل التعامل مع الجسد أمراً هاماً

إنجاز المهام عندما تكون في ذروة نشاطك:

مفتاح الأداء عالي المستوى وذروة الإنتاجية هو من خلال ضبط توقيت عملك ليناسب نظمك فوق اليومي؛ وهذا عندما تكون شديد التركيز في العمل أمامك حيث تنسى الوقت؛ إذ إنَّك لا ترى كل ما يحدث من حولك، وهذا يحدث عندما تنجز الكثير من العمل حتى تُفاجِئ نفسك، وقد مررنا جميعاً بلحظات تفعيل قدراتنا الإنتاجية الخارقة، وأنا واثق من حدوثها خلال أوقات اليوم التي تكون فيها في حالة تأهب أو تركيز بشكل طبيعي.

الشيء العظيم هو أنَّه يمكنك الوصول إلى هذه الحالة باستمرار من خلال تنظيم مهامك الأكثر أهمية مع أوقات اليوم عندما يكون جسدك جاهزاً لتفعيل قدراته الإنتاجية الخارقة، ومن الهام أن تعرف الفترات الخاصة بك التي تكون فيها أكثر يقظة وعندما تكون متعباً؛ وذلك لأنَّ هذا يسمح لك بالتخطيط بشكل صحيح؛ إذ عندما تُنظِّم مهامك الأكثر أهمية مع أوقات اليوم التي تكون فيها أكثر يقظة، ستنجز المزيد من العمل بشكل أكثر فاعلية.

يمكننا أن نقوم بالعمل بأوقات مختلفة؛ ولكنَّ هذا يتطلب الكثير من قوة الإرادة وإطلاق هرمونات التوتر التي يجب استعمالها فقط في الأوقات المناسبة؛ مثل حالات الطوارئ أو مواقف الحياة أو الموت، فبدلاً من السير عكس التيار؛ اذهب مع التيار؛ وبمعنى آخر، نظِّم يومك بناءً على أكثر أوقاتك نشاطاً خلال اليوم.

على سبيل المثال: يكون الكثير من الناس أكثر يقظة في الصباح، فإذا كنت أحد هؤلاء الأشخاص، فيجب أن تخطط ليومك حيث تُجدوَل المهام ذات الأولوية القصوى في الصباح، وفي فترة ما بعد الظهيرة تصل دورة الجسم اليومية وفوق اليومية إلى أدنى نقطة؛ فيحدث هذا عندما يكون من المرجح أن تكون منهكاً وطاقتك منخفضة.

والآن بعد أن عرفت أهمية إيقاعات جسدك، حان الوقت لبدء التخطيط ليومك المثالي؛ وأول شيء يتعيَّن عليك القيام به هو تحديد أكثر ساعاتك إنتاجية في اليوم؛ وبمعنى آخر، ما هي أوقات اليوم التي تكون فيها أكثر إبداعاً وتركيزاً؟ فإذا تتبَّعتَ الوقت، فيمكنك مراجعة بياناتك ورؤيتها بالفعل، وإذا أردت تنظيم وقتك، فأنشِئ ملف "إكسل" (Excel) وهنا سنتحدث عن:

طرائق القيام بالخطوات:

  • كل ساعة، اكتب في المربع مستوى طاقتك البدنية وتركيزك وحالتك المزاجية.
  • استعمال نظام درجات: 1 = منخفض، 2 = متوسط، 3 = مرتفع؛ وكلما زاد الرقم، كان ذلك أفضل.
  • تتبع هذا لمدة 5 أيام على الأقل، على مدار الأسبوع.

طاقتك الجسدية هي مؤشر على مدى نشاطك، فإذا كنت نشيطاً، فسجِّلها في 3، ولكن إذا كنت تشعر بالتعب، فسجِّل 1، والفكرة نفسها تنطبق على التركيز والمزاج، وبعد أسبوع من متابعة هذا النظام، راجع بطاقات الأداء الخاصة بك ولاحظ الأوقات التي تكون فيها نشيطاً؛ فهذه هي الأوقات التي يجب أن تؤدي بها مهامك بأقصى طاقتك؛ إذ إنَّك لست بحاجة إلى جعل جميع الأعمدة مليئة بالرقم 3 - على الرغم من أنَّ ذلك سيكون مثالياً - وأيضاً لست مضطراً إلى التقيد بالأوقات بشكل مبالغ فيه، ولكن كن على دراية بأوقات محددة من اليوم، فبعض الناس أكثر إنتاجية في الصباح وبعضهم الآخر في فترة ما بعد الظهر.

يُعَدُّ التركيز في الأوقات التي تعمل فيها بأقصى طاقتك أمراً بالغ الأهمية؛ لأنَّه يوجد فارق كبير بين العمل في الساعة 7 صباحاً و11 صباحاً، وكلاهما من الناحية التقنية في الصباح، ولكن في أوقات مختلفة جداً من اليوم، وسيساعدك ملف "إكسل" (Excel) هذا على تحديد أوقات اليوم التي يجب أن تستغلها للقيام بأعمالك الصعبة.

شاهد بالفيديو: 6 خطوات لإنجاز أيّ شيء تريده.

إنشاء جدولك الزمني المثالي:

الآن بعد أن أصبحت على دراية بالموعد الذي تصل فيه إلى ذروة قدراتك الإنتاجية الخارقة، فقد حان الوقت لإنشاء جدولك الزمني المثالي؛ إذ عندما تبدأ يومك وتحدد أولويات المهام التي تريد القيام بها في ذلك اليوم، رتِّب جدولك حيث تُجدوَل المهام الأكثر أهمية عندما تكون في ذروة نشاطك ومهامك الأقل أهمية في الأوقات التي تكون فيها أقل نشاطاً وتركيزاً، وستحصد النتائج الإيجابية من هذه الطريقة إذا كان في إمكانك التخطيط ليومك بالطريقة نفسها في الليلة السابقة.

عندما تصل إلى نهاية دورة الجسم اليومية، يكون هذا هو الوقت الذي تحتاج فيه إلى أخذ قسط من الراحة. ابحث عن علامات حول علامة 90 دقيقة عندما تبدأ الشعور بالرغبة في فعل شيء ما أو عندما تفقد تركيزك، ولست مضطراً إلى الالتزام الصارم بـ 90 أو 120 دقيقة، ولكن ابحث عن الإشارات في ذلك الوقت عندما لا تكون شديد التركيز، وعندها تعلم أنَّك وصلت إلى أقصى طاقتك، وبمجرد وصولك إلى هذه النقطة:

نقترح عليك بشدة القيام بأحد الأمور التالية:

  • أَعِد كل شيء إلى الوضع السابق.
  • اشرب كوباً من الماء أو اثنين.
  • تناول وجبة صغيرة تحتوي على نحو 300-400 سعرة حرارية، وتجنب تناول الكثير من الكربوهيدرات؛ فهي تجعلك تشعر بالكسل.
  • خذ استراحة من مكان عملك واذهب إلى مكان آخر حتى يغير دماغك "التردد" إلى بيئة مختلفة حتى تتوقف عن التفكير في العمل.

ثم عد إلى مكان عملك وفعِّل قدراتك الإنتاجية الخارقة؛ فقد تتغير حياة الكثير من الناس عند المواءمة بين المهام الهامة والأوقات التي يكونون فيها أكثر يقظة أو نشاطاً أو إبداعاً، ومن المحتمل أنَّك تفعل هذا بشكل طبيعي بالفعل إلى حد ما؛ ولكنَّني واثق بأنَّه يمكنك القيام بذلك بشكل أفضل وزيادته إلى حد ما؛ فإذا كنتَ شخصاً سريع الانفعال ولديك فترة أو فترتان تكون فيهما في ذروة نشاطك، فإنَّ أول شيء تريد إلقاء نظرة عليه هو:

النقاط التالية:

  • هل تحصل على قسط كاف من النوم؟
  • هل تأكل ما يكفي من الطعام وتشرب كمية كافية من الماء؟
  • هل تتمرن؟ ستزيد التمرينات المنتظمة من فاعليتك وكذلك عدد المرات التي تعمل فيها في ذروة نشاطك في اليوم.
إقرأ أيضاً: كيف تحقق أهدافك بشكل فعلي؟

تجربتي الشخصية:

لتأخذ فكرة عن كيفية تطبيق المفاهيم السابقة، سأعطيك فكرة عن كيفية استعمال مفهوم تشغيل قدراتك الإنتاجية الخارقة، ولكن في حالتي فأنا أكثر يقظة في الصباح وفي وقت متأخر من الليل، وهذا عندما أكون في ذروة نشاطي والأوقات بينهما تكون طاقتي متوسطة.

وبالتأكيد يمكنني العمل ولكنَّ أي شيء بين 3 مساءً و6 مساءً يجب ألَّا يكون عملاً يحتاج إلى التركيز، ففي العادة أستيقظ في الساعة 7 صباحاً ثم أقوم بروتيني الصباحي، وبعدها أبدأ بأداء أهم مهمة لي في اليوم - التي خططت لها في الليلة السابقة - وبعد الغداء نحو فترة الظهيرة، أقوم بمهمة هامة أخرى؛ لذلك أكون قد أكملت ثلاث مهام رئيسة بالفعل.

ومن ثم، سأقوم بأخذ استراحة؛ ولكنَّني أعرف أنَّه في فترة ما بعد الظهر أجد صعوبة في التركيز لفترات طويلة من الوقت، وهذا هو الوقت الذي أقوم فيه بمهام يومية منخفضة الطاقة أو قليلة القيمة، وعندما يحين وقت العشاء، أتناول الحلوى وأسترخي، ثم أقوم عادة بعمل يحتاج إلى التركيز مرة أخرى، وفي نحو الساعة 11 مساءً، أذهب إلى الفراش ثم تبدأ الساعة البيولوجية الجديدة.

 تشغيل قدراتك الإنتاجية الخارقة

الخلاصة:

  1. حدِّد أوقات اليوم التي تكون فيها في ذروة نشاطك.
  2. أنشِئ جدولك الزمني المثالي بناءً على أوقات الذروة الطبيعية لجسمك.
  3. جدول المهام الهامة في الأوقات التي تعمل فيها بأقصى طاقتك.

المصدر




مقالات مرتبطة