كيف تعيد صياغة العمل لتحقيق مصلحتك ومصلحة الآخرين؟

نحن نمر بأيام عصيبة نشعر فيها بعدم الرضى عما نقوم به، والملل من العمل الذي نؤديه كل يوم؛ حيث نتساءل عن أهمية وجودنا في منظماتنا، ونفكر في الفائدة التي تعود علينا وعلى منظماتنا جرَّاء ممارسة مهنة معينة. ونستيقظ كل صباحٍ بخيبة أملٍ، ونفقد الشغف في العمل وبما نقوم به، فنتوقف عن الإحساس بالأهمية، نشعر بالتعاسة ويلوح خيار الاستقالة في الأفق بوصفه حلَّاً وحيداً لما نعاني منه.



يصف الباحث "لوك دورنبوش" (Luc Dorenbosch) حال أغلب الناس؛ إذ يقعون في حب وظائفهم، ومع الوقت، تظهر أمورٌ صغيرة لتنشر عدم الرضى؛ وهذا يؤدي إلى التعاسة. فقد وجد خلال بحثه: "أنَّ الناس ترضى عن معظم جوانب العمل، وتنزعج من مسائل وجوانب معينة بنسبة لا تتعدى 20%، فيغلُب شعورهم بالانزعاج على رضاهم السابق؛ وهذا يدفعهم إلى ترك العمل".

سيكون من الأفضل في أغلب الحالات، إعادة النظر ومحاولة النظر إلى الوظيفة بمنظورٍ جديد في محاولة لجعلها أكثر إرضاء. يشير الباحث إلى أنَّ الحل في الالتزام "بإعادة صياغة العمل"؛ أي إعادة تشكيل وظائفنا والابتكار في تجديدها بطريقة تجعلنا سعداء مرة أخرى.

ما هي إعادة صياغة العمل؟

صيغ هذا المصطلح في عام 2001، وتحدثَت عنه بالتفصيل ورقة نشرَتها عام 2007 كلية إدارة الأعمال في "جامعة ميشيغان روس" (University of Michigan’s Ross)؛ إذ يشير مصطلح صياغة العمل إلى: "التغييرات الحيوية التي يقوم بها الموظفون لطبيعية وظائفهم الخاصة لتحقيق العديد من النتائج الإيجابية، ومن ذلك المشاركة الفعَّالة في العمل، والرضى الوظيفي، والمرونة، والازدهار".

تتضمن الورقة السابقة قصصاً حقيقية لموظفين نجحوا في استثمار الفرص لتخصيص وظائفهم من خلال تغيير طبيعة المهام والتواصل النشط مع الآخرين؛ وهذا أدى إلى تغيير الحالة المزاجية للأفضل، والوصول إلى مستوياتٍ أعلى من تحقيق الذات في العمل.

كيف تم ذلك؟

من خلال المساهمة في مشروعٍ هام في العمل على سبيل المثال، وخلق طرائق جديدة للقيام بالمهام لكسر التكرارية والنمطية المملة، ومساعدة الزملاء بوصفها وسيلة لزيادة التفاعل الاجتماعي وتبادُل المعرفة.

كما ساهمت شركة "غوغل" (Google) بالورقة العلمية السابقة تحت عنوان "إعادة صياغة العمل لإيجاد المعنى مما تعمله" (Job Crafting- On Creating Meaning In Your Own Work) بواسطة عرض تقديمي قدمته الدكتورة "إيمي ريزسنيسكي" (Amy Wrzesniewski) بروفيسورة السلوك التنظيمي في "كلية يال للإدارة" (Yale School of Management)، التي تناقش فن وعلم صياغة العمل.

شاركت البروفيسورة في تأليف ورقة جامعة "ميتشغان"؛ إذ أجرت دراسة لعاملي الصيانة في المستشفيات لمعرفة كيفية تأثير صياغة العمل في أدائهم العملي ومعنوياتهم. ونشرت البروفيسور عبر منصة "يوتيوب" (YouTube):

"قُسِّم العمال إلى مجموعتين - اتَّبعَت إحداهما الوصف الوظيفي بحذافيره بسهولة، بينما طُلِب من الثانية أن تتولى مهام أخرى ضمن نطاق العمل من اختيارها. وكانت الاختلافات بين المجموعتين كبرى. فقد شعرت المجموعة الثانية بالمعنى فيما تقوم به، فاختلف هدفهم ورؤيتهم المستقبلية للعمل، عن نظرائهم في المجموعة الثانية".

ووجدت البروفيسورة أنَّ "السماح للموظف بالتأثير في قراراتٍ أخرى ضمن نطاق العمل يضفي معنىً إلى العمل اليومي، ويسمح للعامل بتولِّي زمام الأمور في العمل". وتظهر نتائج دراسة "ريزسنيسكي" أنَّ صياغة الوظائف يمكن أن تعزز المشاركة والرضى الوظيفي والمرونة.

يصف المدير والمؤلف "جوش بيرسين" (Josh Bersin) كيف مكَّنت استراتيجية إعادة صياغة العمل الموظفين من تحويل الوظيفة اليومية المملة إلى "عمل ذي مغزىً"، وهو الرغبة الأولى والدافع الأول للموظفين للعمل والمشاركة؛ إذ يطمح معظم الموظفين لإيجاد ذواتهم والاستقلال الذاتي في بيئة العمل.

شاهد: 7 نصائح تساعد على تحقيق النجاح والترقي في العمل

إعادة صياغة عملك:

كيف يمكنك صياغة عملك صياغةً ترضيك وتثري عمل المنظمة؟ فيما يأتي خمس نصائح:

  1. راقب مشاعرك خلال النهار. وانتبه إلى ما يُشعرك بالرضى، وما يزيد نشاطك، وما يساعدك على البقاء في أفضل حالاتك، وكن يقظاً لما يستنزف الطاقة ويشعرك بعدم الرضى.
  2. دوِّن المهام اليومية لمدة أسبوع كامل مع ملاحظات لما يُسعدك وما يحبطك باستمرار، وبيِّن سبب شعورك السلبي تجاه بعض المهام، واحسب الوقت المستغرَق لكل مهمة، وقارن بين قضاء الوقت في المهام الإيجابية والسلبية.
  3. اقضِ وقتاً أطول في المهام التي تنشطك، وحوِّل التركيز في أثناء أداء المهام المحبِطة إلى النشاطات التي تبث الطاقة الإيجابية، وابحث في أي عناصر إضافية تزيد سعادتك في العمل، سواء بالتفاعل مع أشخاص معينين، أم أداء بعض المهام الإضافية في بيئة العمل.
  4. استكشف جوانب السعادة الخفية في العمل، كالتفاعل مع الزملاء أو العملاء.
  5. ناقش مديرك وزملاءك بهذه النقاط والتغييرات التي يمكنكم القيام بها معاً لجعل العمل مُرضٍ للجميع.
إقرأ أيضاً: كيف تتجنب الاكتئاب الناتج عن العمل؟

دور قسم الموارد البشرية في وضع استراتيجية لإعادة صياغة العمل:

بالنسبة إلى المؤسسات الحريصة على خلق بيئات عمل خلَّاقة يزدهر فيها الموظفون ويؤدون أفضل ما لديهم، فإنَّ إعادة صياغة العمل هي الأداة المناسبة لتعزيز مشاركة الموظفين وسلامتهم النفسية إذا نُفِّذَت وأُدِيرَت بفاعلية. كما تشير الورقة الإعلامية لجامعة "ميشيغان":

"أنَّ لصياغة العمل آثاراً سلبية أحياناً؛ فقد تسبب ضرراً للشركة إن تضاربت أساليب صياغة العمل مع الأهداف التنظيمية، كما يمكن أن تنتج آثاراً جانبية سلبية؛ فقد تفيد أساليب صياغة العمل الأفراد وتضر بالمنظمات".

نستنتج أنَّ استراتيجية صياغة العمل تتطلب وضع خطة تتماشى مع أهداف كل من الموظف والشركة. وهنا يكمن دور الموارد البشرية في وضع الخطط ومساعدة الإدارة العليا على تقبُّلها، من خلال شرح قيمة وفوائد تمكين إعادة صياغة العمل للموظفين، والعمل مع المديرين والموظفين لوضع قواعد لتوجيه العملية للنجاح على الأصعدة كافة.

المصدر




مقالات مرتبطة