كيف تسيطر على القلق وتهدئ أفكارك المضطربة؟

هل تواجه حالةً يصعب التغلب عليها من القلق؟ نحن نصارع القلق ونشكو منه في حياتنا، فهو أمر منهِك ويسهل علينا الاستهانة بخطورته؛ فهو إما يتسلل إلى قلبك ببطء ويستنزف طاقتك، أو ينقضُّ عليك دفعةً واحدةً ليلتهم روحك، ولا يوجد دائماً سبب واحد يؤدي إلى الشعور بالقلق؛ بل يمكِن أن يعود إلى أسباب عديدة؛ ولكن يمكِن التعامل معه حينما يصيبك.



كيف يمكنك السيطرة على القلق؟

إنَّ أهم خطوة عليك فعلها هي الإصغاء لمشاعرك؛ فهي متخفية تحت عباءة القلق وتحاول إخبارك بأمر يهمك كألم يعتصر قلبك، أو مشكلة عليك حلها، أو وضع معيَّن ينبغي تحسينه، أو فكرة سلبية يجب مواجهتها؛ لذا، فإنَّ القلق ليس ذنبك وليس لك يد في إحداثه، فقد ينحرف مسار أفكارك نحو أمور سلبية أحياناً، ولكن هذا لا يعني أنَّه عليك جلد ذاتك؛ إلا أنَّه عبارة عن حلقة مفرغة تغذي نفسها بنفسها، ألقِ نظرةً على دورة القلق في الصورة الآتية:

دورة القلق

وفقاً لهذه الدورة، سيتجنب الشخص المصاب بالقلق كل فرصة تظهر أمامه، ليولِّد ذلك بعدها قلقاً مضاعفاً؛ فهي دورة غير صحية، ويصعب على المرء السيطرة على مشاعره.

إذاً، كيف يمكِن أن تتغلب على مثل هذه المشاعر؟ الحقيقة هي أنَّه رغم أنَّ القلق قد يتلاعب بنا، إلا أنَّنا نملك في النهاية زمام الأمور، فثمة طرائق لتخفيف القلق بصورة طبيعية وسريعة، إلى جانب كيفية التعامل مع القلق والمخاوف لنتمكن من السيطرة على عواطفنا بشكل أكبر.

كيف تخفف الشعور بالقلق بصورة طبيعية؟

يقول الفيلسوف البريطاني "ألان واتس" (Alan Watts): "لا يمكِن لأي قدر من القلق أن يُحدِث فارقاً فيما هو مقدَّرٌ له أن يحدث"؛ فبدلاً من محاولة حل جميع المشكلات، تجنَّب محاولة السيطرة على كل ما يحدث في حياتك دائماً، وإنَّ القلق بمثابة تيار ماء يسحبك بعيداً، وكلما قاومتَه أكثر، بدأتَ تغرق بسرعة أكبر؛ ولكن حينما تتعلم الطفو على الماء وتدع الأمر يمضي، فسترتفع إلى الأعلى وتترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعي.

إليك فيما يلي مثالاً عن القلق الذي يولِّد مزيداً من القلق:

تخيَّل أنَّك تجلس في سيارتك، وتبدأ فجأةً التفكير في تقديم اجتماعك الصباحي، وتتمنى متحسِّراً لو كان موعد انعقاده بعد الغداء كي يتسنى لك مزيداً من الوقت للاستعداد؛ فيجتاحك شعور بالعجز، وتفقد ثقتك بنفسك، وتخشى مجرد القيادة إلى العمل، وكلما دنوتَ من تشغيل سيارتك، ازداد شعورك بالقلق، لتدخل في دوامة لا تعرف الانتهاء من هذا الشعور وأنت مازلتَ تجلس خارج منزلك؛ فقلبك يخفق بشدة، وتشعر بضيق في التنفس وبالدوار؛ وفوق كل ذلك لا يمكِنك إلغاء هذا الاجتماع؛ لذا تقرر أن تتوجه إلى مكان لتناول فنجان من القهوة لعلَّه يساعدك على الاستيقاظ أكثر؛ إلا أنَّك تدرك بعدها أنَّ قيامك بذلك سيؤخرك عن العمل إذا قضيتَ دقيقةً أخرى في محاولة اكتشاف ما عليك فعله، ليتضاعف قلقك نتيجةً لذلك! إذاً، ما العمل؟

سنبدأ بتحديد بعض التصرفات الخاطئة في هذا السيناريو؛ فأولاً، قد يسبب الكافيين مزيداً من القلق؛ وثانياً، سيؤخِّر التوجه إلى مكان آخر غير العمل حدوث ما لا مفر من حدوثه ويزيد من حدة القلق أكثر؛ إلى جانب عدم تحديد السبب الأساس وراء هذا الشعور، والذي يمكِنك اكتشافه من خلال الخطوات الآتية:

  • تحديد الأمور التي تشعرك بالقلق عادةً والأفكار المقلقة التي تراودك، ثم تعقُّب مسار قلقك وتسجيل الأفكار التي تراودك قبل الشعور به وفي أثناء معاناتك منه وبعد مروره؛ فقد يساعدك ذلك في العثور على ما يثيره.
  • الاحتفاظ بجهاز لوحي يمكِنك تحديث المعلومات عليه باستمرار.
  • الانتباه إلى العوامل التي تثير قلقك، ثم طرح السؤال الآتي على نفسك: "ما هي الأفكار المحبِطة التي تراودني اليوم والتي تجعل القلق يتملكني؟".

على سبيل المثال، إنَّ السبب الذي أثار القلق في السيناريو السابق هو على الأرجح الخوف من الإخفاق الذي قد يتبع مخاطبة الجمهور؛ فتحديد المشكلة يُعدُّ جزءاً من حلها، لأنَّه يضعف من تأثير وطأتها عليك؛ وما إن تكتشف النمط الذي يتخذه قلقك، ستتمكن من احتوائه والتخفيف من حدته من خلال إيجاد حلول سريعة تناسبك.

شاهد بالفيديو: 6 طرائق فعالة لتحمي نفسك من الطاقة السلبية

كيف تخفِّف الشعور بالقلق بصورة سريعة؟

تقول الممثلة الأمريكية "ليلي توملن" (Lily Tomlin): "حاوِل التمهُّل قليلاً لتنعم براحة سريعة التأثير".

دعنا نعود إلى مثالنا السابق إلى النقطة التي سبقَت القيادة إلى اتجاه آخر غير العمل؛ فأنت جالس في سيارتك وتفكِّر في خطوتك التالية ما إن يصيبك القلق، بحيث حددت أنَّ سببه هو خوفك من الإخفاق، والسؤال الآن هو: هل تشعر أنَّ قلقك يتحول إلى حالة من الهلع؟ إليك فيما يلي بعض النصائح التي تفيدك عند مواجهة هذه الحالة:

1. ركِّز على التنفس فحسب، وليس على المشكلة:

حوِّل تركيزك إلى استعادة التحكم بعواطفك من خلال ممارسة إحدى تقنيات التنفس الفعالة لبضع دقائق، وهي التنفس البطني؛ إذ عليك الاستنشاق عن طريق الأنف بحيث يتمدد بطنك، والزفير عن طريق الفم؛ ثم ركِّز بعدها على التوتر الجسدي لتكتشف أين يكمن في جسدك، وتحرَّر منه.

إليك أحد الأنواع الشائعة من التأمل: أغلِق عينيك، وابدأ بإخراج التوتر الكامن في وجهك، ثم في رقبتك وكتفيك وظهرك وهكذا حتى تصل إلى كاحليك وقدميك إلى أن يسترخي جسدك تماماً. يبقى الآن أن تتعامل مع عقلك الذي لا يزال يصارع الأفكار السلبية.

2. امنح وقتاً للحديث الذاتي الإيجابي:

في السيناريو السابق الذي ذكرناه، حدِّث نفسك وأنت في السيارة قائلاً: "إنَّني قادر على تحقيق النجاح، ولستُ مضطراً إلى أن أكون مثالياً؛ لأنَّني سأقوم بعمل رائع في كلتا الحالتين؛ فأنا مؤهل لفعل ذلك وأتمتع بالمهارات اللازمة لأتألَّق؛ وإذا ما واجهتُ مشكلةً ما، سأجد حلاً لأتكيف مع الوضع؛ فكل ما علي فعله الآن هو حضور الاجتماع".

قد لا تكون مستعداً لتقديم العرض في خضمِّ شعورك بالقلق (أو ربما لن تكون جاهزاً على الإطلاق)، ولكن ما إن تحضر ستتذكر كل ما تدرَّبتَ عليه؛ فأنت تحمل ملاحظات ومستعد لتولي زمام الأمور؛ لذا فإنَّ أقل خطوة عليك اتخاذها هي الحضور.

3. اجمَع بين الحديث الذاتي الإيجابي والتنفس العميق:

في أثناء ممارسة الحديث الذاتي الإيجابي، مارِس التنفس أيضاً بحيث تقول ما ترغب به لنفسك في أثناء عملية الشهيق، وتلفظ سبب شعورك بالقلق خارج عقلك في أثناء عملية الزفير.

فمثلا، استنشِق الهواء قائلاً: "سأحضر الاجتماع"، ثم أطلِقه وأنت تذكر أي مشاعر أو أفكار سلبية تراودك، كما يمكِنك ترديد عبارات "مانترا" كنوع من التأمل، كأن تبدأ حديثك الذاتي قائلاً: "لستُ مضطراً إلى أن أكون مثالياً".

تكمن الفكرة في وضع خطة تجهِّزك لمواجهة القلق مسبقاً كي لا تبقى عالقاً في وضعية دفاعية؛ لذا حاوِل ابتكار عبارات تساعدك على التحسن، إلى جانب تقنيات التنفس وعبارات "المانترا" والتأمل كي لا تنهمك في البحث عن حلول في أثناء سيطرة القلق عليك وتتمكن من التغلب عليه.

فكِّر بالمستوى الذي وصلتَ إليه، وذكِّر نفسك بالنجاحات التي حققتَها والنِّعَم التي أنعمها الله عليك في حياتك يومياً قبل أن تبدأ نهارك وقبل أن ينقضَّ عليك القلق كي تتذكر أنَّ لديك كل ما يلزمك للتغلب عليه.

إقرأ أيضاً: 5 أنواع من الحديث مع النفس يُحبِّها العقل أكثر من غيرها

كيف تتعامل مع قلقك ومخاوفك؟

يُعدُّ القلق والمخاوف من الضغوطات السلبية التي نتعرض لها في معظم المواقف؛ وأما التوتر الإيجابي فهو حينما تُثقل الضغوطات كاهلك، ولكنَّك تحافظ على هدوء أعصابك، وإنَّ القلق والمخاوف هما حالتان قابلتان للتبادل؛ فحينما تشعر بالخوف، قد يغمرك القلق أيضاً؛ وحينما تشعر بالقلق، قد تزداد مخاوفك أكثر.

جرِّب تخصيص وقت معيَّن "خاص للشعور بالقلق"، بحيث تعطي نفسك مجالاً بأن تكون في حالة مزرية لبعض الوقت، وسيكون تأثير الأمر فيك علاجياً بعد انتهائك؛ فحينما تقيِّد المشاعر هذه ضمن إطار زمني معيَّن، ستتمكن من منع الأفكار السلبية من أن تسيطر عليك قبل وبعد تلك الفترة الزمنية دون أن تظلَّ حبيس تلك المشاعر؛ وكما يمكِنك دائماً إعادة جدولة موعد "القلق" إذا طرأ أمر ما، ومع ذلك، إذا كنتَ ترغب في تحقيق أقصى استفادة من هذا الوقت، فتوصي الأبحاث بالتفكير في حلول للمشكلات التي تقلقك؛ لذا حاوِل الخروج بأكبر عدد ممكن من الحلول قبل نفاذ الوقت.

كيف تسيطر على عواطفك؟

ينبغي أن تحرر عواطفك بدلاً من كبتها، وإلا ستنفجر دون سابق إنذار، وإنَّ ذلك ليس أمراً سهلاً بالطبع؛ إذ من غير المنطقي أن تتمكن من المحافظة على هدوئك عندما يجتاحك القلق أو تتملكك المخاوف؛ ولكن إذا كان بوسعك التحكم بعاطفة معيَّنة، فلتكن الشعور بالامتنان. يمكِن أن يساعدنا الشعور بالامتنان في التغلب على أي عواطف مضطربة:

  • فإذا كنتَ تشعر بالارتباك، كن ممتناً لأنَّك نجحتَ على الأقل في الوصول إلى هذه المرحلة من حياتك.
  • وإذا كنتَ تشعر بالضياع، كن ممتناً لما تعلَّمتَه من دروس في أثناء مشوارك.
  • وإذا كنتَ تشعر بالوحدة، كن ممتناً لأنَّ لديك فرصة للتعرف على أشخاص جدد، فكل ما عليك فعله هو الخروج وإظهار نفسك.
  • وإذا كنتَ تشعر بالحزن، كن ممتناً لأنَّك تتمتع بصحة جيدة؛ الأمر الذي يتمناه الآخرون.
  • وإذا كنتَ تشعر بالغضب، كن ممتناً للأمور التي تمتلكها في حياتك كي تتمكن من تحقيق أقصى استفادة منها بدلاً من التفكير فيما لا يمكِنك التحكم به؛ فالتركيز على ما نمتلكه يمكِّننا من رسم صورة أوضح للأمور؛ كما أنَّه جزء من الحديث الذاتي الإيجابي أيضاً، ويسهِّل عليك التخلص من المشاعر السلبية.
إقرأ أيضاً: كيف يمكن لمفكرة الامتنان أن تغير حياتك جذرياً؟

ممارسة اليقظة الذهنية:

أعِد نفسك إلى الواقع على الفور عبر الشهيق والزفير والتركيز على اللحظة الراهنة فحسب، حيث تتضمن أساليب اليقظة الذهنية تقنية الترسيخ، التي تتمحور حول النظر إلى الأشياء من حولك والتركيز على وصفها، والتحدث عنها بصوت عالٍ إذا أردتَ كأن تقول: "قلم أسود" أو "طاولة بنية"، مركِّزاً على حواسك الخمس.

تكمن الفكرة في إعادة نفسك إلى الحاضر كلياً لترسيخ ذاتك؛ حيث سيخرجك ذلك من حالة القلق ويعيدك إلى الواقع، لتستمر بعد ذلك في حديثك الإيجابي مع نفسك وممارسة التنفس العميق، ومن الهام أن تحمي ذاتك حينما تغمرك هذه العواطف؛ فوجودها وإحساسك بها لا يعني أنَّها تتملكك؛ لذا لا تبالغ في ربط نفسك بها؛ إذ أنَّ المشاعر ليست حقائق ونادراً ما تقود مصيرنا.

كما ينبغي عليك أن تركِّز على الرعاية الذاتية أيضاً؛ فالاعتناء بنفسك وعواطفك تَعدُّ رحلتك نحو التماثل للشفاء، وثمَّة أساليب تساعدك على التكيف يمكِنك استخدامها للرعاية الذاتية، وهي:

  • تدوين اليوميات.
  • البوح بمكنونات قلبك لشخص تثق به.
  • ممارسة لعبة.
  • الاستماع إلى الموسيقى.

يمكِن لأي هواية أن تكون وسيلةً تكيفية.

الخلاصة:

يمكِن أن تساعدك عواطفك في إرشادك إلى ما تريده، إلا أنَّ سبب وجودها في الأصل يعود إلى فكرة معيَّنة زرعتَها في عقلك؛ فلا يصيبنا القلق بصورة عشوائية، بل يظهر ليذكِّرنا بما نحن عليه، وما الذي يمكِن أن نشعر به، وكيف نعيش حياتنا، ويسعى إلى أَسْرنا في العتمة ولا يسمح لنا بأن نُبصر النور؛ إلا أنَّك تحمل في داخلك كل ما يتطلبه الأمر لتبلغ ذلك النور، وليكن ذلك هو العبارة الأخيرة التي ترددها في أثناء محاولة التغلب على القلق، لتتمكن بعدها من تجاوز أحلك لحظات حياتك وتُضيء عتمتك.

 

المصدر




مقالات مرتبطة