كيف تُخرج نفسك من قوقعتك؟

وجدت "جيسيكا بان" (Jessica Pan) - صحفية شابة تعيش في لندن ومشهورة بين الناس - قبل بضع سنوات نفسها في وضع صعب؛ إذ أصبحت الحياة مملة ويمكن توقعها؛ فقد قالت لي: "لقد أدركتُ أنَّني كنتُ أستعمل كلمة "الانطوائية" كعذرٍ لأرفض الخوض في أي شيء جديد أو يُسبب لي القلق، وشعرتُ وكأنَّني أعزل نفسي تماماً عن تجارب وأشخاص جدد؛ وظننتُ أنَّ ذلك لا يمكن أن يكون صحياً".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون والمحرر "كريتسيان جاريت" (Christian Jarrett) ويُحدِّثنا فيه عن طرائق يجب علينا اتباعها للخروج من القوقعة التي نختبئ بداخلها.

اتخذت "بان"، التي لطالما عُدَّت شخصاً انطوائياً، قراراً جريئاً حيال ضيقها، مجريةً تجربةً شخصيةً للعيش كشخص اجتماعي بشكلٍ متقطعٍ ولمدة عام: "أردتُ تكوين صداقات جديدة، وأن يصبح لدي فرص عملٍ أكبر، وأن أشعر بأنَّني على قيد الحياة أكثر وألا تحدُث لي الأشياء ذاتها"، على حد تعبيرها.

إحدى نتاج العام الذي أصبحت فيه اجتماعية كان تأليف كتابها المضحك والمؤثر "آسفة أنَّني تأخرت، لكن لم أرِد القدوم" (Sorry I’m Late, I Didn’t Want to Come).

وحالي حال "بان"، أصبتُ بالإحباط منذ سنوات عدة بسبب ميولي الانطوائية. لقد كنتُ أكتب كتاباً جديداً عن تغيُّر الشخصية، بعنوان: "كونوا مَن تريدون" (Be Who You Want)، واتخذتُ قراراً واعياً بأن أتصرف وفقاً للنصيحة التي اكتشفتُها في أثناء العملية.

لقد بذلتُ جهوداً متضافرة للخروج من قوقعتي؛ وقبلت معظم الدعوات الاجتماعية الشخصية والمهنية، وقمتُ بتغييرات في نمط الحياة؛ كالتبديل من الجلسات الفردية في صالة الألعاب الرياضية (محاوطاً نفسي بسماعات الرأس) إلى جلسات التمرين الجماعية التي تضمنت الكثير من المزاح والضحك.

كان هدفي هو الخروج من قوقعتي قليلاً، وزيادة مستوى المشاركة الاجتماعية لدي كي أشعر بقدرٍ أقل من العزلة، وإفساح المجال للأشياء غير المتوقَّعة في الحياة (كما بذلتُ جهوداً أيضاً لمعالجة جوانب أخرى من شخصيتي).

في علم الشخصية، تُعَدُّ مستويات انطوائيتنا واحدةً من السمات الخمس الكبرى للشخصية (إلى جانب سماتٍ أخرى، كالوعي والعُصابية). تعكس هذه السمات "ميولنا للتفكير والشعور والسلوك بطرائق ثابتة نسبياً خلال الوقت والمواقف"، كما تشرح "روديكا داميان" (Rodica Damian)، مديرة مختبر تطوير الشخصية في "جامعة هيوستن" (University of Houston).

إنَّ كل سمة كبيرة من السمات الخمس، بما فيهم الانطواء والاجتماعية، هي بُعدٌ، بدلاً من أن تكون "مستوىً". وبهذا، فإنَّ كل فرد منا يسجل نتيجةً ما على طول الطيف، ويوجد بعض الأشخاص الذين يميلون أكثر إلى أحد الأطراف. وعلى أي حال، ومن أجل الراحة، سأستعمل مصطلحات "انطوائي" و"اجتماعي" كاختصار للناس ذوي الميول تجاه أحد منها.

إنَّ بُعد الاجتماعية - الانطوائية في علم الشخصية الحديث - شبيهٌ بالقوالب النمطية التي نستعملها في الحياة اليومية، مع بعض الخصائص الهامة الإضافية.

إن كنتم اجتماعيين جداً، فأنتم لا تحبون التحدث فقط؛ بل متفائلون وحازمون وحيويون ومتقبلون للمشاعر الإيجابية أيضاً - أنتم مستعدون للمخاطرة من أجل المتعة - وكنتيجةٍ لذلك، يميل الاجتماعيون لأن يكونوا أكثر سعادةً بالحياة، وجرأةً وثقةً بأنفسهم؛ وهذا له فوائد على وظائفهم وصحتهم.

وبالمقارنة، إن كنتم انطوائيين جداً، فأنتم هادئون ومحافظون، وتختبرون قدراً أقل من الحيوية والمشاعر الإيجابية في حياتكم، أنتم تتجنبون التحفيز الزائد عن اللزوم، وتكرهون المخاطرة. فأنتم باحثون عن الهدوء، فلنقل، بدلاً من أن تكونوا باحثين عن المتعة.

بالطبع هناك أيضاً فوائد لكونكم أكثر انطوائية؛ وهو الأمر الذي تحتفي به المؤلفة "سوزان كاين" (Susan Cain) بحماسة كبيرة في كتابها البارز "هدوء" (Quiet)، ومنها: قلة الحاجة إلى تحفيز مستمر يؤدي إلى مساعٍ للحصول على وظيفة انفرادية، بما في ذلك العمل عن بعد، ويمكن لها أن تقدِّم الحماية من خطر الانغماس الزائد في الأمور. وإنَّ صبر وحساسية الانطوائيين جداً تعزز الإبداع وقابلية الالتزام بالممارسة والعمل. كما يشكِّل الانطوائيون قادة أكثر فاعلية في حالات معينة، كقيادة فريق من المحترفين والمبادرين إلى حدٍّ كبير.

فيما عدا تلك الفوائد، ولنكن صريحين، ألن تكون الحياة مزعجةً ومملة كثيراً لو كان الجميع ثرثارين ويبحثون عن الاهتمام؟

على الرغم من ذلك، من الممكن أن ترغبوا في الخروج من قوقعتكم دون رفض طبيعتكم الانطوائية تماماً ودون التطرف بالاتجاه الآخر؛ أي أن تصبحوا من محبي الحفلات والاجتماعات الدائمة.

هذا المقال يساعدكم على تحقيق مستوىً أعلى من الاجتماعية، إن كان هذا ما تريدونه، وإلى المدى الذي يناسبكم. قد تشعرون بالإحباط مثلي ومثل "بان" من ميولكم الانطوائية الكبيرة. لربما شعرتم هكذا دائماً، أو ربما هو شعور جديد ولاحظتم مؤخراً وتبعاً لقوة الظروف، أنَّكم أصبحتم أكثر انطوائيةً مما تريدون.

شعر العديد من الناس بالوحدة خلال جائحة "كوفيد-19" (COVID-19) على سبيل المثال، ومن المعروف أنَّ الوحدة تزيد من الانطوائية.

تقترح دراسات أخرى أنَّ تجارب الحياة الكبيرة - كالطلاق مثلاً - يمكن أن تزيد من الانطوائية عند بعض الناس. ويمكن للمرض النفسي أيضاً، كالكآبة، أن يقودنا إلى العيش في انزواء.

إن شعرتم بأنَّكم، أو أصبحتم، أكثر انزواء مما تريدون، أو أنَّ طبيعتكم الانطوائية تمنعكم من إقامة علاقات صداقةٍ أو التقدم في العمل، لحسن الحظ بإمكانكم استثمار قابلية تعديل الشخصية نسبياً لكي تختاروا أن تصبحوا أكثر اجتماعية.

لن يكون الأمر سريعاً أو سهلاً على الأغلب، ولكنَّه قابل للتحقيق وبشكلٍ مؤكد، وقد تكون المكافآت عظيمة.

تقول "داميان": "هناك دليل علمي شامل أنَّه بإمكاننا اختيار تغيير سماتنا، لكنَّ الأمر يتطلب الكثير من الجهد المستمر. يمكنكم التفكير في الأمر كما تفكرون في اللياقة البدنية أو تناول الأطعمة الصحية. إنَّه شيء عليكم العمل عليه باستمرار (شيء أقرب إلى تغييرٍ بنمط الحياة أكثر من أن يكون حمية سُمنة قصيرة الأمد)؛ ولكن، حينما تقومون به بشكل كافٍ، يصبح جزءاً منكم".

كانت "ميرجام ستيغر" (Mirjam Steiger) التي تعمل في مختبر علم النفس في "جامعة برانديز في ماساشوستس" (Brandeis University in Massachusetts)، تعمل على تطبيق "كوتش شخصية" لمساعدة الناس على تغيير سمات شخصياتهم. وهي تتفق مع "داميان" قائلة: "إن غيَّر الناس من طريقة تفكيرهم وشعورهم وسلوكاتهم، فيمكنهم تغيير شخصيتهم من الانطوائية إلى الاجتماعية".

وهناك أسباب إيجابية لتعزيز سماتكم الاجتماعية، حتى ولو قليلاً. فإلى جانب أفضلية الاجتماعيين في مجالات الصحة والتعاقب المهني (بسبب كونهم أكثر نشاطاً على المستوى الجسدي، ويشعرون بمزاجٍ أكثر إيجابية ولديهم تواصل اجتماعي أكبر)، فإنَّ العديد من الدراسات أظهرت أنَّه وبغض النظر عن ترتيب مقياسنا، فنحن نميل لأن نكون أكثر سعادةً في اللحظة التي نتصرف فيها باجتماعية أكثر من العادة؛ وذلك على الأرجح لأنَّ القيام بذلك يزيد ارتباطنا بالعالم وتواصلنا مع الآخرين، التي هي حاجاتٌ إنسانية أساسية مرتبطة بالعافية.

تقول "بان": "إنَّها طريقة لاختبار الحياة أكثر عبر تجربة أشياء جديدة؛ فمن خلال العيش كشخص اجتماعي، شعرتُ وكأنَّني عشتُ حياةً مختلفة". إنَّها مجرد فرصة لإضافة بعض المرح والصدفة والانفتاح لحياتكم. لا يمكننا تقليل أهمية ما يمكن لشخص جديد، أي شخصٍ جديدٍ مناسب، أن يجلب لحياتنا.

لذا، وكما تعلمون، حتى وإن ذهبتم إلى إحدى الحفلات التي لم تريدوا الذهاب إليها، ولكنَّكم التقيتُم بشخصٍ أصبح صديقكم المفضل أو مديركم الجديد أو صديقكم على الإنترنت، فيمكن لهذا أن يغيِّر حياتكم إلى الأبد".

أنا أتفق مع ذلك أيضاً؛ فعبر الخروج من قوقعتي قليلاً في نادي الرياضة، شعرتُ أنَّ حياتي أصبحت أفضل. فقد بدأ الأعضاء الآخرون بمعرفتي بالاسم، وأصبحتُ آتي لأستمتع بحس الجماعية والانتماء.

ومن خلال قبولي أكثر لدعواتٍ أكثر اجتماعية ومهنية، وبنيَّة أكبر للمخاطرة، وجدتُ نفسي أتخذ تغييراً هاماً على الصعيد المهني حتى.

ما الذي يجب فعله؟

1. الدليل العام والاستعداد للتغيير:

بينما تتخذون الخطوات والتقنيات التالية، أبقوا في أذهانكم أنَّ سمات شخصياتكم - بما فيها مستويات اجتماعيتكم - تعكس عادات تفكيركم المتأصلة، ومشاعركم وطريقة تعلُّقكم بالناس الآخرين والعالم برمَّته.

فكِّروا في شخصيتكم على أنَّها استراتيجيتكم الأتوماتيكية المعتادة للتعامل مع الحياة والعلاقات؛ أي كيف تتصرفون حالياً دون جهدٍ متعمَّدٍ أو تخطيطٍ مسبق؟ ففي نهاية الأمر، حينما يأتي الأشخاص الاجتماعيون إلى حفلةٍ ما، لا يجبرون أنفسهم بوعيٍ على التحدث مع الضيوف الآخرين، فذلك يحدثُ بشكلٍ طبيعي.

يمكن بالطبع للعادات، حتى تلك المتأصلة منها، أن تتغير. وصحيح أنَّ بعضاً من سلوككم الرتيب له جذور وراثية؛ لكنَّ الكثير منه مكتسَب أيضاً عبر السنين، من خلال تجاربكم الكثيرة في الحياة.

هذا يعني أنَّه بدلاً من أن تنتظروا من الحياة أن تُغيِّركم تغييراً إيجابياً - وهو ما ستفعله حتماً - يمكنكم اختيار أن تكونوا إيجابيين عبر تغيير عاداتكم. فبتحفيزٍ مستمر وكافٍ، يمكنكم التحكُّم ضمنياً ببعض القوى الداخلية والخارجية التي تستمر بتشكيل شخصيتكم، وأن توجِّهوا أنفسكم نحو أن تصبحوا أكثر اجتماعية.

تقول "ستيغر": "يمكن التفكير بالعادات على أنَّها مثل الطبقات بين التصرفات وتغيير سمات الشخصية. إن قام شخصٌ بإظهار تصرفاتٍ جديدةٍ بشكلٍ متكرر، وأصبحت تلك التصرفات سلوكية، فستفضي بالنهاية إلى تغييراتٍ دائمةٍ بالشخصية".

وبأخذ ذلك في الحسبان، وخصوصاً إن كنتم انطوائيين جداً، ومنكمشين بعمقٍ في قوقعتكم، فقد تواجهون صعوبةً في بعضٍ من النصائح العملية التالية في البداية، لكن ثقوا بأنَّ الأمور ستصبح أسهل.

شاهد: صفات الشخصية القوية

البشر متكيفون بطبيعتهم، وبالتمرين والإصرار، يمكنكم أن تعيدوا تقييم طرائق عيشكم ووجودكم الجديدة والأكثر جرأة. تقول "بان": "يصبح الأمر أكثر سهولةً. تعلمتُ أنَّ التحدث مع الناس وكشف ما بداخلك أمامهم صعبٌ للغاية، وخصوصاً في البداية، لكن ما إن تقوموا بالأمر مرات عدَّة وتختبروا تجارب إيجابية، سيصبح الأمر سهلاً جداً".       

قبل أن تباشروا بتقنياتي المحددة التي أوصي بها والتغيير بنمط الحياة لزيادة اجتماعيتكم، إليكم بعض الطرائق لتجهيز أنفسكم ولمساعدتكم على تركيز نواياكم (والمُستعمَلة في تطبيق تغيير الشخصية المطوَّر والمجرَّب من قِبل "ستيغر" وزملائها):

  • تكلَّموا مع الأصدقاء المقرَّبين وأفراد العائلة عن هدفكم بأن تصبحوا أكثر اجتماعية، واطلبوا نصائحهم وحيلهم حيال الأمر.
  • راقبوا تصرفاتكم. بأيٍّ من المواقف يمكن أن تكونوا أكثر اجتماعية مما أنتم عليه؟ وبأيِّ مواقف تكونون بالفعل اجتماعيين بالقدر الذي تريدونه؟
  • دوِّنوا فوائد ومضار أن تكونوا أشخاصاً اجتماعيين.
  • ميِّزوا الناس الأكثر اجتماعية منكم في بيئتكم. ما الذي يقومون به بشكلٍ مختلف؟ وهل بإمكانكم تقليد بعضٍ من تصرفاتهم المحدَّدة؟

الآن، وبعد أن تجهَّزتم، من المفيد أن تفكِّروا باستراتيجية: أولاً، أن تغيِّروا أنفسكم من الداخل إلى الخارج. ثانياً، أن تغيِّروا أنفسكم من الخارج إلى الداخل. وأخيراً، أن تأخذوا في الحسبان أهدافكم وقيمكم وكيف يمكن لها تحفيزكم وتقويتكم.

2. استراتيجيات للتغيير من الداخل إلى الخارج:

إنَّ المنفتحين كثيراً اجتماعيون بحُكم العادة. فهم يتحدثون بسعادةٍ مع الغرباء ويتقنون إجراء الأحاديث الصغيرة وإقامة علاقاتٍ جديدة. ولتبنِّي هذا بأنفسكم، ضعوا بعض الأهداف المحدَّدة والملموسة للتصرف بنمط اجتماعي ومنفتح.

إحدى الطرائق الفعالة للقيام بذلك هي باستعمال خطة أو أكثر من الخطط المشروطة، مثل:

"إن كنتُ أنتظر في محطة الحافلات، فسأقوم بسؤال أحد المسافرين الآخرين عن حاله"، و"إن كنتُ أقوم بشراء البقالة، فسوف ألقي السلام على عامل الصندوق"، و"إن كان اليوم هو الثلاثاء، فسأطلب من أحد الزملاء الانضمام إليَّ لشرب القهوة"، و"إن كان اليوم هو السبت وليست لدي خطط للخروج، فسأقوم بالاتصال بأحد الأصدقاء".

ردِّدوا الخطة أو الخطط بصوتٍ عالٍ لأنفسكم مرةً واحدةً على الأقل كل يوم واكتبوها في مكان ستلاحظونها فيه، مثل مفكرة إلى جانب سريركم.

إن كانت فكرة بدء محادثة مع الغرباء مربكة تماماً، فلا ضرر من بعض التحضير على الإطلاق. فعلى سبيل المثال، ينصح "كريستيان بوش" (Christian Busch)، مؤلف كتاب "دليل مجلة سايكي لتكونوا محظوظين" (Psyche’s Guide to being lucky)، بالتوصل إلى "عدد من نقاط الحديث الممتعة أو التي لا تُنسَى والمتعلقة باهتماماتكم الحالية على سبيل المثال، التي يمكنكم استعمالها في محادثتكم التالية، وخصوصاً إن سألكم أحدهم "ما هي وظيفتكم؟".

عليكم أن تفصِّلوا خططكم الشرطية وفقاً للمستويات الأساسية لانطوائيتكم. فإن كنتم تشعرون بتعب شديد، فلا تترددوا أبداً وابدؤوا بخطط أكثر تواضعاً ولطفاً لزيادة اجتماعيتكم (بكل سهولة، إلقاء التحية على أحدٍ من الركاب مثلاً)، ثم زيدوا نطاقها مع مرور الوقت بينما تتكيفون وتحرزون تقدماً (كالترتيب للخروج مع أحد الزملاء لشرب القهوة مثلاً).

وإن كنتم شديدي الانعزال بطبيعتكم، فمن المرجح أن تشعروا بالحرج والانزعاج من هذه الخطوات الأولية المؤقتة في البداية، ولكن تشجَّعوا. أظهرت الدراسات أنَّ التحدث مع الغرباء أكثر متعة مما نعتقد أنَّه سيكون، ويشكل الناس انطباعاً إيجابياً أكثر مما نتوقع عموماً.

وعليكم أيضاً أن تضعوا في الحسبان مكاسب القيام بالمزيد من المحادثات العشوائية، فهي ستتيح المجال للكثير من التغيرات غير المتوقَّعة للأحداث في الحياة.

هناك طريقة أخرى لتغيروا أنفسكم من الداخل إلى الخارج وهي تعزيز تفاؤلكم. فإنَّ إحدى الأسباب التي تجعل من المنفتحين أكثر جرأةً من العادة هي أنَّهم يميلون للاعتقاد بأنَّ الأمور ستسير على ما يرام.

هناك تقنيات يمكنكم استعمالها لتعزيز تفاؤلكم واستعدادكم لمواجهة التحديات. إحداها تُعرَف باسم "أفضل تدخل ذاتي ممكن": اقضوا من 5 إلى 15 دقيقة تقريباً وأنتم تتخيلون أنفسكم في المستقبل، بعد بضع سنوات من الآن، في نطاق سيناريو يسير فيه كل شيء كما كنتم تأملون، واجعلوا الصورة بأذهانكم واضحةً بقدر ما تستطيعون.

توصي بعض النسخ من هذه التقنية كتابة وصف عن هذه النسخة المثالية من أنفسكم في المستقبل. اجعلوها تنبض بالحياة بالتفاصيل، وباستكشاف الجوانب المختلفة لحياتكم، وكيف ستبدو الأشياء وملمسها وصوتها. ضعوا هدفاً لكم بأن تقوموا بذلك يومياً لمدة أسبوعين تقريباً للحصول على أكبر قدرٍ من الفائدة.

توجد طريقة أخرى لزيادة جرأتكم وهي ممارسة إعادة التقييم الإدراكي. وهناك طرائق مختلفة للقيام بذلك، لكنَّ إحداها هي محاولة إعادة تفسير أي مشاعر من القلق أو الغضب على أنَّها إثارة؛ لذا ابحثوا عن مكانٍ هادئٍ قُبيل التحدي الاجتماعي، وقولوا لأنفسكم بصوتٍ عالٍ: "أنا متحمس"؛ فقد أظهرت الدراسات أنَّ القيام بذلك يساعد الناس على التأقلم مع التحديات القادمة التي تجعلهم قلقين، كتقديم عرض أمام الجمهور.

وأخيراً، يمكنكم أن تفكروا بالالتزام ببناء قوَّتكم ولياقتكم البدنية، لزيادة ثقتكم بنفسكم وراحتكم مع المغامرة. هناك العديد من الارتباطات بين البنية الجسدية والشخصية، ولكنَّ الأكثر صلةً في هذا السياق ربما، هو أنَّه تبيَّن بأنَّ القيام بالمزيد من التمرينات البدنية يقلل من مستويات القلق الاجتماعي عن الناس؛ فيميل الناس الأقوى (الرجال خاصةً) لأن يكونوا أكثر انفتاحاً.

وعلاوةً على ذلك، فإنَّ الأشخاص الذين كانوا أكثر نشاطاً بدنياً في وقت سابق في حياتهم يميلون للحفاظ على انفتاحهم على مدى العقود التالية، مقارنةً بالآخرين الأكثر كسلاً.

يُعتقَد بوجود آليات مختلفة كامنة وراء هذه الارتباطات ولكنَّها كافية للقول إنَّ ممارسة التمرينات البدنية بانتظام (أي اختيار نشاط تتمتعون وترتاحون به) سيجعلكم أكثر ثقةً بأنفسكم ويقلل من مستويات القلق لديكم؛ وهذا يجعل خروجكم من القوقعة أمراً أكثر جاذبية.

3. استراتيجيات للتغيير من الخارج إلى الداخل:

إلى جانب استعمال التقنيات لتغيير عادات تفكيركم وشعوركم لمساعدتكم على أن تصبحوا أكثر جرأةً واجتماعية، يمكنكم أيضاً الاستفادة من المواقف والعلاقات من حولكم لتشكيل مستويات انفتاحكم.

هناك روابط وثيقة بين التعبير عن سمات الشخصية والمزاج - بما في ذلك أنَّ مزاجاً أكثر سعادةً يرتبط بسلوك أكثر انفتاحاً - فلذلك، ومهما كانت شخصيتكم الأساسية، فمن المحتمل أن تميلوا ميلاً طبيعياً للتصرف بطريقة أكثر انفتاحاً حينما تشعرون بشعورٍ جيد.

امضوا بعض الوقت وأنتم تفكرون في كيفية أنَّ بعض الأفراد والظروف تميل إلى إثارة المشاعر والحالات المزاجية المختلفة لديكم، ولإبراز جوانب مختلفة من شخصياتكم.

ما نتحدث عنه هنا هو ظاهرة تُعرَف بالحضور العاطفي - وهو توجُّه يجب على الناس أن يجعلوا الآخرين يشعرون به بطريقةٍ معينة - قد تكونون قادرين على التفكير في أصدقاء أو أقارب معينين يتمتعون بحضور عاطفي إيجابي، الذين تميلون لتُفصحوا عن مكنوناتكم أو ترتاحون أمامهم قليلاً، على سبيل المثال.

لا أعتقد أنَّها صدفة أنَّ إحدى فترات حياتي التي كنتُ فيها منفتحاً أكثر من غيرها هي سنتي الجامعية الأولى، حينما صادقتُ شخصاً منفتحاً محباً للمرح وصاخباً للغاية في وقت مبكر.

ومن خلال أن تكونوا أكثر استراتيجيةً حول المواقف التي تضعون أنفسكم بها والناس الذين تختلطون بهم، فستجدون أنَّه من السهل أن تصبحوا أشخاصاً منفتحين أكثر.

إليكم هذه الطريقة السهلة لتكونوا أكثر وعياً وتعمُّداً بشأن القوى البيئية التي تشكل سماتكم التي هي من خلال استراتيجية اختيار الموقف، فعلى سبيل المثال، وقبل عطلة نهاية الأسبوع المقبلة، اقضوا بعض الوقت في التفكير فيما ستفعلونه ومع من ستقومون بذلك.

اختاروا نشاطات تحسِّن مزاجكم، (مع تذكُّر الروابط بين المزاج الإيجابي والانفتاح) واقضوا وقتاً مع الأشخاص الذين يشعرونكم بالراحة والثقة (مع تذكُّر مفهوم الحضور العاطفي؛ الطرائق التي يؤثر بها الآخرون فيكم).

وقبل كل عطلة نهاية أسبوع، يمكنكم تكرار شعار بصوت عالٍ ثلاث مرات حتى، مثلاً: "إن كنتُ سأقرر ما سأفعله في نهاية هذا الأسبوع، فسأختار النشاطات التي ستجعلني أشعر بالرضى وسأتجنب الأشياء التي تجعلني أشعر بالسوء".

اختبر علماء النفس في "جامعة شيفيلد" (University of Sheffield) في "المملكة المتحدة" هذا النهج، ووجدوا أنَّ المتطوعين الذين تدربوا على تكرار مقولة قبل عطلة نهاية الأسبوع، انتهى بهم الأمر بالشعور بمزاجٍ أكثر إيجابية خلال تلك العطلة أكثر.

بإمكانكم اختيار تعزيز هذه الميزة عن طريق تعديل المقولة بتوجُّه أكثر تحديداً وهو الخروج من قوقعتكم (على سبيل المثال، إن كنتُ سأقرر ما سأفعله نهاية هذا الأسبوع، فسأختار النشاطات التي ستجعلني أشعر بالسعادة والثقة والانفتاح وتجنُّب فعل الأشياء التي ستجعلني أشعر بالسوء والانعزال).

وهناك نهج أكثر طموحاً لتغيير أنفسكم من الخارج إلى الداخل وهو التسجيل في نادٍ أو نشاط اجتماعي يتطلب منكم بالأساس التصرف بطريقة أكثر انفتاحاً. أيُّ نشاطٍ اجتماعي ممتع ومثير للتحدي ويتضمن الاختلاط بالآخرين سيفي بالغرض إلى حدٍّ كبير. ولكن إن كنتم تشعرون بالرهبة، فكنتُ لأسعى إلى ممارسة هواية أو رياضة أو لعبة تلفتُ انتباهكم على الفور أو ممتعة بشكلٍ خاص بحيث سيساعد هذا في الحفاظ على دوافعكم ويساعدكم بالتغلب على أي خوف قد تشعرون به.

فطالما أنَّكم تكررون بانتظام مع مرور الوقت نشاطاً كهذا، فأنتم تقومون بتشكيل شخصيتكم من الخارج إلى الداخل بشكلٍ فعال. فالموقف يتطلب منكم الخروج من قوقعتكم، حتى ولو بشكلٍ صغير.

خلال عامها الذي قضته وهي اجتماعية، اشتركت "جيسيكا بان" بمجموعة مسرحية ارتجالية، وهي توصي خصيصاً بالبحث عن برنامجٍ أو فصلٍ أُطلِق حديثاً لكي تتمتعوا بميزة أن يكون الجميع جديداً على الموقف ذاته. "أعتقد أنَّكم إن سجلتم في شيءٍ ما ودفعتم المال، فمن المرجح أن تفعلوه، وأن تلتقوا العديد من الأشخاص الآخرين الجدد تماماً فيه أيضاً. فلن تشعروا بأنَّكم خائفون لأنَّ حال الجميع سيكون كحالكم وسيكون الجميع مبتدئاً".

وتذكرُ أيضاً أنَّ ذلك يمكن أن يساعدكم على تحديد أهداف صغيرة لأنفسكم حينما تذهبون إلى هذا النوع من الأحداث: "قولوا لأنفسكم فقط إنَّكم ستتحدثون لشخصين في اليوم الأول، حتى ولو كان ما ستقولونه هو حرفياً: "كيف وصلت إلى هنا؟" أو "لماذا قمت بالتسجيل؟" ومن ثم، وفي المرة التالية، تحدث معهما لمدة دقيقتين. يمكن لهدف صغير كهذا أن يكون مفيداً حقاً".

إقرأ أيضاً: 6 طرق فعّالة للتعامل مع الشخص الإنطوائي

4. ضعوا في الحسبان قيمكم وأهدافكم الشاملة:

إن كنتم تهدفون لأن تصبحوا أكثر انفتاحاً فحسب دون سياقٍ أو طموحٍ أكبر، فمن المحتمل أن يتحول الأمر بعد فترة إلى مهمة شاقة. ومن المرجح كثيراً أن تنجحوا إن كانت رغبتكم بالتغيير تخدم هدفاً أو قيمةً ذات مغزىً أكبر. وتماشياً مع هذه النصيحة، أظهرت الدراسات أنَّ التغييرات في الأهداف والأولويات غالباً ما تسبق تغيير سمة الشخصية وليس العكس.

فمثلاً، لنفترض أنَّ عملكم الذي أطلقتموه حديثاً هو شغفكم وأنتم تدركون أنَّه ولكي تنجحوا، فسوف تحتاجون إلى أن تكونوا أكثر انفتاحاً مما تفعلونه حالياً في طبيعتكم. أو لربما، وبالنسبة إليكم، فهي أولوية بالحياة أن تكونوا أفضل أهلٍ لأولادكم الصغار، وأنتم تدركون أنَّهم إن أرادوا عيش حياة اجتماعية مزدهرة خارج المدرسة، فأنتم تحتاجون إلى تعرُّف أهالي أصدقاء أطفالكم.

في كل هذه السيناريوهات، يمكن لزيادة سمة الانفتاح لديكم أن تساعدكم بأن تكونوا مَن تريدون وأن تعيشوا وفقاً لأولوياتكم.

وللحصول على مثال واقعي مقنع لهدف مهيمن يقود الالتزام بالتغيير الشخصي نحو مزيد من الانفتاح. ضعوا في حسبانكم الناشطة النيجيرية "فلورنس أوزور" (Florence Ozor)، إحدى قادة حركة "أعيدوا لنا فتياتنا" (Bring Back Our Girls) التي تأسست لتوجيه الأنظار نحو محنة فتيات المدرسة اللواتي اختُطِفن من قِبل "بوكو حرام" في 2014).

وصفت عالمة النفس الأمريكية "تاشا يوريتش" (Tasha Eurich)، في كتابها "البصيرة" (Insight) في عام (2017)، كيف أدركت "أوزور"، الانطوائية جداً، مسبقاً في عملها بأنَّه ولتحقيق التغيير الذي أرادته، احتاجت إلى التصرف وكأنَّها منفتحة بشكل أكبر؛ إذ عاهدت "أوزور" نفسها قائلة: "لن أهرب بعد اليوم من شيءٍ لمجرد أنَّني خائفة من الظهور".

وبالتزامها بكلامها، أصبحت أكثر جرأةً وحزماً، وواصلت عملها لتوجد مؤسسة "فلورنس أوزور المؤثرة" (Florence Ozor Foundation)، التي تهدف إلى دعم وتمكين النساء في "نيجيريا".

إذاً، فالأمر يستحق قضاء بعض الوقت بالتفكير ملياً في سبب رغبتكم في الخروج من قوقعتكم. ما هو السبب الأكبر لرغبتكم بهذا التغيير؟ إن كنتم تشعرون حالياً أنَّه تفتقرون إلى أي هدفٍ هام أو مهيمن أو شغف أو تطلُّب أكبر، فأنصحكم بالبدء بعملية التغيير الشخصي أولاً بالتفكير فيما يهمكم ومن تريدون أن تكونوا في النهاية.

وإن كنتم تعتقدون، بعد تفكير عميق، بأنَّ تحسين انفتاحكم سيساعدكم في خدمة هدفكم أو أهدافكم المهيمنة، فالآن ستصبحون أكثر تحفيزاً. وسيساعدكم هذا على إجباركم على المزيد من التغير الدائم والهام، للهروب من قوقعتكم ولتعيشوا الحياة التي تريدونها.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة