كيف تخرج من دوامة الكمال والتسويف؟

أنت على الأرجح مفعم بالاندفاع المعتاد من أجل إجراء تغييرات في حياتك مع حلول العام الجديد، ولا بدَّ أنَّك تفكر في الخطوات التي ستتخذها هذا العام.



لكن هل حققنا الأهداف التي وضعناها لأنفسنا في هذا الوقت من العام الماضي؟ بالطبع لا، وأنا لا أتحدث من وجهة نظر مُبالغ فيها أو قصصية بحتة؛ فوفقاً لإحدى الدراسات تبيَّن أنَّه من بين 41% من الذين يتخذون قرارات بشأن العام الجديد عند حلول نهاية العام، يشعر 9% فقط منهم بأنَّهم ناجحون في الالتزام بها، فهل هذا بسبب التسويف أم بسبب السعي إلى تحقيق الكمال؟

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "دانييل مانغينا" (Daniel Mangena)، يُحدِّثُنا فيه عن أهمية التخلص من التسويف والكمالية.

هل يمنعك التسويف والسعي إلى تحقيق الكمال عن تحقيق الأهداف؟

نسبة الفشل في تنفيذ التغييرات المطلوبة في العام الجديد هي 91%، ويعود جزء كبير من ذلك إلى كيفية تحديد أهدافنا، وما تشير إليه هذه الدراسات غالباً على أنَّه سبب كبير للفشل هو تحديد أهداف غير واقعية، ولكنَّني أظن أنَّ هذا يدل على شيء آخر؛ ألا وهو أنَّنا لا نرتبط بشكل صحيح مع أهدافنا أو ننسجم معها، وهنا يأتي دور الكمال والتسويف.

الكمال هو مجرد خوف يظهر كعقبة ذهنية، وهو ليس خوفاً من الفشل أو النبذ ​​الاجتماعي بقدر ما هو خوف من التغيير، ويُفضِّل عقلنا الباطن الوضع الراهن، فكل ما يعرفه هو أنَّ اختياراتك إلى حد الآن أدَّت إلى بقائك على قيد الحياة، والتغيير هو مجرد المُخاطرة بتحقيق نتيجة غير معروفة.

هذا هو السبب الجذري للتسويف والكمال، وقد تدَّعي أنَّك تسعى إلى الكمال لكن ماذا يعني ذلك؟ هل تقصد أنَّك لن تتوقف عن العمل على شيء ما حتى يصبح برأيك مثالياً؟ أم أنَّك تعني بأنَّك لن تشرع في مسعى معيَّن حتى تضمن بأنَّ النتيجة ستكون مثالية؟ إذا وقعتَ في هذه المشكلة، فهذا يعني أنَّ التسويف والكمال هما مجرد عذر، أو مظهر من مظاهر خوفك الباطن المتجذر من التغيير.

أظن أنَّه يمكنك استبدال كلمة "غير واقعي" بكلمة "غامض"، وسيكون لديك تقييم أكثر دقة للمشكلة، وغالباً ما يقول الناس إنَّهم يريدون كسب المزيد من المال، وفقدان المزيد من الوزن، وتناول المزيد من الطعام الصحي وما إلى ذلك، ولكنَّهم لا يحدِّدون ما يعنيه ذلك في الواقع، والانطلاق بهذه الوجهة غير المحددة يعني أنَّه لا يمكنك تحديد مسار دقيق نحوها، ودون أن تفعل ذلك، فأنت تتجول في مكانٍ مجهول.

فكِّر في الوقت الذي كنتَ تؤدي فيه مهمة عادية جداً لدرجة أنَّها بالكاد مثبَّتة في ذهنك؛ إذ يمكن أن تكون هذه المهمة عبارة عن التسوُّق في متجر البقالة أو غسل الملابس؛ أي إنَّها شيء تقوم به ليس بالضرورة كل يوم، لكن بانتظام وبهدف "بالغ الأهمية"، فإذا لم تذهب إلى المتجر لشراء المواد الغذائية، فلن يكون لديك طعام، وإذا لم يكن لديك طعام، فلا يمكنك أن تأكل، وإذا لم تأكل ستموت؛ وهذا هدف واضح جداً.

عندما تخرج من باب السوبر ماركت، فإنَّ تلك السلسلة المتسارعة من الأحداث الكارثية لا تشغل ذهنك أبداً؛ بل ما يشغل ذهنك هو التأكُّد من شرائك لكل شيء موجود في قائمة التسوق، ومع ذلك، لا يوجد شك في أنَّك ستعود إلى المنزل ومعك كل ما تحتاج إليه، فلقد كنت على اتصال عقلي وحيوي، ولو كان ذلك دون أن تشعر.

لقد حقَّقت هدفك ذهنياً، والآن أصبحَت حركتك الجسدية تلقائية، وربما لا تحتاج حتى إلى التفكير كثيراً فيما تفعله في أثناء تجولك في المتجر.

كيفية كسر حلقة الكمال والتسويف:

1. التعرُّف إلى الحلقة:

أول شيء يمكنك القيام به لكسر حلقة الكمال والتسويف هذه هو التعرُّف إليها، فانتبه إلى ما يحدث وفكِّر فيما يكمن وراء سعيك إلى الكمال، وكن صادقاً لكن لطيفاً مع نفسك، وحاول - إن استطعت - ألَّا تُدخل إصدار الأحكام ضمن هذه المعادلة.

قد يكون إصدار الأحكام والنقد الذاتي القاسي أمراً مُنهكاً تماماً مثل خوفك اللاشعوري من التغيير؛ لذا حاوِل ألَّا تُطلِق الأحكام في المقام الأول، وعُدَّ نفسك بقدر المستطاع مراقباً محايداً، فأنت موجود في المقام الأول لمراقبة ما يحدث.

شاهد بالفيديو: كيف تتخلص من المماطلة والتأجيل؟

2. تحديد النوايا بشكل صحيح:

عندما تتسلح بهذه المعرفة، ستجد أنَّ أسلوبك في تحقيق أهدافك يبدأ بالتحوُّل بشكل طبيعي، ولكنَّك تحتاج أيضاً إلى تعلُّم كيفية تحديد النوايا بشكل صحيح، فإذا كنتَ أحد واضعي قرارات السنة الجديدة المذكورين آنفاً والذين ينتهي بهم الأمر إلى تقديم ادعاءات بالكمال دون اتِّخاذ أي إجراء، فعليك أن تسأل نفسك: "إذا كنتُ منشداً للكمال، فلماذا أستمر في وضع مثل هذه الأهداف الغامضة؟".

هل يسعى منشد الكمال إلى جني "المزيد من المال" في هذا العام وترك الأمر عند هذه الجملة؟ وهل يمكن لشخص مهووس "بتحقيق الكمال في كل الأشياء" أن يتطلَّع إلى الوصول إلى الوزن المثالي وشكل الجسم المثالي الذي يريده، بمجرد أن يضع هدفاً؛ والذي هو ببساطة "فقدان المزيد من الوزن"؟

قد تعتقد بصدق أنَّ احتمالية عدم الوصول إلى هدفك المحدد هي سبب لعدم البدء، لكن ما الذي تهدف إليه في المقام الأول؟

دعنا نعود قليلاً لنُقيِّم ما نعنيه بالتسويف؛ إذ إنَّ التسويف كما حدده الباحثون هو: "شكل من أشكال فشل التنظيم الذاتي، الذي يتَّسم بالتأخير غير المنطقي بالقيام بالمهام على الرغم من العواقب السلبية المحتملة".

لقد تحدثنا حتى الآن عن التسويف كما لو أنَّه يعني ببساطة "عدم القيام بشيء على الإطلاق"، ومن الممكن أن يكون كذلك مع مرور الوقت، لكن في الحقيقة هو تأخير القيام بشيء دون وجود سبب.

إذا أجَّلتَ شيئاً ما إلى الغد لأنَّك ببساطة لا تريد أن تقوم به اليوم، فهذا قد يبقى عبارة عن سلوك التسويف، لكن إذا قمت بهذا الشيء غداً، فلا ضرر في ذلك؛ وإنَّما يكمن الضرر في التأجيل المستمر لشيء ما بناءً على معتقدات غير عقلانية أو لاشعورية، التي مع مرور الوقت تعني أنَّك لن تصل إليه أبداً، وقد يبدو هذا واضحاً للغاية، لكن من الهام تحديد ما نعنيه بالضبط قبل السعي إلى إجراء أيَّة تغييرات.

والآن بعد أن أوضحنا ذلك، فنحن نأمل أن يغير هذا من تفكيرك بشأن "ما هو التسويف" بشكل كافٍ لكي تتمكن من تقييم ما إذا كان تسويفك يعوق تقدمك أم لا، ويجب أن يساعدك هذا أيضاً على عدم الحكم على تسويفك.

إقرأ أيضاً: النجاح في إدارة الوقت: 8 خطوات كفيلة بإدارة وقتك والتخلّص من التسويف

3. محاولة الوصول إلى المساعدة والمنتورينغ:

لا يمكنك التوسُّع في الفراغ، فأنت بحاجة إلى الآخرين لدعم رحلتك وتزويدك بتغذية راجعة موضوعية، وإلَّا كيف ستقيِّم بشكل واقعي ما إذا كانت نتيجتك مثالية أم لا على أيَّة حال؟

ابحث عن الآخرين الذين ساروا في نفس الطريق من قبلك، وتواصل معهم ما لم يكونوا شخصيات بارزة، سوف تجد أنَّهم على الأرجح على استعداد للمساعدة، وحتى لو كان من الصعب الوصول إليهم، ابحث عن مقابلات قد أُجريَت معهم أو ابحث عن الإرشادات التي طرحوها علناً سابقاً.

إنَّ جزءاً من المشكلة التي كنتَ تواجهها هو أنَّك تنظر إلى النتيجة المثالية من وجهة نظرك فقط، لكن من خلال فهم ما يعُدُّه المجتمع نتيجة مثالية لشيء ما، ستحصل على فكرة أكثر وضوحاً وواقعية عمَّا تريد أن تهدف إليه، ومن تلك النقطة يمكنك تحديد ما الذي تفتقر إليه، ومن ثم تحديد الفجوات التي تحتاج إلى سدها.

يجب أن تعتاد على تحديد شروطك بشكل أفضل، فكِّر في الأسلوب الذي تستخدمه سواء عند التحدث إلى الآخرين أو من خلال مناجاتك الداخلية، ماذا تقول لنفسك؟

إقرأ أيضاً: ما هو المنتورينغ (Mentoring)؟ ولماذا يعد هاماً؟

4. تغيير المعتقدات:

إنَّ السعي إلى الكمال هو الميل إلى عدِّ كل ما هو أقل من الكمال أمراً غير مقبول على الإطلاق، ما علاقة ذلك بالتأخير غير المنطقي للقيام بالمهام على الرغم من العواقب السلبية المحتملة؟ من وجهة نظر موضوعية يجب أن يثير الكمال الرغبة في الاستمرار في اتِّخاذ إجراءات إلى النقطة الأبعد من النتيجة المقبولة بكثير، وليس الامتناع بشكل غير منطقي عن اتخاذ أي منها.

لذا؛ تحقَّق من نفسك في المرة القادمة التي تنطق فيها عبارة "أنا منشد للكمال" كعذر لعدم قيامك بشيء ما، سواء كان ذلك لنفسك أم لشخص آخر، فأنت لا تعني ذلك لكن لا بأس بذلك، أنت خائف من التغيير فقط كما هو حالنا جميعاً.

لا تجلد ذاتك وحاول أن ترى الأمور على حقيقتها، وابدأ بتغيير القصص "أنظمة المعتقدات" التي تعمل عليها.

المصدر




مقالات مرتبطة