كيف تخترق نظام الدوبامين وتحقق أهدافك في الحياة؟

كيف تخدع ذهنك كي يكمل إنجاز مهمة معينة؟ قد تكون الإجابة عن هذا السؤال صعبة، ولكنَّها في الحقيقة موجودة في كيمياء دماغك؛ واحد من أهم الهرمونات الدماغية هو هرمون الدوبامين، وهو هرمون الإنجاز؛ أي إنَّ إفرازه يتحفز بعد تحقيق إنجاز ويستمر تأثيره أياماً عدة، وهو من الطرائق التي يخدعك بها دماغك لكي يدفعك إلى العمل والجهد والتعب؛ وذلك لأنَّه الوسيلة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة، وكأنَّه نظام مكافأة داخلي، وكأنَّ جسمك يقول لك إذا أنجزت فسوف أكافئك، ولولا هذه المكافأة ربما لم يجد الإنسان أي دافع للإنجاز والنمو والتقدم.



ما هو نظام المكافآت الدوباميني؟

نظام المكافأة عبارة عن دائرة دماغية تسبب مشاعر ممتعة عندما تفعل شيئاً يُشعرك بالرضى، مثل تناول طعام جيد أو الوقوع في الحب أو الانخراط في هواية، وعندما يتم تصنيف نشاط ما على أنَّه ممتع، يستجيب الدماغ عن طريق إنتاج الدوبامين.

يقال إنَّ الإدمان يختطف نظام المكافأة؛ وذلك لأنَّ المخدرات والكحول يغمران الدماغ بشكل مزمن بالدوبامين، ومن أجل الحفاظ على التوازن، يستجيب الدماغ عن طريق تقليل مستقبلات الدوبامين؛ لذا يحتاج الأشخاص الذين يعانون من الإدمان بعد ذلك إلى المزيد من الجهد من أجل الشعور بالرضى بعد أن تعلمت أدمغتهم أنَّ المخدرات والكحول سوف يمنحانهم الدوبامين.

إنَّ تنشيط المسار يخبر الفرد بتكرار ما فعله للتو للحصول على تلك المكافأة، كما أنَّه يخبر مراكز الذاكرة في الدماغ أن تولي اهتماماً خاصاً لجميع ميزات تلك التجربة المجزية، بحيث يمكن تكرارها في المستقبل.

ما هي المكافأة الدوبامينية الاستباقية؟

المكافأة الاستباقية أو التوقعية هي الشعور الجيد الذي تحصل عليه عند التحرك نحو الهدف، فهل سبق لك أن لاحظت أنَّه في بعض الأحيان يكون الشعور بأنَّك على وشك تحقيق هدفك أكثر إثارة من الشعور الذي تشعر به عندما تحقق ذلك بالفعل؟ أو ربما يكون الشعور بالإنجاز قصير الأمد وتنتقل بسرعة إلى هدفك التالي؟

قد تتساءل عما إذا كنت قد اخترت الهدف الخاطئ في السعي وراء السعادة، لكن من منظور تطوري، فإنَّ عقلك يزودك بمشاعر جيدة عندما تتقدم نحو هدفك، لكن يبقى القليل من الحافز عند مجرد تحقيقه؛ وذلك لأنَّ المكافأة الاستباقية لهدف جديد أكثر إثارة من منظور الدوبامين.

إقرأ أيضاً: لماذا نفقد الحافز أحياناً؟ وكيف نحل هذه المشكلة؟

ما هي المكافأة الدوبامينية التامة؟

هذا لا يعني أنَّ تحقيق شيء ما لا يُشعر بالارتياح أبداً، فقد يكافئنا دماغنا بالدوبامين عند الاستهلاك أو الوصول؛ وهذا هو السبب في أنَّ الأشياء جيدة المذاق على سبيل المثال، وتصف "آنا ليمبك" مؤلفة كتاب "أمة الدوبامين" وأستاذة طب الإدمان في جامعة "ستانفورد" كيف أنَّ هذه المكافأة التامة هي بالضبط ما يمكن أن يؤدي إلى "متلازمة بطاطس الأريكة".

إذا كنت تستلقي على الأريكة للتو، فمن المحتمل أن تشعر أنَّ مشاعرك في حالة استقرار نوعاً ما، لكن في الثواني القليلة التي تمضغ فيها رقائق البطاطس، فإنَّك تتلقى ارتفاعاً في مستوى الدوبامين الذي تحصل عليه من المكافأة التامة.

الأمر لا يتعلق فقط بالارتفاع؛ إذ تعتمد مكافأة الدوبامين المستقبلية على مكافأة الدوبامين السابقة؛ وذلك لأنَّ نظامنا العصبي يريد المزيد من التحفيز الذي شعر به منذ قليل، ويؤدي هذا إلى تناقص شعورنا بالسعادة من التحفيز المتكرر للسبب نفسه.

هل يتماشى الجهاز الدوباميني مع تطورات الحياة؟

مثلما لم تتطور أدمغتنا لمواكبة طفرات الدوبامين الهائلة التي تسببها المواد الأفيونية، فإنَّ التطور الطبيعي لم يجهزنا لوفرة المتعة الموجودة في العالم اليوم؛ وذلك لأنَّ عملية تطور الإنسان هي عملية بطيئة جداً تستمر ملايين السنين، أما التطور العلمي والتقني والاقتصادي فهو سريع جداً.

لقد تطورنا لنحصل على المتعة عند تناول الأطعمة السكرية بشكل طبيعي مثل الفاكهة؛ وذلك بسبب محتواها العالي من الطاقة، ولا يمكن للفاكهة أن تنافس كمية السكر في الأطعمة المعالجة الحديثة مثل الحلوى والآيس كريم، وبالطبع تجعلنا الأطعمة غير الصحية نشعر بالمتعة على الأمد القصير، فقد تم تصميم أدمغتنا لتعظيم حافزنا للأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية.

كيف تعمل إشارات الدوبامين على تعزيز التواصل الاجتماعي؟

إنَّ الجلوس وممارسة لعبة على هاتفك أو تصفح وسائل التواصل الاجتماعي أمر ممتع أكثر من بذل قدر كبير من الجهد في تحقيق هدف طويل الأمد، وعندما نشعر كما لو أنَّنا نحقق شيئاً كبيراً عندما نشاهد ارتفاع النقاط في المباراة، نشعر كما لو أنَّنا نتلقى جائزة عندما نتلقى إعجاباً على منشور.

ليس بالأمر السيئ أنَّنا تطورنا لمطاردة مصادر الدوبامين في حياتنا، فلقد تطورنا بهذه الطريقة لأنَّها تساعدنا على التكيف مع الحياة، أما الضرر الحقيقي فيكون عند الحصول على كميات عالية من الدوبامين بشكل مصطنع من أشياء ليست جيدة بالنسبة إلينا.

لذا يجب علينا إعادة ضبط ساعة الدوبامين في حياتنا والعودة إلى الحوافز الطبيعية للدوبامين، على سبيل المثال، إذا توقفت عن تناول السكر بالكامل لمدة شهر، فإنَّ تناول قطعة من الفاكهة سيمنحك فجأة ارتفاعاً كبيراً في الدوبامين، لكن بخلاف ذلك، إذا كان كل ما تأكله هو الحلوى، فلن يكون طعم الفاكهة حلواً على الإطلاق، وقد تكون مباهج الحياة البسيطة مملة أيضاً.

يجعلنا الدوبامين نشتهي الملذات قصيرة الأمد، لكن يجب علينا التخلص من هذه الملذات قصيرة الأمد، أو أخذ فترات راحة دورية، فيمكن أن يتيح لنا الشعور بمزيد من المكافأة السعي وراء أهداف طويلة الأمد.

كيف تخدع النظام الدوباميني لدماغك؟

الخدعة التي ستقوم بها على دماغك هي اختراق نظام المكافأة القائم على الدوبامين والتحكم به بطريقة أكثر فاعلية، وذلك من خلال فصله عن الإنجاز الكلي أو الإنجاز الكبير أو الإنجاز الشامل، وربطه بإنجازات صغيرة ونجاحات أصغر، وبعملية التقدم في الحياة.

شاهد بالفديو: كيف تدفع نفسك للمضي قدماً وتحقيق النجاح؟

لديَّ قناة "يوتيوب" كيف أطورها عن طريق اختراق النظام الدوباميني؟

على سبيل المثال، أنا يوتيوبر ولديَّ قناة على "يوتيوب" أنشر بها الأفكار التي أؤمن بها وأستمتع بها وأشعر بأنَّها تفيد الناس، ولكنَّني أربط إنجازي أو نجاحي بوصولي إلى مئة ألف مشترك، وما دون ذلك أرى نفسي فاشلاً أو غير ناجح بعد.

يُعَدُّ هذا التفكير في غاية الخطورة؛ وذلك لأنَّه يعني أنَّك لن تصل أبداً إلى المئة ألف مشترك لأنَّك ستحتاج إلى فترة طويلة وأنت تنتظر عدد المشتركين يزداد ببطء، ولكنَّه لم يصل بعد إلى عتبة السعادة التي حددتها لنفسك، وبدلاً من هذا التفكير المحبط والسيئ، من الأفضل أن تقسم هدفك هذا إلى مراحل أو إلى أهداف صغيرة ترى وصولك إليها إنجازاً يستحق الفرح والاحتفال، وتستحق عليها كأساً لا بأس بها من الدوبامين.

هذا ما يحفزك على العمل أكثر لأنَّك ستكون قد حصلت على كأس الدوبامين عند الحصول على الألف مشترك، وهذا الدوبامين سيعزز شعورك بالإنجاز والمكافأة وبشكل طبيعي ستعمل بجهد أكبر وبضجر أقل، وستجد نفسك تنجز أكثر وتصل بسرعة إلى مرحلة الخمسة آلاف مشترك لتلتهم الدوبامين بشراهة وحماسة أكبر وتحتفل.

ماذا يحصل لو ربطت الدوبامين بالإنجازات الضخمة فقط؟

فيما لو بقيت تحرم نفسك من الدوبامين وأنت تربطه بالمئة ألف مشترك، فستخسر كل هذه الطاقة وكل هذه الحماسة والاندفاع، وستصبح إنساناً يأخذ الدوبامين أكثر لأنَّك تحفزه أكثر مقابل شخص لا يأخذ الدوبامين إلا بعد الحصول على الإنجازات الضخمة، ومن المعروف أنَّ هذا النوع من الإنجازات لا يحصل كل يوم ولا كل شهر ولا كل سنة، وربما لن تصل إليه أبداً، وتقضي حياتك في حرمان تام من متعة وفائدة الدوبامين.

الماراثون والدوبامين:

لتبسيط الفكرة أكثر يمكنك أن تتخيل نفسك في ماراثون مدته عشر ساعات، فبدل أن تربط الإنجاز بإكمال العشر ساعات وتحرم دماغك من الدوبامين طيلة هذه الساعات العشر، يمكنك تقسيم هذا السباق إلى نقاط أو مراحل تقف عندها، مثلاً عند إكمال الساعة الأولى والثالثة والخامسة والسابعة والعاشرة، تأخذ دقيقة تنظر بها إلى نفسك وإلى ما أنجزته وتقدِّر ذاتك على الجهد الذي بذلته، وتشحن نفسك بالدوبامين ثم تمضي لإكمال بقية المراحل.

لكن لو نظرت إلى الإنجاز على أنَّه إكمال الساعات العشر فقط، فستشعر أنَّ الطريق طويل وممل ومضجر، وستخف الحماسة عندما تجد نفسك راكضاً في الماراثون ولا تجد أيَّة مكافأة أو تحفيز أو هدية أو حتى قارورة مياه، فمن المرجح أن تستسلم وتمتنع عن إكمال الماراثون.

شاهد بالفديو: 7 خطوات تضمن لك التّحفيز الذاتي للنجاح

لماذا يفتقد أغلب الناس الدافع بعد فترة من الزمن؟

لا يقتصر دور الدوبامين على إكمال المراحل الصغيرة، لكن في كل مرحلة أتوقف بها لارتشاف كأس الدوبامين، وأدخل في جلسة تقييم بسيطة وسريعة للمرحلة التي أتممتها، وأحاول استخلاص الإيجابيات والسلبيات واستنباط طرائق جديدة لتلافي السلبيات وتطوير مهاراتي وتصحيح أخطائي استعداداً للمرحلة القادمة، أنا هنا أغذي دماغي بالدوبامين، لذلك نجد أغلب الناس يفتقدون إلى الدافع في مسيرتهم، فهم ينظرون إلى الهدف البعيد ويتعجبون من بعده وطول الطريق الذي سيسلكونه إليه، فينتهي بهم المطاف إلى الجلوس في بيوتهم بعد خطوتين من بدء المسير.

إقرأ أيضاً: قيمة الحياة في أهدافها

لا تعلِّق كل آمالك على خط النهاية:

يجمع علماء النفس على ضرورة عدم تحميل إنجاز معين آمالاً بسعادة لا توصف ستشعر بها عند تحقيقه؛ وذلك لأنَّك إن بقيت تنتظر هذا الإنجاز وتحمل عليه الأمنيات والآمال، فمع مرور الوقت سيأتي هذا الحدث في يوم ما وبعد طول انتظار لتجد نفسك سعيداً به، لكن ليس إلى تلك الدرجة التي توقعتها أو تمنيتها أو تخيلتها في ذاكرتك مراراً وتكراراً.

في الحقيقة أي إنجاز كبير ستصل إليه ستفرح به بعض الوقت، ولكنَّك ستستيقظ في اليوم التالي وأنت تبحث عن هدف آخر وتهتم بمسؤوليات أخرى جديدة، لذلك ننصحك بالاهتمام بالإنجازات المرحلية الصغيرة، ولا تعلِّق كل آمالك على الهدف الكبير أو النهائي.

في الختام:

لا شك في أنَّك ستمر في مراحل من الإنجاز والركود، وهذا أمر طبيعي وهو جزء هام من إيقاع الحياة لا يمكن تلافيه بشكل كامل، لكن ما هو هام في أثناء فترات الركود هو التركيز على الاستمتاع بالإنجازات الصغيرة أو المرحلية، وتذكر أنَّك قادر دائماً على الاستفادة وبناء الخبرة في ظل الظروف السيئة، فهذا ما يقويك في أوقات الركود ويجعلك متيقناً أنَّها فترة لا بد منها، ولا بد لها أن تنتهي مهما طالت، ومن ثم يأتي وقت الإنجاز الذي تجني فيه ثمار تعبك وتفكيرك وعقليتك.




مقالات مرتبطة