كيف تحقق المرونة العاطفية؟

اسمي "جاك جيرارد" (Jakk Gerard)، وأذهب إلى صالة الألعاب الرياضية يومياً لأكثر من 1100 يوم على التوالي. قد يبدو لك الأمر صعباً، وأنَّ الوصول إلى هذا المستوى من الثبات والتفاني إنجازٌ يستحيل بلوغه، أو بعبارةٍ أخرى غير عملي أو واقعي، لكنَّني أؤكد لك أنَّ الواقع بخلاف ذلك.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون "جاك جيرارد" (Jakk Gerard)، والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته في الالتزام بممارسة الرياضة لمدة 1000 يوم، وخطوات الالتزام بتحقيق الأهداف.

لم أكن بهذا الثبات والالتزام في البداية، ومررتُ بمرحلةٍ مفصلية في حياتي، شعرتُ فيها بعدم الإنجاز، والافتقار إلى الانضباط، ولم يكن لديَّ أدنى فكرة عن كيفية المضي قدماً أو ما هي الخطوات الأولى التي عليَّ اتخاذها، لكنَّ هذا لا يعني افتقاري إلى الطموح؛ وإنَّما افتقاري إلى الثبات والتفاني.

إذاً كيف انتقلتُ من شخصٍ يتردد إلى صالة الألعاب الرياضية بضع مراتٍ إلى شخصٍ يقضي الآن أكثر من 10% من حياته في النادي؟ أؤكد لك أنَّ لا علاقة لجرعات البروتين أو كمال الأجسام بذلك؛ إذ يتعلق الأمر بتطوير المرونة النفسية.

تعلمتُ بعض الدروس لتطوير العقلية على مدار رحلة الالتزام بأداء التمرينات الرياضية، والتي ساعدَتني على التغيير، وقبل الخوض في التفاصيل، من الضروري معرفة أنَّ تحقيق الأهداف أمرٌ ممكن، بغض النظر عن مدى تشكيكك بنفسك أو قدراتك أو ملائمة الظروف المحيطة؛ فأنت قوة لا يُستهان بها، فقط عندما تتعلَّم كيفية توجيه طاقتك بشكلٍ صحيح؛ وبهذا تُطوِّر المرونة النفسية.

1. أخذ الخطوة الأولى:

تُعَدُّ البدايات الجزء الأصعب من عملية التغيير، ثق بي، فأنا أعي تماماً صعوبة البداية، فقد مررتُ بأيام لم أتمكَّن فيها من الخروج من السرير في الصباح لأشهر عدَّة، ناهيك عن صعوبة اتخاذ خطوات نحو أهدافي.

لقد بدأتُ عملية التغيير من الصفر؛ حيث لم أكن أتعثر، ولكن لم أتمكَّن من تجاوز خط البداية، فقد توفي والدي فجأة، وتركَتني زوجتي السابقة بعد بضعة أشهر من جنازته، فأُصبتُ بخوف من الإصابة بمرض السرطان، وحاولتُ بشدة استعادة زمام أمور حياتي، ومن ثم تعلمتُ درساً هاماً من كل ما مررتُ به وهو: ليس الهام من أين تبدأ ولكنَّ الهام هو أن تبدأ فحسب.

عندما أنظر إلى الوراء، أدرك أنَّ أهم يوم لم يكن يوم إكمالي لتحدي الـ 90 يوماً، كما لم يكن اليوم 365 أو حتى اليوم 1000؛ وإنَّما هو اليوم الأول، ويمكن وصف اليوم الأول بأنَّه بطيء كمصعدٍ ثقيل؛ وذلك لأنَّ معظم الطاقة سوف تُستنزَف دائماً خلال إحراز التقدم في البدايات، ولكنَّ كثرة المحاولة تُقلِّل الجهد المبذول للتحرك وتسمح بالمضي أبعد من ذي قبل وبشكل أسرع، فابدأ التنفيذ والتركيز على الاستمرار في التقدم بدلاً من الوصول إلى الكمال؛ وذلك لأنَّ الكمال هو عدو العمل.

إقرأ أيضاً: ما هو السبيل إلى تغيير نفسك وعيش الحياة التي تستحقها؟

2. تحمُّل المسؤولية:

عندما تلقي الحياة في طريقنا عقبات لا يد لنا فيها، فلا نملك سوى أن نختار مواجهتها والتغلب عليها، فعندما مررتُ بمرحلة تدنَّت فيها طاقتي، وانخفض مستوى دوافعي، ابتكرتُ مبدأً يسمى "المنتصر، أو الضحية، أو الشرير".

فكنتُ أتخيل نفسي في ثلاثة أدوارٍ رئيسة لمواجهة الموقف: الشخص الشجاع، أو الشخص المستسلم، أو الشخص البغيض؛ مما وضعني موضع المُتحكِّم بقدري، وسمح لي بإدراك حريتي في الاختيار، فلا يمكن أن تحاصرنا الحياة إذا آمنا بقدرتنا على الاختيار.

وهذا لا يعني أنَّنا لن نواجه المتاعب أو نعاني منها بعد الآن، أو أنَّ قدراتنا لن تتأثر في الظروف الحقيقية؛ بل على الرغم من أنَّ مواجهة الظروف الصعبة أمرٌ لا مفر منه، لكن يمكننا أن نخلق هدفاً ذا معنى جرَّاء مواجهة هذه الظروف.

رسمتُ طريقي وقررتُ تحويل الطاقة السلبية كلها التي كنتُ أعاني منها إلى شيء إيجابي، فلَم يكن الأمر سهلاً، لكنَّني آمنتُ بأنَّه سيُسفر عن نجاحات مبهرة؛ حيث بدأتُ اختيار مسار المقاومة لنفسي، فكنتُ أقاوم رغباتي حتى في صعود الدرج بدلاً من المصعد، وحاولتُ التفكير في الشخص الذي أردتُ، وفكرتُ في اختياراته الصعبة، وفعلتُ ذلك.

أنت البطلُ في قصتك؛ وذلك لأنَّ حياتك لك وحدك؛ حيث يمكنك اختيار توظيف كل من الأشياء الجيدة والسيئة التي تواجهها لصالحك، كدافع لتصبح ما تريد أن تكون.

3. العمل على تحديد الهدف:

مررتُ بالعديد من الأيام العصيبة؛ حيث كانت لدي الحجج للتوقُّف عن التدريب، كالشعور بعدم الارتياح، أو الإصابة، أو الرغبة في أخذ عطلة، أو مجرد المرور بيوم سيئ، لكنَّ ما منعني من الاستسلام هو الهدف الذي نصبتُه أمام عيني.

حددتُ هدف حياتي من قبل، ولم أكتشفه عن طريق الصدفة؛ فإذا التزمتَ المبدأين السابقين وحددتَ هدفك بوضوح، فسوف تدرك مدى قوَّتك بسبب اختياراتك، فمن خلال استيعاب مبدأ قوة الاختيار، ستتمكن من الانتصار على أي ظرفٍ كان، وسترى أنَّك تستطيع تحديد مصيرك في نهاية المطاف.

اجعل هدفك عظيماً قدر الإمكان؛ حيث يصبح السؤال عن كيفية تحقيقه تافهاً، وسيوفر لك تحديد الهدف بعض الدوافع التي ستكون في أمسِّ الحاجة إليها في الأوقات الحرجة، كما سيساعدك على تقدير وقت فراغك، وتحديد النشاطات البسيطة الهامة، مثل تخصيص ساعة إضافية للتدريب أو اختيار موعد النوم في وقت مبكر؛ إذ ستُعلِّمك هذه النشاطات الدروس اللازمة التي ستساعدك على أن تخطو بخطواتٍ أقرب نحو مستقبلك.

شاهد بالفيديو: 10 مبادئ أساسية لتحديد أهدافك ورسم طريقك للنجاح

4. مكافأة نفسك:

أُعزي نجاحي إلى عوامل داخلية وليس عوامل خارجية، على سبيل المثال: كان هدفي من الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية هو مجرد الذهاب فقط، وليس الوصول إلى وزنٍ معين.

غالباً ما يتوقف الناس عن محاولة بذل 90% من طاقتهم لمدة 3 أسابيع دون رؤية أيَّة نتائج؛ إذ ترتكز الحماسة للقيام بالعمل على المقاييس وزيادة حجم الرصيد المصرفي، أو الارتقاء بالمسمى الوظيفي، أو أيِّ عوامل خارجية قد تدفعك إلى الأمام، وهذا يؤثر في عواطفك واستمرارك في العمل.

وهذه هي إحدى أعظم الحيل لخلق تغييرٍ حقيقي، فكن لطيفاً مع نفسك قبل كل شيء، فقد يعني إعلان الهدف للملأ ببساطة الاعتراف بمحاولة الوصول إليه بكل جهدك، وهذا يكفي.

5. عدم الاعتياد على الراحة:

أحد أصعب التحديات في طريق التغيير والثبات هو محاولة البقاء في حالة من عدم الراحة؛ حيث يُعَدُّ الوصول إلى هدفٍ بعيد المنال والاكتفاء بما أنجزناه أمراً مرغوباً فيه، لكن يجب العلم أنَّه في اللحظة التي نتباطأ فيها أو نتوقَّف عن العمل، سنخسر.

عندما اقتربتُ من الوصول إلى اليوم 1000 من التحدي، سألني كلٌّ من العائلة والأصدقاء والاختصاصيين الاجتماعيين عما يجب أن أفعله للاحتفاء بهذه المناسبة، ومازحني معظم الناس قائلين: إنَّه يجب عليَّ أن آخذ يوم عطلة وأستريح، وأوصاني بعضهم بالاكتفاء بذلك، ضمنياً كان من الممكن موافقتهم الرأي؛ إذ يُعَدُّ الاستمرار لمدة 1000 يوم متتالٍ في فعل أي أمر بحد ذاته إنجاز.

كان من الممكن أخذ قسطٍ من الراحة أو التوقُّف، لكنَّني لم أُرِد أن أفقد الحماسة كلها التي بنيتُها؛ لذا قررتُ رفع مستوى عملي، بدلاً من الراحة، فالتزمتُ ركوب الدراجات لـ 100000 متر والقيام بـ 10000 تمرين لرفع الأثقال، كما رفعتُ ما مجموعه 100 طن عبر 10 تمرينات مختلفة يومياً، وكانت غايتي جمع المال لمساعدة عمال الخطوط الأمامية الذين يقاتلون لمكافحة فيروس كورونا.

استغرقَ التحدي 17 ساعة يومياً لإكماله، لقد كان مُرهِقاً، لكنَّه استحقَّ العناء، وبطبيعة الحال، هذا مثالٌ مبالغٌ فيه، فالبدء بالتنفيذ هو نصف المعركة؛ حيث يمكن العثور على طرائق صغيرة وواقعية للخروج من منطقة الراحة والاستعداد للنجاح.

"تخطَّ حدودك ببطء، ربما ستكتشف أنَّ حدودك من صنع الخيال فقط".

6. التركيز على هدف واحد:

 لم ألتفت إلى الوراء عندما وضعتُ هدفي اليومي بالذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، لقد خططتُ عمداً لرحلاتٍ طويلة الأمد مع التوقف المستمر للتمرُّن في صالة الألعاب الرياضية في المطار، حتى عندما أُصِبت، فقد حافظتُ على مهمة التدريب من خلال التركيز على العضلات التي لن تؤثر في إصابتي، فليسَ من الخطأ أخذ فترات راحة بين الفينة والأخرى، وفي الواقع يشكل التوقف والاستراحة في بعض الأحيان قراراً مناسباً، لكنَّني فضَّلتُ المواصلة؛ وذلك لأنَّني كنتُ أعلم أنَّه الخيار الأنسب والأكثر أماناً وصحةً بالنسبة إليَّ.

أهم ما يمكن تعلُّمه هو التركيز بشدة على أمرٍ واحد والحفاظ على الحضور الذهني وعقد العزيمة على بلوغ الهدف، فعندما اعتقدتُ لوهلةٍ بأنَّني لن أكون قادراً على الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية في أثناء حظر التجول، بنيتُ على الفور صالة ألعابٍ رياضية في بيتي؛ حيث كنتُ ملتزماً بالاستمرار بثبات، حتى عندما تنقلب حياتنا رأساً على عقب في كثيرٍ من الأحيان، ويشكل هذا سبباً كافياً لنستمر في التركيز على هدفنا وحده، كما إنَّه يساعدنا على استجماع القوة الداخلية لنتخطى الحدود.

إقرأ أيضاً: 4 استراتيجيات للتركيز على أهدافك وتجنب عوامل التشتيت

7. تحديد الاتجاهات، وليس الوجهات:

يسألني الناس كثيراً عن هدفي النهائي أو موعد التوقف عن ممارسة التمرينات الرياضية، وما إذا كنتُ سأتوقف بشكلٍ نهائي أم لا، ولأكون صادقاً، لن أستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة؛ وذلك لأنَّ هدفي بالذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية متجدد كل يوم، فأنا أذهب يومياً؛ لأنَّني أريد أن أذهب فقط.

يمكنني استخدام التزامي بتنفيذ هدفي كوسيلة لأصبح ما أحتاج في سبيل تحقيق هدفي، فلا توجد وجهة حقيقية، فقط اتجاه إلى الأمام دوماً، والحقيقة هي أنَّ الإمكانات التي تهِبُها لنا الحياة تفوق مقدرتنا على التخيُّل بكثير، فليس هناك سبب لاستخدام خيالنا المحدود لكبح جماح أنفسنا.

وهذا هو خطر تحديد الوجهات؛ لأنَّه لا حدود لقدراتنا في الحياة، فأنا أعتقد اعتقاداً راسخاً بأنَّني لو لم ألتزم بتخطي تحدي الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية لمدة 90 يوماً، لما استطعتَ عزيزي القارئ قراءة هذه الكلمات الآن.

لم يكن الوصول إلى نهاية تحدي الـ 90 يوماً نهاية طريقي؛ وإنَّما كان البداية، بالتأكيد تركتُ مجالاً للخيارات الأخرى، حتى إذا ما أحببتُ تغيير المسار في المستقبل؛ حيث وضعتُ لنفسي معالم الطريق وليس الحدود.

في الختام:

أدرك الآن بأنَّ حضوري إلى الصالة الرياضية لمدة 90 يوماً ثم 1000 يوم كان هدفاً تعسفياً بشكلٍ لا يصدق، والحقيقة أنَّها عملية لم يكن لها في الواقع علاقة تُذكَر بالهدف الأسمى، وهو "اكتساب عادة الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية كل يوم"؛ حيث ارتبط تحقيقُ الإنجاز والاستمرار في المحاولة الحثيثة كل يوم، ورفض الاستسلام، وضمان أنَّني أفضل مما كنتُ عليه في السابق.

إذا قررتَ تكريس نفسك لتعلُّم حرفةٍ أو تحقيق هدف كل يوم لمدة 90 يوماً، فهذا سيغير وجهة نظرك حول العالم، وستدرِك مدى بساطة الأمر وسهولة الوصول إلى أهدافك، فقد لا تشعر بإمكانية تحقيق الأهداف اليوم، لكنَّ الأمر ربما سيكون أسهل وأقرب بالنسبة إلى الشخص الذي ستصبح عليه غداً مع الاستمرار في العمل.

المصدر




مقالات مرتبطة