ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون كارل بولين (Carl Pullein)، والذي يحدثنا فيه عن خرافة الكمال، وضرورة التوقف عن السعي إلى تحقيقه.
لطالما بدا الكمال وكأنَّه كلمة إيجابية بالنسبة إلي، فما الذي يمكن أن يكون أفضل من الكمال على أي حال؟
إذا كنت لا تتمكَّن من تخطي وهم الكمال، فقد حان الوقت للقيام بذلك؛ وستتعلم في هذه المقالة فوائد عدم السعي وراء الكمال، وكيف يمنحك ذلك شعوراً رائعاً بالحرية.
لنبدأ بجني الفوائد:
لقد بدأت جميع الاختراعات المذهلة التي نحتفل بها اليوم بطريقة غير مثالية، فعلى سبيل المثال: لقد اختُرِع أول جهاز آيفون (iPhone) وأول صاروخ "سبيس إكس" (Space X) وأول سيارة كهربائية في حالة أبعد ما تكون عن الكمال؛ ومع ذلك، لا يزال الناس يحبون هذه الاختراعات ويشترونها؛ ومع كل ظهور جديد لهذه المنتجات، كانت تتحسن كثيراً، لدرجة أنَّك إذا قارنت أحدث إصدارات آيفون (iPhone) بالجيل الأول منه، فستُقِرُّ فوراً أنَّ أول آيفون (iPhone) كان أبعد ما يكون عن الكمال.
لقد كانت كل هذه الاختراعات عملاً قيد التنفيذ ذات يوم، ولم تكن مثالية بالتأكيد، لكنَّهم استمروا في تطويرها، وبقي الناس يتمتعون بها كثيراً؛ وبمجرد ظهورها في السوق، استقبلت الشركات التغذية الراجعة عن منتجاتها للعمل على تحسينها تدريجياً.
تخيل لو لم يُطلَق "فالكون 1" (Falcon 1) من "سبيس إكس" (Space X)، هل كنَّا سنشهد إطلاق فالكون الثقيل (Falcon Heavy) المدهش؟
لقد أدَّت الدروس المستفادة من إطلاق شركة "سبيس إكس" (Space X) صاروخها الأول، إلى إجراء تحسينات في إطلاقها الصاروخ الثاني؛ وأصبح لدينا في عام 2018 سيارة "تيسلا رودستر" (Tesla Roadster) تهيم في الفضاء الخارجي؛ ولو أنَّ المهندسين في "سبيس إكس" (Space X) كانوا قلقين بشأن الكمال، لما كان لأيٍّ من هذا أن يحدث، وربَّما كانوا لا يزالون يعملون على "فالكون 1" (Falcon 1) حتى الآن.
هذه هي مشكلة الكمال، حيث إنَّه يمنعك من إنجاز العديد من الأشياء التي يمكنك تحقيقها من خلال المحاولة ومشاركة أفكارك وعملك ومهاراتك مع العالم؛ فلا تستفيد -نتيجة لذلك- من التغذية الراجعة اللازمة لتحقيق نتائج أفضل، ممَّا يعني أنَّ العالم لن يستفيد من الأشياء الرائعة التي يمكنك القيام بها.
فيما يأتي خمس نصائح قد تساعدك على التخلص من سعيك إلى الكمال حتى يستفيد العالم من أفكارك وأعمالك:
1. لا تسعَ إلى الكمال، فقد بدت كل الأشياء العظيمة غير مثالية في البداية:
لن تكون محاولاتنا الأولى في أي شيء مثالية تماماً، حيث يستغرق تطوير المعرفة والمهارات اللازمة لتحقيق الكمال في شيء ما وقتاً طويلاً، وقد يحتاج إلى تحسين إضافي فيما بعد؛ لكن لا ينبغي أن يمنعك هذا من العمل والمحاولة، بل يجب أن تشجعك هذه الفكرة لتتحسن في كل منعطف وكل محاولة.
تذكَّر أنَّ الهدف ليس الوصول إلى الكمال، بل إنشاء شيء ناجح يتردد صداه لدى الناس، ويتحسن مع الوقت والصبر والجهد المستمر.
2. لا تخشَ التغذية الراجعة:
كثيراً ما يتردد الناس بشأن أفكارهم وآرائهم، اعتقاداً منهم أنَّها أفكار أو آراء غبية أو ساذجة؛ ولكن ليس هناك فكرة أو رأي غبي، فقد بدأت كل الأفكار العظيمة من نقطة ما، ثم طُرِحت على الملأ ليُقدِّم الناس تغذية راجعة حولها.
تبدأ الأفكار العظيمة من خلال التغذية الراجعة التي تساعد أصحابها على تطويرها وتحسينها؛ ممَّا يعني أنَّ تأخير إصدار منتجك أو فكرتك حتى تتقنها إتقاناً تاماً لن يجعلها مثالية أبداً، ويرجع هذا إلى ضرورة تلقي تغذية راجعة عمَّا تُصدِّره إلى الناس لتتمكَّن من تحديد نقاط القوة والضعف وتعزيز مميزات المُنتَج أو الفكرة.
حتى إذا وجدت أنَّ فكرتك مثالية، فقد تمنحك آراء الآخرين ورؤيتهم منظوراً جديداً حول سبل التحسين، أو قد يكون هذا النقد هو ما تحتاج إليه لتحفيزك على استكمال ما بدأته.
لقد قال تيد تيرنر (Ted Turner) -مؤسس شبكة سي إن إن (CNN)- أنَّه عندما أخبر الناس بفكرة تأسيس هذه الشبكة الإخبارية، سخر منه الجميع؛ لكنَّه تأكد حينئذٍ من مدى جودة الفكرة، وعمل على تنفيذها على أرض الواقع، وها هي مصدر للأخبار يعتمد عليه العالم أجمع.
3. اعلم أنَّ السعي إلى الكمال ما هو إلَّا مجرد خوف:
الحقيقة أنَّ السعي وراء الكمال ما هو إلَّا شكل من أشكال الخوف، والذي غالباً ما يكون خوفاً من النقد أو عدم الإعجاب بفكرتك.
يعدُّ الفشل أصعب ما يمكن على المرء تخيله، سواء أكانَ فشلَ فكرته أم فشله هو شخصياً؛ ولكنَّ الخوف في الواقع حالة ذهنية وليست جسدية، وبالتالي يمكن تغييره أو التخلص منه، خاصة المخاوف غير المنطقية بشأن الكمال، والتي بوسعك التغلب عليها من خلال تحليل الأسباب التي تدفعك إلى الخوف، وتخيُّل أسوأ سيناريو لعدم كمال فكرتك أو عملك.
بمجرد ما إن تدرك أنَّ أسوأ ما قد يحدث هو انتقاد أحدهم لعملك، ستعرف ألَّا داعي للخوف؛ فالنقد وسيلة رائعة لمساعدتك على تطوير فكرتك وتحسينها، وستعرف من خلاله المزيد عن آراء الناس واقتراحاتهم، فتصبح فكرتك أكثر جاذبية لمزيد من الجمهور.
4. لا تخشَ الإخفاقات، فهي رائعة أحياناً:
انظر إلى أي رجل أعمال عظيم وسترى مساراً مهنياً مليئاً بتجارب الفشل والإخفاقات، فقد فشل ستيف جوبز (Steve Jobs) في كل محاولاته تقريباً حتى عاد إلى شركة آبل (Apple) وأصبح المدير التنفيذي لها في عام 1997؛ كما عانى إيلون ماسك (Elon Musk) من الفشل في حياته أكثر من معظم الناس؛ ورغم ذلك، لم يستسلم أحد منهما، واستمرا في الإبداع والإنتاج والمضي قدماً رغم جميع النكسات.
تفشل تجاربنا في الحياة بنسبة 90%، وتنجح بنسبة 10%؛ وما يهمنا هو تلك الـ 10% بالتأكيد، ولكنَّ هذا لا ينفي أنَّ الـ 90% ضرورية للتعلُّم والتطور وتحقيق النجاحات؛ لذا، تقبَّل الفشل والتقلبات كجزء من رحلتك، وتعلَّم منهما.
5. تأكد أنَّ الحياة ليست مثالية:
"لسنا كاملين، ولم نُخلَق للبحث عن الكمال؛ فقد خُلِقنا بشراً نخطئ ونُصيب، ونجرب ونتعلم" - ويليام شكسبير (William Shakespeare).
نحن لم نُولَد كاملين، ولن نموت كذلك؛ فالكمال لله سبحانه وتعالى وحده، وقد يرى الآخرون ما يُعدُّه بعض الناس مثالياً أنَّه ليس كذلك، وذلك بناء على اختلاف المبادئ والأماكن والشخصيات.
تدور الحياة حول النجاحات والإخفاقات، والفشل مجرد درس؛ فإذا تعلمنا منه، تقدَّمنا وأصبحنا أشخاصاً أفضل، وتطورت معنا أفكارنا؛ فنحن بشر، ونعيش ونرتكب الأخطاء، ثم نتعلم ونتحسن؛ وبالتالي، لن نكون كاملين أبداً، وهذا أمر طبيعي.
إذا أصبح الجميع مثاليين، فسيصبح العالم مملاً للغاية؛ لذا احتفل بعيوبك وإخفاقاتك؛ فهي التي تشكل هويتك الحقيقية.
الكمال غير موجود حقاً:
إذا كنت تشعر أنَّ الكمال صعب المنال، فأنت لست وحدك؛ إذ يشعر أغلبنا بذلك؛ لكن ما عليك أن تدركه أنَّه لا يوجد شخص كامل، ولا توجد فكرة مثالية؛ لذا، تقبَّل فكرة أنَّ السعي وبذل الجهد أمر جيد بما فيه الكفاية، وسيدفعك ذلك إلى طريق النجاح في نهاية المطاف.
تخلَّ عن السعي وراء الكمال، وحاول إيصال فكرتك إلى العالم بدلاً من التركيز على النتيجة النهائية التي لن تكون كاملة مهما فعلت.
أضف تعليقاً