كيف تحصل على قسطٍ من الراحة؟

إنَّ الشيء الذي يميز قضاء وقت طويل في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي هو أنَّ هذا الأمر غالباً ما يجب أن يكون نشاطاً مريحاً، فقد يبدو كذلك لأنَّك بالكاد تتحرك من مكانك، وربَّما تكون مستلقياً، ومع ذلك متى كانت آخر مرة انتهيت فيها من استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي وشعرت بأنَّك استعدت نشاطك؟



عليك أن تعلم أنَّ الراحة أمرٌ هام؛ فهي الحالة التي تتعافى بها أجسامنا وتنمو وتصبح أذهاننا أكثر ذكاءً وإبداعاً وتتجدد قوة الإرادة وتكتسب القدرة على التحكم بالعواطف.

الراحة هامة جداً للعمل بطريقة سعيدة وصحية ومستدامة؛ لذا من الحكمة أن نفكر بالراحة على أنَّها جزء لا يتجزأ من القيام بعمل جيد وليس على أنَّها شيء منفصل عنه؛ ففي بعض الأحيان إنَّ عدم القيام بأي شيء على الإطلاق يُعَدُّ عملاً.

لكن هناك علمٌ وفنٌّ وراء الراحة الجيدة، وليست أشكال الراحة كلها متساوية؛ فقد اتَّضح أنَّ كثيراً من الأنشطة التي نظنُّ أنَّها مريحة قد تجعلنا نشعر بمزيدٍ من التعب والتوتر.

قبل أن نتكلم بالتفصيل عن أفضل الطرائق للراحة من المفيد الاتفاق على تعريف مشترك لها؛ فيتفق معظم الباحثين على أنَّ الراحة هي حالة فيزيولوجية تتضاءل خلالها استجابة الكَرِّ أو الفَرِّ لتنعم بحالة أكثر استرخاءً؛ فينخفض ​​معدل ضربات القلب وضغط الدم، وعادةً ما تشعر باسترخاء في كتفيك أيضاً.

من الناحية النفسية تُعَدُّ الراحة تحولاً من طريقة التفكير التي تتطلب التركيز وبذل الجهد - كالسعي الجاد لحل مشكلة أو محاولة اكتشاف أفضل طريقة للتعبير عن فكرة موضوع معقد - إلى حالة تتسم أحياناً بشرود الذهن أو عدم القدرة على التركيز.

قد يكون كلٌّ من "التوتر" و"الراحة" أمرين شخصيَّين إلى حدٍّ ما، فقد يكون الجري لمسافة خمسة أميالٍ نشاطاً مريحاً لبعض الأشخاص ومرهقاً لغيرهم، إلَّا أنَّ هناك بعض الجوانب الضرورية لأيِّ نشاط مريح فعلياً.

1. لا تمارس عادة ضبط النفس عند العمل:

في البداية قد يتطلب الأمر قوة الإرادة لمقاومة الشعور بالقلق فيما يخص العمل أو غيره من المشكلات التي تبدو ملحة، لكن عندما تنعم بالراحة من المُفترض أن تشعر بسهولة القيام بهذا الأمر.

إنَّ محاولة الحصول على الراحة بصعوبة كإجبار نفسك على الاستماع إلى الموسيقى والتنفس بعمق عندما يكون كل ما تريده فعلياً هو الرد على رسائل البريد الإلكتروني، يتعارض مع الهدف الكامن وراء الراحة؛ لذلك ينبغي عليك إمَّا أن تجد نشاطاً يريح ذهنك أو أن تنهي عملك وتحاول الاسترخاء بعد ذلك.

2. لا تفكر بوعيٍ في عملك:

ربَّما ما يزال عقلك الباطن يربط بين الأمور ويحل المشكلات؛ لكنَّ عقلك الواعي لا يفكر في الأمور التي تتعلق بعملك، ولا يُرَكِّز على شيء مُحدد، وبالمثل لا يمكن أن يكون النشاط الذي يبعثُ على الراحة هو النشاط الذي يثير القلق.

3. لا تجعل النشاط يعرقل قدرتك على النوم، وهو الشكل النهائي للراحة:

إذا كانت مشاهدة التلفاز - وليس الأخبار - تشعرك بالتسلية ولا تؤثر في نومك فلا مشكلة في فعل ذلك، لكن عليك أن تنتبه من ذلك؛ فتشير الدراسات إلى أنَّ القيام بهذا النشاط في غضون ساعات قليلة قبل النوم يمكن أن يؤثر في النوم؛ فقد يكون السبب هو الضوء الأزرق المنبعث من الشاشة.

إذا كنت تواجه صعوبة في النوم أو البقاء نائماً، فمن الأفضل التوقف عن مشاهدة التلفاز في وقت متأخر من الليل.

إقرأ أيضاً: اضطرابات النوم: أنواعها، وأعراضها، وأسبابها، وطرق التخلص منها

توجد العديد من النشاطات التي تفي بالمعايير المذكورة أعلاه للراحة؛ لكنَّ بعضاً منها على وجه الخصوص أثبتت فوائدها:

1. المشي:

في دراسة بعنوان "امنح أفكارك الاهتمام" (Give Your Ideas some Legs) وجد باحثون من جامعة "ستانفورد" (Stanford University) أنَّ الأفراد الذين أخذوا استراحة قصيرة بين 6 إلى 15 دقيقة سيراً على الأقدام، ازداد تفكيرهم الإبداعي بنسبة 40 إلى 60% مقارنة بأولئك الذين ظلوا جالسين في مكاتبهم.

في البداية توقعوا أنَّ زيادة تدفق الدم إلى الدماغ كان السبب الرئيس وراء الفوائد الناجمة عن المشي، لكن يبدو أنَّ الفوائد قد تظهر أيضاً من خلال التفاعل بين المشي والانتباه؛ فلا يتطلب المشي كثيراً من التفكير الذي يتطلبه بذل الجهد؛ ممَّا يسمح لنا بسهولة بالشرود والتشتت الذهني، وكلاهما مرتبطٌ بالإبداع.

2. قضاء الوقت خارجاً مع الأصدقاء:

تُمثل نسبة هرمونات التستوستيرون إلى الكورتيزول مؤشراً جيداً على التوتر والتعافي؛ إذ يرتبط هرمون التستوستيرون بالنمو والتجدد، في حين يرتبط هرمون الكورتيزول بالتوتر والتدهور؛ لذلك كلما ارتفعت النسبة كان ذلك أفضل.

لقد وجدَت الدراسات أنَّه في الفترات العصيبة مثل حدث رياضي تنافسي على سبيل المثال، فإنَّ الأشخاص الذين يسترخون مع الأصدقاء ترتفع لديهم نسبة هرمون التستوستيرون بسرعة أكبر، كما تُظهِر أبحاث أخرى أنَّ التواصل الاجتماعي يساعد على تحويل الجهاز العصبي إلى حالة من الراحة ويطلق الهرمونات التي لها خصائص مضادة للالتهابات مثل الأوكسيتوسين والفازوبريسين.

3. قضاء الوقت في الطبيعة:

يرتبط الوقت الذي تقضيه في الطبيعة بحالات فيزيولوجية ونفسية أكثر استرخاءً؛ فحتى مجرد النظر إلى صور الأماكن الطبيعية لبضع دقائق ثبت أنَّه يزيد من التفكير الإبداعي، وترى "فلورنس ويليامز" (Florence Williams) صاحبة كتاب "علاج الطبيعة" (The Nature Fix) أنَّ الطبيعة تُهدِّئُنا بسحرها، ممَّا يساعدنا على إراحة كامل جسدنا وتوجيه انتباهنا إلى قدراتنا.

شاهد بالفديو: 10 نصائح للحصول على الراحة النفسية

4. التنزُّه:

يَجمعُ التنزه ما بين الاستراتيجيات الثلاث المذكورة أعلاه؛ فقد وُجِدَ أنَّ جولات المشي الجماعية في الغابة تُقلل هرمونات التوتر وتُخفف كلَّ جزءٍ تقريباً من استجابة الكَرِّ أو الفَرِّ للحصول على التأثير الكامل لجولات المشي الجماعية؛ لذا اترك هاتفك الذكي أو على الأقل أوقف تشغيله إذا كنت تشعر بالحاجة إلى إحضاره، فلا يوجد إطلاقاً أيُّ شخص ندم على خروجه في نزهة مع الأصدقاء دون إحضار هاتفه.

5. ممارسة التأمل:

انتبه جيداً إلى الأحاسيس التي تشعر بها في أجزاء مختلفة من جسدك، فقد تغمض عينيك وتُركِّز بعمق على الشعور بقدميك على الأرض، ثمَّ تنقبض أوتار الركبة، ثم تسترخي، وترتفع معدتك وتهبط مع كل نفس، وينبض قلبك، وما إلى ذلك؛ فتشير الدراسات إلى أنَّ ممارسة تأمل المراقبة المفتوحة لمدة 10 دقائق فقط في البداية، يؤثر تأثيراً فعالاً في تعزيز التعافي النفسي.

6. النوم:

إنَّ الشيء الواضح هو عدم وجود شكل من أشكال الراحة أقوى من النوم؛ ففي أثناء النوم يتعافى جسدك وينمو ويحتفظ عقلك بالمعلومات التي تعرَّض لها خلال اليوم ويعززها ويربطها؛ فيمكن أن تمنحك القيلولة القصيرة من 10 إلى 30 دقيقة دفعة من الطاقة والإبداع، لكن لا شيء يمكن أن يحل محل الأهمية الهائلة للنوم من سبع إلى تسع ساعات كل ليلة، ببساطة إنَّ النوم هو أحد أكثر الأشياء إنتاجية التي يمكنك القيام بها.

عندما يتعلق الأمر بالقدر الذي يجب أن تستريح فيه على الرَّغم من عدم وجود إرشادات مباشرة، إلَّا أنَّ ثمة بعض النصائح التي يمكن أن تساعدك على ذلك.

من الجيد أن تُوازن بين التوتر والراحة؛ فكلَّما زاد التوتر في حياتك يجب أن تعوضه بالراحة، وإحدى الطرائق الأخرى الجيدة للتفكير في الراحة هي التناوب بين فترات من العمل المكثف شديد التركيز وفترات من الراحة القصيرة.

إقرأ أيضاً: كيف تحصل على الراحة المُثلى؟

في الختام:

إذا كنت ترغب في إعطاء الأولوية للراحة ويجب عليك ذلك، فاحرص على عدم الوقوع في الفخ الشائع الذي يجعل العديد من الأشخاص ذوي النيات الحسنة يظنُّون أنَّهم يستريحون؛ لكنَّهم لا يشعرون بالراحة أبداً، وغالباً ما تكون الأنشطة التي قد تبدو مثل الراحة بعيدة عن ذلك.

لذا استبدل الأوقات المخصصة للاستلقاء ومشاهدة التلفاز بالمشي والذهاب إلى الطبيعة والتأمل والتنزه مع الأصدقاء، قد يبدو القيام بذلك صعباً في البداية، لكن بمجرد أن تبدأ ستشعر بتحسن كبير.

المصدر




مقالات مرتبطة