كيف تتواصل بفاعلية في جميع المواقف؟ (الجزء الأول)

يُعَدُّ التواصل الفعَّال أساسياً في بناء علاقات راسخة مع الآخرين، وتعتمد علاقاتك المهنية والشخصية على حدٍّ سواء على قدرتك على التعبير عن نفسك بحيث يتمكَّن الطرف الآخر من فهمك، كما أنَّ تنمية مهارة الإصغاء الفعَّال تتيح لك فهم الآخرين بدورك.



يسهم التواصل الصريح في تجنُّب مواقف سوء الفهم، وتعميق العلاقات القائمة، وتوفير المزيد من الفرص.

يناقش المقال مفهوم التواصل الفعَّال وفوائده، ويقدم نصائح هامة فيما يتعلق بالتواصل الفعَّال في جميع المواقف.

ما هو التواصل الفعَّال؟

يحدث التواصل الفعَّال عندما يشعر كلٌّ من المرسل والمتلقي بالرضى، بحيث تصل الرسالة وتُتَلقَّى على النحو المطلوب، وتنطوي عملية التواصل على مرسل ومتلقٍّ، بحيث تُتَبادَل الأدوار باستمرار بين الأطراف، كما يحدث في المحادثات.

يحدث ما يأتي عندما تتواصل مع شخص آخر:

  1. أنت ترسل رسالة منطوقة، أو غير منطوقة عبر لغة الجسد، أو تعابير الوجه، أو الصور، أو الأصوات.
  2. يتلقَّى الطرف الآخر الرسالة، ويؤوِّلها في عقله اعتماداً على أفكاره ومشاعره وغيرها من العوامل.
  3. في معظم الحالات تتطلَّب استمرارية عملية التواصل صياغة استجابة وإرسالها من قبل الطرف الآخر، في حال كانت رسالتك في صورة كتاب ألَّفته، أو عمل فنِّيٍّ ابتكرته فإنَّ الطرف الآخر لن يستجيب على الأرجح، ولكن عموماً يُعَدُّ التواصل عملية مشاركة تبادلية شفوية أو غير شفوية.
  4. تتلقَّى أنت بدورك استجابته وتستخلص منها معنى ومدلولاً.
  5. تتطلب استمرارية عملية التواصل أن ترسل استجابة إلى الطرف الآخر.
  6. يستمر النمط بالأسلوب نفسه حتى تصل المحادثة إلى نهايتها.

يبدأ التواصل الفعال بتكوين أفكار واضحة في عقلك عن الموضوع الذي تعتزم طرحه.

ثمَّ عليك أن تكون واضحاً عندما تفصح عن رسالتك، وتتأكد أنَّ الطرف الآخر تلقَّى وفهم الرسالة، عليك أن تمارس مهارات الإصغاء والتواصل الفعال في أثناء مواصلة الحديث.

كيف تعبِّر عن نفسك بأسلوب فعَّال؟

يتميَّز أطراف التواصل الفعَّال بالوضوح والاقتضاب والثقة بالنفس والتهذيب وتقديم معلومات صحيحة عند قول، أو كتابة، أو إبلاغ رسالة ما، بحيث يؤكِّد الطرفان على الفهم المتبادل؛ أي إنَّ التواصل يقوم أساساً على الوضوح.

تنجم معظم المشكلات في الحياة جرَّاء الافتقار للوضوح، وذلك لأنَّنا نسمع أحاديث الآخرين من دون تركيز الانتباه أو التمعُّن أو استيعاب كامل المعلومات؛ وبذلك لا نفهم الموضوع كاملاً، كما يمكن أن نعبِّر عن المعلومات بطريقة غير واضحة بدورنا، فحتى تكون واضحاً عليك أن تتوقف عن الكلام وتفكِّر ثمَّ تتابع الاستماع بتروٍّ.

يمكنك تحسين عملية التواصل من خلال تكرار الفكرة المطروحة أو إعادة صياغتها أو شرحها باستخدام أساليب التواصل غير اللفظي عندما يتبيَّن أنَّ الطرف الآخر لم يستوعب الفكرة، بحيث تجرِّب الممارسات السابقة حتى تتيقَّن أنَّ محاورك تلقَّى رسالتك.

إقرأ أيضاً: نموذج التواصل الفعال ذو العناصر الأربعة (The 4Cs Model)

طرائق تواصل الأفراد بين بعضهم:

يمكن أن يتخذ التواصل صيغاً مختلفة؛ إذ إنَّك تتواصل بصورة غير رسمية عندما تتحدث مع أصدقائك أو أفراد عائلتك؛ لكنَّك تتواصل رسمياً في مقابلات التوظيف، أو في أثناء مخاطبة جمهور كبير، أو عند كتابة مقال علمي لمجلة أكاديمية عالمية.

ثمَّة تواصل شخصي وآخر عبر الإنترنت، كما تُعَدُّ مقالات المدونات، والكتب، والقصائد، واللوحات، والمنحوتات، والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي من أشكال التواصل، وتمثِّل المحادثات بين الناس نوعاً من أنواع التواصل كما في حالة اجتماعات العمل.

أي إنَّ التواصل يقوم على تبادل الأفكار، والمعارف، والآراء، والمشاعر مع الآخرين.

إليك فيما يأتي طرائق تواصل الأفراد بين بعضهم:

شاهد بالفيديو: كيف تستثمر لغة الجسد لتكسب كاريزما قوية تسحر من حولك

1. التواصل الكلامي:

يشمل التواصل الكلامي التحدث بصوت عالٍ مع فرد أو مجموعة من الأفراد، وقد يتمُّ هذا النوع من التواصل وجهاً لوجه، أو خلال الهاتف مثلاً دون وجوب رؤية الطرف الآخر.

يمكن أن تتمَّ المحادثات وجهاً لوجه عبر مسافات شاسعة بين الأفراد بواسطة تطبيقات مثل "فيس تايم" (Face Time)، أو اجتماعات عبر برنامج "زووم" (Zoom)؛ أي إنَّ التواصل الكلامي يقوم على الكلام المنطوق.

تعتمد مهارات التواصل الكلامي الفذَّة على لغة التحدث ومدى حسن لفظ ونطق الكلمات، لا شكَّ أنَّك يجب أن تتواصل عبر لغة مفهومة ويتحدثها المستمع لتجنُّب الالتباسات ما أمكن، فيتعلق التواصل الواضح في أثناء الحديث بنبرة صوتك وعلوِّه، وسرعة تحدُّثك، وينوِّع الأفراد المَهَرَة في التواصل بين هذه الخصائص في أثناء حديثهم لإظهار الاهتمام، أو ترك انطباع، أو تحفيز استجابة ما.

أي إنَّك عندما تطرح سؤالاً على سبيل المثال تميل لرفع درجة صوتك في نهاية الجملة، كما أنَّ صوتك يعلو إلى حدٍّ ما عند التعبير عن الدهشة أو الحماسة، في حين يتم الحديث عن الموضوعات الحساسة بنبرة صوت منخفضة.

لا بدَّ أن يميِّز المستمع بهذه الطريقة بين نبرة الصوت الغاضبة أو الهادئة أو الداعمة، فيتم التحدث بسرعة واقتضاب في حالات الطوارئ، أمَّا عند تلقين التعليمات أو الخطوات فيأخذ الكلام منحى بطيئاً.

2. التواصل غير الكلامي:

يشمل التواصل غير الكلامي استخدام لغة الجسد، وتعابير الوجه، والإشارات غير الكلامية، وإيماءات اليد، وغيرها من الإشارات لنقل رسالة معينة دون استخدام الكلمات المنطوقة أو المكتوبة.

غالباً ما يترافق التواصل غير اللفظي مع نظيره اللفظي؛ إذ يتعذر عليك مثلاً التحدُّث عن العلاوة الجديدة التي حصلت عليها دون أن تبرز سعادتك عبر الابتسام، أمَّا عند توضيح الاتجاهات لأحدهم، فلا بد أن ينطوي التواصل الفعَّال في هذه الحالة على التأشير واستخدام إيماءات اليد الأخرى.

يُعَدُّ التواصل البصري عاملاً لازماً لتحقيق عملية تواصل فعَّالة؛ وذلك لأنَّه يبين للمتحدث أنَّك مهتم بكلامه، وحاضر ومنشغل معه دون أي تشتت للانتباه، ويدل تجنب التواصل البصري على إخفاء الحقائق، أو الكذب، أو عدم الاهتمام بالحديث أو بالمتحدث.

تضم أنواع التواصل غير الكلامي الأخرى وضعية الجسد، ورأسك إن كان مرفوعاً أو مطأطأ، ووضعية الجلوس، أو الوقوف، أو طريقة المشي، ويبرز مستوى التواصل أيضاً من خلال مستوى المساحة الشخصية الذي توفِّره للطرف الآخر، أو من خلال لمس ذراعه أو كتفه برفق، أو دفعه أو ضربه أو سحبه بقوة.

3. التواصل الكتابي:

يشمل التواصل الكتابي أي شيء مكتوب باستخدام الكلمات أو الأرقام أو الرموز ذات المعنى، فيمكن أن يكون عبارة عن كتابة رسالة، أو بريد إلكتروني، أو نص، أو ملاحظة سريعة، أو تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو روايتك الأولى، أو لوحة إعلانات، أو تقرير للعمل، أو مقالات المدونات، وغيرها من أنواع المقالات والنصوص الأخرى.

لا بدَّ من إتقان المهارات الإملائية، والقواعدية، وبنية الجملة عند العزم على التواصل بفاعلية في صيغة مكتوبة، ولا يجب أن يعتمد الفرد في عملية التواصل الكتابي على اللهجة؛ إذ يمكن أن يُساء تفسيرها؛ فعلى سبيل المثال قد يجد بعض الناس عبارة ما طريفة، في حين يُعِدُّها آخرون تهكُّمية، أو مربكة، أو غير لائقة.

يسهم استخدام الكلمات والعبارات المقتضبة المعبرة عن صلب الموضوع في تعزيز التواصل، إضافة إلى تقديم أمثلة مفصلة تدعم ما قيل لتجنُّب حالات سوء الفهم.

يمكن أن يساعدك استخدام الرموز التعبيرية وإشارات التعجب على توضيح وجهة نظرك في الرسائل النصية غير الرسمية، ولكن عليك أن تتجنَّب استخدام هذه الوسائل في أنواع التواصل الكتابي الأخرى وتعتمد على الكلمات في نقل أفكارك.

شاهد بالفيديو: 7 نصائح لتكون ذكيّاً في التعامل مع الناس

4. التواصل باستخدام المواد المرئية:

يشمل هذا النوع من التواصل الصور كالرموز التعبيرية المذكورة آنفاً والمستخدمة في الرسائل النصية أو منشورات مواقع التواصل الاجتماعي، كما أنَّ "الميمز" (memes) والصور، ومقاطع الفيديو، والرسومات، والصور التوضيحية تُعَدُّ من أنواع التواصل باستخدام المواد المرئية.

يُعَدُّ عرض الشرائح أداة تواصل فعَّالة في المؤتمرات والاجتماعات، كما يمكن أن تسهم الرسوم البيانية، والمخططات، والأشكال في تبسيط البيانات عبر تنسيقها بصيغة الصور.

يمكن أن يسهم عرض أنموذج مصغر لتصميم مبنى جديد، أو رسم يبين الطريقة التي تود إعادة ترتيب حيز المكتب وفقها في تحسين عملية إيصال المفهوم على نحو كبير؛ إذ قد يغدو أكثر تعقيداً عند الحديث أو الكتابة عنه.

5. التواصل الجماهيري:

كثيراً ما نظنُّ أنَّ التواصل الفعَّال يشمل فردين أو مجموعة من الأفراد المتحادثين، إلا أنَّ تأثير التواصل الجماهيري يتجاوز هذا الحد؛ وذلك لأنَّه ينطوي على التواصل مع جمهور كبير من الأفراد، وقد لا يتسنَّى لك رؤية هذا الجمهور أو التعرف إليه من الأساس.

على سبيل المثال يمكن أن ندرس حالة تأليف كتاب موجه لجمهور كبير من الناس وأنت تأمل توسيع هذه القاعدة الجماهيرية، وينطبق الأمر نفسه على إجراء الندوات عبر الإنترنت (Webinar)، أو التحدث لعامة الجمهور في مجال ما، أو نقل المعلومات عبر قنوات التلفزيون، أو الراديو، أو وسائل التواصل الاجتماعي.

يتطلب التواصل الفعال ضمن هذه البيئات تحديد الجمهور المستهدف، أو القاعدة الجماهيرية التي تعتزم الوصول إليها، والإلمام بالتفاصيل الهامة بالنسبة إليهم والتي يمكن أن تساعدهم.

إقرأ أيضاً: بناء الحضور التنفيذي: عادات يومية ستجعلك تبدو أذكى وأقوى

6. التواصل الجماعي:

تشمل الأنواع الشائعة للتواصل الجماعي الاجتماعات ومجموعات النقاش، بحيث يتم التواصل ضمن هذا السياق عبر محادثة ضمن مجموعة زملاء، أو أفراد عائلة، أو أصدقاء، أو غرباء في الشارع مثلاً.

يعدُّ التواصل البصري وغيره من أنواع الإشارات غير اللفظية هاماً جداً في هذه الحالات التي يجري فيها التحدث من قبل العديد من الأفراد في نفس الوقت، أو أنَّ المحادثة تتصاعد وتنتقل بسرعة من فرد لآخر.

يمكن أن يتم التواصل الجماعي عبر الوسائل الرقمية أيضاً كالمكالمات الجماعية، أو النقاشات عبر منصة "سلاك" (Slack)، أو رسائل البريد الإلكتروني الجماعية، أو المذكرات (memos) على مستوى الشركة ككل، ويتطلب التواصل الواضح في هذه الحالة إتاحة فرص التحدث لجميع المشاركين، والإصغاء للآخرين، وبذل قصارى جهدك في المساعدة، والتعبير عن نفسك بوضوح.

في الختام:

لقد تحدَّثنا في هذا الجزء من المقال عن مفهوم التواصل الفعَّال، وكيفية تعبير الفرد عن نفسه، ثمَّ انتقلنا إلى مناقشة طرائق تواصل الأفراد فيما بينهم ونظرنا في التواصل الكلامي وغير الكلامي والتواصل باستخدام المواد المرئية والكتابي والجماهيري والجماعي، وسنكمل حديثنا في الجزء الثاني عن موضوع الإصغاء، وكيف تصبح مستمعاً ماهراً، ونناقش نصائح لتطوير مهارات التواصل عبر الإنترنت.




مقالات مرتبطة