كيف تتعامل مع النزاع الداخلي بمهارة؟

عندما تكون الحياة مؤلمة أو خارجة عن سيطرتنا، نريد أن تزول المشاعر السيئة بأسرع ما يمكن، وأن يتغير وضعنا ونحل ذلك الصراع، إلا أنَّنا نتذمر من الأمر ونلقي اللوم على الآخرين ونشفي غليلنا، وعند التعامل مع أشخاصٍ صعبي المراس ومواقف صعبة، في بعض الأحيان يكون إطلاق العنان لمشاعرنا هو الأمر المناسب، ولكن بعد ردة الفعل العاصفة التي نبديها مباشرةً، لن تفيدنا الشكوى، ولن تجعلنا نشعر بتحسن، أو تُغيِّر الحقائق الأساسية في حياتنا، ولكنَّ ما نستطيع أن نفعله، هو أن نغيِّر الطريقة التي نفكر فيها، ونتفاعل بها مع أنفسنا، ومن ثمَّ مع العالم من حولنا.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المؤلِّفة والمحامية المختصة بقضايا الطلاق غابرييل هارتلي (Gabrielle Hartley)، والتي تُحدِّثنا فيه عن العناصر الخمسة الأساسية التي يجب التحلي بها لمساعدتنا على تقبل وتغيير تفكيرنا الداخلي.

تُشكِّل الأفعال التي نقوم بها والمكان الذي نعيش فيه والأشخاص الذين نعرفهم الجوانب الخارجية من حياتنا، ولكن في الواقع، تُشكِّل القصص التي تدور في أذهاننا الأجزاء الأكثر تأثيراً في حياتنا والجوانب التي تبقى معنا بغض النظر عن نوع الملابس التي نرتديها أو نوع السيارة التي نقودها أو الأصدقاء الذين نخرج معهم، فهذه القصص تخبرنا بكل ما نراه وكل ما نفعله، كما تخبرنا بالطريقة التي نشعر بها وما الذي ينبغي أن نسمعه ومن نكون.

إلا أنَّ الكثير من رسائلنا الداخلية لا تُمثِّل شخصيتنا؛ بل إنَّها رواية طورناها عبر مسيرة حياتنا، إنَّها قصة استمديناها من طفولتنا وثقافتنا وأصدقائنا وأزواجنا، وعندما تزعجنا الأمور أو لا تسير على ما يرام، نخبر أنفسنا هذه القصص مراراً وتكراراً حتى نغرق في دوامة من المشاعر السلبية، ولكن لدينا القدرة على التحرر من هذه الدوامة، من خلال تغيير وجهة نظرنا تجاه هذه القصص.

بناءً على تجربتي الخاصة وما شاهدته في عملي كمحامية طلاق، لقد جئت بخمس أدوات أساسية لمساعدتك على تقبُّل وتغيير تفكيرك الداخلي والتي هي: الصبر والاحترام والسلام الداخلي والوضوح والغفران.

1. الصبر:

من السهل أن ينفذ صبرك عندما تمر بوقت عصيب، وفي الأوقات العصيبة بوجه خاص، يمكن أن يتصاعد نفاذ الصبر ليخرج عن نطاق السيطرة، كما يمكن أن يؤثر في التفكير والنوم وحتى الإنتاجية، وبغض النظر عما يثير القلق أو من يسببه، يمكنك أن تتمرَّن على الصبر من خلال تمرينات التنفس العميق من البطن، فلقد أُثبِت علمياً أنَّ هذا التمرين يهدِّئ الجسد والعقل ويمكنه أن يعطيك مهلة قبل التصرف تجاه أي موقف؛ حيث يمكنك أن تمارس هذا التمرين من خلال أخذ شهيق من الأنف لخمس ثوان، مع حبس الهواء، ثم الزفير ببطء، ويتكرر ذلك عدة مرات؛ حينها سيخف التوتر؛ حيث تتيح لك ممارسة هذا التمرين مساحة للتفكير العقلاني، بينما تبطئ من هيجانك العاطفي.

إقرأ أيضاً: 7 أمور تخبرك أنَّ الصبر قوة خارقة

2. الاحترام:

عندما نحترم أنفسنا، نتخذ قرارات أفضل لأنفسنا ولعائلتنا أيضاً، ولكن في الأوقات الصعبة غالباً ما يكثر الشعور بالخزي ويتأثر احترامنا لذاتنا بذلك، فالتوفيق بين الشعور بالرضا عن نفسك والشعور بالسوء حيال وضعك أمر معقد، فقد تدرب نفسك على مواجهة العالم بوجه بشوش، ولكن إذا كنت تغذي نفسك في الداخل برسائل سلبية، فسوف يبدأ ذلك بتقويض ثقتك وسلامتك.

عندما تلاحظ أنَّك تشعر بالسوء حيال نفسك أو وضعك، فكِّر فيما إذا كنت تعرِّض نفسك لأشخاص أو ظروف تغذي هذه الحلقة السلبية، فأحياناً، يكون مجرد الابتعاد قليلاً عن صديق أو قريب يجعلك تشعر بالسوء هو كل ما تحتاج إليه لتبدأ بتغيير مشاعرك؛ فكما اعتاد جدي أن يقول: لا تنهي علاقتك بأي أحد؛ بل ابتعد عنهم لبعض الوقت، وفي الوقت الحالي، تخلَّص من العلاقات التي لا تخدمك وتفيدك وجهِّز قائمة بالأشخاص الذين يرفعون من شأنك واقضِ وقتك معهم.

3. الوضوح:

الوضوح هو قدرتك على الاستجابة بوضوح دون أخذ أي شيء على محمل شخصي، فأغلب ما يحدث معك لا علاقة له بك وكل ما يمكنك السيطرة عليه هو ردة فعلك، طبعاً، من الصعب ألا تأخذ الأمور على محمل شخصي حين تمر بأوقات عصيبة، ولكنَّ إدراك وجود العديد من وجهات النظر يشكِّل نقطة بداية جيدة، كما ينشِّط الوضوح قدرتك على التواصل بفاعلية، واتخاذ قرارات بسلاسة؛ لذا اترك اللوم ووضِّح حاجاتك في المستقبل، وتخَّيل أهدافك واستوعبها واجعل تركيزك إيجابياً وحاضراً ومحددَّاً.

4. السلام الداخلي:

بالطبع نحن جميعاً نريد السلام الداخلي ولكن كيف يمكنك أن تشعر بالسلام في حين أنَّ ظروفك الحالية قد تبدو وكأنَّها كارثة؟ تتصدى ممارسة السلام لمشاعر سلبية عدَّة مثل الخوف أو العدوان أو الرغبة في الانتقام، وإحدى الطرائق لممارسة السلام هي السعي إلى الحياد، فالسلام لا ينطوي على تحقيق أحلام وردية، وإنَّما على الشعور بالراحة، فالحياد يُبقي عقلك وقلبك وجسدك خاليَين من التوتر، وتسمح لك هذه الحرية بإدامة مهاراتك وتعزيز مواقفك وقراراتك، فنحن ندرك بأنَّ السلام خيار ويتطلب جهداً؛ لذا تذكَّر أن تختار معاركك بنفسك وإحدى الطرائق اللطيفة للبدء، هي أن تبعد نفسك بوعي من جدال لا معنى له، فأحياناً يكون الابتعاد هو أفضل تقدُّم تحرزه.

شاهد بالفديو: فديو: 9 نصائح تساعدك في الوصول إلى السلام الداخلي

5. الغفران:

نحن نسامح؛ لأنَّ الغفران يحررنا، فالأمر بهذه البساطة، وعندما تُساء معاملتك، قد تشعر بالغضب في البداية، فهي استجابة وقائية، لكن مع مرور الوقت عندما لا نطلق ذلك الغضب، فإنَّنا لا نؤذي سوى أنفسنا، فالتمسُّك بالغضب أشبه بتجرُّع السم وتوقُّع موت الشخص الآخر، ونحن جميعاً بشر وغير معصومين عن الخطأ؛ فعندما نبدأ بمسامحة أنفسنا على ما نعتقد أنَّنا فعلناه، أو على ما فشلنا في فعله، نبدأ بالتعافي.

عندما نسامح، نتخلى عمَّا كان يمكن أن يكون، وندرك أنَّ كل شيء كما يجب أن يكون، وعندما نتخلص من الضغائن، نشعر بتحسن من الداخل والخارج، وعندما ندرك أنَّ لدينا القدرة على الغفران، نمنح أنفسنا السيطرة على مستقبلنا العاطفي ولا نعد ضحية لظروفنا الراهنة، سواءً شعرت بأنَّك مظلوم أم أنَّك ظلمت شخصاً آخر، تبدأ الحرية العاطفية عندما ترأف بنفسك.

بالتركيز على تفكيرك الداخلي من خلال ممارسة هذه العناصر الأساسية الخمسة، فإنَّك تنتقل من الخوف والضعف إلى القوة؛ لذا ابدأ ببطء من خلال الالتزام بممارستها ببساطة يومياً لإضافة هذه العناصر إلى حياتك واحداً تلو الآخر، وذلك للتحكُّم بأفكارنا وتعزيز إدراكنا لعيش حياة أفضل.

المصدر




مقالات مرتبطة