كيف تتعامل مع الحاقدين والنقاد الذين يصدرون أحكاماً عليك وعلى عملك

لا يهم كيف اخترت أن تعيش حياتك، سواءٌ أنشأت عملاً أم كنت موظفاً في شركة، أنجبت أطفالاً أم اخترت عدم الإنجاب، سافرت حول العالم أم عشت في نفس المدينة طوال حياتك، ذهبت إلى النادي الرياضي خمس مراتٍ في الأسبوع أم اخترت قضاء كل ليلة جالساً على الأريكة، مهما كان ما تفعله، فهناك من سيحكم على أفعالك، ستجد دوماً أشخاصاً حاقدين وصعبي المراس.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب جيمس كلير (JAMES CLEAR)، والذي يحدثنا فيه عن تجربته مع التعامل مع الأشخاص الحاقدين والناقدين.

لسبب أو لآخر، سيجد أحدهم مسوِّغاً لتسليط استفزازه، وسلبيته، ومخاوفه عليك وعلى حياتك، وستضطر إلى التعامل معها.

من هذا المنطق، دعونا نتحدث عن كوننا نتعرض لأحكام الآخرين وانتقاداتهم، ومن باب الترفيه فقط، سأشارككم بعضاً من أكثر التعليقات كراهية التي تلقيتها على مقالاتي، والأهم من ذلك، الاستراتيجيات التي أستخدمها في التعامل معها.

إليكَ ما تعلمته في التعامل مع الحاقدين وأولئك الذين يصدرون أحكاماً عليك وعلى عملك وأهدافك.

أكبر ناقد في حياتك:

نحن نجد أنَّ التذمر من النقاد الغرباء أسهل من مواجهة النقاد الكبار الذين يقبعون دواخلنا؛ فغالباً ما يكون التحلي بالشجاعة لتجاوز نقطة ضعفك وريبتك هو التحدي الأكبر الذي ستواجهه في طريقك لتحقيق أهدافك.

عندما بدأت عملي الأول، لم يكن نقد الآخرين ما أخافني بل كنت قلقاً من أن يعتقد الناس أنَّي مُخفق لأنَّني رفضت الحصول على عمل حقيقي من أجل "إطلاق موقع ما على شبكة الإنترنت"، مضى عام كامل دون أن أخبر أصدقائي بما كنت أفعله فقد شغلت آراؤهم تفكيري كثيراً.

وعندما بدأت الكتابة، لم تكن التعليقات المؤذية من القراء هي التي منعتني من الشروع في الكتابة، بل كانت مخاوفي بشأن التصورات التي قد يبنونها لو كتبت عن الأشياء التي تهمني؛ لذا كتبت أفكاري في مستند خاص لمدة عام قبل أن أتحلى بالشجاعة لأبدأ نشرها علناً.

إقرأ أيضاً: ما هو الانتقاد السلبي؟ ولماذا نتأثر بالانتقادات السلبية الموجهة إلينا؟

هذان مجرد مثالين عن أنواع المخاوف والانتقادات الداخلية التي تمنعنا في كثير من الأحيان من الشروع في تحقيق أهدافنا.

قد يستغرق الأمر عمراً بأكمله لتتعلم أنَّ مجرد انتقاد الآخرين لك لا يعني أنَّهم يهتمون حقاً برغبتك في فعل شيء مختلف؛ إذ يُلقي الحاقدون عادةً انتقاداتهم ببساطة ويمضون قدماً؛ وهذا يعني أنَّ بإمكانك تجاهلهم بأمان ومتابعة ما تريد فعله؛ لكنَّ القول أسهل من الفعل لأنَّنا جميعاً نودُّ أن نثبت مصداقياتنا.

يحبِّذ بعض الناس هذا أكثر من غيرهم، لكن يرغب الجميع إلى حد ما بأن يتلقوا الاحترام والتقدير من الآخرين. أنا أفعل ذلك بالتأكيد، وأنا أعلم أنَّني كلما اخترت خوض المجازفة ومشاركة عملي مع العالم، أتساءل عن رأي أصدقائي وعائلتي فيه، وكيف ستكون نظرة من حولي لي بسبب هذا الاختيار.

هل سيُحسِّن ذلك من سمعتي؟ هل سيشوِّهها؟ هل ينبغي لي حتى أن أقلق بشأنها؟

تخلق هذه الأسئلة صراعاً داخلياً بالنسبة لي، لا سيما مع الكتابة، فمن ناحية، كنت أؤمن بقدراتي وعلمت أنَّي أودُّ أن أسهم بشيءٍ ما للعالم من حولي، لكن من ناحية أخرى، كنت أخشى من ألا يتقبل الناس عملي أو أن ينتقدوني عندما بدأت مشاركة الأشياء التي كانت تهمني أو كنت أؤمن بها.

ولقد كتبت من قبل عن التحدي المتمثل في الخروج من هذه المشكلة بقولي: "إما أن تتعرض لأحكام الآخرين لأنَّك ابتكرت شيئاً ما، أو أن تبقى مجهولاً لأنَّك احتفظت بعظمة إبداعك داخلك".

في نهاية المطاف، قررت أنَّ أساهم بشيء ما في العالم فذاك أهم من منع نفسي من التعرض للانتقادات.

شاهد بالفديو: كيف تتقبل النقد وتتعامل مع الانتقادات السلبية في العمل؟

حقيقة النقد:

حقيقة الانتقاد هي أنَّ الأمر يكاد يكون في رأسك أنت فقط، أقدم إليك مثالاً من تجربتي الشخصية:

أكثر التعليقات كرهاً التي وصلتني:

كل شهر يكون هناك شخص يتذمر من أنَّ مقالاتي بلا قيمة تماماً، على سبيل المثال، ترك أحد القراء مؤخراً تعليقاً يقول: "كان عليَّ أن أعلم ذلك، ولا أضيع وقتي في قراءة هذا".

كتب قارئٌ آخر ببلاغة: "المثير للاهتمام هنا هو أنَّ المؤلف لديه إيمانٌ راسخ أنَّ هناك ملايين الأشخاص الحمقى في هذا العالم الذين يؤمنون بهذه الهراء".

على الأقل علَّق هؤلاء الأشخاص على  المقال الفعليِّ؛ إذ تصبح رسائل الكراهية التي أتلقاها أفضل عندما يبدأ الناس في تجاهل عملك تماماً ويصدرون أحكاماً عليك بوصفك شخصاً بدلاً من ذلك.

سابقاً في هذا الشهر، قال أحدهم: "من الواضح أنَّني كنت شخصاً لديه وظيفة قليلاً ما يضطر فيها إلى السفر وليس لديه نمط حياة مزدحم، يا إلهي، ليس لديك أيُّ مسؤوليات"، وشخص لطيف آخر دخل مباشرة في صلب الموضوع وقال: "هذا المؤلف عديم الفائدة"

كل هذا الكره موجه  لشخص يكتب عن اكتساب عادات أفضل والتمتع بصحة جيدة وعيش حياة مليئة بالمغامرات، هل يمكنك أن تتخيل لو كتبت عن موضوع مثير للجدل بالفعل مثل السياسة أو الدين؟

وهذا يقودنا إلى النقطة الرئيسة: مهما كانت الأعمال التي تنجزها، هناك دوماً من يبحث فيها عن الأخطاء، كيف يمكنك إذن تجاوز هذا الأمر والمضي قدماً؟ إليك إحدى الطرائق التي قد تساعدك في ذلك:

ركز على الطريق لا الحاجز:

يَعدُّ العديد من خبراء السباقات ماريو أندريتي (Mario Andretti) سائق السباق الأكثر نجاحاً وتنوعاً على الإطلاق، إذ فاز أندريتي، أثناء حياته المهنية، ببطولات إنديانابوليس 500 (Indianapolis 500)، ودايتونا 500 (Daytona 500)، وبطولة العالم للفورمولا 1 (Formula One World Championship)، وقمة بيك الدولية لتسلق التلال (Pike’s Peak International Hill Climb)، وهو أحد السائقين القلائل الذين فازا بسباقات في الفورمولا 1 (Formula one)، وإندي كار (IndyCar)، وبطولة العالم للسيارات الرياضية (World Sportscar Championship)، وناسكار (NASCAR) في التاريخ.

وفي مقابلة مع مجلة ساكسس (SUCCESS) سُئِل أندريتي (Andretti) عن نصيحته الأولى للنجاح في قيادة سيارات السباق فقال: "لا تنظر إلى الحاجز، إذ تذهب سيارتك حيث تذهب عيناك".

يُعدُّ هذا أحد أكثر الدروس أهميَّة التي يتعلُّمها السائقون الشباب عندما يبدأون السباق، فعندما تقود بسرعة 200 ميل في الساعة، يجب عليك أن تركز على الطريق أمامك؛ لأنَّك إذا نظرت إلى الحائط، فسوف ينتهي بك الحال للاصطدام به.

ينطبق الأمر نفسه على حياتك وعملك وتعاملك مع الحاقدين والنُّقاد؛ فالانتقادات والسلبية التي يطلقها الأشخاص صعبو المراس أشبه بجدار؛ وإذا ركزت عليه، فسوف تصطدم به مباشرة، كما ستقيُّدك المشاعر السلبية والغضب وانعدام الثقة بالنفس.

يذهب عقلك إلى حيث تركز انتباهك، لن تمنعك الانتقادات والسلبية من الوصول إلى خط النهاية، ولكن من المؤكد أنَّها قادرة على صرف انتباهك عن هذا الخط، ومع ذلك، إذا كنت تركز على الطريق أمامك وعلى المضي قدماً، فستتمكن من تجاوز الجدران والحواجز القريبة بأمان، هذا نهجي المفضل في التعامل مع الانتقادات؛ فعندما يقوم شخص ما بوضع تعليقٍ سلبي، اِستخدم هذا التعليق بوصفه إشارة لتعاود الالتزام بعملك وتركز على الطريق أمامك.

قد عقد بعض الناس العزم على أخذ الأمور على محمل شخصي، وعلى تقويض عمل الآخرين، لكنَّ حياتك أقصر من أن تنشغل بإرضاء هؤلاء الأشخاص الذين يصعب إرضاؤهم؛ لذا ركز على الطريق لا الحاجز.

كيف تردُّ على الكارهين؟

"يحتاج معظم الناس إلى الحب والقَبول أكثر بكثير من حاجتهم إلى النصيحة". - "بوب غوف" (Bob Goff).

في ظروف نادرة، قد ترغب في الردِّ على الأشخاص الذين يصبُّون عليك انتقاداتهم، وإذا كانت هذه هي الحال، فأنا أعتقد أنَّ غاري فاينرتشوك (Gary Vaynerchuk) يقدم مثالاً جيداً لكيفية القيام بذلك.

إقرأ أيضاً: فن التعامل مع التعليقات السلبية في وسائل التواصل الاجتماعي

عندما نشر فاينرتشوك (Vaynerchuk) كتابه الأكثر مبيعاً "حطمه" (crush it)، تلّقى العشرات من التقييمات على موقع أمازون (Amazon) بنجمة ونجمتين، وادعى المقيِّمون السلبيون أنَّ الكتاب كان "فظيعاً إلى درجة كبيرة" ووصفوه بأنَّه "قطعة من الهراء لا قيمة لها على الإطلاق"، وقد كان هذا التقييم لأحد أكثر الكتب مبيعاً!

قرر غاري الردَّ على العديد من الآراء السلبية باعتذار صادق، بدلاً من المقاومة وتبرير ما كتبه، على سبيل المثال: ترك قارئ اسمه فرانك رأياً من فئة نجمة واحدة للكتاب قال فيه شاكياً: "كيف نُشِرَ هذا الكتاب أصلاً؟".

ردَّ عليه فاينرتشوك بالقول: "أعتذر عن سوء أدائي الذي بدا لك، أرجو أن ألقاك وأقضي معك 15 دقيقة للاعتذار والإجابة عن جميع الأسئلة التي تجول في فكرك. أعتقد أنَّ عليَّ أن أوضح لك المزيد من التفاصيل، أنا آسف جداً".

على الرغم من استخدامه القواعد النحوية بطريقة المراسلة النصيِّة في المدرسة الثانوية، انتهى الأمر بغاري بالحصول على رقم فرانك ودعاه للتحدث عن بعض الأمور، بعد محادثتهم، كتب فرانك تعليقاً أتبعه على تقييمه للكتاب قائلاً: "إذا كان لدى أمازون نظام يقيِّم الأشخاص، فسيتوجَّب عليَّ منح غاري 5 نجوم، لا يسع المرء إلا أن يعجب بشخص يعود بسرعة، ويتعامل مع الانتقادات بمنتهى اللطف".

إذا كنت ستردُّ على من يكرهك وينتقدك، فيجب أن يكون هدفك الحصول على ردِّ كهذا؛ اِجلب من يكرهك إلى صفك بدلاً من إيذائه بالشتائم، يرفض معظم الناس أن يقتنعوا بأنَّ عملك رائع، بل يودون فقط أن يعلموا أنَّك تهتم لما يكتبونه.

إقرأ أيضاً: النقد الإيجابي البنّاء

ماذا بعد ذلك؟

لقد قلت هذا عدَّة مرات من قبل، لكن الأمر يستحق التكرار: "لم أتوصل إلى أي شيء حقاً، أنا لست خبيراً ولا أستطيع الإجابة على جميع التساؤلات، وما زلت أتعلَّم كيف أتعامل مع الانتقادات كأيِّ شخص آخر"؛ ولكن إليكم ما أستطيع تلخيصه من خلال تجربتي المحدودة، بشأن التعامل مع الأشخاص الحاقدين والذين يصعب التعامل معهم.

  • أولاً وقبل كل شيء لا تكن أنت الشخص الحاقد، لا تكن الشخص الذي يهدم جهد الآخرين، يحتاج العالم إلى مزيد من الأشخاص الذين يقدمون عطاءاتهم ويشاركون الآخرين أعمالهم وأفكارهم، قد يكون التحلي بالشجاعة اللازمة لتحقيق هذه الغاية أمراً صعباً، فادعم الأشخاص الذين يظهرون هذه الشجاعة.
  • إذا كنت تتعامل مع الانتقادات، فلا تدع الحواجز تمنعك من رؤية الطريق، ركز على الطريق أمامك، وهناك طريقة أخرى سمعت بها تقول: "تجاهل الشتائم فهي تأتي عادة من ذوي المكانة الدنيئة".
  • إن اخترت الردَّ على الكارهين، ففاجئهم بمعاملتك اللطيفة، فقد تكسب بذلك معجباً جديداً.
  • أخيراً، والأهم من ذلك، حدد الخيارات المناسبة لك، إذا ينتقدك الناس في كلتا الحالتين.

المصدر




مقالات مرتبطة