كيف تتخلى عن حلم حياتك؟

بدأَت راقصة الباليه "إيما غاربر" (Emma Garber) الرقص مذ كان عمرها ثلاث سنوات، وبعد أعوام من التدريب المُتفاني والمتعب والمؤلم أحياناً، أضحى طموحها في سن مراهقتها أن تصبح راقصة باليه محترفة.



تقول "إيما": "لقد جلستُ مع والديَّ عندما كنتُ في سن الـ 14 وأخبرتُهم: هذا ما أريد أن أفعله لبقية حياتي؛ الرقص هو ما يجعلني سعيدة".

لكل منَّا أحلام وآمال مستقبلية، وغالباً ما تكون الحياة المهنية محور هذه الأحلام، ولكنَّ الأمر ليس كذلك دائماً؛ فعلى سبيل المثال، يحلم بعض الناس بتكوين أسرة أو العيش في بلد آخر. تُشكِّل أحلامنا جزءاً من هويتنا؛ وهذا يمنحنا هدفاً نسعى إليه ووجهةً ترشدنا لتحقيق هذه الطموحات. ويحدث هذا إلى أن يعترض الواقع طريقنا؛ فمثلاً، نتغير نحن من الداخل حين يتلاشى شغفنا، أو حين تصبح عقبات تحقيق الحلم مستعصية، أو ربما حين يحدث مزيج من الاثنين.

بدأ حلم "غاربر" يتلاشى إثر شعورها بالإرهاق والاحتراق الوظيفي ومراودة الشك لها خلال سنتها الأولى في "جامعة ماساتشوستس" (University of Massachusetts). تتذكر "إيما" أحد دروس الرقص الذي كان غاية في السوء، وتصف حالتها بعد ذاك الدرس قائلة: "شعرتُ وكأنَّني لا أريد أن أفعل هذا لبقية حياتي. فجأةً وقفتُ في أثناء الدرس، ثم خرجتُ من القاعة واتصلت بأمي وأخبرتُها أنَّني لا أملك أدنى فكرة عمَّا أريد أن أفعله في حياتي بعد الآن".

ربما يمرُّ أحدكم الآن بإحدى هذه اللحظات المقلقة؛ إذ يتحتَّم عليكم اختيار قرار مصيري في طريقكم نحو الحلم؛ كما يمكن أن تكون الثواني الأخيرة - التي تمر وأنت تلاحق حلمك المتلاشي - ممتلئة بمشاعر الندم والفشل، وقد تخشى الطريقة التي سيحكم بها الآخرون عليك. ولكن مع كل هذا، ننشأ منذ صغرنا في ثقافة هذا الزمن - في أجزاء كثيرة من العالم - على أنَّ النجاح يُولَد من المثابرة العنيدة.

كتبت عالمة النفس "أنجيلا داكوورث" (Angela Duckworth) في كتابها الأكثر مبيعاً "العزيمة" (Grit) الذي نُشِرَ عام 2016: "أن تكون شجاعاً؛ يعني أن تسقط سبع مرات وتنهض ثمانياً"، ولقد تردد على مسامعنا عبر عصور مختلفة الكثير من النصائح التي تشبه في جوهرها نصيحة "أنجيلا"؛ إذ كتب المخترع "توماس إديسون" (Thomas Edison) قائلاً: "إنَّ العديد من حالات الفشل في الحياة أبطالها أشخاص استسلموا وهم غير مدركين مدى قربهم من النجاح".

بالنظر إلى هذا السرد السائد عن فضائل المثابرة وإلى إمكانية أن تصبح طموحاتنا جزءاً أساسياً من إحساسنا بذواتنا، فمواجهة صعوبة في احتمالية فقدان حلمك هي أمر مفهوم تماماً. ومع ذلك، قد تريحك معرفة أنَّ المرونة والقدرة على التكيُّف مع طموحاتك لا تقل أهمية أبداً عن الشجاعة أو التصميم.

يدرس البروفسور "كارستن روش" (Carsten Wrosch)، أستاذ علم النفس في "جامعة كونكورديا" (Concordia University) في "مونتريال" (Montreal) كيفية بناء القدرة على تعديل الهدف منذ أكثر من عشرين عاماً، ويقول "روش" في هذا الصدد: "بحسب ما هو متعارَف عليه، إذا لم تكن قادراً على تحقيق ما تريد تحقيقه، فإنَّ عدم توقُّفك عن المحاولة يعني أنَّك ستواجه الفشل مراراً وتكراراً".

يرى علماء النفس أنَّ القدرة على تعديل الهدف هي شكل مفيد من التنظيم والإدارة الذاتية، وتضم عنصرين رئيسين: أولاً؛ القدرة على الانسحاب من الأهداف غير المثمرة، وثانياً؛ القدرة على إعادة المشاركة في أهداف جديدة أكثر إنتاجية، ويمكن القول إنَّها - بطريقة أو بأخرى - القدرة على معرفة كيف ومتى يجب عليك أن تُحوِّل تركيزك من حلم مُعيَّن إلى آخر.

يمكنك قياس الأمر من خلال استعمال وتطبيق عناصر وأسئلة خاصة بالاستبانات؛ كإعطاء نفسك مساحة للتفكير إذا كان مثلاً من السهل عليك أن تتوقف عن التفكير في الهدف وتركه يمضي، أو كمثالٍ آخر، القول في نفسك إنَّ لديك عدداً من الأهداف الجديدة الأخرى لتسعى إليها وتستفيد منها.

يقول البروفيسور "روش": إنَّ الأشخاص الذين يفتقرون إلى هذه القدرة يميلون إلى الغضب الشديد عندما يواجهون هدفاً لا يمكن تحقيقه، ويكونون معرَّضين بشكل أكبر للتوتر والأمراض المزمنة على الأمد الطويل، وعلى النقيض من ذلك، فإنَّ أولئك الذين يمتلكون قدرة أكبر على التكيُّف يقضون حياتهم بشكلٍ أسهل بكثير؛ فهم يتخلصون من الهدف غير المثمر ليبحثوا عن طموح مختلف للسعي إليه.

شاهد بالفديو: 20 حكمة عن الإبداع والطموح

يتفق الباحثون المحترفون أيضاً على أهمية المرونة والقدرة على التكيُّف، كما يوجد مصطلح يستعملونه أيضاً وهو القدرة على "التكيف الوظيفي" (Career Adaptability)؛ التي تتضمن جوانب كالشعور بالفضول للتعرُّف إلى الفرص الجديدة المتاحة وثقة الأفراد الذين يمتلكون هذه الخاصية بقدرتهم على تعلُّم مهارات جديدة.

يقول "راجيف أمارناني" (Rajiv Amarnani)؛ وهو محاضِر في "كلية إدارة الأعمال في جامعة ويسترن في أستراليا" (University of Western Australia Business School): "عموماً، يكون الأشخاص الذين يمتلكون هذه الميزة بدرجة عالية من السعادة أكثر من غيرهم؛ أي امتلاكك لهذه الميزة يمنحك مجموعة كاملة من الأمور الأخرى الجيدة"؛ إذ إنَّ تفكيرك في التخلي عن حلمك يوحي بأنَّ لديك رغبة صحية في التكيُّف والتغيير، وهذا الأمر في صالحك.

ومع ذلك، إذا كنتَ تواجه صعوبة في رؤية ما هو أبعد من الإحساس الآني بالخسارة أو الفشل، فضع في حسبانك أنَّ هناك طرائق كثيرة مفتوحة أمامك وفرصاً أخرى ستظهر.

ستكون أمامك فرصة اتِّباع خُطى العديد ممن أصبحوا عظماء، في حال امتلاكك الحكمة والمرونة التي تُمكِّنك من معرفة التوقيت الصحيح للمضي قدماً، أو إعادة توجيه شغفك في الاتجاه الصحيح.

لقد تخلى "ديفيد فوستر والاس" (David Foster Wallace) عن أحلامه بأن يصبح لاعب تنس عظيم، وأصبح كاتباً وروائياً ذائع الصيت عوضاً عن ذلك، وفي غضون ذلك، تحققَت أحلام السويسري "روجر فيدرير" (Roger Federer) بأن يصبح لاعب تنس أسطوري، ولكن حدث ذلك فقط عندما تلاشى حلمه في أن يصبح لاعب كرة قدم محترف.

وتخلت "مريم ميرزاخاني" (Maryam Mirzakhani) عن حلم طفولتها في أن تصبح روائية، ولكنَّها حصلت فيما بعد على ميدالية فيلدز للرياضيات في عام 2014، وهي المرأة الأولى والوحيدة التي حصلت على هذا التكريم على الإطلاق.

قد تكون هذه الأمثلة مأساوية قليلاً، ولكنَّها تُظهر أنَّ الطريق إلى الإنجاز ليس سلساً دائماً أو مباشراً، وبمجرد أن تتصالح مع خسارتك لحلم أو طموح سابق، ستجد شغفاً آخر؛ فهناك دائماً أحلام جديدة تنتظرن

إقرأ أيضاً: ما هو الطموح؟ وكيف تحقق طموحاتك؟

ما الذي عليك فعله؟

إليك النصائح الآتية:

1. تقبَّل القرار الذي اتخذتَه:

بينما تأخذ خطوة التخلي عن حلمك، قد تتألم خوفاً من أن تكون ارتكبت خطأً، وهنا يقول البروفيسور "روش": "لا توجد إجابة جيدة أو صيغة يمكنك من خلالها اتخاذ قرار بالاستمرار أو الاستسلام". ومع ذلك، فإنَّه يوصي بمراعاة ظاهرة تُعرَف باسم "حماية الهدف"؛ فعندما نركز بشدة في حلم أو طموح معيَّن، فإنَّنا نميل إلى تصفية أو فلترة المعلومات غير الملائمة التي قد تُعرِّض المشروع للخطر.

يقول روش: "يسمي علماء النفس التحفيزي هذه الظاهرة بـ "العقلية التنفيذية"، وإذا كان أمامك خيارٌ مصيري، فإنَّك ستركز فيما تريد تحقيقه، ولن يصبح لديك هذا التوازن في كيفية معالجة هذا النوع من المواقف بعد الآن".

وبحسب "روش"، فإنَّ هذا السبب هو ما يجعل معظمنا أكثر عرضة إلى أن يُفضِّلوا المخاطرة والاستمرار في السعي إلى حلم ما - بعناد ولفترة طويلة جداً - على اتخاذ قرار التخلي مبكراً عنه. ويتفق المؤلف ورائد الأعمال "سيث غودين" (Seth Godin) مع "روش" بأنَّه: "لا توجد معادلة دقيقة" لحساب الوقت المناسب للتخلي عن حلم ما.

يلفت "غودين" النظر أيضاً إلى أنَّ معظمنا "نكذب على أنفسنا طوال الوقت بشأن ما إذا كانت لدينا الإمكانات اللازمة لتجاوز المنخفَض"، و"المنخَفض" (The Dip) هو مصطلح خاص بـ "غودين"؛ إذ يقول إنَّ مصطلح المنخفض يشير إلى تلك المرحلة الصعبة التي تأتي بين الفرحة التي تغمرك بها البداية والمكاسب التي تنتظرك على الجانب الآخر من الطريق.

وقد تكون هذه اللحظة الصعبة عاطفياً بالذات فرصة لأن تكون موضوعياً بشأن حلمك.

هل كلفك السعي إلى ذلك الحلم ثمناً شخصياً باهظاً؟ وهل دفعتَ هذا الثمن على حساب علاقاتك وأهدافك الأخرى في الحياة؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد يشير ذلك إلى ما يسميه علماء النفس "الشغف بهوس" ومن الحكمة التخلي عنه، ولكن مع الانتباه إلى أنَّ هذا النوع من الشغف يختلف عن الشغف الذي قد يتناغم ويتناسب تماماً معك طوال حياتك.

فكر أيضاً - إن استطعت - كشخص مثالي ولكن بطريقة صحية، فعليك إدراك أنَّ التخلي عن أهدافك لا يؤدي إلى حكم نهائي عليك كشخص، وانتبه إلى أهمية الدور الذي تؤديه الظروف الخارجة عن إرادتك بالتأثير فيك ومن ثم في قراراتك.

تذكَّر أيضاً أنَّ النجاح ليس امتلاكك لكل شيء أو عدم امتلاكك لشيء إطلاقاً، وتذكَّر أنَّه حتى لو أنَّ حلمك لم يتحقق كاملاً، إلَّا أنَّك قد تعلمتَ الكثير على طول الطريق، ولديك الآن فرصة لإعادة توجيه طاقتك وشغفك بأساليب جديدة؛ هذا هو الوقت المناسب أيضاً لطلب مشورة العائلة والأصدقاء المقربين؛ فهم مَن سيكونون قادرين على مساعدتك على النظر بموضوعية إلى الموقف الذي أنت فيه ومن ثم المشاركة في اتخاذ قرارك.

شاهد بالفيديو: 8 خطوات لتكون حازماً في اتخاذ القرارات

2. كن واقعياً حيال ما تخليتَ عنه:

إنَّه لأمرٌ شبه مؤكد أنَّ قرار التخلي عن حُلمٍ سيجرحك على الأقل لبعض الوقت، ولكن توجد طرائق لتخفيف الانزعاج والمُضي قدماً، يُشبِّه "أمارناني" (Amarnani) تجربة التخلي عن الحلم بانفصالٍ رومانسي، قائلاً: "تبدأ مقاربتي لهذا الأمر بالواقعية المأساوية المرافقة له، التي تعني أنَّ الأمر سيكون صعباً ومؤذياً"، ويكمل شارحاً سبب الألم الذي يترافق مع هذه التجربة: "امتلاكك لطموح يعني أنَّك كوَّنتَ رؤية حول نفسك في المستقبل بناءً عليه، فالتخلي عن ذلك الطموح هو كتخلٍ عن قطعة منك".

يُقدِّم هذا التشابه بين العلاقات دليلاً فعالاً لكيفية التأقلم، ويرى "أمارناني" أنَّ الواقعية قد تكون هي العلاج للانفصال عن الشخص الذي ترتبط معه بعلاقة رومانسية، وليست المثالية. وليس هذا فقط؛ بل يذهب إلى أنَّه عليك التركيز بشكل متعمد في عيوبه.

إذا أردنا أن نكون صريحين، فلنعترف أنَّ العديد من أحلامنا ذات طابع رومانسي؛ لذا يجدر بنا أن نتذكر أنَّ ما تتخلى عنه ليس تلك النسخة الجميلة من المستقبل، إنَّنا ننظر إلى الأطباء على أنَّهم مَن يعالجون الناس، أو إلى أنَّ الموظفين في الأمم المتحدة هم مَن يصنعون السلام، ولكنَّ حياتهم اليومية غالباً ما تكون عاديةً؛ فعلى الأطباء والطبيبات أن يتعاملوا بشكل يومي مع بيروقراطية نظام الرعاية الصحية الخاص بهم، وأضف إلى ذلك الضغط الذي يتعرَّض له العمال في الأمم المتحدة.

إنَّ كلام "أمارناني" ينمُّ - ولو بشكل جزئي - عن تجربة شخصية؛ إذ كان حلمه في البداية أن يصبح مبرمجاً عصبياً حسياً، ولكنَّه عانى من الرفض المُتكرِّر واستمر في المحاولة إلى أن مرَّ بضائقة مالية؛ إذ غيَّر مساره المهني ليصبحَ باحثاً في الإدارة، ويتحدث عن تجربته قائلاً: "اعتقدتُ عندما تخليت عن حلمي القديم أنَّني أخطأت، ولكنَّ ما كنتُ أفعله حقاً كان مجرد التأقلم مع الموقف والتكيف والثقة بأنَّ الشغف سيأتي مع الوقت عندما تجرِّب شيئاً جديداً".

ولمساعدته على تحقيق السلام الداخلي مع القرار الذي اتخذه؛ ركَّز "أمارناني" في سلبيات المجال الذي تخلى عنه؛ إذ قال: "لقد ضيعنا عقوداً من الزمن في إجراء بحوث حول الدماغ لنتعلَّم - ما يقرب من أن يكون - لا شيء عن العقل"، ولم يكن ليصبح سعيداً سعادة أكبر لولا أن تخلى عن حلمه، ويكمل: "لقد شعرت بالحزن حقاً، ولكنَّ الحياة تستمر".

إقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع التوقعات غير الواقعية؟

3. ابحث عن شغف جديد:

إنَّ قول: "إغلاق أحد الأبواب يعني أن يُفتَح آخر" أمرٌ مبتذل، ولكنَّه مع ذلك صحيح؛ فعندما تتخلَّى عن حلم مستحيل، فإنَّك تحرر نفسك لتضع الوقت والجهد في مشروع يُحتمَل أن يكون أكثر إفادة.

قد يكون أمراً مثيراً أن ننظر إلى أحد الأشخاص الذين حققوا نجاحاً كبيراً مثل "غودين"، مفترضين أنَّه حقَّق نجاحه باتخاذ مسار مباشر مدفوعاً بالعزيمة والطموح المركز، ولكن - كمعظم الأشخاص الناجحين - ترك "غودين" وراءه العديد من أحلام الماضي؛ بما في ذلك بيع شركته "يويودين" (Yoyodyne) إلى محرك البحث "ياهو" (Yahoo) مقابل نحو 30 مليون دولار في أواخر التسعينيات.

يقول: "لم ينتهِ بي الأمر بإدارة شركة عملاقة؛ بل كنتُ أساعد على إدارة معسكر صيفي في شمال "كندا" أيضاً، وكان هذا هو حلمي لفترة طويلة، ولكن لو استمررت بالسعي إلى تحقيق هذا الحلم، فلن يكون لدي ما أمتلكه الآن".

إنَّ مهنة "غودين" هي مهنة استثنائية، ولكن في إمكانك أيضاً إيجاد طرائق لإعادة توجيه شغفك واهتماماتك في مسارات جديدة، وإذا تمكَّنتَ من العثور على شيء أكثر جدوى يُلبي الاحتياجات نفسها، فمن المُحتَمل أن يكون "هدفاً بديلاً جيداً" كما يقول أستاذ علم النفس "روش" (Wrosch).

على سبيل المثال، إذا كنتَ تحلم بلعب كرة القدم بشكلٍ احترافي، فيمكنك أن تصبح كوتشاً؛ وذلك مع الأخذ في الحسبان أنَّك ما زلتَ تستطيع اللعب مع ناديك المحلي في عطلات نهاية الأسبوع، ولقد اتبعَت "غاربر" هذا النهج؛ إذ إنَّها ما تزال تمارس الرقص كهواية وتستمتع به أكثر الآن كونها ترقص من دون الضغوطات التي كانت ترافقه كمهنة، كما أنَّها تمزج حالياً بين مسار حياتها المهنية الجديدة كصحفية وحلمها السابق، وتقول: "أجريتُ هذا الصيف دورة تدريبية خاصة بالعلاقات العامة لشركة متخصصة بالرقص، وكان الأمر مجزياً حقاً، وأنا أقوم ببعض الأعمال المماثلة الآن لِما كنتُ أفعله من قبل".

قد يكون التخلي عن الحلم أمراً مؤلماً، وخاصةً عندما تضطرُّ إلى القيام بذلك بسبب الظروف؛ لأسباب صحية على سبيل المثال، ولكن مع ذلك، قد تكون هناك طرائق لتوجيه شغفك، على سبيل المثال، إذا كنت تحلم بتكوين عائلة ولكنَّك لم تكن قادراً على القيام بذلك لأيٍّ كان من الأسباب، فقد تجد الرضى في التدريس أو رعاية الأطفال.

يُعلِّمنا العلاج بالقبول والالتزام - وهو فرع من العلاج السلوكي المعرفي - التركيز فيما يمكننا القيام به سعياً إلى قيمنا واهتماماتنا؛ وذلك بدلاً من الحزن على ما فقدناه، لنفترض أنَّك حلمت بأن تكون محامياً ولكنَّ المشكلات الصحية تمنعك عن القيام بهذا العمل المجهد. ففي هذه الحالة، هل يمكنك التعبير عن اهتمامك الكبير بالدفاع عن الناس من خلال المناصرة المجتمعية؟

من ناحية أخرى، وكونك قد تحررت للتو من حلم معيَّن، سيمتعك توظيف حريتك التي حصلتَ عليها مؤخراً في اتجاه مختلف تماماً. فإذا كان الأمر كذلك، فخذ وقتك وقيِّم خياراتك.

يُحذِّر "غودين" من التسرع؛ لذا وعوضاً عن استعجال الأمور، يعتقد أنَّ هناك ما يسميه "المساحة البيضاء، الفارغة والمفتوحة"، وفي هذه المنطقة برأيه: سوف يتعمَّق عقلك الباطن بالشيء التالي الذي يُفترض أن تفعله؛ لذا، إذا كنت بحاجة إلى ابتكار طريقة جديدة لتتمسك بها فقط لتتخلص من هذه الطريقة، فمن المحتمل أنَّ ابتكارك لن يكون متقَناً؛ إذ إنَّك على الأرجح ستفعل ما فعلتَه بدافع اليأس، وأعتقد أنَّ المنطقي هو طرح السؤال التالي: كيف يمكنني استعمال هذه المساحة المفتوحة أمامي لمعرفة ما يستحق الالتزام به بالفعل؟

إحدى التمرينات العملية التي يمكنك التفكير فيها هي إجراء اختبار الاهتمامات المهنية، وقد تجد العديد من الإصدارات المختلفة المتاحة، ولكنَّ أكثرها احتراماً هو "اختبار الكفاءة المهنية" (Career Aptitude Test) الذي يعتمد على النظرية التي طرحها عالم النفس الأمريكي "جون هولاند" (John Holland) في الخمسينيات من القرن الماضي، التي تُصنِّف اهتماماتك على أنَّها في الغالب إما واقعية، أو استقصائية، أو فنية، أو اجتماعية، أو مغامِرة، أو تقليدية.

تُعَدُّ بعض المهن متوافقة توافقاً أكبر مع بعض من فئات الاختبار المختلفة؛ فمثلاً، تندرج الهندسة المدنية في فئة الواقعية، وعلم النفس السريري في فئة الاستقصاء؛ إذ إنَّ الفكرة الأساسية التي يقوم عليها هذا النهج أو الاختبار هي أنَّه من المرجح أن نتفوق ونجد الرضى في المسارات الوظيفية التي تتوافق مع اهتماماتنا الأساسية. وسواءً كان ذلك صحيحاً أم لا - مع العلم أنَّ هناك مؤلفات علمية تناقش دلائل تثبت صحة هذا الأمر - فإنَّ هذا التمرين يساعد على تغذية مخيلتك حول الطموحات التي يجب أخذها في الحسبان والسعي إلى تحقيقها لاحقاً.

المصدر




مقالات مرتبطة