كيف تبرمج عقلك اللاواعي كي يعمل لصالحك؟

هل سبق لك أن استلهمت أفضل أفكارك في وقت لم تحاول فيه ذلك؛ كأن تحصل بصورة مفاجئة على إجابة لسؤالٍ كان يدور في ذهنك، أو تنبثق فكرة معيَّنة كنت تبحث عنها من قبل بينما تستحم أو تخرج للسير على سبيل المثال؟ قد يبدو الأمر كالسحر، ولكنَّه عقلك اللاواعي قد هبَّ للمساعدة فقط.



ما هو الفِكر الواعي؟

دعونا نبدأ بشرح ماهية العقل الواعي. فكِّر في شكل منزل أحلامك دون القلق بشأن المال، ثم فكِّر في مكان شعرت فيه بالبهجة في أول مرَّة.

تمثل الأفكار التي تدور في رأسك بينما تفكِّر في هذين الأمرين عقلك الواعي؛ وبصورة أبسط، تعدُّ أي عملية تفكير تدركها وتعي بها جزءاً من عقلك الواعي.

أحد المراكز الرئيسة للتفكير الواعي في الدماغ هو القشرة أمام جبهية؛ ومن الجوانب السلبية للفكر الواعي أنَّه مرهِق للغاية ومحدود أيضاً، ممَّا يعني أنَّ عقلك الواعي يمكنه التفكير في شيء واحد فحسب في كل مرة، ويستهلك الكثير من الطاقة للقيام بذلك.

حاول إيجاد الجذر التربيعي للرقم 2400 في أثناء كتابة قائمة البقالة، حيث ستجد أنَّ بإمكانك التنقُّل ذهاباً وإياباً بين هاتين المَهمَّتين، ولكن لن يتمكن عقلك الواعي من التفكير في كلتيهما في آنٍ واحد.

فكِّر أيضاً في وقت كنت تستخدم فيه عقلك الواعي لفترة طويلة؛ ربما كنت تدرس طوال اليوم، أو كنت مشغولاً بمهمة عمل صعبة في وقت متأخر من الليل؛ وستجد أنَّك قد شعرت بالإرهاق الشديد بعد هذا التفكير الواعي المكثَّف.

ما هو العقل اللاواعي؟

يُعدُّ العقل اللاواعي بمثابة مَصدر رئيس قيِّم للغاية؛ فهو لا يُرهِقك في أثناء القيام بعمله، كما أنَّه يعمل بلا حدود، وقد يحاول عقلك اللاواعي اكتشاف آلاف المشكلات في هذه اللحظة.

ولكنَّ الجانب السلبي في الأمر هو أنَّك لا تدرك أيَّاً من هذا حتى تصل أفكارك اللاواعية إلى عقلك الواعي؛ لذا يتعين علينا معرفة كيفية تهيئة البيئة المناسبة كي تزدهر عقولنا اللاواعية.

التفكير بالنظام 1 والنظام 2:

يمنحنا كتاب دانيال كانيمان (Daniel Kahneman) "التفكير السريع والبطيء" (Thinking, Fast and Slow) طريقة أخرى للتفكير في الفرق بين العقل اللاواعي والعقل الواعي، حيث يصف "كانيمان" نمطين مختلفتين من التفكير أطلق عليهما النظام 1 والنظام 2:

  • إنَّ النظام 1 عاطفي، ويعمل بسرعة وتلقائية.
  • بينما النظام 2 أبطأ، ويعمل بمنهجية ومنطقية.
  • كما يعمل النظام 1 بالتوازي مع النظام 2.

على سبيل المثال: إذا رأيت شخصاً ينظر إليك، فقد يفترض النظام 1 أنَّه منزعج منك، ثم يتولَّى النظام 2 معالجة المعلومات وتمييز ما يحدث بالفعل في تلك اللحظة.

ينبِّهنا "كانيمان" أنَّ النظام 1 والنظام 2 هما مجرَّد تشبيهات مجازية للطريقة التي يعمل بها العقل، وستكون محاولة شرح أمثلة محدَّدة تحدث فيها هذه العملية تبسيطاً مبالغاً فيه؛ ومع ذلك، تُعدُّ هذه النُظُم طريقة فعالة لفهم أنماط التفكير المختلفة.

يصف "كانيمان" النظام 1 بأنَّه التفكير التلقائي وأنَّ النظام 2 يستلزم الكثير من الجهد؛ وتكمُن الفكرة الأساسية هنا في التركيز؛ ففي تجربة شهيرة، طُلِب من المشاركين مشاهدة مقطع فيديو وإحصاء عدد المرات التي مرَّر فيها الأشخاص كرة إلى بعضهم بعضاً في الفيديو، الأمر الذي يتطلَّب تفكيرهم بالنظام 2؛ ولكن جعل التركيز المكثَّف المطلوب لهذه التجربة معظم الناس لا ينتبهون إلى مرور شخص يرتدي بدلة غوريلا ببطء عبر اللقطة في أثناء تمرير الكُرة.

كيف تبرمج عقلك اللاواعي ليعمل لصالحك؟

قد يؤدي التركيز المكثَّف إلى تفويت التفاصيل والحلول المناسبة لعقلنا اللاواعي؛ لذا يتعين علينا أحياناً التريُّث والهدوء بدلاً من فرض الحلول، وسنقدم فيما يأتي 5 نصائح لجعل عقلك اللاواعي يعمل لصالحك:

1. تخلَّص من التوتُّر:

لن يساعدك عقلك اللاواعي جيداً عندما تكون في حالة من التوتُّر أو الإرهاق أو الارتباك؛ لذا فإنَّ معالجة التوتُّر أمر هام إذا كنت تريد التوصل إلى أفكار عظيمة تصبُّ في مصلحتك.

تخيَّل أنَّك تعمل على مشروع ما بموعد نهائي صارم، ويساورك القلق بشأن فقدان وظيفتك في الوقت الذي تعتمد عائلتك بأكملها على دخلك؛ سيؤدِّي هذا القدر الرهيب من التوتُّر إلى جعل عقلك اللاواعي عاجزاً عن التفكير بتريُّث من أجل الوصول إلى الإبداع الذي تحتاجه.

لقد ركَّز معظم الأشخاص في مثالنا بصورة كبيرة على المَهمَّة الحالية لدرجة أنَّهم لم يروا الجزء الأكثر إثارة في الفيديو؛ وبالتالي قد يؤدي الإجهاد والتوتر إلى ضيق الرؤية وتجاهُل الكثير من التفاصيل الهامَّة، كما يضعف تركيزنا لدرجة أنَّنا لا نستطيع التروِّي وربط الأفكار والأنماط الأوسع نطاقاً؛ لذا يجب علينا إيجاد طرائق لمعالجة التوتُّر، ويمكننا تلخيص الجوانب الأربعة للتعامل مع التوتر بما يأتي:

  • حاول الحدَّ من التوتُّر في حياتك عن طريق التخلُّص من الضغوطات. قد يحدث ذلك عن طريق إيجاد وظيفة أقل إرهاقاً أو مغادرة العمل مبكراً.
  • أعِد صياغة الضغوطات التي لا يمكنك التخلُّص منها؛ ولا يعني ذلك إنكار وجود التوتُّر، بل يعني التفكير على نحو مختلف وتغيير وجهة نظرك حول الضغوطات الموجودة بالفعل في حياتك؛ أي النظر إلى الجانب المشرق أو محاولة رؤية الصورة الأكبر؛ فعلى سبيل المثال: إذا لم يكن بوسعك ترك وظيفتك المُرهِقة، فحاول التفكير أكثر في الأموال التي تجنيها منها، أو الأوقات التي تشعر فيها بالرضا عن العمل.
  • تكمُن الخطوة الثالثة في تخفيف التوتر، وقد تفعل ذلك عن طريق إيجاد طرائق للاسترخاء طوال اليوم، مثل تجربة التأمل أو مشاهدة مقاطع فيديو مضحكة على يوتيوب (YouTube) لتصفية ذهنك والحد من التوتُّر الذي تتعرض إليه.
  • وأخيراً، أنعِش نفسك، وابحث عن سُبُل لأخذ فترات راحة تتخلَّص فيها من التوتر تماماً، كأخذ إجازة والذهاب إلى الشاطئ مثلاً؛ وسيتعين عليك حينها أن تغلق هاتفك، وتنسى العمل، وتشعُر بالتجدُّد والانتعاش تماماً.

شاهد بالفيديو: 8 طرق للتخلص من التوتر

2. خذ قسطاً من الراحة:

يُعدُّ أخذ قسط من الراحة أحد سبل إدارة التوتًّر، كما أنَّه جزء هام من استثمار عقلك اللاواعي؛ فعلى سبيل المثال: لنفترض أنَّك تحاول كتابة مقال أو تجميع أفكارك لبدء مشروع كبير، يجب أن تحدِّد جدولاً زمنياً لإيقاف المشروع بالكامل مؤقتاً، حيث سيسمح هذا لعقلك اللاواعي بحرية التوصل إلى بعض الحلول الجديدة؛ وبخلاف الفكر الواعي، سيحدث هذا بلا عناء.

هذه هي الطريقة التي تأتيك بها الأفكار العظيمة فجأة في أثناء الاستحمام أو القيادة إلى العمل؛ فعندما لا تركِّز على أي شيء تركيزاً مكثَّفاً، يتمتع عقلك اللاواعي بالهدوء والصفاء الذي يحتاجه لينقل الأفكار إلى العقل الواعي؛ لذا، خذ فترات راحة منتظمة.

تُعدُّ تقنية بومودورو واحدة من الاستراتيجيات الرائعة للقيام بذلك، والتي تنص على أخذ استراحة لمدة خمس دقائق بعد كل 25 دقيقة من العمل؛ ممَّا يسمح لك بتجديد طاقتك ونشاطك، ويمنح عقلك اللاواعي فرصاً للتوصل إلى بعض الأفكار الجديدة.

إقرأ أيضاً: 5 خطوات بسيطة للوصول إلى الراحة الذهنيّة

3. كن مبدعاً:

يجيد العقل اللاواعي البحث عن حلول مثيرة للاهتمام دون عناء، ولكن كي يحدث هذا، يحتاج إلى بعض الإلهام؛ ممَّا يعني خلق واستثمار أكبر قدر ممكن من الإبداع.

اختر هواية فنية أو إبداعية مثل الرسم أو الكتابة أو الرقص، وسيكون من المفيد أيضاً استثمار الإبداع من خلال الذهاب إلى المتاحف أو قراءة الشِعر أو السير في الطبيعة؛ حيث سيمنحك دمج الإبداع كل الإلهام الذي يحتاجه عقلك اللاواعي ليتمكَّن من القيام بعمله.

4. لا تضغط على عقلك اللاواعي:

إنَّه لمن الهام أن تدرك أنَّك لا تستطيع إجبار عقلك اللاواعي على العمل؛ فقد تعاني وتجهد عقلك الواعي عند استخدامه، لكنَّ العقل اللاواعي يُنتِج أفضل الأفكار فقط عندما لا تحاول إجباره على ذلك.

لذا حاول دائماً الاسترخاء من خلال الاستحمام أو المشي في الهواء الطلق على سبيل المثال؛ إذ يتمكَّن العقل اللاواعي من التوصل إلى الإبداع عندما لا تركِّز بصورة مكثَّفة على أي شيء تحاول حله؛ لذا استرخِ وامنح نفسك بعض الوقت والراحة، فهكذا يقوى عقلك اللاواعي على التفكير بصورة أفضل.

5. العب:

أخيراً، لا تنسَ أهمية اللعب؛ فاللعب ممتِع بطبيعته، ويسمح أسلوب التفكير الممتع لعقلك اللاواعي بفرصة أكبر للابتكار؛ فإذا حوَّلت مَهمَّتك إلى لعبة ممتعة، ستكون أكثر استرخاءً واستمتاعاً وتعاوناً مع زملائك أيضاً؛ ممَّا يعني أنَّك ستكون أكثر استعداداً للعمل، ويتمكن عقلك اللاواعي بذلك من الوصول إلى الإبداع الذي تريد.

كما يمكنك إضافة بعض المرح على مدار اليوم للاستفادة من هذا النمط في التفكير الأكثر حرية والأقل تقييداً؛ لذا حوِّل تنقلاتك إلى نوع من الترفيه، أو العب الغميضة مع أطفالك، أو العب البولينج؛ حيث سيساعدك هذا على الشعور ببهجة الطفولة، والاندهاش، والفضول؛ وكل هذه العناصر أساسية لتعزيز عقلك اللاواعي.

إقرأ أيضاً: 4 تمارين مهمة لتنمية المهارات العقلية عند الإنسان

في الختام:

يختلف التعامل مع عقلك اللاوعي وتسخيره لصالحك عن التعامل مع عقلك الواعي اختلافاً كبيراً؛ فإذا تمكَّنت من استثمار عقلك اللاواعي بصورة صحيحة، فقد يساعدك ذلك في الحصول على ما تريد من خلال تحرير إمكاناتك الكامنة.

 

المصدر




مقالات مرتبطة