كيف تبدأ حياتك من جديد بعد فقدان شخص عزيز؟ (الجزء الثاني)

لقد تحدَّثتُ في الجزء الأول من المقال عن قصة فقداني لوالدي، وكيف أثر هذا الأمر في حياتي، ثم تطرقت إلى 3 أمور ساعدتني على التغلب على حزني ومحاولة التأقلم مع الوضع الجديد؛ لذا تابع قراءة قصتي في هذا الجزء الثاني والأخير لتعرف بقية الخطوات التي ساعدتني على تجاوز الحزن:



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "أرفيند ديفاليا" (Arvind Devalia)، حدِّثنا فيه عن تجربته الشخصية في فقدان شخص عزيز.

1. تذكُّر أنَّ طلب المساعدة الخاصة والدعم لتجاوز حزنك ليس أمراً فاشلاً:

إنَّ وجود العديد من الأصدقاء الداعمين من حولك أمر رائع، لكنَّ الدعم المهني قد يساعدك أيضاً؛ إذ يمكن أن توفر لك استشارات الحزن النفسي القدرة على التعبير عن حزنك وألمك، ومع أنَّني لم أحصل على استشارة حزن مطلقاً، إلا أنَّني إذا فكرت في هذا الأمر، أتساءل عمَّا إذا كان ذلك سيساعدني.

بصفتي رجلاً، لا يبدو طلب المشورة تصرُّفاً رجولياً؛ إذ يشعر الرجال أنَّهم يجب أن يكونوا قادرين على التعامل مع عواطفهم، وقد ينظرون نظرة خاطئة إلى الاستشارة على أنَّها اعتراف بالضعف.

يتعامل كل شخص مع الحزن بطريقته الخاصة، ولا توجد طريقة صحيحة أو خاطئة للحزن، كما لا توجد وصفة سحرية للتغلب عليه، ويمكن تجاوزه فقط مع مرور الوقت والصبر والتعاطف مع الذات، وقد لا يساعد الوقت على الشفاء، لكنَّه يجعل عبء الحزن قابلاً للإدارة؛ إذ يمكنك العيش والعمل والشعور بالسعادة وتجربة الفرح مرةً أخرى، مع عدم نسيان مَن تحبه أبداً.

ابحث أيضاً عن الدعم الطبي إذا شعرت أنَّك في حالة تدهور جسدي وعاطفي؛ إذ يمكن أن يؤكد لك الطبيب بأنَّك تمر بالمراحل الطبيعية للحزن، كما يمكن أن يدعمك إيمانك بالله في هذا الوقت.

مهما فعلت، لا تعزل نفسك، واعلم أنَّ الجميع سيدعمك ويشجعك بأفضل طريقة ممكنة؛ فقط اسمح لهم بفرصة القيام بذلك، وفي نفس الوقت خلال فترة الحزن، حاول أن تحافظ على هدوئك؛ وذلك لأنَّ عواطفك ستزداد، وقد تسبب سوء تفاهم مع الأشخاص من حولك.

2. منح عملية الحزن الوقت الذي تحتاج إليه:

امنح الوقت الكافي لمشاعر الحزن، ولا تصغِ إلى الآخرين الذين يقولون لك إنَّه يجب التغلب على مشاعر الخسارة مباشرةً؛ فكل شخص يتعامل مع الحزن بطريقته الخاصة، ولا توجد طريقة صحيحة أو خاطئة ولا توجد وصفة سحرية للتغلب عليه.

لقد ذكر أحد الأصدقاء أنَّه يشعر بالسوء لأنَّه ما يزال يشعر بالإحباط بعد فقدان والده قبل عامين، وقد أخبره بعض الأصدقاء أنَّ هذا الأمر ليس طبيعياً، وأنَّه كان يجب عليه تجاوز الأمر.

لقد طمأنته وأخبرته أنَّه من الجيد أن يمنح مشاعر الحزن حقَّها ويعطيها الوقت الكافي للتعافي، فكل شخص لديه رحلة مختلفة وطريقته الخاصة في التعامل مع الخسارة، واقترحت عليه الحصول على استشارات الحزن النفسي إذا كان الأمر يؤثر في حياته كثيراً.

3. تقدير أحبائك وإكرامهم من خلال عيش حياة جديرة بهم:

في العام الذي تلا وفاة والدي، استعرضتُ أوراقه وكتبه المطبوعة، وقد أذهلني اتساع وعمق معرفته ومقدار تعاطفه وحبه للناس، فلم أكن أقدِّر ما الذي فعله من أجلي، وقد كانت معرفة كيف أنَّ والدي عمل بجد حتى نتمكن جميعاً من الحصول على حياة جيدة إدراكاً متأخراً.

أنا الآن أشعر بالأسف لأنَّني لم أُظهِر له تقديري الكامل في حياته، فقد بذل قصارى جهده وكل ما في وسعه من أجلي، بالمعرفة والموارد والفهم الذي كان لديه في ذلك الوقت، كما سأتذكر دائماً طباعه اللطيفة وغريبة الأطوار في بعض الأحيان؛ فالأمور التي تعرفها عن أحبائك اليوم ستصبح ذكريات عزيزة يوماً ما.

إنَّ لكل شخص فينا هدف في هذه الحياة، وأحبائك الذين رحلوا كان لهم هدف كبير أيضاً، ولن يكون العالم كما هو لو لم يعيشوا؛ لذلك عندما تحزن، تذكَّر واحترم الأثر الذي أحدثوه في حياة كثيرٍ من الناس، فلقد كانت أكبر هدية قدَّمها لي والدي هي حياتي، ولا يمكنني أبداً أن أشكره هو وأمي شكراً كافياً، وكل ما يمكنني فعله هو محاولة عيش حياة تليق بوالدي.

إقرأ أيضاً: الألم النفسي: أسبابه، وأعراضه، وعلاجه

4. التعبير عن حبك لأحبائك قدر الإمكان:

حضرت في الفترة الأخيرة جنازة أحد أقاربي المسنين، وبكيت بغزارة عندما تذكرت مرةً أخرى فقدان والدي، فلم تكن دموعي من أجل والدي فحسب؛ وإنَّما كانت أيضاً من أجل كل خساراتي السابقة، والأحلام المنسية، والآمال الضائعة، والوقت الضائع، والأصدقاء الذين أصبحوا غرباء، والعلاقات المحطمة، والناس الذين خيبنا آمالهم والألم، وكانت تلك الدموع عبارةً عن مزيج ضخم من مشاعر الحزن.

والأهم من ذلك كله، بكيت بسبب كل الحب الذي لا نتبادله أو نعبِّر عنه أو نعترف به؛ لذلك لا تنتظر أكثر من ذلك، اذهب واقضِ بعض الوقت مع أحبائك، وتواصل مع أفراد العائلة والأصدقاء الذين يعنون لك الكثير، وزرهم واتصل بهم وأرسل لهم بريداً إلكترونياً أو رسالةً نصيةً، أو أيَّ شيء آخر، وتواصل معهم بطريقة أو بأخرى وأخبرهم كم يعنون لك.

"الحب الذي لا تشاركه اليوم هو الألم الوحيد الذي تعيشه في حياتك" - الكوتش سلوكوم (Shore Slocum).

5. إنشاء إرث جدير بالشخص الذي تحبه:

مع أنَّني لا أستطيع أن أدَّعي أنَّني أتفهم تماماً الألم الذي تمر به ولا يمكنني أن أقلِّل من معاناتك، فأنا أعلم أنَّك تمتلك القوة الكافية التي يمكن أن تساعدك على تجاوز ألمك والبدء بالعيش مرةً أخرى؛ فالروح البشرية في مثل هذه الظروف الصعبة قوية جداً.

إنَّ فقدان أحد أفراد أسرتك هو أعمق ألم ستمر به في حياتك، لكن دع هذا الأمر أيضاً يعزز فيك شعور الإلحاح لتجربة الحياة على أكمل وجه؛ فاجعل فقدان أحد أفراد أسرتك بمنزلة إنذار لك لتحقيق أقصى استفادة من حياتك، وإيجاد إرثك وفعل ما في وسعك من أجل العالم.

ليكن هذا الأمر بمنزلة نداء واضح للخروج من فخ الرغبة في أن تكون الأفضل، واقتناء مزيدٍ من الأشياء وقضاء الوقت في نشاطات لا فائدة منها، والسعي إلى ما تريده في حياتك؛ لذا اقطع وعداً على نفسك أن تعيش أفضل حياة ممكنة.

لقد ترك والدي إرثاً كبيراً، فهو ما يزال حاضراً من خلال كتبه، وفي داخلي؛ وأنت ماذا سيكون إرثك؟ وبماذا سيتذكرك الأشخاص الذين تحبهم؟

شاهد بالفديو: كيف نتجاوز فقدان شخص عزيز؟

6. تذكُّر أنَّ محبة الشخص الراحل لن تفارقك أبداً:

تذكَّر أنَّ الذكريات السعيدة للشخص الراحل ستبقى معك دائماً، وربما يكون هذا الأمر في النهاية هو ما يهم أكثر من أيِّ أمر آخر، والإدراك بأنَّ حبهم الكبير لك سيرافقك دائماً؛ فهذا الإدراك يحررنا في سعينا إلى تحقيق المثالية والسعادة، وهو الأمر الذي يريده أحباؤنا الراحلون لنا على أيِّ حال.

في وقت سابق من هذا الصيف، فقدَت صديقة لي والدتها بعد مرض طويل الأمد، وبعد أسبوعين فقط أنجبت صديقتي طفلةً، ولقد شاركَت شيئاً مؤثراً تذكُر فيه أنَّ معرفة مقدار حبها لابنتها المولودة حديثاً، جعلها تدرك مقدار عمق حب والدتها لها طوال حياتها.

في وسط حالة اليأس الناجمة عن فقدان والدتها وفرحة ولادة طفلتها، كان لديها إدراك كبير بمقدار حب والدتها لها، وكيف كان هذا الحب العميق ما يزال موجوداً وسيظل موجوداً دائماً.

في تلك اللحظة، عندما تحدَّثَت صديقتي عن حب والدتها، شعرت أيضاً بمقدار روعة حب والدي لي وكيف سيكون حبه موجود دائماً، وأنا الآن فقط قادر على فهم عمق حب والدي لي، ومعرفة أنَّ هذا الحب سيبقى موجوداً دائماً حتى في غيابه، لقد أصبحت عاطفياً جداً، حتى مجرد التفكير في هذا الأمر الآن يجعل عيوني تدمع.

بطريقة ما، عندما نتذكر أحباءنا نفكر في كل الأمور التي لم نفعلها معهم أو نقولها لهم، أو نأسف على بعض الأمور التي فعلناها والتي كنَّا نتمنى لو أنَّنا لم نفعلها.

في تلك اللحظة التي شعرت فيها بحب والدي، أصبح واضحاً لي فجأةً أنَّه في المخطط العظيم لتنظيم الأمور من حولنا، لم يكن هذا الندم هاماً، وبطريقة ما أعطاني هذا الإدراك إحساساً بالإنجاز مع والدي؛ ففي فترة حزنك، وفي الوقت المناسب ستتغلب على ندمك وتستمتع بحب أحبائك الذي سيبقى دائماً موجوداً.

"أن نعيش في قلوب نتركها وراءنا، يعني أنَّنا لا نموت" - الشاعر توماس كامبل ( Thomas Campbell).

سيبقى الشخص العزيز عليك موجوداً معك دائماً، وبصرف النظر عن أيِّ شيء، سيبقى دائماً يعيش في قلبك؛ لذا تذكر ألا تحزن فقط على وفاة عزيزك؛ وإنَّما احتفِ به في أثناء وجوده.

تذكَّر وتعهَّد لنفسك بالاستفادة القصوى من كل يوم ومن الحياة العابرة التي نحن جميعاً محظوظون لوجودها؛ فنحن نعيش في عالم جميل ويوجد الكثير من الخير فينا ومن حولنا، لكن من الطبيعي اختبار الألم المرتبط بفقدان أحد الأحباء، ومع ذلك، يمكن أن تمنحنا الحياة أيضاً مثل هذه التجارب المؤلمة التي تتطلب منَّا بذل كل ما في وسعنا وأكثر من ذلك بكثير حتى نواجهها كل يوم.

ربما لم نتغلب على فقدان أحد الأحباء، وربما لم نشفَ بعد، لكن حاولنا إخفاء مشاعرنا، وربما مع مرور الوقت يتضاءل الألم ولكنَّه لن يختفي تماماً، لكنَّ حبنا سيعيش إلى الأبد.

في الختام:

تذكَّر أنَّ كل شيء يتغير وسيمر أيضاً، عندما تحزن على فقدان شخص تحبه، تذكَّر أنَّ كل شيء يتغير، لقد مرت الآن 14 سنةً بصورة لا تُصدَّق، وهنا أتساءل أين ذهب ذلك الوقت، لقد مر الألم الشديد ومشاعر اليأس، ومع أنَّ الفراغ والحزن سيظلان دائماً موجودَين، إلا أنَّني بقيت أعيش بذكريات عزيزة وجميلة عن والدي، ومهما كانت أفكارك عن رحيل الأشخاص الذين تحبهم، كن مطمئناً لأنَّ الشخص الراحل يعيش في سلام، وسيبقى حبه العميق موجوداً معك دائماً.

 

المصدر




مقالات مرتبطة