نناقش في هذا المقال كيف تؤثر هذه الوسائل في سلوكات الأكل، ونقدِّم لك نصائح عملية تساعدك على الحفاظ على نظام غذائي صحي وسط هذه الضغوطات الرقمية.
كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي في عادات الأكل؟
أصبح من الواضح في السنوات الأخيرة أنَّ تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في عادات الأكل كبير ولا يُتجاهَل، خصيصاً بين المراهقين والشباب، فالمنصات، مثل إنستغرام وتيك توك أصبحت تعج بصور ومقاطع لأطعمة جذابة ومغرية، مما قد يدفع المستخدمين إلى تناول وجبات غير صحية أو الإفراط في الأكل دون وعي،
وفقاً لدراسة نُشرت في "جورنال أوف إيتينغ ديس أوردرز" (Journal of Eating Disorders)، فإنَّ التعرض المستمر لمحتوى الطعام على وسائل التواصل الاجتماعي يزيد من فرص تناول الطعام غير الضروري، حتى عندما لا يكون الشخص جائعاً فعلياً.
وُجِدَ في دراسة أجرتها جامعة "رود آيلاند" (Rhode Island) أنَّ الطلاب الذين يقضون وقتاً أطول على السوشيال ميديا يتخذون قرارات غذائية أقل صحة، ويستهلكون كميات أكبر من الوجبات السريعة والمشروبات الغازية، كما تشير بيانات "فيري ويل فيت" (Verywell Fit) إلى أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي قد تعزز المقارنات الجسدية بين المستخدمين، مما قد يقود بعضهم إلى اتباع حميات غذائية قاسية أو غير صحية.
يُنصَح لتقليل تأثير السوشيال ميديا في الغذاء بتقنين وقت استخدام التطبيقات، ومتابعة حسابات تهتم بالغذاء الصحي، وتطبيق نصائح لتجنب تأثير وسائل التواصل في الأكل، مثل تناول الوجبات بعيداً عن الشاشة والتركيز على إشارات الجوع الحقيقية.
العوامل النفسية والسلوكية المرتبطة بالتأثير
تؤدي الجوانب النفسية والسلوكية دوراً محورياً في تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في عادات الأكل، فتؤثر طريقة عرض الطعام، وصورة الجسد المثالية، وآراء الآخرين كثيراً على قرارات الأفراد الغذائية، خصيصاً في فئة المراهقين والشباب. فالمحتوى المرئي المتكرر على المنصات الاجتماعية، لا يكتفي فقط بعرض الطعام؛ بل يربط بينه وبين مفاهيم الجمال، والنجاح، أو نمط الحياة الصحي، مما يخلق دافعاً نفسياً لتقليد ما يُشاهد.
1. التنافس الاجتماعي والرغبة في تقليد الآخرين
من السهل أن يقع المستخدم في فخ المقارنة، فيُقلِّد ما يراه من اختيارات غذائية لدى المؤثرين أو الأصدقاء، وهذا السلوك المقلَّد قد يدفع بعضهم لتجربة أنظمة غذائية لا تناسبهم، أو الانجراف وراء موضات الأكل التي تنتشر بسرعة على السوشيال ميديا دون التحقق من صحتها أو ملاءمتها الصحية.
2. تأثير الضغط المجتمعي والتقييم في اختيار الطعام
يعزز التفاعل المستمر مع المنشورات والتعليقات والتقييمات شعور الفرد بأنَّه مراقب، ما يجعله يختار طعاماً يُظهره بمظهر صحي أو أنيق أمام المتابعين، وهذه الضغوطات قد تؤدي إلى قرارات غذائية مبنية على المظهر لا على الاحتياج الفعلي، مما يزيد التوتر الغذائي أو الشعور بالذنب بعد تناول الطعام.
3. العلاقة بين الاستخدام المفرط للسوشيال ميديا والإفراط في الأكل
تشير الدراسات إلى أنَّ الاستخدام المفرط لوسائل التواصل، قد يؤدي إلى اضطراب في إشارات الجوع والشبع، وتصفح المحتوى المتعلق بالطعام لفترات طويلة يمكن أن يحفِّز الشهية حتى دون وجود جوع حقيقي، ما يؤدي إلى الإفراط في الأكل. كما يُعد هذا السلوك من أبرز صور السوشيال ميديا وتأثيرها في الغذاء، ويؤثر مباشرةً في توازن العادات الغذائية والصحة العامة، وهذا هو التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي على عادات الأكل.
تأثير وسائل التواصل في الصحة العامة
بات من الصعب مع تزايد استخدام الهواتف الذكية وتطبيقات التواصل الاجتماعي تجاهل تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في عادات الأكل والصحة العامة؛ إذ أصبحت منصات، مثل إنستغرام، وتيك توك وسناب شات، بيئةً خصبةً لانتشار المحتوى الغذائي، سواء كان ترفيهياً، أم إعلاناً تجارياً، أم حتى تحديات طعام، وكلها تؤدي دوراً مباشراً أو غير مباشر في تشكيل نمط الأكل لدى المستخدمين.
1. زيادة معدلات السمنة وأمراض متعلقة بالتغذية
تُعد الزيادة الملحوظة في معدلات السمنة واحدة من أكثر النتائج وضوحاً لهذا التأثير، خصيصاً بين فئة الشباب والمراهقين، فغالباً ما يروَّج على هذه المنصات لأطعمة عالية السعرات، مثل البرغر، والحلويات، والمشروبات الغازية ترويجاً جذاباً تجعلها تبدو أكثر إغراءً من الطعام الصحي. تعزز كثرة التعرض لهذا النوع من المحتوى الرغبة في تجربة هذه الأطعمة، دون وعي بكمية السعرات أو الدهون التي تحتويها.
لا تؤثر هذه العادات في الوزن فقط؛ بل تمتد لتزيد من خطر الإصابة بأمراض مزمنة، مثل السكري، وارتفاع الكوليسترول، وأمراض القلب، فالمراهق الذي يرى محتوى طعام غير صحي يومياً قد يتأثر مباشرة بسلوكات غذائية خاطئة، تُمارس باستمرار وتتحول إلى نمط حياة يصعب تغييره لاحقاً.
2. تأثير المحتوى الغذائي غير المتوازن في الشباب
الشباب هم الفئة الأكثر تعرضاً وتأثراً بالسوشيال ميديا، ويعتمد كثير منهم على هذه المنصات للحصول على "إلهام" لما يجب أن يأكلوه أو كيف يتبعون نظاماً غذائياً، فالمشكلة أنَّ كثيراً من هذا المحتوى لا يستند إلى معلومات علمية أو صحية؛ بل إلى تجارب فردية، أو حتى وصفات تهدف للترفيه لا الفائدة. فهناك مثلاً تحديات أكل مبالغ فيها، أو وصفات تعتمد على مكوِّنات غير متوازنة، مثل كميات مفرطة من السكر أو الدهون.
تؤثر هذه السلوكات في الصحة البدنية والنفسية معاً، فيمكن أن تؤدي إلى اضطرابات في الأكل، أو سوء التغذية، أو الشعور بالذنب تجاه تناول الطعام، ومن هنا، تظهر الحاجة إلى التوعية بأهمية نصائح لتجنب تأثير وسائل التواصل في الأكل، مثل تعلُّم قراءة المعلومات الغذائية، والاعتدال في مشاهدة محتوى الطعام، والتمييز بين الترفيه والتغذية السليمة.
نصائح عملية للحفاظ على عادات أكل صحية رغم تأثير وسائل التواصل
رغم أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، إلَّا أنَّ تأثيرها في علاقتنا بالطعام بات واضحاً ومقلقاً؛ إذ قد تغيّر الصور المثالية للوجبات، وتحديات الطعام، والوصفات السريعة نظرتنا إلى الأكل من حاجة صحية إلى سلوك مرتبط بالترفيه أو التقييم الاجتماعي، وللحد من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في عادات الأكل، إليك مجموعة من النصائح العملية التي يمكن أن تُحدث فرقاً حقيقياً:
1. اختَر مصادر موثوقة للمعلومات الغذائية
ليست كل النصائح الغذائية التي تظهر على السوشيال ميديا صالحة للتطبيق، فكثير منها يفتقر للدقة العلمية أو يُروَّج له لأغراض تسويقية؛ لذلك من الهام التحقق من خلفية من يشارك المعلومات، ويفضل متابعة مختصين في التغذية أو أطباء يقدِّمون محتوى مبنياً على دراسات موثوقة، وهذه الخطوة البسيطة تحمي من الوقوع ضحية للأنظمة الغذائية القاسية أو الترندات غير الصحية، وتبني وعياً غذائياً مستداماً.
2. نظِّم وقت استخدام وسائل التواصل الاجتماعي
يُضعِف استخدام وسائل التواصل لفترات طويلة، خصيصاً قبل أو في الأكل التركيز على إشارات الجسم الطبيعية، مثل الجوع والشبع. فالدراسات أظهرت أنَّ الأشخاص الذين يأكلون في استخدام الهواتف الذكية، يستهلكون كميات أكبر من الطعام دون وعي؛ لذلك يُنصح بتخصيص وقت محدد لتصفح السوشيال ميديا، والابتعاد عنها في تناول الوجبات، وهو ما يعزز الانتباه الذهني ويقلل الإفراط في الأكل.
3. كيفية مقاومة الضغوطات الرقمية والتسويق الغذائي
يُقدِّم التسويق الغذائي من خلال السوشيال ميديا الطعام على أنَّه وسيلة للشعور بالسعادة، أو أداة للوصول إلى "المظهر المثالي"، ما يخلق ضغطاً نفسياً كبيراً على المستخدمين. لمواجهة ذلك، من المفيد تعلُّم التمييز بين الإعلانات المقنَّعة والمحتوى الحقيقي، وكتم أو إلغاء متابعة الحسابات التي تروِّج لعادات غذائية سلبية أو صيغ جسدية غير واقعية، فالحديث الداخلي الإيجابي يمكن أن يساعد على مقاومة هذه الضغوطات وتحفيز التقدير الذاتي.
4. تبنَّى عادات غذائية قائمة على الوعي الذاتي
يُعد الوعي الذاتي الخط الدفاعي الأول في مواجهة وسائل التواصل الاجتماعي وعادات الأكل غير الصحية، ويشمل ذلك تعلُّم الاستماع للجسم وتحديد أوقات الجوع الحقيقي مقابل الأكل الناتج عن التوتر أو الملل. فمن المفيد أيضاً إعداد جدول للوجبات، وتسجيل ما يُتناوَل خلال اليوم، ليس بهدف الرقابة الصارمة؛ بل لفهم السلوك الغذائي وتعديله تدريجياً، وعندما يرتبط الطعام بالشعور بالراحة النفسية والرضا الداخلي، تقل الحاجة لتقليد الآخرين أو التفاعل العاطفي مع المحتوى الرقمي.
في الختام
لا بدّ من وجود تأثير لوسائل التواصل الاجتماعي في الأكل خصيصاً في بيئة الخليج التي تشهد تحولاً رقمياً متسارعاً، فمن خلال الوعي والفهم الصحيحين، يمكنك حماية عاداتك الغذائية من التأثيرات السلبية والاستفادة من الجوانب الإيجابية لهذه المنصات.
أضف تعليقاً