كيف تؤثر المكافآت وتقدير جهود الموظفين في صحتهم النفسية؟

لم تكن السنة الفائتة سهلةً على أحد، وتحديداً على الموظفين؛ فمع انتشار جائحة فيروس كورونا التي سببَت القلق وأجبرَت الناس على البقاء في المنزل بمعزل عن الآخرين، ازدادت مخاوف الموظفين بسبب انعدام الأمن الوظيفي.



ولو ظننتَ أنَّ فقدان الوظيفة بشكل عام أمر سيء، فلم تختبر شعور أن تفقد وظيفتك خلال الجائحة بعد.

ومع اضطرار الشركات في مختلف أنحاء العالم إلى تسريح أغلب موظفيها، يبقى من الطبيعي أن يخشى الموظفون من هذا الأمر، وإذا كنتَ في منصب المدير أو القائد ولاحظتَ انخفاضاً كبيراً في إنتاجية وكفاءة موظفيك فربما يُعزى ذلك إلى القلق والتوتر والعزلة الناجمة عن الضغوطات التي تواجه العالم بأسره حالياً.

ولم تؤثِّر هذه التحديات على مشاركة الناس في العمل فحسب؛ بل كان لها عواقب واضحة على الصحة النفسية للعاملين فضلاً عن سلامتهم، وذلك وفقاً لبحوث جديدة أجرتها جامعة ولاية أوهايو (Ohio State University).

وكردٍّ لهذه الإجراءات، يتعين على الشركات إيجاد سبل أحدث وأقوى وأكثر مصداقية لإشراك موظفيها في العمل مع ضمان حصولهم على تجربة إيجابية؛ ولذلك دعنا نلقي نظرةً على الطريقة التي يتم بها هذا الأمر:

تأثير المكافآت والاعتراف بجهود الموظفين في عالم الشركات اليوم:

إنَّ البشر مخلوقات اجتماعية بالفطرة؛ وبالتالي فإنَّ غالبية العمل الذي نقوم به مرتبط بحاجتنا إلى التقدير والإقرار بالجهود التي نبذلها، والأمر سيان بالنسبة إلى الموظفين؛ حيث تتجلى نتائج مشاركتهم في العمل، سواء أكان ذلك في نتائج عملهم أم في تعزيز ثقافة الشركة أم حتى رفع مستوى الإنتاجية أم ربما مناصرة الموظفين؛ وحتى لو لم تحل هذه الجائحة على العالم، فإنَّ موظفيك سيتركون وظائفهم تدريجياً متى شعروا بانعدام التقدير.

وعلى الرغم من أنَّ مصطلح "مشاركة الموظفين" قد يبدو غير حاسم، لكنَّه في الواقع يتعلق بالأشياء التي تُشعِر الموظف بالسعادة والرضى والأمان في مكان عمله؛ وبما أنَّ ذلك يتطلب الوقت والصبر وتوفُّر الموارد؛ يكمن إشراك الموظفين في مكافأتهم والاعتراف بجهودهم.

وتتربع هذه الممارسات على رأس الأولويات في العديد من الأعمال التجارية، حيث تدور رحى معركة جذب الموظفين الموهوبين على نطاق واسع، وبذلك يتعين على المديرين أن يخلقوا ثقافةً في الشركة تأخذ تقدير جهود الموظفين معياراً لجذب المواهب الجديرة، بالإضافة إلى الاحتفاظ بها على الأمد الطويل.

وإليك المزايا الثماني لتقدير جهود الموظفين ومكافأتهم في مكان العمل:

  • تحسين بيئة العمل.
  • توفير ميزة تنافسية.
  • تحسين العلاقات بين أرباب العمل والموظفين.
  • تعزيز روح الفريق.
  • تمكين الموظفين.
  • الاحتفاظ بالموظفين بصورة أفضل.
  • تأسيس علامة تجارية قوية.
  • تعزيز عافية الموظفين بشكل عام.

الأهمية المتزايدة للصحة النفسية في مكان العمل:

من الشائع أن ينسى القادة في كثير من الأحيان عنصراً حاسماً في تحقيق العافية الشاملة في مكان العمل وهو: الصحة النفسية؛ وذلك في أثناء سعيهم إلى ضمان ذروة الصحة البدنية للموظفين.

و يركز القادة غالباً على الصحة الجسدية لدرجة أنَّهم يهملون الاعتراف بأهمية الصحة النفسية في مكان العمل، حيث تشير الدراسات إلى أنَّ واحداً من ستة أشخاص يعانون من مشكلات نفسية في بيئة العمل، وبذلك يغفل القادة عن معرفة الخطأ الذي وقعوا فيه؛ حيث أنَّهم يفصلون عادةً بين العقل والجسد وهنا تكمن المشكلة؛ لأنَّه ينبغي ألا ننسى أنَّ العقل السليم في الجسم السليم.

لا يوجد مجال لمقارنة الأمرين بتاتاً، ولا ينبغي أن نفضِّل أحدهما على الآخر؛ بل ينبغي أن تكون الصحة النفسية للموظف على قدر متساوٍ من الصحة الجسدية كي يقوم بعمله على أكمل وجه؛ وبما أنَّ شعار هذا العام هو الاهتمام بالصحة ووضعها ضمن الأولويات، فيجدر ألا تدير الشركات ظهرها عن الاهتمام بالصحة النفسية كذلك؛ فقد كان هذا العام صعباً وذا تأثير قاسٍ على صحتنا النفسية؛ حيث وصلت نسبة البالغين الذين عانوا من أعراض القلق والاكتئاب إلى قرابة 41% منذ بداية هذا العام.

ووفقاً لمركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) فمن الممكن أن تظهر أعراض حادة على الموظفين بسبب القلق والتوتر إلى جانب العزلة ومنها:

  • مشاعر الخوف، والغضب، والحزن، والقلق، وحتى الإحباط.
  • فقدان الشهية أو ازديادها، فضلاً عن تفاوت مستويات الطاقة، وتغيُّر الرغبات والمصالح.
  • مواجهة مشكلات في التركيز واتخاذ القرارات.
  • التعرض للأرق أو الكوابيس.
  • الآثار الجانبية الجسدية مثل: الصداع أو آلام في الجسد، فضلاً عن حدوث مشكلات في المعدة، وقد تتفاقم المشكلة لتصل إلى ظهور الطفح الجلدي.
  • تفاقم المشكلات الصحية المزمنة.
  • الإفراط في تعاطي المشروبات الكحولية وغيرها من المواد.

ترينا جميع هذه الأمور مدى سوء الوضع؛ فبينما نخوض تحديات لإعادة فتح وإدارة الأعمال في عالم يجتاحه وباء فتَّاك، من الهام أن نراعي عواطف ومشاعر الموظفين الذين يمرون بمشكلات نفسية، ونكون عوناً لهم ليتجاوزوا هذه المحنة ويصلوا إلى برِّ التعافي.

شاهد بالفيديو: 8 طرق لمكافأة موظفيك دون أي تكلفة

وقد تتساءل ماذا باستطاعة القادة والمديرين أن يفعلوه لدعم الناس في هذه الظروف التي تفرض عليهم مواجهة ضغوط جديدة ومخاوف تتعلق بالسلامة، فضلاً عن المشكلات الاقتصادية؟ وإليك الإجابة:

تعزيز المكافآت وتقدير الجهود لدعم سلامة الموظفين النفسية:

حتى في أحلك الأوقات ينبغي أن يظل دور القائد كما هو دائماً: دعم أعضاء الفريق؛ وذلك يشمل دعم صحتهم النفسية.

ويُعزى جزء كبير من مشكلات الصحة النفسية التي يواجهها العاملون إلى أنَّهم يعانون من العزلة العاطفية أو الاجتماعية؛ حيث ينبغي أن يتواصل الموظفون مع أعضاء فريقهم وزملائهم فضلاً عن مديريهم وقادتهم ليشعروا أنَّهم جزء من كيان الشركة ككل.

ولضمان حدوث هذا كله، ينبغي ترسيخ ثقافة المكافآت والتحفيز وتقدير الجهود المبذولة، حيث ينبع تقدير الموظفين لأنفسهم وثقتهم بأهميتهم من شعورهم بالتقدير والاعتراف بجهودهم؛ ذلك لأنَّنا نميل بطبيعتنا البشرية إلى الشعور بقيمتنا عندما نحقق أشياء؛ لذا فمن الهام أن تثبت لموظفيك أهمية مساهمتهم ودورها في تحقيق نجاح الشركة.

ولا يتعلق الأمر بالعلاقة بين الشركة والموظف؛ إنّما بعلاقة الموظفين مع بعضهم بعضاً ومع مديرهم، فضلاً عن العلاقة بين القائد والمدير وبين العديد من الأدوار التي تتغير باستمرار، والتي نراها بشكل طبيعي في بيئات العمل.

ويهدف برنامج المكافآت والاعتراف بالجهود إلى معالجة وفهم أثر الصحة النفسية الجيدة، كما يضع بعض التدابير الرئيسة في الحسبان مثل:

1- تسهيل اعتراف النظراء بجهود بعضهم بعضاً:

أي؛ تيسير مشاركة أعضاء الفريق في إنجازات الموظفين؛ فإذا أردتَ تهنئة شخص ما على إنجاز عمل أو إحياء ذكرى نجاح ما، فينبغي أن تجمع زملاءه معاً للمشاركة في الاحتفال وتقديم تعليقاتهم ودعمهم؛ حيث يغتنم العاملون في أفضل الشركات الفرصة المناسبة للاعتراف بجهود النظراء وتقديرهم.

2- إتاحة الفرصة للموظفين ليختاروا طريقة الاعتراف بجهودهم:

ينبغي ألا نغفل عن فكرة السماح للموظفين بتقرير الطريقة التي يرغبون في أن تُقدَّر جهودهم من خلالها؛ إذ قد يرغب الموظفون الاجتماعيون بأن تقدِّر جهودهم على مرأى من الجميع، ولكن هناك حالات أخرى يود فيها الموظفون الحصول على مكافآت من اختيارهم مثل: بطاقات الهدايا.

ومع ذلك، هناك بعض الموظفين الذين يحبون أن يعترف أحد ما بجهودهم شخصياً ودون السعي إلى التجمعات وجذب الانتباه، وينبغي أن يدرك موظفو الموارد البشرية أنَّ الاعتراف بالجهود هو أمر شخصي؛ وبالتالي ينبغي إضفاء طابع شخصي عليه.

إقرأ أيضاً: 4 نماذج من رسائل التقدير غير الرسمية التي ترسل للموظفين

خصائص الاعتراف بجهود الموظفين:

يشكِّل فهم الخصائص الآتية التي تُعدُّ حجر الأساس لوضع برنامج خطوةً حاسمةً قبل طرح أيَّة منصة إلكترونية لتقديم المكافآت أو تقدير جهود الموظفين:

  • التوقيت المناسب: أي؛ إنشاء ثقافة تقدِّر فيها كل أداء أو عمل مميز مهما كان صغيراً.
  • التكرار: ينبغي أن تكون عملية الاعتراف بالجهود مستمرة؛ حيث لا يمر أي عمل جيد دون أن يُلاحَظ، دون التحيز إلى حجم الجهد المبذول، وإنَّما تقديره حتى وإن صغر حجمه.
  • التحديد: تزداد أهمية الإنجازات عندما تقدِّرها وتعترف بجهود الموظفين بصورة محددة، ويضمن أن يفهم العاملون أنَّ هناك مستوىً معين من الإنجازات ينبغي القيام بها لحيازة المكافأة.

3- إخضاع المديرين للمساءلة:

وهم الجسر الواصل بين الموظفين والشركة؛ ويكون المديرون غالباً صلة الوصل المباشرة، وبالتالي لديهم القدرة على إحداث تأثير في موظفيهم.

ويُعدُّ تدريب المديرين على تقدير الجهود بطريقة مجدية خطوةً رئيسةً في السعي إلى تحقيقها؛ لذا عليك جعل الجزء الأساسي في الوصف الوظيفي لدور المدير هو: اتِّباع الممارسات القائمة على تقدير الجهود.

4- تبسيط عملية الاعتراف بالجهود:

ينبغي أن تكون واجهة البرنامج بسيطةً وسلسلة وسهلة، ذلك لأنَّ العديد من موظفي الشركة سيستخدمون هذا البرنامج.

كما ينبغي أن يكون البرنامج ممتعاً وسهل الاستخدام، وأن تُدرج أسلوب التلعيب في برنامج المكافآت والتقدير ليتبادلوا المكافآت والهدايا ويقدِّروا جهود بعضهم؛ حيث يوجد لوح يحوي نقاطاً تُخصَّص لكل إنجاز وما إلى ذلك، وهذا من شأنه أن يعزز المشاركة.

إقرأ أيضاً: 6 أساليب لمكافأة الموظفين وإظهار التقدير لهم

5- إجراء المسابقات:

يمكِن للنشاط البدني أن يعزز تقديرنا لذاتنا، ويقلل مستويات التوتر والقلق، وبذلك يمكِن إنشاء مسابقات لتعزيز عافية الموظفين، بالإضافة إلى ربطها بحوافز ذات مغزى.

ويمكِنك إجراء مسابقات ذهنية مثل: "حضور فصل التأمل الافتراضي لمدة أسبوع"، وبذلك تلهم الناس للحفاظ على التواصل مع عواطفهم.

الآثار الإيجابية لتمتُّع القوى العاملة بالصحة النفسية:

من شأن بيئة العمل التي تهتم بدعم الصحة النفسية أن تسعى إلى توعية الناس وتبديد الخجل واتخاذ التدابير المناسبة لمعالجة مثل هذه المشكلات، وجعلهم متفائلين وإيجابيين وإخراج أفضل ما في العاملين داخل مكان العمل، كما أنَّ بيئة العمل التي تهتم بالصحة النفسية تجتذب مواهب أكثر وتحتفظ بها لأنَّها تشكل بيئة عمل مثالية.

ونتيجة ذلك، ينخفض معدل دوران الموظفين وتزداد الإنتاجية، فضلاً عن تعزيز تجربة الموظفين؛ وبالتالي الحصول على بيئة عمل ملأى بالموظفين المستقرين نفسياً.

 

المصدر




مقالات مرتبطة