كُل ما يجب عليك معرفتهُ لتصبح قائداً عظيماً

تُعتبر القيادة تحدّياً كبيراً في أيامنا هذه -في جميع المجالات- وستبقى من بين أعظم تحدّياتنا في المستقبل. أريد أنْ أبدأ حديثي هذا، بالوقوف على واحد من أصعب الأدوار القياديَّة، ألا وهو: التَّربية. نعم، إنَّ التَّربية هي واحدة من أعظم تحدّيات القيادة. ما لم نأخذ بأيدي أطفالنا ونعزّز الأساس العائلي، سيصبح مجتمعنا هشَّاً. فمِنَ التَّربية يبدأ كلَّ شيء. كان لدى والدي قاعدة صغيرة وبسيطة، إذ كان يقول: "بُنَيْ، إذا وقعت في مشكلة في المدرسة، فعندما تعود إلى المنزل، تصبح مُشكلتك مضاعفة". هل تبدو هذه الطريقة مألوفة؟ مشكلة مزدوجة في المنزل إذا واجهتك مشكلة في المدرسة.

يأمل الكثير من أولياء الأمور أنْ يقوم شخص آخر بممارسة دور القيادة، مثل المعلمين أو دور العبادة أو المدرسة أو المجتمع. بمعنى أنْ يقوم شخص ما بتولي مسؤوليَّة أنْ يكونَ قدوة. ولكن هذا النَّوع من التَّحديات هو من مهام الآباء أنفسهم، فعليهم يقع عاتق أن يكونوا قادة.



1- تَحَدِّي القيادة:

إنَّ القيادة هي التَّحدي المتمثِّل في أنْ تكونَ شخصاً أكثرَ من عادي. نُقِلَ عن أبراهام لنكولن أنَّه عند وفاة والدته، كان يجلس بجوارِ سريرها، وكانت آخر كلماتها له هي "كُنْ شخصاً ما". إذا ما صَحَّت تلك الواقعة، فلا بُدَّ أنَّ أَبراهام قد عَمِلَ بها حتَّى النُّخَاع. "كُنْ أحداً ما". كُنْ شخصاً حكيماً. كُنْ شخصاً قويَّاً. كُنْ شخصاً لطيفاً. إذاً فَجميع مُقوِّمَات القيادة تُشكِّلُ تحدياً فريداً. فالقيادة هي التَّحدي المتمثِّل في الارتقاء إلى مستوىً جديد، بُعدٌ يحمِل في طيَّاته الفرصة والمسؤولية. من ذا الذي لا يرغب في المسؤولية مقرونةً مع الفرصة، إذا كانت تقود إلى حياة استثنائيَّة؟ أنت لن ترغبَ بذلك إلَّا بتلك الطَّريقة.

هناك أسلوب جديدٌ تماماً للقيادة، يسمَّى القيادة عن طريق "الدَّعوة invitation". هو ليسَ بالقيادة عن طريق التَّهديد، وليس بالقيادة عن طريق التَّصعيد، كما أنَّه ليس بالقيادة عن طريق التَّرهيب، فتلك الطُّرق في القيادة إنْ دلَّت على شيء، فإنَّها تدل على ضعف القادة أو غرورهم في العمل، بدلاً من إظهار الجانِبِ المهاريِّ في شخصيتهم. فالقيادةُ عن طريقِ الدَّعوة، هي دعوة المرء إلى تبنِّي طريقةٍ أفضل للقيام بالأمور.

كما أنَّها تُسمَّى أيضاً "القيادة بالإلهام". وهي الهام المرء لإجراء التَّغييرات اللَّازمة للارتقاء بنفسه أو لإنجاز المَهَمَّة. فنحن بصفتنا قادة، نُقدِّم الإلهام. ونحن بصفتنا قادة، نُغري. ونحن بصفتنا قادة، ندعو. لذا قم بالدَّعوة، وقم بالإغراء، وقم بالإلهام، ولكن حذارِ من أنْ تُهَدِّد.

 

إقرأ أيضاً: القيادة التحويلية: كيف تصبح قائداً مثيراً للإلهام

 

2- المزايا السَّبع للقائد الفعَّال:

إذا كنت تريد أنْ تكون قائداً ذا قدرةٍ على جذب الكفاءات، فإنَّ سرَّ ذلك يكمن في أنْ تصبح شخصاً كُفُؤاً أولاً. فَالقيادة هي أنْ تكون قادراً على جذب شخص ما إلى المِنَحِ والمهارات والفرص التي توفرها له كَمالكٍ أو مدير، أو كوالدٍ حتَّى. فأهم عاملٍ في القيادة، هو صقلُ مهاراتك. فجميع القادة العظام يواصلون العملَ على تحسين أنفسهم إلى أنْ يُصبحوا فعَّالين. إليك طريقة ذلك:

1. كُنْ قويَّاً، لا وقحاً:

إنَّ تعلُّمَ أنْ تكون قويَّاً دون أنْ تكونَ فظَّاً، هو خطوةٌ إضافية يجب أن تخطوها لكي تُصبح قائداً قويَّاً ومقتدراً إلى أبعد المستويات. ولكنَّ ذلك الأمر عبارة عن خطٍّ رفيع، وعليكَ أنْ تَحرِصَ على أَلَّا تتجاوزه. كثيراً ما يخلط البعض بين الوقاحة والقوَّة. إنَّها ليست بالبديل الجَّيِّد حتَّى؛ فنحن لسنا بحاجةٍ للوقاحة، بل بحاجةٍ للقوَّة.

 

إقرأ أيضاً: كيف تتعلم مهارة التصرف بحزم مع الناس

 

2. كُنْ لطيفاً، لا ضعيفاً

يجب علينا ألَّا نَقلُب لُطفَنَا إلى ضعف، فالُّلطف ليس ضعفاً، وإنَّما هو نوعٌ معيَّنٌ من القوة. علينا أنْ نكون لطفاء بما يكفي لنقول الحقيقة لِشخص ما. وعلينا أنْ نكون لطفاء بما فيه الكفاية وعلى قدرٍ من المراعاة لشعور الآخرين، عند قيامنا بوضع النّقاط على الحروف. كما ويجب أنْ نكون لطفاء بما يكفي لنقول الحقيقةَ كما هي، وألَّا نُتَاجرَ بالأوهام.

3.كُنْ جريئاً، لا مُتنمِّراً

في أيامنا هذه، النَّجاحُ يتطلَّب الجُّرأة. نحن بحاجة للجرأة عند اغتنامنا للفرصة، وعند قيامنا بالمجازفة؛ لكنَّنا لسنا بحاجة للمتنَمِّرين. نحن لسنا بحاجة إلى أي شخص يقوم بـ "البلطجةِ" على الآخرين.

4. كُنْ متواضعاً، لا ضعيف الشَّخصيَّة

بعض الناس يخطئون بين الخجل وضعف الشَّخصيَّة، إلا أنَّ التَّواضع فضيلة، أمَّا ضعف الشَّخصيَّة فهي من النَّواقص. لذا عليك بَتحويل ضعفك إلى قوّة. واظب في العمل على ذلك إلى أنْ لا يعود ذلك الأمر يهيمِنُ على حياتك، وقم بتوسعةِ قُدرتك على فهم رحابةِ هذه الحياة. فالتَّواضع هو إحساسٌ بالرَّهبة، شعورٌ بالإعجاب، إدراكٌ للنَّفس البشرية وروحها. التَّواضع هو استيعاب مدى بُعدنا عن النُّجوم، ولكن وفي ذات الوقت، هو الشُّعور بأنَّنا جُزءٌ منها.


اقرأ أيضاً:
ضعف الشخصيّة، أسبابها، وأهم طرق علاجها


5. كن متأنِّياً، لا كسولاً

نحن بحاجة إلى التَّأني عند اتِّخاذنا لقرارٍ ما، لكننا علينا أيضاً أنْ نقوم باتِّخاذ اجراءٍ ما حيالَه. أنْ تحلُمَ بدون أنْ تكونَ مجرَّدَ حالم. رأسك في الغيوم نعم، أحلامك ساميةٌ نعم، ولكن يجب أنْ تكونَ أقدامُكَ على الأرض.

6. كُنْ فخوراً، لا مُتَعَجرِفاً

إنَّ الأمر يتطلب نوعاً من الكبرياء حين تبني طموحاتك، كما يتطلب الأمرُ نوعَاً من العِزَّة حين تبني مجتمعاً. إنَّ للفخرِ مزاياه وإيجابياته نعم، ولكن لا تبالغ فيه لحدِّ العجرفة. فنحن لسنا بحاجةٍ للعجرَفة، بل بحاجةٍ لأنْ نكون فخورينَ بأنفُسِنا. هل تعرف ما هو أسوأ نوع من العجرفة؟ العجرفة من موقع الجَّهل. فإذا كان أحدهم ذكيَّاً ومتغطرساً في آنٍ معاً، يمكننا عندئذٍ تقبُّل الأمر، أمَّا أنْ يكونَ المرء جاهلاً ومتعجرِفَاً، فمن الصَّعب استساغة ذلك.

7. كُنْ مَزوحاً، لكن من دون سخافة

هناك فرقٌ بين أنْ تكونَ سخيفاً، وبين أنْ تملك روح الدُّعابة. في مجالِ القيادة، نتعلَّم أنَّهُ من المقبولِ أنْ تكونَ ظريفاً، لكن لا أنْ تكونَ سخيفاً؛ مرحاً لكن لا تافهاً.

3- القواعد الأساسيَّة للقيادة:

على جميع القادة تعلم القوانين الأساسية للقيادة، حتى يتمكَّنُوا من استخدامها كَنِبراسٍ لهم، بالإضافة إلى زيادةِ الإنتاجية.

قانون الزِّراعة والحصاد

أنت تجني ما تزرع، وبعبارةٍ أخرى: من أجل أنْ تحصد، لا بُدَّ أنْ تزرع. لذا يجب على كُلِّ شخص أنْ يتحسَّن في أحد أمرين اثنين: إمَّا الزِّراعة في الرَّبيع، أو التَّسَوُّلُ في الخريف. فلكي تستحقَّ الحصاد، يجب أنْ تزرع البذور وتعتني بها في الصَّيف ثمَّ تحصدها بعناية. أمَّا الآن، إليك ما تبقى من قانون الزرع والحصاد: إنْ زرَعتَ خيراً، تَحصُدُ خيراً. أمَّا إنْ زرعت سوءاً، فستحصدُ السُّوء.

لا يمكنك أنْ تزرع السُوء وتأملَ في الخير، إذ لا يمكنك أنْ تزرع الشَّوك وتأملَ بأنْ تحصُدَ الزُّهور. والأمر يجري على كلتا الحالتين، على الإيجاب والسَّلب.

إليك شيء آخر حول قانون الزَّرع والحصاد: أنت لن تجني ما تزرعه وحسب، بل أكثرَ بكثيرٍ مِمَّا تزرعه. من المهم أنْ نفهم: هذا الأمرُ يعملُ بشكلٍ إيجابيٍّ وسلبيٍّ على حدٍّ سواء. قال أحد الحُكَماء: "من يزرع ريحاً يحصد إعصاراً"، لكن إذا زرعت كأساً من الذُّرة، فكم ستحصد في المقابل، كأس؟ لا وبكل تأكيد، إذ ستحصد قنطاراً لكُلِّ كأس. يمكنك أنْ تحصل على أكثرَ بكثيرٍ مما تزرعه. فلهذا نحن نزرع لهذه الزيادة بالتَّحديد.

الآن، إليك السِّرَ التَّالي لقانونِ الزَّرع والحصاد: في بعض الأحيان، لا ينجح هذا القانون على الإطلاق. فقد يزرع الزَّارع محصوله في الرَّبيع، ويعتني به طوال الصيف. إنَّه رجلٌ شريف، هو مواطنٌ محترم محبٌّ لعائلته. ولكن قبل يومٍ من إرساله الحصَّادة إلى الحقل، تأتي عاصفةَ  بَرَدٍ وَتَذْرُو محصوله وتطيح به في أرجاء الأرض. وها قد ضاع المحصول سدىً.

إذاً هذه المرة لم تفلح تلك الطَّريقة. والآن ماذا يجب أنْ يفعلَ الزَّارع؟ يجب عليه أنْ يقرِّر ما إذا كان سيفعلُ ذلك مرَّة أخرى أم لا. "هل عليَّ أنْ أحاولَ مجدَّداً في الرَّبيع القادم؟"، يقولُ لنفسه. حسناً، كُنَّا لننصحه أنْ يفعل هذا، على الرَّغم من أنَّه فقدَ كُلَّ شيء في الموسم الماضي، وذلك لأنَّه في أكثر الأحيان، سيكون لديك حصاداً وفيراً إذا كنت تزرع في الرَّبيع. ليس هناك ما يضمن ذلك في الواقع، لكنَّ الاحتمالات تَصُبُّ في صالحك.

قانون المُعَدَّلَات

إذا كنتَ تفعل شيئاً ما بكثرة، فستحصل على نسبةٍ من النَّتائج. بمجرد أنْ تفهمَ ذلك، يصبح العالمُ بين يديك. لنفترض أنَّك قد بدأت لتوَّك في المبيعات، وقد تحدَّثت إلى 10 أشخاص، وحصلتَ في مقابلِ ذلك على صفقة واحدة. يصبح لدينا عندئذٍ ما نسميه بداية النِّسبة. إذاً تحدث مع 10، لِتجدَ واحدٌ منهم يقول: "نعم، سأشتري منتجك، وسأدفع من أجل الحصول على خدماتك". قد يقول قائل: "مهلاً، إنَّ واحد من عشرة ليست بالنِّسبةِ الجيدة". ولكن مهلاً أيضاً، لقد بدأت لتوِّك فقط.

إليك ما يحدث مع قانون المُعَدَّلات: بمجرد أنْ يبدأ، فإنَّه ينحو نحوَ الاستمرار. فإذا تحدثت إلى 10 أشخاص وحصلت على صفقة واحدة، فستكون فرصتك ممتازة في أنْ تتحدث إلى 10 أشخاص آخرين وتحصل على صفقة جديدة. لا يجب أنْ تكون مثالياً هنا.

كل ما عليك فعله هو فهم قانون المتوسطات.

حتَّى إذا كُنت تحصل على صفقة واحدة من أصل عشرة، يمكنك حينها البدء في المنافسة. وإذا كنت تعمل بالمبيعات لِفترةٍ طويلة، يمكنك أنْ تُحصِّل نسبةَ 9 من أصل 10. لو كنت أنا قد بدأت لتوِّي، فدعني أخبرك أنَّه لو تبارينا في مسابقة، فسوف أهزمك. قد تقول، "حسناً، لقد بدأت لتوِّك، فكيف يمكنك أنْ تهزمني؟"

حسناً إنَّ الأمرَ بسيطٌ للغاية. إذا كان لدينا مسابقة لمدة 30 يوماً أو 60 يوماً، بينما تتحدَّث أنت إلى 10 أشخاص وتحصل على تسعة صفقات، سأتحدّث إلى 100 شخص، وأحصل على 10 صفقات. وعندها أفوز أنا، أليست تلك خطَّة ذَكِيَّة؟

إليك ما سأفعله إذا كنت جديداً: سوف أعوِّض في الأرقام، ما أفتقده في المهارة. وعندما تزداد مهاراتي، لن يتعيَّن عليَّ الحديث إلى مئة شخص 100 للحصول على 10صفقات. بمجرد أنْ تفهم قانون المُعدَّلات، فإنَّ فرص نجاح النِّسَب تكون في صالحك. سيخدمك قانون المعدَّلات بشكل جيد كقائدٍ في مسيرتك المهنيَّة، في مجال المبيعات أو أيِّ مجالٍ آخر.

قاعدة 80/20 (مبدأ باريتو)

هناك قاعدة قديمة في القيادة كانت موجودة منذ وقتٍ طويل، تقولُ أنَّ 20% من النَّاس يقومون بـ 80% من العمل، والثمانين بالمئة الباقية، يقومون بالعشرين بالمئة الباقية من العمل. إنَّ هذا ليس بالأمر الذي تقدر على تغييره أو إعادة ترتيبه. إنَّه الواقع وبكل تجرُّد. لرُبَّما يقول قائل: "حسناً، سأقوم بِطرد الثمانين بالمئة، هكذا بكل بساطة". خطأ، لأنَّه عندها، إذا نظرت لمن تبقى عندك، ستجد أنَّ البعضَ منهم سوف يقومُ مُجدَّدَاً بـِ 80% من العمل، والباقي سوف يقومون بالعشرين المُتَبقِّيَة منه. إنَّه ليس شيئاً يمكنك العبث بِه، بل هو شيءٌ عليك العمل وفقاً له.

إذاً كيف يمكنك العمل وفقاً لِمبدأ باريتو؟ إليكَ ما عليك القيام به: يتعلَّق جزء من هذا المبدأ بإدارة الوقت.

يمكنك منحُ 20% من وقتك فقط إلى 80% من المهام، لأنَّها تعود عليكَ بـِ 20% فقط من النَّتائج. الآن، يمكنك منح 80% من وقتك إلى 20% من المهام الباقية، والتي تعود عليك بعائدٍ أفضل من النَّتائج. إلَّا أنَّ السَّحب سيكون في الاتِّجاه المعاكس، وخمِّن من سيجرّك ليأخذ 80% من وقتك؟ إنَّها المجموعة الخاطئة من المهام. إنَّ المسألة هنا ليست مسألةً أخلاقيَّة، بل إنَّها عبارةٌ عن مجموعة خاطئة من المهام من حيث الإنتاجية والفعالية في عملك.

إذاً ما الحل؟ يمكنك العمل بشكل فردي مع تلك العشرين بالمئة من المهام، ولكن يمكنك العمل فقط ضمن فريق مع نسبة 80% من المهام الباقية. السِّرُ الذي يجب أنْ تضعه في اعتبارك هوَ: أعطِ 80 بالمئة من وقتك إلى 20 بالمئة من مهامك التي تعود عليك بالعائد الأفضل.

قانون الإيمان

إنَّ الإيمان هو القدرة على رؤية الأمور التي لا وجود لها بعد. يمكن للإيمان أنْ يُحوِّلَ المصاعب إلى حقيقةٍ إيجابية. يوجد بضعة أجزاء لقانون الإيمان:

  • رؤية الأمور على حقيقتها: أولاً، الإيمان هو القدرة على النَّظر للأمور كما هي. فالإيمان لا يمانع في رؤيتها كما هي لأنَّ الإيمان صانع المعجزات. والإيمان لا يتجاهل السَّلبية. بل إنَّه يستخدم السَّلبية، لأنَّه إذا لم يكن هناك سلبية، فستفنى الحاجة للإيمان. أنت بحاجةٍ إلى الإيمان لأنَّ الأمورَ ليست كلَّها على ما يرام. فإذا كان الوضع مزرياً، فهو مُزرٍ. وإذا كان لا يسير على مايرام، فهو لا يسير على ما يرام. وإذا كان الوضع في حالةِ فوضى، إنَّها فوضى إذاً. ليس هناكَ أي ضررٍ في أنْ تُسَمِّيَ الفوضى على حقيقتها. فالإيمان لا يمانع في تسمية الأمور بِمُسَمَّيَاتها، كما أنَّه لا يمانع في رؤية الوضع كما هو. إذاً فرؤيةُ الأمور على حقيقتها، هي بداية الإيمان.
  • رؤية الأمور أفضل مما هي عليه: ثانياً، الإيمان هو القدرة على النَّظر للأمور بأفضل مما هي عليه. ألا تقدر على أنْ ترى ما وراء الفوضى؟ الفوضى تحدث اليوم، ولكن أَليسَ باستطاعتك أنْ تتطلَّع إلى الغد؟ الجوابُ هوَ: "نعم، باستطاعتي ذلك". إنَّ البشر لديهم تلك القدرة المذهلة على النَّظر إلى الغد، والنَّظر إلى الأسبوع المقبل، والعام المقبل. لهذا السَّبب ليس لدينا القدرة على رؤية الأمورِ على حقيقتها وحسب -والتي هي بداية الإيمان كما أسلفنا- ولكن رؤيتها وهي أفضل مِمَّا هي عليه أيضاً. لذا احلم بالأحلام، وضع الخطط وجسِّدها أمامك، واستخدم خيالك وشاهد الأمورَ أفضل مما هي عليه.
  • اجعلها أفضل مما هيَ عليه: الآن، الجزء الذي يحوِّل الإيمانَ إلى واقع: اجعل الأمورَ أفضل مِمَّا هيَ عليه. يجب عليك الآن أنْ تستثمر في الإيمان. فإذا قَرنْتَ الإيمان بالعمل، يمكنك أنْ تُحَسِّن أي ظرفٍ للأفضل.
  • لا ترَ الأمورَ أسوأ مما هي عليه: إليكَ شيئاً يجب أنْ تحذرَ منه في بداية الإيمان: لا ترَ الأمور أسوأَ من حقيقتها. ولا "تَعمَلْ من الحبَّة قُبَّة". فإذا كان الأمر سيئاً، فهو إذاً سيءٌ بمقدارٍ محدد، ولستَ بحاجةٍ أبداً إلى مضاعفة مدى السَّوء الذي هو عليه بمقدار 10 مرَّات. هذا ليس ضرورياً، انظر إلى الأمرِ كما هو، بحسناته وسيئاته، نقطة انتهى.
  • لا تراها أفضل ممَّا يمكن أنْ تصبح: إليكَ سرٌّ فريدٌ آخر للإيمان: لا تراها أكثر ممَّا يمكن أنْ تصير. هناك خط رفيع بين الإيمان والحماقة. نعم، من الممكن أنْ تجد نفسك مليونيراً، لكن ليس بين عشية وضحاها. لا يزال من الممكن أنْ تكون مليونيراً، وما زال من الممكن أنْ تكون غنيَّاً وميسورَ الحال، ولكن بالنَّظر إلى مقدار معين من الوقت في العمل وفقاً لقانون المتوسطات. بإمكانك تحقيق الكثير، وذلك من دون أنْ تكون أحمقاً في ممارستك لإيمانك.
  • قد يكون الأمر أسوأ ممَّا تراه: ضع في اعتبارك أنَّ الأمرَ قد يكون أسوأ مما تراه أول مرة. ففي بعض الأحيان قد تنظر إلى السَّطح فقط. من الأفضل أنْ تتعمَّق بنظرتكَ للأمور.ألقِ نظرة أعمق حتى تتمكن من رؤيتها بالسُّوء التي هي عليه. أنا لا أريد منك أنْ تُضَخِّمَ الأمور، ولكن فقط تأكَّد من أنَّك تراها بالسُّوء التي هي عليه حقَّاً.
  • قد يكون الوضع أفضل بكثير في المستقبل: لا تنسَ أنْ تعطي لنفسك فرصة لترى أنَّه قد تقدر في المستقبل على تحقيق أكثر بكثير مما يمكنك رؤيته في بادئ الأمر. ففي الضَّباب، إذا كان كل ما يمكن أنْ تراه هو مئة متر، فقم بالسير لِمسافة مئة متر. الآن يمكنك أنْ ترى مئة مترٍ أخرى.

لذا قم بأخذ الخطوات المبكرة للإيمان. فكل ما تراه من الممكن أنْ يتحقق، سوف يتحقق. إبدأ بتصديق ذلك، وَثِقْ في ذلك. وعندما تبدأ تلك الفكرة بالتَّرسخ، فستتمكن من رؤيتها تصبح واقعاً أكثرَ وأكثرْ، وستبدأ الامكانيات تزداد في مخيلتك.

4- اعمل مع من يستحقُّ العملَ معك:

الحياة تسير وفقاً لمبدأ الاستحقاق. لهذا عند قيادتك للآخرين، تعلَّم كيفية العمل مع الأشخاص الذين يستحقّون الفرصة، وليس مع الأشخاص الذين يحتاجون إليها. عليكَ أنْ تضع أهدافك في وقت مبكّر لتحديد من يستحق مشاركتك إيَّاها. فعندما تستعين بشخصٍ ما للعمل في مشروعك، فإنَّك أنت من يضع القواعد الأساسية. لذا تأكَّد من أنَّ جميع التَّعليمات واضحة، وراقب النَّتَائج والإنجازات، وعندها سَتعرف من يستحق فرصة العمل معك.

والآن، تذكر قاعدة باريتو، وَعلى وجه الدِّقة: السَّحب في الاتجاه المعاكس. وخَمِّن من سيطلب المساعدة منك: الأشخاص الخطأ في العادة. عادةً ما يكون الأشخاص الذين يحتاجون تلك الفرصة، وليس الأشخاص الذين يستحقُّونها. هناك الكثير من الأماكن لفعل الخير، ولكن ليس في مؤسستك، إذ لابدَّ أنْ تستجيب للأشخاص الذين يستحقون ذلك فقط.

عَلِّم الآخرين كيف يستحقون ذلك

يبدأ تعليم الناس ونقلهم من الحاجة إلى الاستحقاق من تسريع عمليَّة تقديرهم لذاتهم. لا يمكنك تصديق مدى أهميَّة بداية عمليَّة تقدير الذات. فإذا لم يمتلك المرء تقديراً لذاته لسنوات وسنوات وخذلته طريقة تفكيره بشكلٍ متكرر وهزمه الآخرون، فعندما تأخذ بيده لكي يصبح يستحق فرصة العمل معك، فإنَّ ذلك سيجعل عملية تقدير الذات تبدأ. و بعدها سيؤدّي تقدير الذَّات إلى العمل، والعمل سيقود إلى التَّحسُّن، والتَّحسن سيؤدي إلى الثَّروة. لذا اعمل مع الأشخاص الذين يستحقون ذلك. وعلِّم النَّاسَ كيف يستحقون وقتك، وكيف يستحقون مساعدتك.

دَعِ النَّاس ينمون ويتطوَّرون

لا تتوقع من شجرة الإجاص أنْ تُعطيك التُّفاح. بمعنى، دع النَّاس يفعلون ما بوسعهم. ودعهُم يغيِّرُون رأيهم. دعهم ينمون ويتطوَّرون. إليك ما اكتشفته: لا يمكنك تغيير الناس، لكن بإمكانهم هم تغييرَ أنفُسِهِم. فأفضل ما يمكنك فعله هو إلهامهم وتعليمهم، وأنْ تأملَ فيهم. لا يمكنك أنْ تبدأ بتغييرهم على الفور، ولكن يمكنك بذل قصارى جهدك لإيصال رسالة التَّغيير، والتي إذا تقبلها المرء، يمكن أنْ تُحدث فيه التَّغيير المنشود.

فإذا ما قام شخص ما بِفعل شيءٍ حيال ذلك، فابدأ معه بالخطوات المبكرة الصَّغيرة لجعله يبدأ. كُن راضياً عن أصغر تقدم يُحرِزُه، وامنحه بعض المكافآت وشجّعه وقل له: "إنَّ ذلك الأمر سَيَنجَحُ معك. لقد خطوتَ هاتين الخطوتين، وأنا أقول لك، إذا كان بإمكانك اتخاذ خطوتين إضافيتين، يمكنك أنْ تتفوَّق على نفسك".

 

إقرأ أيضاً: 7 صفات يجب أن يتحلّى بها من يريد التأثير على الآخرين

 

5- اعلم أنَّه يوجد أخيار وأشرار:

يجب على جميع القادة إيصال حقيقة أنَّه هناك خير، وهناك شرٌّ على حدٍّ سواء. نحن جميعاً نواجه تحديِّاً لأنْ نكون أخياراً، ونقمعَ أيَّة نزعة للشَّر فينا. هذه هي بداية الحضارة، والشَّخصية هي عنصر أساسي في القيادة.

اسمح لي أنْ أرويَ لك قصَّة: يصل الضفدع والعقرب إلى ضفة النهر في نفس الوقت، ويوشك الضفدع على القفز في الماء والسِّباحة إلى الطرف الآخر. فيَرَى العقرب ما سيحدث فيقرر محاورة الضفدع. ويقول له، "سيدي الضفدع، أنا عقرب ولا أقدر على السباحة. هلَّا تكرَّمت عليَّ وسمحتَ لي أنْ أقفزَ على ظهرك، وتسبحَ بعدئذٍ عبر النهر، وتُنزلني على الجانب الآخر منه؟ سأكون عندئذٍ ممتنَّاً لك كثيراً". فنظرَ الضِّفدع إلى العقرب وقال: "مستحيل، إنَّ العقارب تلدغ الضفادع وتقتلهم. فإذا سمحت لك بالركوب على ظهري وسبحت بك، ستقوم بلدغي في منتصف الطَّريق، وسأغرق". قال العقرب: " سيدي الضفدع، بالرغم من أنَّك تملكُ عقل ضفدع، إلَّا أنَّك لا تستخدمه. فإذا لدغتك في منتصف الطريق، سوف تغرق وأغرق معك. وكل ما أريده هو الوصول إلى الجانب الآخر. أرجوك أَسدِني ذلك المعروف. فقال الضفدع: "حسناً، هذا منطقي. هيا اركب". فقفز العقرب على ظهر الضفدع، وبدأ الضفدع بعبور النَّهر. وكما هو متوقع، قام العقرب في منتصف النهر بِلَدغِ الضِّفدَع. وأوشك كلاهما على الغرق في الماء. لم يصدق الضفدع ما قد حدث، وقال له: "لماذا فعلت ذلك؟ صحيح أنَّني أنا من لُدغ وعلى وشك الغرق والموت، لكن هذا الأمر سيجري عليكَ أنتَ أيضاً!! لماذا فعلت ذلك؟" فقال العقرب: "لأنَّنِي عقرب، وهذا ما تفعله العقارب".

إنَّها طبيعته، شخصيَّته. دوِّن هذا: لا يمكنك المخاطرة، عليك أنْ تعرف من هو عقرب.

لقد تعلَّمت أنَّه عند بنائك لمؤسسة، سيتواجد بعض الأشخاص الذين لا تحتاجهم. سَتَكُون أفضلَ حالاً بدون إنتاجيتهم، لأنَّهم عقارب من الدَّاخل. قال أحد الحكماء: "احذر الثعالب التي تفسد الكُرُوم". قد يبدو الكَرمُ بحالٍ جيِّدة من بعيد، لكن من الأفضل أنْ تَنظُرَ أقرب قليلاً - فالثَّعالب ماكرة. ولكي تكون راعياً جيداً، أو أباً صالحاً، أو أنْ تكوني أُمَّاً جيِّدة، يجب علينا جميعاً التَّعلم من قصة الضفدع والعقرب، والثَّعالب التي تُفسِدُ الكروم.

6- الخِصَالْ السِّتَّة لِحُسْن الخُلُقْ:

في قادم السطور، سأخبرك عمَّا أعتبره من أساسيات حُسنِ الخُلُق. فإذا فقدت أيَّاً منها، فستواجه حلقة ضعفٍ في شخصيتك، حلقة قد تكون السَّبب في تخريب قيادتك.

أولاً: الاستقامة

إنَّ "الاستقامة أو النَّزاهة Integrity"هي تعبير منتشر جيِّد يُشبه الشَّخصية، ولكنَّه يوفِّر لنا طريقة مختلفة للنَّظر إلى الأفكار الكامنة في الشَّخصيَّة. فجذر كلمة الاستقامة هو الكلمة اللاتينيَّة (integer)، والتي تعني "تام whole" أو "غير مقسَّم/غير مجزأ أو مكسور undivided"، إنَّها طريقة استثنائيَّة لمساعدتنا على فهم ماهيَّة الاستقامة أو النَّزاهة: "حياة غير مجزَّأة undivided life".

فعلى سبيل المثال، لا يجدر بك أنْ تتصرف بطريقة معينة في أحد المواقف، وتعود وتتصرَّف بطريقة أُخرى في موقفٍ مختلف. بل يجب أنْ يكون هناك نزاهة وكمال في حياتك. فالعيش بهذه الطريقة، من شأنه أنْ يَمُدَّ جسورَ الثِّقة بينك وبين مرؤوسيك.

يوجد استخدام آخر لكلمة الاستقامة، والذي من شأنه أنْ يوفِّرَ لنا نوعاً من البصيرة، وهو عندما يتم استخدام كلمة "النَّزاهة integrity " للدلالة على البُنيَة الماديَّة. إذ يقال للجدار أو للمبنى القوي الذي لا يحتوي على تشققات، بأنَّه يتمتع بـ "الكمال" (إحدى معاني كلمة integrity). ويمكن قول الشيء نفسه عن القادة العظام.

 

إقرأ أيضاً: 18 خصلة يتحلى بها الأشخاص النزيهون... ما هي؟ وهل هي موجودة فيك؟

 

ثانياً: الصِّدق

يُقال على الدوام بأنَّ الصَّدق والأمانة هي أفضل سياسة، لكنني أود أنْ أضيف أنَّ الصِّدق والأمانة هي السَّياسة الوحيدة للقادةِ العِظَام.

فكِّر في الأمر. لماذا يتهرّب الناس من قول الحقيقة؟ عادةً لعدَّة أسباب أساسية: إما لأنَّهم خائفون من تداعياتها، أو لأنَّهم يحاولون إخفاء شيءٍ ما. وفي كلتا الحالتين، يؤدي الافتقار إلى الصِّدق إلى قيامك بتدمير ثقة مرؤوسيكَ بك. وحتى لو أخبرتهم الحقيقة، وعرفوا أنَّك قد كذبت على الآخرين، فستدمِّرُ الثِّقة التي اكتسبتها منهم. إذ سيجدون أنفسهم يفكرون: "إذا كان يكذب على الآخرين، ألن يكذب عَلَيَّ شخصياً؟".

أنا لم أتمكن أبداً من فهم ما يأمل الناس في تحقيقه عبرَ كونهم غيرَ صادقين. إذ في نهاية المطاف، سَيعرف النَّاس أنَّك لست صادقاً في تعاملاتك، وهذا الأمر سيلاحققك كَظِلِّك. فقبل كل شيء، إنَّ قيادتك تقوم على سمعتك. فعندما نكون صادقين ونعيش بشفافية أمام مرؤوسينا، يمكنهم رؤيتنا على حقيقتنا، مما يمكننا من اتَّخاذ قرارات صلبة، يتَّبعونها من دونِ التَّشكيك في جدواها.

ثالثاً: الوفاء

إنَّ النَّاس الذين يتمتَّعون بِحُسن الخُلُق هم أُناسٌ مخلصين. فعندما يتعلق الأمر بالآخرين، تراهم "عند كلمتهم". إنَّ أيَّ شخص على درايةٍ بالطَّبيعة البشرية يعرف أنَّ النَّاس يفشلون. إنَّها مسألة وقت فقط، مهما بلغت موهبة المرء. ولكنَّ الشخص ذو الأخلاق الحَسَنة يكون عوناً لأصدقائه في السَّراء والضَّراء. إذ يمكن لأيِّ شخصٍ أنْ يكون صديقاً مُخلصاً للآخرين عندما تكون الأوقات جيدة، ولكن وحدهم الأشخاص ذوو الأخلاق الحسنة من يتمسَّكون بأصدقائهم عندما يكونون في أمسِّ الحاجةِ إليهم.

أمَّا كيفية ترجمة ذلك لتصبح قائداً جيداً، هو كالتَّالي: يريد النَّاسُ اتِّباع قائدٍ يصل بهم إلى أبعد مِمَّا هم عليه الآن، ولكن وفي ذات الوقت، يريدون قائداً يسمح لهم بالمحاولة، والفشل أيضاً. فعندما نكون مُخلصين لمرؤوسينا، سوف يكونون مخلصين لنا ويبذلون قصارى جهدهم لتحقيق النَّجاح في سبيلنا، وفي سبيل المؤسَّسَة. قليلةٌ هيَ الأمورُ التي تُعزِّزُ الرَّوابط بين القائد ومرؤوسيه، سيما عندما يظهرُ القائد وفاءه لأحد مرؤوسيه عند حاجة ذلك المرؤوس لها.

 

إقرأ أيضاً: اتفق مع نفسك على الوفاء بهذه النقاط الـ 7 لكي تضمن النجاح

 

رابعاً: نُكرانُ الذَّات

تحوَّل "لي إياكوكا" لأُسطورة، عندما تَعَهَّد بإنقاذ كرايسلر من حافَّة الإفلاس، مقابل دولارٍ واحدٍ فقط في السَّنة. ليصبح مثالاً كلاسيكيَّاً لقائد قام بالتَّضحية من أجل أتباعه. كما أنَّ ذلك الأمرَ أظهر تفهُّمَهُ وتعاطفه مع العمَّال البُسَطَاء. ونتيجةً لذلك، كافأه عمال كرايسلر بطاعةٍ لا مثيل لها، وقاموا معاً بجعل كرايسلر واحدة من أكثر شركات السَّيارات ريادةً في العالم.

والآن، ما الذي يجعل إنكارَ الذَّات يزيد من إخلاص المرؤوسين؟ حسناً، لا يُمانع المرؤوسين قيامهم بعملٍ شاق. إنَّهم حتى لا يمانعون أن يكسب قائدهم مالاً أكثر، أو أن يجني ثمارَ عملهم. ولكن ما يمانعونه حقَّاً، هو عندما يستغلُّهم القائد لتحقيق مكاسب شخصية. إنَّ الأشخاص ذوو الأخلاق الحسنة لا يستغلُّون جهدَ الآخرين. لذا عندما يُظهر القائد تضحيةً بأرباحه الشَّخصيَّة، فإنَّه في الحقيقة يرسل رسالةً لمرؤوسيه بأنَّه على استعداد لمساواة نفسه بهم، ويكافئه المرؤوسين مقابلَ ذلك على مستوىً عالمي تقريباً. يُظهر المرءُ ذو الأخلاق الحسنة أنَّهُ باستطاعته التَّخلي عن تحقيق مكاسب شخصية لما فيه خير الجماعة.

خامساً: المُسائَلَة

إنَّ الأشخاص الذين يتمتعون بحسن الخلق لا يمانعون في المساءلة، بلْ في حقيقة الأمر، هم يرحبون بها. إنَّه فعل السَّماح للآخرين بأنْ يكون لهم رأيٌ في حياتك، والتحدث إليك مباشرة عن حياتك وسلوكك. ولكن الحقيقة المرَّة هي أنَّه لدينا جميعاً نقاطاً عمياء، وجميعنا نحتاج إلى أشخاص آخرين ليكونوا على مقربة منا حتى نتمكن من المُضيِّ قُدُماً في طريق النجاح. كما أنَّ الحاجة إلى المساءلة لا تعني عدم وجود شخصيَّة، بل على النَّقيض تماماً، هي تدلُّ على وجودها.

قال غلبرت كيث تشيسترتون: "إنَّ الخطيئة الأصلية هي الفلسفة الوحيدة التي تمَّ التَّحقق من صحتها تجريبياً خلال 3500 عام من تاريخ البشرية". إنَّ الشَّخص الحسن الخلق يعرف هذا، ويدعو الآخرين للتَّحدث عن حياتهم. لقد سَئِمَ المرؤوسين من القادة الذين لا علاقة لهم بأيِّ نوعٍ من المساءلة. إنَّهم لا يعارضون القادة الذين يرتكبون الأخطاء، لكنَّهم لا يقبلون بمن لا يتحمَّل مسؤولية أخطائه. عندما نسمح لأنفسنا بأن نكونَ خاضعينَ للمُسائلة، فإنَّ مرؤوسينا سيعلمونَ بأنَّا جادُّون بشأن الحفاظ على "بيتنا مُرتَّباً"، وبالتَّالي سنقوم بعمل جيد عندَ قيادتنا لِبقيَّة المؤسَّسة.

سادساً: ضبط النَّفس

إنَّ القُدرةَ على اتِّخاذِ القرارات -السَّليمة منها- بشأن ما سنقوم به وما لن نقوم به من إجراءات، هي جوهر ما سنكون عليه فيما يتعلق بشخصيتنا القياديَّة. سيكون هناك خيارات عِدَّة للقيام بأشياءَ لا أخلاقية. كلنا لديه مغرياته، لكنَّ الشخص ذو السلوك الحسن يعرف كيف يمارس ضبط النَّفس - التَّحكم في خياراته بكل ما للكلمة من معنى. عندما لا يمارس الناسُ ضبط النفس، فإنَّهم يُفسدون مهاراتهم القياديَّة، ويفقدون احترام الآخرينَ لهم، مما ينتج عنه عددٌ أقل ممن يقتدون بهم. ضبط النَّفس هو القدرة على اختيار القيام بالأمور التي يجب علينا القيام بها، والامتناع عن القيام بالأمور التي لا ينبغي لنا القيام بها. وعندما نُظهِرُ القُدرَةَ على ضبط النَّفس، فإنَّنا نعزز ثقةَ مرؤوسينا بنا، فهم سوف يحترموننا ويتَّخذوننا قدوة.

 

إقرأ أيضاً: 5 خطوات فعّالة لضبط النفس والسيطرة عليها

 

7- تقوية شخصيتك:

جميعنا قد وُلِدَ على الفطرة، وأثناء نُمُوِّنا، كانت هناك العديد من العوامل التي قد شكَّلت شخصيتنا: فالآباء والأمهات والمعلمون والأصدقاء وخياراتنا الشَّخصيَّة، هم جميعهم قد جُبِلُوا في بَوتَقَةِ شخصيتنا الدَّاخلية. الخبر الجيِّد هنا، هو أنَّه وبغضِّ النَّظر عن الحالة التي أنت فيها الآن، فبإمكانك أنْ تقرر أنَّ شخصيتك ستزداد قُوَّة. كما أنَّك قادرٌ على اختيارِ أنْ تتواجد بالقرب من النَّاس الذين سوف يتحدُّونَك لكي تُصبح أفضل. ويمكنك اختيار أنْ تضعَ "مواداً إيجابية" في عقلك وقلبك. يمكنك البدء في اتِّخاذ القرارات التي تعكس تغييراً في نمط حياتك، وبالتَّالي في شخصيتك. لا يوجد أي أحد "مُقيَّد"، لذا يمكنك التغيير -إذا كُنتَ تُريدُ ذَلك-!!

 

إقرأ أيضاً: 8 طرق تساعد على اكتساب قوة الشخصية

 

تطوير المهارات

كما أسلفنا سابقاً، فإنَّ القيادة هي التَّحدي المتمثِّل في أنْ تكون شخصاً أكثر من اعتيادي. ولكي تصل إلى ذلك، عليك بتطوير مهاراتك. إنَّ تنمية المهارات هي خطوةٌ هامَّة بحدِّ ذاتها، حتى إنْ لم يكن لأيِّ سببٍ آخر غير حقيقة أنَّنَا كبشر، فقد صُمّمنا لكي ننمو.

تنمية المهارات هامَّة للأسباب التالية:

  • أنَّها تجلب لنا الاكتفاء: أثناء تنامي مهاراتنا، يتملَّكُنا شعورٌ عميق بالرِّضا الشَّخصي، نابعٌ من علمنا أنَّنا قد تعلَّمنا شيئاً جديداً، وبأنَّنا لم نتعلمه فحسب، بل قمنا بتطبيقه بنجاحٍ أيضاً.
  • أنَّها سوف تدفع بمسيرتنا المهنية قُدماً: على قدرِ ما يرغب كثيرٌ من النَّاس المعاصرين في الاعتقاد بأنَّه لا ينبغي أنْ تكون هناك منافسة، إلا أنَّه دائماً ما سيكون. وصدِّقوا أو لا تُصدِّقُوا، عادةً ما يربح الشَّخص الذي شحذَ مهاراته. وسواءً أَكانَ ذلك في الميدان أم في غُرَفِ الاجتماعات، فالرَّابح في العادةِ يكون الشَّخصَ الذي يتمتع بأعلى مستوىً من المهارات.
  • أنَّها تساعدنا على مساعدة الآخرين: هذا هو ما تتمحور حوله الحياة، أليسَ كذلك؟ أحد الأمور التي باستطاعة القائد الماهر القيام بها، هي مساعدة النَّاس على رؤية أنفسهم أفضل مما هم عليه. وعندما تقوم بتنمية مهاراتك، تكون قادراً على مساعدة الآخرين، وهذا من شأنه أنْ يساعدك على المدى الطويل.

6 مهارات لا بُدَّ للقادة العظام أنْ يُتقنوها

في ختامِ حديثنا هذا، دعونا نُراجع سويَّةً المهارات السِّتة التي على جميع القادة العظام أنْ يُتقنوها:

أولا: القدرة على أنْ يكونُوا مُلهِمِينْ

على القائد أن يكون قادراً على إلهام الآخرين. صحيح أنَّنا بحاجةٍ إلى أن نُوصلَ رسالتنا إلى عقول الآخرين، لكنَّنا بحاجةٍ أيضاً إلى إثارة العواطف في نفوسهم. فالقائد العقلاني فقط، سيكون لديه مجموعة من المرؤوسين الضَّجِرِين الذين لا يمتلكون الحافز لتحقيق أيِّ شيء؛ والقائد العاطفي فقط، سيكون لديه مرؤوسين متحمسين لا فكرة لديهم كيف يحققون ما يصبون إليه! لذا فالأمر يتطلب الاثنين معاً، العقلَ والقلب. لهذا قم بتطوير قدرتك على إلهام مرؤوسيك، واجعلهم متحمسين ليكونوا معك ومع المؤسسة، ومن ثم ساعدهم على رؤية الصُّورة الكبيرة التي تُظهر أنَّهم يحققون الفَرْق.

ثانياً: التَّواصل الجيِّد

إنَّ القادة العظام هم أولئك الذين بإمكانهم أخذ الرُّؤية التي يمتلكونها، وإيصالها بطريقةٍ يَستَطِيعُ مرؤوسيهم فهمها واستيعابها وتَبَنِّيها بِسُهُولَة. كُثُرٌ هم القادة الذين امتلكوا الرُّؤية الرَّائعة، ولكن مع ذلك فشلوا في إيصال مؤسستهم إلى مكانةٍ تذكر. إذ إنَّ الرُّؤية التي تبقى حبيسةَ عقلك، ليست برؤية؛ بل مجرد حُلم. والرؤية التي يتم إيصالها بوضوحٍ وشغف، وبطريقة غير قابلة للنسيان، بحيث يمكن للناس استيعابها واتِّباعها؛ هي التي ستنقل مجموعتك -كبيرةً كانت أم صغيرة- إلى المستوى التَّالي وما بعده.


اقرأ أيضاً:
8 نصائح لتعزيز مهارات التواصل مع الآخرين


ثالثاً: امتلاك القدرة على تفويض المهام مع الاستعداد للقيام بذلك

يعلمُ القادة العظام أنَّهم لا يستطيعون عَمَلَ كُل شيء بمفردهم. نعم، قد يكونون قادرين على فعل الكثير بمفردهم، لكنَّهم لن يصلوا بمستوى تأثيرهم لأي مكانٍ يُذكر حتَّى يتعلَّموا تفويض المهام، ومن ثم يختارون القيام بذلك. هناك مثلَيْن قديمَيْن يقولان: "يدٌ واحدة لا تُصَفِّق" وَ "أعطِ للخبَّازِ خُبزَهُ". لذا عندما نقومُ بتفويضِ أشخاصٍ أكفَّاء، فإنَّنَا نزيد من فعاليتنا وتأثيرنا بشكلٍ كبير. ولكن لسوء الحظ، لا يحصل الكثير من القادة على العظمة المنشودة، وذلك لأنَّهم يرفضون السَّماح لأيِّ شخصٍ آخر بعملِ أيِّ شيء.

لذا تعلَّم تفويض المهام -للأشخاص المناسبين- وستتحرك عندها في الاتجاه الصحيح.

 

إقرأ أيضاً: 7 خطوات ضروريّة لتفويض ناجح

 

رابعاً: القدرة على تعليم المبادئ الهامَّة

عندما تنظر إلى القادة العظماء على مر العصور، سَترى رجالاً ونساءً قادرين على التعليم. فنبيّنا محمد عليه الصلاة والسلام، الذي هو من القادة العظام على مر العصور، قادَ النَّاس عن طريق تعليمهم. كان يعلَم أنَّه سيتعيَّن عليه نقل المفاهيم إلى اصحابه حتى يتمكنوا من تذكُّرِها وتطبيقها ونقلها إلى الأجيال اللاحقة.

أمَّا في أيامنا هذه، فَيُعَدُّ جاك ويلش، الرَّئيس التَّنفيذي السَّابق لشركة جنرال إليكتريك مثالاً جيداً على قائد الأعمال المعاصر الذي استخدم التعليم. فعندما بدأ ويلش بقيادة جنرال إليكتريك، كان للشَّركة رأسُ مالٍ بقيمة 4 مليارات دولارٍ في السُّوق. ولكن قُبَيلَ تقاعده، كان رأس المال هذا قد وصل إلى 400 مليار دولار!! هذا ما أدعوه بالعائد المالي! وماذا كان عَصَبُ قيادته؟ التَّعليم.

كان لدى شركة جنرال إليكتريك جامعتها الخاصة، وذلك قبل فترة طويلة من رواج ذلك الأمر عند الشركات الأُخرى. كان ويلش يعلم أنَّ النَّاس بحاجة إلى أنْ يتعلَّموا، وأمضى أيضاً الكثير من السَّاعات وهو يقوم بالتَّدريس شخصيَّاً فيها.

خامساً: القدرة على وضع الأهداف والاستراتيجيات ونهج العمل

يكون القائد مسؤولاً عن بعض المجالات الرئيسية، والرؤية هي واحدةٌ منها. ووضع أهداف المؤسسة واحدةٌ أخرى. ولا بدَّ من أنْ يقومَ القادة -بمساعدة الآخرين- بتحديد ما الذي سَيَصبو إليه الفريق. ويجب أنْ تكون تلك الأهداف كبيرةً بما يكفي لإلهام المرؤوسين، لكن واقعية بما يكفي حتى لا تُثبط عزيمتهم. كما ويجب على القائد أيضاً وضع الإستراتيجية، ومرة أخرى، بمساعدة الآخرين. وعندما يعلمون الهدف الذي على المؤسسة تحقيقه، يجب عليهم أيضاً رسم خريطة الوصول إليه، بما يتناسب مع الصُّورة الكبيرة التي قد وضعوها. ومن بعدها، يمكن للمدراء التكفَّل بالباقي، لكن يبقى للقائد مسؤولية إعطاء التَّوجيهات الاستراتيجية الشاملة. أخيراً، يجب على القائد أن يحدد نهج العمل، معَ تحديد السلوكيات التي سيتم التعامل بها ضمن المؤسسة.

إنَّ تحديد الأهداف سيمنح فريقك ما عليه تحقيقه، ووضع الإستراتيجية سيوضح لهم كيفية تحقيق تلك الأهداف، وتحديد نهج العمل سيوضح لهم ما يجب عليهم القيام به أثناء تنفيذ الاستراتيجية.

سادساً: القدرة على إبقاء الآخرين في حالة تركيزٍ على الهدف

يعمل المرؤوسين على أساس يومي. إنَّهم يُنجزون المهامَ التي يجب القيام بها لهذا اليوم أو الأسبوع، أو للثلاثة شهورٍ القادمة (ربع العام). أمَّا القادة، فوضعهم مختلف. إنَّهم أشخاصٌ يهتمون بالصُّورة الكبيرة، بالهدف الأسمى على وجه التحديد. فَهُم يعلمون أنَّ المؤسسة سوف تعيش أكثر منهم، ولهذا السبب، يجب أن يكون المنظور لصالح المؤسسة، وليس الأفراد فقط. لذا، فإنَّ القيادة لا تشمل تحديد مسار العمل لهذا اليوم فقط، ولكن للمستقبل أيضاً.

لم يتعلم القادة المَهَرَة فقط كيفية إلهام أولئك الذين يتبعون رؤاهم ويسعون إلى تحقيقها، لكنَّهم تعلَّموا أيضاً كيفية رسم صورة حيَّة للنَّتائج التي ستستمر في تحفيز مرؤوسيهم على تحقيق أهداف المؤسَّسة، بعد وقت طويل من رحيلهم هم. وعندما يكونوا قد ابتكروا بداية وحددوا النهاية، يصبحون على أتَمِّ الاستعداد لرسم الطَّريق بينهما.

تذكَّر،أنت قادرٌ على زيادة مهاراتك على الدوام. حتى إذا قمت بِزيادتهم بنسبةٍ ضئيلة، فذلك من شأنه أنْ يزيد من فعاليتك وتأثيرك كقائد بشكلٍ كبير. فَحتَّى أدنى تغيير في المسار، من شأنه أنْ يعني تغييراً كبيراً في المسافة.

 

ملاحظة: يستند نص هذا المقال إلى نصوص المحاضرات والمنشورات الأكثر شعبية لـِ "جيم رون"، حول موضوع تطوير الذَّات.

 

المصدر




مقالات مرتبطة